كهلان القيسي
الحوار المتمدن-العدد: 1151 - 2005 / 3 / 29 - 11:57
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
الغوص في الفلوجة – الجزء الثاني
إنها مدينة مشبعة بإشعاعات اليورانيوم" إننا نسمم بلد بأكمله.
ترجمة كهلان القيسي
كانت المفاجأةَ الكبرى تنتظر مانينج عند عودته إلى الولايات المتّحدةِ. نزل في احد فنادق سان فرانسيسكو ثم كان يتجول قُرْب الشاطئِ مع شريكة عمله ناتالي كالوستاين، بعد عودتهم إلى سيارتِهم وجودوا إحدى نوافذِ السيارة قد حطّمتْ. آلة التصوير والكومبيوتر الغاليين الثمن كَانا في متروكين في السيارة لم يسرقا، لكن سرقت محفظةَ ناتالي فقط، التي كَانتْ تحتفظ بها بمفاتيحَ غرفةِ فندقِهم. وعندما عادوا إلى الفندقِ عرفوا بان هناك احد ما قد دخل غرفتِهم. بالرغم من أنّهَ كان هناك مجوهراتُ و أجهزةِ و أفلام وحقائب سفر في الغرفة لكن لم تمس. الشيء الوحيد الذي فقد هو حقيبة مدورة تحتوي على كامرة التصوير والافلام التي صورها في العراق. لقد حصلت هذه الحالة بعد 10 ساعات فقط من عودة مانينج إلى أمريكا.
في اليوم التالي إتّصلَ بهم رجلُ غريب لتَرتيب لقاء لأنه يَدّعي بأنّ لديه المحفظةُ المسروقةُ. وذهبا إلى الموعد والمكان المحددين وهو شارع فرعي شبه خالي و قابلا الشخص الغريب الذي يبدوا وكأنه شحاذا وقد ارجع المحفظة إلى ناتالي ثم طلب من مانينج للتكلم على انفراد. ثم فتح الرجل الغريب محفظته وفيها حوالي 5 ألاف دولار من فئة 100 دولار، ثم قال لمانينج انظر في عيني. عِنْدي عيونُ قنّاص سابق. اعتقدت بأنّك انتصرت على جورج بوش، أليس كذلك؟ أنت كُنْتَ كالمتراس لحمايته يا ولد. ”
بعد ذلك تسلم مانينج عدة مكالمات هاتفيةَ ورسائل بريد إلكترونية غامضةَ مِنْ الرجلِ منذ عَودة إلى سانت باربرة، لكن لم يكن هناك أمل ولو ضعيفَ مِنْ إسْتِعْاَدة الأشرطة المفقودة. وهو قلقُ جداً، وقال ، بأنّ مَنْ سَرقَ أشرطتَه قَدْ يريدُ عَمَل أمثلة من الناس الذين قابلتهم في الفلوجة. “ لقد خاطرتُ بحياتَي للحُصُول على تلك المقابلاتِ, “ وأنا رَأيتُ مستوى الخوفِ لدى الناسِ الذين تَكلّمتُ معهم. ”
بالنسبة لأي شخص لَيسَ عسكريا أَو مراسل صحفيا يُسافرُ رسمياً مع القوات الأمريكيةِ فان السفر إلى العراق بحد ذاته هو تحدي... تَطوّع مانينج للمُسَاعَدَة على تَسليم شحنة الإمدادات الطبيّة إلى اللاجئين العراقيينَ، أرسلتَ مجاملةَ من وكالات الإغاثة الدوليةِ. وفي الأردن قابلَ الزرقاء، العراقية ناشطة السلامِ التي تتكلم لغاتِ عديدةِ،. ، ودَعتْ الزرقاء مانينج للالتحاق بها ومساعدتها في تسليمِ الإمدادات الطبيّة. سافر مَع الزرقاء وسائقها، وقد وَصل في موقع الأحداث بعد يومين من انتهاء الحصار الثاني للفلوجة. لقَدْ سُمِحوا لعدد من السكّان في العودة إلى مدينتِهم، لكن الدخول إليها َ كَانَ بصرامة تَحْتَ سَيْطَرَة الجيشِ الأمريكيِ لا أحد يستطيع العودة إلا بعد أن يصور وتؤخذ طبعات أصابعه وتصوير حالة شبكة العين (retina-scanned ) ، ويعطىَ بطاقة تعريف مزودة بشفرة خاصة. كان هناك صفّ من الناس الذي يَقتربُ مِنْ نقطةِ التفتيش إلى الفلوجة، طوله حوالي 500 ياردة، الزرقاء طلبت منه النزول من السيارةَ وان يتكلم مع إلى جنودِ المارينز، ولِكي يَكُونَ حذرَ يجب أَنْ لا يَنْظرَ إلى أي شخص عند مروره لأنه قَدْ يُقْتَلُ. مانينج شبّه التجربة في الغوص في الماضيِ بين صفّ من أسماكِ القرش. “ لقد كنت متوترا، من كُلّ تلك العيون التي تنظر إلي.” حييتم بدفْ لكن جنود المارينز ردوا التحية بجفاء، ثم “ صرخوا بي من أي جحيم أنت يا رجل؟؟ ، ماذا تعمل هنا بِحقّ الجحيم ؟ ”
كان هناك حوالي 500,000 شخصَ يَعِيشونَ في الفلوجة في ذلك الوقت، لَيسَ الـ250,000 الذي ذكرتها التقارير الإعلامية. لقد أعطوا أسبوعا واحدا لتَرْك بيوتهم,“ و بعد مرور ثلاثة أيامِ من ذلك الأسبوع، أُخبروا بأنّهم لا بُدَّ أنْ يَخْرجوا. ثمّ بعد انقضاء الأسبوع، أغلقت القوات الأمريكيةَ المدينةَ وقَتلتْ أي واحد بقي فيها. “ وقد أبدى مانينج غضباً على ذلك لا نه لم يخضر للنزوح الجماعي الجماعيِ للاجئين. “ لم تكن هناك مخيّماتَ للاجئين. العوائل كَانتْ تَعِيشُ في حظائر الدجاج، خِيَم، وسيارات.في فصل الشتاء البارد والرطب جداً جداً. وهؤلاء الناسَ الذين تَركوا بيوتهم لا يحملون إلا بعض الملابس على أجسادهم. ”
في الوقت الذي وَصلتْ فيه إلى الفلوجة، كان قد تم التخلص من الجُثَثَ. “ لكن يُمْكِنُك أَنْ تَشتمَّ رائحتها، لَكنَّك لا تَستطيعُ أَنْ تَراها, “ وقالَ لي الأطباء الذين قابلتهم َ بأنّ الأسلحةِ الكيميائيةِ قَدْ استخدمت بشكل كبير وأثاراها كانت واضحة على العديد مِنْ الجُثَثِ وقد شاهدت العديد من صورا لجثث وقد ذابت الملابس في أجسام الموتى وهذا هو بالنسبة إلى دليل على النابالم لقد كان هناك دليلُ في كل مكان.كذلك تم استخدام قذائف اليورانيوم المنضب الحارقة التي تخترق ثلاث طبقات من الاسمنت. إن البلدة بكاملها مشعة ألان إننا نسمم بلد بكامله.
يقول مانينج : لقد أجريت مقابلات مع ألام الذي قتل ابنها أمامها ومع الأب الذي فقد بناته وأخيه وزوجته “ تَكلّمتُ مع بنت بعمر 17 سنةً التي رَأتْ أبّاها وأمَّها يقتلان مِن قِبل جنودِ البحرية ,” “كَانتْ البنت تَختفي تحت السريرِ مَع أَخِّيها عندما سَقطتْ أجسامِ أبويها على الأرضِ أمامها كانت رؤوسهم مهشمة على الأرضيةِ. البنت وأَخّوها بَقيا تحت السريرِ لثلاثة أيامِ، ثم عاد أليهم جنودَ البحرية،. وقتلوا أخوها بثلاث طلقات في الرأس وأصابوها هي أيضا في الصدرِ والسيقانِ. عندما أخبرتْني ذلك ,” قالَ مانينج , “ لقد وجهت نظري إلى الأرض لقد شَعرتُ بأنّني كُنْتُ مسئول شخصياً عما حدث. بسبب الحوادثِ مثل هذه، فقد نَمتْ المقاومةَ مِنْ حوالي 5,000 إلى 250,000. “ كُلّ شخص في المقاومةِ. أنت لا تَسْألُهم مباشرة؛ لان ذلك لَنْ يَكُونَ من الحكمة. لكن كلهم في المقاومةِ . إن الفترة التي قضيتها في الفلوجة أقنعَتني بان الحربَ لَيستْ منتهية بينما هناك قتال وقتال يومي “ هناك أطفال في كل مكان هناك. وكأنهم في مكان مزدحم في وقتِ الغداء. لذا عندما نخطأ ونُسقطُ القنابلَ على الموقعِ الخاطئِ، فان من نقتل هم الأطفالُ. ويُمْكِنكُ أَنْ تَتخيّلَ الحقدَ والغضبَ، والرغبة للانتقام عند هؤلاء الناسِ؟
العراقيون الذين تَكلّمَت معهم، كانوا ناقمين على صدام حسين وجورج بوش. “ قالوا صدام حسين اتهم بارتكاب مجازر القتل الجماعي، والتعذيب، والتوقيفات الجماعية بدون سببِ. لَكنَّهم يَرونَ الأمريكان ألان يقومون بعمل كُلّ هذه الأشياءِ نفسهاِ. ” منذ أن بَدأتْ العدوان، 28,000 عراقي قُتِلوا. ( بالرغم من أن المسئولون العسكريون الأمريكان لا يَحصون الإصابات بين المدنيينَ العراقيين يَعتمدُون بدلاً مِن ذلك على وزارةِ الصحةِ العراقيةِ، التي تَذْكرُ فقط 3,500 إصابة بين المدنيينَ). لكن دراسة بريطانية قبل بضعة اشهر قالت ان الرقم هو أكثر من 100,000.
إذا الأمريكان عِنْدَهُمْ أيّ أمل في البقاء ولو قوة احتلال، فهم بحاجة لإظهار الاحترام. “ هذا البلاد متمسكة جدا بالتقاليد. أنت لا تَتصافحُ مَع النِساءِ، لكن الأمريكان لا يُصافحونَ النِساء فقط، هم يرقصونهن علنا فهم يَحْجزونَ أخواتَ المشكوك كونهم مقاومين ويُرسلونَهم إلى أبو غريب حيث يغتصبون هناك بشكل منظّم. هم يَرْفسونَ الأبوابِ ويَدْخلونَ المساجدَ بجزمِهم. لا يمكنك أن تتصور كم هو مهين ومؤلم أن تعامل الناس العراقيين بهذا الأسلوب.
لإبْراز الحسّاسيةِ العراقيةِ إلى الإهاناتِ المحسوسةِ أَو الحقيقيةِ، قال مانينج في أحدى المرات كان على وشك أن يختطف, حيث كان يشرب الشاي مع عائلة عراقية محاولا إقناعهم للتحدث معه وفي هذه الأثناء دخل ثمانية رجال وقالو لي" انك جاسوس" وكانوا على وشك أن يأخذونني معهم. لكن هنا تدخلت زرقاء والعائلة التي كنت عندهم التي غضبوا على هؤلاء الرجال لان ذلك يشكل خرقا للضيفة وعار على العائلة التي يزورها. ثم تمت دعوة هؤلاء الرجال الثمانية لشرب الشاي معنا.
وتكلمت معهم مطولا الجميع يشرب الشاي حتى إذا أردت أن تختطف أحدا ما تشرب شاي هناك.
وقالوا لي ردا على مقولة بوش بأنه يحارب الإرهاب في العراق لكي لا يصل إلى أمريكا: ضحكوا جميعا وقالوا "انظر إلينا هل نحن قادرين على الوصول إلى أمريكا."
مانينج، الزرقاء، وسائقهم سافرَا إلى بغداد، حيث شَهدوا الانتخابات الأخيرةَ. “ القصّة الكبيرة حول تلك الانتخابات ذلك ان لا أحدِ يَعْرفُ حقاً ما القصّةَ,” يقول مانينج "بأنّ مراقبي الأُمم المتّحدةَ لم يتَركوا المنطقةَ الخضراءَ أثناء الانتخابات، “ وان بعض العراقيون أُخبروه بأنّهم إذا أرادوا حصّةَ طعام، يجب عليهم أنْ يُصوّتوا. كُلّ شخص هناك يعتمد على حصّةِ الطعام,” وأضاف “ إن هناك رجال مشرفون على حصّةَ الطعام كَانوا في الأماكن الانتخابية لمراقبة الناسِ الذين صَوّتوا. ”
ويشير مانينج إلى إستثناء محدد مِنْ خلال تغطيةِ سي إن إنِ للإنتخاباتِ. “ لقد اظهروا على الشاشات لمدة طويلة صفّ من الناس في الفلوجة يَنتظرُون لتَصويت، لَكنَّه في الحقيقة لم يكن تصويتا لقد كَانَ صف انتظار من الناس الذين يريدون دخول المدينة في نقطةَ التفتيش.
” بينما في داخل الفلوجة، قالَ بأنه صادفَ مراسلين آخرينَ مرّة واحدة فقط. كانوا طاقمَ سي إن إنِ الذين جاؤوا مع طائرتين أباتشي، وأربعة دبابات برادلي وثمانية عربات همر. ثم أغلقوا منطقة محصورة أغلقوا الكتلةَ. ثمّ جَلبوا دبابة وجنود الذي رَموا حلوى إلى الأطفالِ. ثمّ ثمانية رجالِ لَبسوا في بدلاتِ برتقاليةِ وبدأ وا بكِناسَة الشوارعِ,” قالَ لقد كانت مسرحية مخطط لها جيدا”
عاد مانينج إلى أمريكا وهناك سرقت كل الأفلام التي صورها ولكن لحسن الحظ كان قد احتفظ بعدد من الصور في كومبيوتره الشخصي.
* تنويه المقال مطول جدا وفيها تفاصيل كثيرة عن حياة مانينج العملية لذلك اقتطفنا ما هو مخصص لغوصه في مدينة الفلوجة- المترجم.
Nick welsh
http://www.independent.com/cover/Cover956.htm
#كهلان_القيسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟