أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسقيل قوجمان - أزمة اليسار (من هو الشعب ) في جزأين















المزيد.....


أزمة اليسار (من هو الشعب ) في جزأين


حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 1151 - 2005 / 3 / 29 - 12:10
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


ازمة اليسار (من هو الشعب)
نسمع اليوم كثيرا عن الشعب العراقي ومصلحة الشعب العراقي. فالكل يتحدث عن خدمته للشعب العراقي ابتداءا من جورج بوش الذي قرر انقاذ الشعب العراقي من دكتاتورية صدام فدمر العراق لكي يجلب الحرية والديمقراطية بالقنابل العنقودية والنابالم واليورانيوم المنضب للشعب العراقي ورامسفيلد وكونداليزا رايس واياد علاوي واحمد الجلبي والياور والجعفري والحكيم والباججي والطالباني والبرزاني وكل المتحدثين باسمائهم. ولم يقصر اليساريون من الاحزاب الشيوعية التي نمت كالكمأ في الصحراء والاحزاب الديمقراطية التي على ما يبدو تجاوزت المائة في الحديث عن الشعب العراقي ومصلحة الشعب العراقي ووحدة الشعب العراقي. ولكن من هو الشعب العراقي؟ هل كل من ولد في العراق ينتمي الى الشعب العراقي؟ هل كل من يحمل جنسية عراقية ينتمي الى الشعب العراقي؟ ان التساؤلات كثيرة في هذا الصدد وقلما تطرق الى الجواب عليها احد ولو تنويها.
ان كلمة شعب عراقي شأنها شأن كلمة يسار ليس لها محتوى ثابت يشمل كل تاريخ بلد ما. ان كلمة شعب كلمة متغيرة بتغير الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجتمع. وهذا ليس مقصورا على الشعب العراقي بل يشمل شعوب العالم قاطبة. واذا جاء الحديث في هذا المقال عن الشعب العراقي فان الحديث عن الشعب العراقي ليس سوى مثال او نموذج لسائر شعوب العالم.
هل يمكن وضع تعريف عام لكلمة شعب يشمل جميع المراحل التي يمر بها المجتمع؟ يبدو لي ان ذلك ممكن بصورة ما. ان تاريخ المجتمع منذ نشوئه وحتى يومنا هذا (اذا استثنينا مرحلة الشيوعية البدائية التي لا يمكن فيها التحدث عن مجتمع او شعب) كان يتألف من نوعين من المنتمين الى ذلك المجتمع. كانت هناك طبقة كل همها استغلال سائر السكان وكانت هناك طبقات هي موضع استغلال هذه الطبقة الحاكمة او الطبقات الحاكمة. هذا يصدق على مجتمع العبيد كما يصدق على المجتمع الاقطاعي والمجتمع الراسمالي. واستنادا الى هذا الواقع العام لجميع المجتمعات السابقة (عدا الفترة القصيرة من عمر الاتحاد السوفييتي الاشتراكي، اي من ١٩١٧ الى ١٩٥٣) والحالية يمكن وضع تعريف عام. ان كلمة شعب تشمل الطبقات التي تقع تحت استغلال الطبقة المستغلة. فالعبيد في المجتمع العبودي اضافة الى العناصر الجديدة التي نشأت في احضان مجتمع العبيد وتحولت فيما بعد الى الطبقة الاقطاعية كان شعب المجتمع العبودي ولم يكن اسياد العبيد وادواتهم جزءا من هذا الشعب. وبعد ثورات العبيد ونشوء المجتمع الاقطاعي لم تعد طبقة الاقطاع جزءا من الشعب رغم ان التحول الى النظام الاقطاعي كان في فتراته الاولى مساعدا لتقدم المجتمع. وفي النظام الراسمالي لا تشكل الطبقات الراسمالية وادواتها جزءا من الشعب. نرى ان التعريف الذي جاء اعلاه يمكن ان يطبق على كلمة شعب في جميع هذه المراحل. لذا يبدو لي انه تعريف عام صحيح ولذلك فهو تعريف علمي. على اساس هذا التعريف يمكن الاجابة على السؤال "من هو الشعب العراقي؟"
اقصر الحديث هنا على مفهوم الشعب العراقي في النصف الاول من القرن العشرين وفي النصف الثاني من القرن العشرين والى يومنا هذا.
من هو الشعب العراقي في النصف الاول من القرن العشرين؟ كان الحكم في الدولة العراقية التي نشأت بعد ثورة العشرين سواء قبل استقلال العراق رسميا ام بعد ذلك, دولة خاضعة للاستعمار البريطاني تحكمه مباشرة حكومة مؤلفة من الطبقة الاقطاعية ومن عدد من العملاء الهامين للاستعمار البريطاني. ان الطبقة الحاكمة وعملاء الاستعمار المباشرين لم يكونوا جزءا من الشعب العراقي.
ان مكونات الشعب العراقي في تلك الفترة كانت اغلبية فلاحية بكل مراتب الفلاحين الثلاث، فقراء الفلاحين، متوسطي الفلاحين واغنياء الفلاحين. كانت كل هذه المراتب الثلاث مستغلة بدرجات متفاوتة من جانب الاقطاع والاستعمار البريطاني. وكان في المدن العديد من المراتب المتوسطة كالحرفيين على انواعهم كالخياطين والنساجين والحدادين والحذائين والصفارين والصاغة وغيرهم ومراتب من المثقفين كالطلاب والموظفين والمهندسين والاطباء والصيادلة والمحامين والقضاة وغيرهم. والاهم من ذلك نشأت بعض المشاريع البرجوازية الصغيرة التي تستخدم عددا قليلا من العمال. كانت هذه الطبقة البرجوازية الفتية تعاني من منافسة البضائع الاجنبية ومن القيود على نموها وتطورها التي يفرضها الاستعمار وعملاؤه من الطبقة الحاكمة. ونشأت كذلك طبقة عاملة سريعة التطور لم تكن مجرد الطبقة العاملة التي تنشأ بصورة طبيعية مع نشوء البرجوازية المحلية وانما الطبقة العاملة التي انشأها المستعمرون البريطانيون الذين لم يستطيعوا تسيير البلاد بدون ان يستخدموا طبقة عاملة كعمال السكك وعمال الميناء وعمال النفط وغيرها من المشاريع الامبريالية. لذلك كان نمو الطبقة العاملة العراقية اسرع من نمو الطبقة البرجوازية المحلية التي جرت العادة اطلاق اسم البرجوازية الوطنية عليها.
كان من ادوات الطبقة الحاكمة فئات هي من الطبقة الحاكمة او مقربة منها مثل كبار القادة العسكريين وكبار القضاة وكبار الموظفين في مختلف الوزارات. وكان من ادوات الطبقة الحاكمة فئات هي جزء من الشعب ولكنها مضطرة من اجل لقمة العيش ان تعمل للطبقة الحاكمة. اذا اخذنا الجيش مثلا فقد كان الجيش العراقي يضم عشرات الالوف من ابناء العمال والفلاحين وسائر الكادحين بموجب الخدمة العسكرية الالزامية او الجنود المحترفين الذين يتقاضون رواتب لقاء خدمتهم في الجيش. ولكن قيادة هذا الجيش كانت تضم العديد من ابناء الطبقة الحاكمة ومن الطبقة الحاكمة نفسها. فهذا الجيش هو جيش عراقي ينتمي الى الشعب العراقي ولكن قيادته قيادة معادية للشعب العراقي. من المفروض ان يقوم هذا الجيش بالدفاع عن البلاد من عدوان خارجي ولكنه كثيرا ما كان يتدخل في الشؤون الداخلية السياسية لمصلحة الاقطاع والامبريالية. لذلك عند بحث موضوع الشعب العراقي وموقف الاحزاب الممثلة للشعب العراقي ان يؤخذ هذا التصنيف للجيش العراقي بنظر الاعتبار اي التمييز بين جمهور الجيش العراقي الفلاحي والعمالي وبين قيادة هذا الجيش التي لا تنتمي الى الشعب العراقي. ويصدق نفس الامر على سائر ادوات الحكومة التي لا تستطيع ان تكتفي باعداء الشعب العراقي بل تحتاج الى استخدام فئات واسعة من الشعب العراقي.
على هذا الاساس حلل الحزب الشيوعي بقيادة فهد اوضاع العراق في هذه المرحلة وتوصل الى وجود معسكرين متناقضين في قيادة حركات الشعب العراقي، قيادة البرجوازية وقيادة الطبقة العاملة وهناك قيادات بينية ليس لها سوى الخيار بين الانضمام الى معسكر الطبقة العاملة او الى معسكر البرجوازية او التذبذب بينهما.
ومن هنا توصل فهد الى امكانية التعاون بين المعسكرين لتحقيق الهدف المشترك، اسقاط الحكم الاقطاعي الاستعماري، بدون ان يتخلى اي من المعسكرين عن مبادئه الاساسية. وقد صاغ الحزب الشيوعي ذلك في الميثاق الوطني (الحقيقي وليس الميثاق الذي ادخل نصفه فقط في مؤلفات فهد) وفي تحديده للجبهة الوطنية وشروطها. والجبهة الوطنية ليست جبهة مفتوحة تقبل كل من يريد الانضمام الى الجبهة وانما جبهة بين المعسكرين العمالي والبرجوازي. وفي المفاوضات على تحقيق الجبهة بين الحزب الشيوعي وفهد وبين الاحزاب البرجوازية وخاصة الحزب الوطني الديمقراطي اكبر هذه الاحزاب واكثرها تمثيلا لمصالح البرجوازية الوطنية كان الصراع يجري على هذا الاساس. فقد كان كامل الجادرجي يطالب الحزب الشيوعي بالتخلي عن مبادئه الاساسية المتمثلة على سبيل المثال بالنضال من اجل تحقيق الثورة البرجوازية بقيادة الطبقة العاملة او التحدث عن مرحلتي الثورة العراقية، مرحلة الثورة البرجوازية ومرحلة الثورة الاشتراكية، وغير ذلك من المطالب التي لا يؤدي قبولها الا الى تحول الحزب الشيوعي من حزب يمثل مصالح الطبقة العاملة والكادحين الى حزب يقود الطبقة العاملة والكادحين ليكونوا ذيلا للاحزاب البرجوازية. ولذلك اتهم كامل الجادرجي فهد بالتعنت والتزمت والعجرفة والجهل وعدم سماع نصائح الاخرين وغير ذلك من الاتهامات. ورأينا ان الحزب الشيوعي خضع في سنة ١٩٥٦ لمطالب كامل الجادرجي في التخلي عن الحديث عن المراحل وقيادة الطبقة العاملة للثورة البرجوازية فاصبح بذلك حزبا ذيليا للاحزاب البرجوازية اثبتته بوضوح ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨حين اشتركت كل احزاب الجبهة في حكومة الثورة الاولى باستثناء الحزب الشيوعي.
في ١٤ تموز ١٩٥٨ قامت جماعة من ضباط الجيش منظمة فيما سمي الضباط الاحرار بانقلاب عسكري. نتجت عن هذا الانقلاب ازاحة اقطاب الحكم الاقطاعي وتشكيل حكومة من جميع الاحزاب البرجوازية والبتي برجوازية المنظمة في الجبهة الوطنية واستثني منها الحزب الشيوعي العراقي. هذا التغير وهذا التغير وحده هو الذي جعل الانقلاب العسكري ثورة بخلاف سائر الانقلابات العسكرية العديدة التي لم تسقط السلطة الاقطاعية. انها كانت ثورة برجوازية بقيادة البرجوازية نفذها الضباط الاحرار. كانت هذه الثورة تحولا تاريخيا في تاريخ الشعب العراقي رغم ان الكثير من الكتاب والمحللين منذ الثورة وحتى يومنا هذا حاولوا ويحاولون التقليل من اهمية هذه الثورة ويعتبرونها انقلابا عسكريا مثل الانقلابات العسكرية السابقة.
ادى هذا التحول التاريخي الى تغير في مفهوم الشعب العراقي. فبينما كانت السلطة الاقطاعية الموالية للاستعمار الطبقة الحاكمة التي تستغل الشعب وتخدم مصالح الاستعمار البريطاني اصبحت الطبقة البرجوازية هي السلطة وهي التي تستغل الشعب العراقي. اتخذت هذه السلطة اجراءات اصلاحية هامة بعد الثورة ولكن جميع هذه الاجراءات كانت تعبر عن مصلحة الطبقة البرجوازية ولم تكسب الطبقة العاملة ومعها سائر الكادحين سوى زيادة استغلالها من قبل هذه الطبقة التي اصبحت حرة بعض الشيء في التقدم والتطور الذي كانت محرومة منه في المرحلة السابقة. قامت بالغاء الاتحاد الهاشمي بين العراق والاردن وخرجت من حلف بغداد واجرت اصلاحا زراعيا لم يكن في مصلحة جميع الفلاحين بل اقتصر على تحقيق مصالح اغنياء الفلاحين الذين يشكلون جزءا من الطبقة البرجوازية العراقية ولم يقض على الاقطاع قضاء تاما بل ابقى للاقطاعيين جزءا كبيرا من اقطاعياتهم.
لم يكسب العمال شيئا كثيرا من انتصار الثورة البرجوازية وانما تحول شكل الصراع الطبقي في هذه الفترة تحولا جذريا. ففي المرحلة السابقة كانت الثورة تعني تحول السلطة من الشكل الاقطاعي الى الشكل البرجوازي وهو ما لا يشكل خطرا كبيرا على نظام الاستغلال عموما. فبدلا من ان تكون الطبقة الاقطاعية وسيلة استغلال الشعب العراقي تصبح البرجوازية هي وسيلة هذا الاستغلال. ومن الممكن ان يجري الاتفاق بين الطبقة البرجوازية وبين الاستعمار كما امكن ذلك مع الاقطاعيين في المرحلة السابقة لانهما من صنف واحد. اما نشوء ثورة في هذه المرحلة الجديدة فيعني اسقاط الطبقة البرجوازية اي اسقاط جميع انواع الانظمة الاستغلالية والقضاء على الاستغلال عموما. هذا الخطر يجعل البرجوازية اكثر شراسة من سابقتها الطبقة الاقطاعية في قمع اية حركة عمالية تهدد نظامها. وقد ظهر هذا واضحا في فترة ما بعد ثورة تموز، وهي اسعد فترة سياسية في تاريخ الشعب العراقي، اذ تضاعف عدد السجون السياسية وعدد السجناء السياسيين في هذه الفترة عشرات المرات عما كان عليه في الفترة السابقة وبلغ عدد المحكومين بالاعدام عددا هائلا لم تعرف مثله ايام الحكم الاقطاعي. وقد تتوج هذا في انقلاب شباط ١٩٦٣ حيث غرق الشعب العراقي والحزب الشيوعي العراقي وحكم عبدالكريم قاسم بالدماء.
ما هو مفهوم الشعب بعد ثورة ١٤ تموز؟ اهم تغير طرأ بعد هذه الثورة هو ان البرجوازية كطبقة قد تحولت من برجوازية وطنية لها دور ايجابي في مسار الثورة الى قوة معارضة ومقاومة للثورة، اي انها من جزء من مفهوم الشعب العراقي اصبحت القوة الاساسية في مقاومة الشعب العراقي اي لم تعد جزءا من مفهوم الشعب العراقي.
اصبح مفهوم الشعب بعد انسلاخ البرجوازية الوطنية منه يضم العمال وفقراء الفلاحين ومتوسطي الفلاحين والحرفيين والمثقفين باستثناء الفئات المرتبطة سياسيا وفكريا واقتصاديا بالطبقة الحاكمة. كان على اي حزب يمثل الطبقة العاملة ان يتخذ سياسة مزدوجة هي تأييد الخطوات الايجابية السياسية والاقتصادية التي تتخذها حكومة عبد الكريم قاسم من جهة وتوجيه الجماهير وتثقيفهم بضرورة النضال ضد الخطوات السلبية التي تتخذها الحكومة ضد مصالح الطبقة العاملة والكادحين.
في هذه الظروف لم تعد الجبهة بين الاحزاب البرجوازية وبين الحزب الشيوعي امرا ايجابيا كما كانت عليه قبل الثورة اذ ان الاحزاب البرجوازية التي اصبحت طبقة حاكمة لم تعد عاملا ايجابيا في الحركة الثورية. واذا امكن حدوث اتفاق بين فئة من البرجوازية ضد فئة برجوازية اخرى فيجب ان يكون هذا الاتفاق مؤقتا وان يعلن للطبقة العاملة والكادحين انه اتفاق مؤقت يجري مع عدو اقل خطرا ضد عدو اشد خطرا.
ومن الناحية الاستراتيجية فان الثورة كانت تعني تحول الحركة الثورية من المرحلة الاولى مرحلة الثورة البرجوازية الى المرحلة الثانية، مرحلة الثورة الاشتراكية. كان على الحزب الشيوعي العراقي، لو كان حزب الطبقة العاملة بالفعل وليس بالكلام فقط، ان يدرك هذا التغير وان يعمل بما يتطلبه هذا الهدف الاستراتيجي الجديد منذ صباح الثورة.
حين تضيق الدنيا بالمؤمن يرفع رأسه الى السماء. وحين تنفض الجماهير عن حزب الطبقة العاملة لانها تشعر انه لا يمثلها يرفع راسه الى السماء، الى البرجوازية. وهكذا كان دور الحزب الشيوعي العراقي منذ ١٩٥٦ على الاقل. فقد تخلى عن اهم المبادئ التي حددها فهد لسياسة الحزب الشيوعي لكي يقنع البرجوازية بقبوله في الجبهة الوطنية. ولكي يخفي فشله وانفضاض الجماهير عنه ابتكر الكثير من المفاهيم عن مفهوم القيادة. فادعى ان الحزب اشترك في قيادة ثورة تموز لان الضباط الاحرار اخبروه يوم ١٢ تموز عن قيام الثورة وان اشتراكه في قيادة الثورة كان في اصداره بيانا الى اعضاء الحزب لم يخرج من غرفة طباعته وبعد الثورة لم يستطع توزيعه لان ما انجزته الثورة كان تطرفا يساريا بالقياس الى المطاليب التي حددها البيان. وروج ان قيادة الثورة كانت في قيادة المظاهرات التي اندفعت بها الجماهير بعد سماعها ببيان الثورة وتشكيل الحكومة الثورية. وابتدع مفهوم قيادة الدولة وقيادة الشارع لاخفاء خذلانه بعدم دعوته للاشتراك في الحكومة البرجوازية. وكان شعاره الاستراتيجي الوحيد طيلة فترة حكم عبد الريم قاسم صيانة الجمهورية اي صيانتها للحكومة البرجوازية. وكون اتحاد نقابات العمال بطريقة ال ٩٩% المعروفة في البلدان العربية ولكنه حين قررت حكومة قاسم بعد بضعة ايام حل اتحاد النقابات ومصادرة املاكه وسجن جميع اعضائه لم يستطع الحزب ان يخرج واحدا من التسعة والتسعين بالمائة الى الشارع للاحتجاج على حل اتحاد النقابات وسجن اعضائه فاكتفى بمعاتبة الزعيم الاوحد عبد الكريم قاسم معاتبة لطيفة على صفحات جريدته. ونال قيادة الجمعيات الفلاحية كذلك بطريقة ال ٩٩% وحول هذه الجمعيات الى موظفين متبرعين في مديرية الاصلاح الزراعي يقومون بجمع الاقساط التي على الفلاحين ان يدفعوها للحكومة ويسلمها الى الحكومة وقد سكتت الحكومة عن ذلك طالما كان ذلك يخدم اغراضها ولكنها غيرت سياستها والقت القبض على مئات الفلاحين الذين كانوا يخدمونها تطوعا بتهمة التلاعب باموال الدولة والاختلاس وغير ذلك. وكان الحزب ينادي باعادة الايام الخوالي واعادة تشكيل الجبهة التي انجزت المعجزات رغم ان محمد حديد صرح في الايام الاولى بعد الثورة ان الجبهة انهت مهمتها، اي جاءت بالطبقة البرجوازية الى الحكم.
كانت سياسة الحزب الشيوعي في تلك الفترة كلها رفع راسه الى الاعلى. اي مساندة بدون تحفظ لحكومة عبد الكريم قاسم ورفع اسم الزعيم عبد الكريم الى السماوات. لم يكن الحزب في تلك الفترة الى جانب الشعب العراقي بل كان الى جانب مستغلي الشعب العراقي. ان ما سمي بالمد الاحمر الذي اختتم بالمهرجان العمالي ليلة الاول من ايار ١٩٥٩ الذي دام حتى الصباح ورفع فيه شعار عاش زعيمي عبد الكريمي، حزب الشيوعي بالحكم مطلب عظيمي. بالمناسبة وللتاريخ اذكر حادثا شخصيا في تلك الليلة. في حوالى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل التقيت باحد المقربين الى قيادة الحزب كان احد تلاميذي في السجن فاخذ يتبجح قائلا ان على عبد الكريم ان يخضع لشعارنا والا فاننا سنطيح به. فقلت له "سلملي على الجماعة وقل لهم ان من ينطح رأسه في صخرة قرونه تطير". كان عبد الكريم انذاك صخرة وكانت سياسة الحزب الشيوعي هي بالدرجة الرئيسية التي جعلت منه صخرة. لم يكن المد الاحمر مدا شيوعيا بل كان مدا برجوازيا خصوصا للزعيم عبد الكريم يقوده الحزب الشيوعي. وكانت الملايين التي تخرج تحت قيادة الحزب الشيوعي جماهير عبد الكريم قاسم وحكومة الثورة. لذا حين تخلى عبد الكريم قاسم عن تأييد المظاهرات لم يستطع الحزب الشيوعي ان ينزل الجماهير الى الشارع ضد عبد الكريم.
يزعم البعض حتى اليوم ان الحزب الشيوعي كان بامكانه الاستيلاء على السلطة اثناء المد الاحمر ولكنه لم يفعل. وهذا في رأيي هراء. فقبل كل شيء ليس في برنامج الحزب الشيوعي ما يشير الى انه يريد الاستيلاء على السلطة وتسنم الحكم. ثانيا ان شعار الحزب الشيوعي في الحكم كان معناه اشتراك الحزب الشيوعي بوزارة او وزارتين ضمن حكومة الثورة وهو ما حرم منه عن سبق اصرار يوم الثورة. ثالثا ان ما كان الحزب يفكر به هو الانقلاب العسكري ضد حكومة عبد الكريم وهذا كان مستحيلا لان الجيش والشعب كان مؤيدا لعبد الكريم قاسم ولم يكن معارضا له كما كان معارضا لحكومة نوري السعيد قبل الثورة. رابعا ان الانقلابات العسكرية ليست وسيلة ثورية لاستيلاء الحزب الشيوعي على الحكم لانها تستند الى الجيش بينما يحتم استيلاء الشيوعيين على السلطة تحطيم الجيش القائم وانشاء جيش ثوري جديد.
لقد شرحت سياسة الحزب الشيوعي في ثورة تموز بالتفصيل في كتابي عن الثورة الذي صدر في لندن قبل عشرين عاما وسمعت انه اعيد نشره في بغداد وهو يباع حاليا في سوق السراي. وبينت في خاتمة الكتاب ان تحول الحزب الشيوعي مضطرا من خندق صدام الى خندق معارضة صدام لا يعني ان سياسة الحزب الشيوعي قد اصبحت صحيحة لان التاريخ لا يعرف صفحات جديدة بل التاريخ هو عملية متواصلة.



#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاخ العزيز سلامه كيله
- ازمة اليسار - صنعة ماركسية عربية
- أزمة اليسار - تعاريف
- جواب سريع الى الاخ سلامة كيله
- من كراس ستالين حول القضايا الاقتصادية للاشتراكية - القسم الا ...
- ملاحظات حول رايي في الحزب الشيوعي الاسرائيلي سنة 1962
- من كتاب ستالين حول القضايا الاقتصادية للاشتراكية
- عودة الى قرار تقسيم فلسطين - 2
- عودة الى موضوع قرار تقسيم فلسطين 1
- حول الطبيعة التقدمية لحزب البعث السوري
- من كراس ستالين حول القضايا الاقتصادية - جواب الى الرفيق الكس ...
- الجالية اليهودية في العراق سابقا
- من كتاب ستالين حول المسائل الاقتصادية للاشتراكية
- حول موقف الاتحاد السوفييتي من قرار تقسيم فلسطين
- هل اسرائيل ديمقراطية؟
- كتاب ستالين حول القضايا الاقتصادية للاشتراكية
- جواب الى الاخ خالد بهلوي
- كتاب ستالين حول القضايا الاقتصادية للاشتراسية
- داوود الصائغ ودوره في الحركة الشيوعية العراقية
- كراس ستالين حول القضايا الاقتصادية للاشتراكية - الحلقة الثان ...


المزيد.....




- هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال ...
- الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف ...
- السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا ...
- بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو ...
- حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء ...
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ...
- جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر ...
- بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
- «الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد ...
- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»


المزيد.....

- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسقيل قوجمان - أزمة اليسار (من هو الشعب ) في جزأين