السلفية
اليسارية وداء الشيخوخة المبكرة
!*
"الجزء
الثاني"
علاء اللامي
ملاحظة : بالنظر لسعة
المحور الخاص بالغزو الإمبريالي الوشيك للعراق و الموقف من النظام الدكتاتوري الحاكم ، فقد خصصنا
الجزء الثاني من هذه المقالة الى هذا الموضوع لنستوفيه حقه من المناقشة والتحليل ، وسوف نخصص جزءا ثالثا لما تبقى من
المفاصل التي أعلنا عنها في ختام الجزء الأول .كما أهتبل
المناسبة لكي أحيي الرفيقات والرفاق في منظمة الحزب الشيوعي العمالي
العراقي في مدينة تورنتو / كندا
لتصديهم الشجاع لعميل المخابرات المركزية "أحمد الجلبي " رئيس ما يسمى بالمؤتمر
الوطني العراقي الموحد وإجباره على الهرب من ندوة التضليل والتحريض على غزو العراق
وإبادة شعبه التي عقدت يوم 12 من
شهر تشرين الأول / أكتوبر
الجاري . تحية من القلب ، وأمل صاعد
في أن يكون هذا التصدي الناجح بداية حقيقية لقبر المشروع الأمريكي لاحتلال العراق
ومن أجل إنهاء النظام الدكتاتوري
الممارس لأبشع فاشية دموية شهدها العراق والشرق كله .
غزو العراق والدكتاتورية
:
موضوع آخر
تعرض له المعقب عصام شكري ، جاعلا منه القضية المحورية في
النقاش، متهما كاتب هذه السطور بأنه تهرب منه ، وأجل الحديث عنه ، وركز على موضوع
آخر هو مقولة الدفاع عن الوطن لحرف الأنظار ، هو موضوع إنهاء الدكتاتورية عن طريق
التغيير السلمي الديموقراطي ومحاصرة النظام الاستبدادي بشعارات ومطالب التغيير
وإعادة السلطة الى الشعب . الرفيق
الهمام يكذب هنا -للأسف - كذبا صريحا
، فبالعودة الى مقالة رفيقه سمير عادل سيرى القارئ أن هذا الأخير هو من جعل مقولة الدفاع عن الوطن وليس موضوعة
التغيير الداخلي محور النقاش فرددنا عليه بهذه الحدود وبما يسعه المقام ، وحين تطرق بشكل جزئي الى موقفنا المعبر عنه
في مقالتنا (القاعدة والاستثناء في الغزو الأمريكي للعراق ..) عقبنا على ما ذكره بشكل جزئي .وبالمناسبة
فهذه ليست المرة الأولى التي نحايث فيها موضوعة إنهاء الدكتاتورية وإجبار النظام
على التسليم بمطالب الشعب وإعادة الاعتبار الى شهداء الحرية من ثوار العراق
ومناضليه وعلمائه وضحايا القمع البربري من الأبرياء ، لقد تطرقنا الى هذه الموضوعة
منذ بضعة أعوام وبالضبط في شهر شباط
/ فيفري 1999 وفي تضاعيف مقالة تحت
عنوان ( فليحاور النظام نفسه ، فليرجع السلطة الى الشعب ..) وسنعود إليها بعد قليل
.
أما وقد أصر شكري على فتح الموضوع
ثانية فلا بأس من أن نقول له ما ينبغي قوله
في هذا الصدد بهدف التوضيح :
يصف الكاتب دعوتنا الى محاصرة النظام بشعارات التغيير الديموقراطي والدعوة الى تسليمه
السلطة الى الشعب سلميا عن طريق أية صيغة ممكنة وقد اقترحنا صيغة المؤتمر الشعبي المتحول الى مجلس دستوري
تأسيسي ، يصف هذه الدعوة بأنها ( مقترح برجوازي تصالحي مغلف بعبارات شعبوية وطرح
رأسمالي مسالم وناعم وخطر كالثعبان .. الخ ) و أنها ليست إلا دعوة للجماهير العراقية الى الجلوس مع القتلة ! شكرا على دماثة أخلاقك أيها الرفيق الشيوعمالي ولكننا نصر على
إسماع صوت السلام والحياة رغم دوي
جعجعة السلاح الإمبريالي و قمع النظام الفاشي ونترك لك وأمثالك التمتع
بنفش الريش الثوري أمام الرفاق والرفيقات البسطاء والصادقين في حزبك .
لإعطاء القارئ صورة أوضح وأكثر ملموسية عن فكرتنا التي شوهها
المعقب تشويها فظا ومقصودا ، نعود الى
المقالة التي سلفت الإشارة لها قبل قليل، والتي ناقشنا فيها خطأ الدعوة الى الحوار مع النظام
التي وردت في مقالة الكاتب العراقي عبد الأمير الركابي آنذاك ( القدس العربي عدد
3029 / 1999 ) و لماذا رفضنا تلك الموضوعة / الدعوة بشكل صريح وحاسم . فليسمح لنا القارئ بإيراد بعض الفقرات
من مقالتنا تلك والتي نشرت في الجريدة ذاتها وفي تاريخ مقارب لمقالة الأستاذ الركابي كما أنها منشورة
أيضا في كتابنا " نصوص مضادة دفاعا عن العراق . ص 231 / دار الكنوز الأدبية /
بيروت 2000" .كتبنا إذن بهذا الخصوص
ما يلي ( أما بخصوص دعوة الكاتب – الركابي - الى تبني الحوار مع النظام فنحن نتساءل
،وبغض الطرف عن فقدان الثقة التام بالنظام ، أي معنى ومغزى للحوار مع النظام ؟ إن
حوارا كهذا سيكون هدفه اقتسام كعكة السلطة مع المسيطرين عليها بقوة القمع في أحسن
الأحوال، أو الحصول على قليل من فتات تلك الكعكة . لسنا ،والحالة هذه، مع أي حوار
مع النظام . علام نحاوره ومن كلفنا
أو أوكل لنا شعبيا هذه المهمة ؟ إن الأمر المحمود والمفيد والأكثر جدوى هو
أن يضع النظام أو بعض رموزه أوهامهم الشمولية في الثلاجة ، ويبادروا الى حوار داخلي فيما بينهم . فليحاور النظام
نفسه ،وليجرِ جردة حساب لكل ما قام به ،ولكل ما ألحقه بالوطن والشعب منذ أكثر من
ثلاثين عاما جرت خلالها أنهار من
الدماء وما زالت (...) بصراحة وحزن ليس لكاتب هذه السطور ،وأغامر بالتعميم،
وليس لدى أي مواطن عراقي سليم العقل، أية أوهام حول موقف النظام من هذه
الدعوات إلا إذا حدثت معجزة في زمن
احتكر الحاسوب الإلكتروني المعجزات ! ) ولكي لا يتهمنا البعض بالهروب نحو التعميم ، فقد ناقشنا
العديد من التفاصيل والمطالب والخطوات التي يجب على النظام الشمولي القيام بها
بهدف: تطبيع الوضع الداخلي ،وتفكيك الماكنة القمعية ، وإنهاء القمع ،والاعتذار علنا
من ضحاياه والتعويض عليهم أو على ذويهم ، والتعهد بعدم تكراره ، وإعادة الاعتبار
للشهداء والمتضررين وعددنا قائمة بأسماء أشهر ضحيا القمع والإرهاب القومي البعثي
والتي منها رئيس الوزراء العراقي عبد الكريم قاسم و زملاؤه العسكريين والأمين العام للحزب الشيوعي سلام عادل
ورفاقه وسماحة العلامة الصدر الأول وشقيقته آمنة الصدر و لم نستثن حتى اسم مؤسس حزب
البعث فؤاد الركابي الذي اغتاله النظام الشمولي ، إضافة الى فتح
وتصفية ملف ضحايا جريمة الأنفال من الكرد العراقيين و وإعادة آلاف الأسر العراقية
المهجَّرة الى إيران بدعوى التبعية الفارسية والتعويض عليها، وإطلاق سراح آلاف
المعتقلين السياسيين وغير ذلك من
تفاصيل .وقلنا بالصراحة ذاتها إذا ما فعل النظام كل ذلك، سيكون قد قطع نصف المسافة
نحو التغيير وتسليم السلطة الى الإرادة الشعبية المعبر عنها بصندوق الانتخابات
وسيكون الحوار مع هذا النظام بعد ذلك أمرا مبررا ومشروعا.
أما في مقالتنا التي أشار إليها المعقب بتهكم وازدراء وعنجهية معلم القرية
النائية ، والمنشورة حديثا ضمن أجواء
الكارثة المحدقة بالعراق وشعبه ، وفي خضم جعجة السلاح وزعيق جنرالات الحرب
الأمريكيين من اليمين المتطرف والمعنونة ( القاعدة والاستثناء في الغزو الأمريكي
القادم للعراق ..) فقد عدنا الى تلك الموضوعة حول التغيير السلمي الديموقراطي مع
رفض الحوار مع النظام قبل أن يشرع فعلا في التغيير والتسليم بمطالب الشعب السياسية
والاجتماعية ، آخذين الظروف الموضوعية الجديدة بنظر الاعتبار البحثي و مركزين في
هذه المرة على أن أجواء الحرب والضغط العالمي الشديد على النظام قد يساعدا على دفعه
الى الأخذ بهذا الاحتمال ، دون أن نخفف كثيرا من تشاؤمنا المعهود حول آفاق الموضوع
بسبب معرفتنا العميقة بطبيعة النظام الطبقية والسياسية وطبيعة وتاريخ رموزه
الرئيسية المغرقة في الفاشية .
لقد
حاولنا أن نقدم في هذه المقاربة جوابا على السؤال الحارق الذي تلخصه عبارة " ما العمل ؟ " ما العمل ، والهمج
الإمبرياليون يعدون العدة لتدمير العراق بمن فيه ؟ ما العمل والطاغية قرر أن يترك
العراق رمادا بعد رحيله كما صرح أحد أعوانه علنا ؟ أي شعار
أو برنامج يمكن طرحه الآن ، وقبل أن يشعل الأمريكان المحرقة الكبرى ؟ هل يكمن الحل
في إقامة المجالس السوفتيات في مدن العراق البروليتارية أم في تشييد حكم قرضائي نسبة الى الجاسوس
الأفغاني حامد قرضاي الذي خلف حكم الطالبان في أفغانستان ومازال رئيسه و وزراؤه ينامون في دبابات الحماية الغربية خوفا من القناصة أم يجب إقامة الجمهورية
الإسلامية على طريقة ( الخلافة الراشدة / السنية ) أو على طريقة (ولاية الفقيه /الشيعية ) ؟ ولماذا يصر
جميع العباقرة وتجار البرامج السياسية والآلام الإنسانية على أن يحلوا محل الملايين
ولا يتركونها تقول رأيها في حياتها ومستقبلها مرة في العمر ، عمر الشرق المضمخ
بدماء الحروب و القمع والمجازر ؟
بالنظر إذن
الى الأرض وحركة الواقع وليس بالتحديق الأبله في المقولات
والشعارات فارغة المحتوى والتي يقدسها بعض المعزولين والمنقطعين تماما عن الحياة
والتاريخ أكثر مما يحترمون حياة طفل عراقي ستشويه قنابل الحداثة
الأمريكية شياً ، يمكن أن نختصر الإجابات المطروحة ردا على تساؤل ما هو الحل و ما
العمل فتشير الى إمكانيات الحل المحتملة في النقاط التالة
:
1- شن هجوم
عسكري شامل وغزو بري أمريكي بريطاني على العراق لتدميره باسم " إسقاط النظام ونزع
أسلحة الدمار الشامل " وهذه وجهة نظر
التحالف السداسي في المعارضة العراقية بقيادة أحزاب الجلبي والحكيم وعلاوي
إضافة الى الحزبين الكرديين الكبيرين وخلطة متنوعة من المنظمات
والحركات الإرتزاقية التي انبثقت
كالفطر السام بعد عدوان عاصفة
الصحراء 1991.
2- انقلاب عسكري من داخل
الجيش العراقي يسقط النظام ويسمح بقيام نظام ديموقراطي وهذا احتمال صعب التحقق إن
لم يكن مستحيل التحقيق و لكنه قد يكون أرحم
كثيرا من الحل الأول
.
3- عصيان مدني
يتوج بانتفاضة شعبية مسلحة تطيح بالنظام . ومع أن هذا هو الخيار الأفضل ولكنه
خيار غير ممكن عمليا في المدى
المنظور على الأقل فالمعارضة
العراقية التقليدية أجبن وأضعف من أن تفكر فيه وهو أمر محظور عمليا بقرار أمريكي كما يبدو
.
4- تحول سلمي
داخلي يبدأ بسلسلة من الإجراءات المفككة للدكتاتورية يقوم به النظام تحت ضغط
الأحداث أو كمحاولة أخيرة لإنقاذ جلده
و ينتهي بمؤتمر إنقاذ تنبثق عنه حكومة مؤقتة تشرف على انتخابات ديموقراطية
تحت إشراف الأمم المتحدة .
الاحتمال الأخير هو
الذي قدمنا له صيغة معينة وأولية في
مقالتنا( القاعدة والاستثناء ) التي
أثار الغضبة العمالية لعصام شكري فنضح منه ما نضح .ولكننا لم نقل بأن ذلك الاحتمال
ممكن ولا بأية نسبة من الترجيح ،
إنما رأينا فيه شعارا أو طرحا
إنسانيا و" مسالما " لمَ لا ؟ فالشيوعيون -كما يعلمنا - ماركس لا يعشقون العنف
والقتال حبا في العنف والقتال بل
لأنهم من أنصار الحياة وعشاق المعنى
ولأنهم يعتبرون ( العنف قابلة التاريخ ) كما قال ماركس ذاته ذات مرة . وبين القابلة والقاتلة فرق
كالذي نجده بين الموت والحياة
فالقابلة هي التي تساعد الأم على ولادة الجنين وتستقبل الحياة والقاتلة هي التي تنهي حياة الاثنين فينظر إليها
بعض المرضى نفسيا كبطلة !
أقول ذلك كفرد
ماركسي مستقل ،وإذا كانت هذه العبارة ( ماركسي مستقل ) قد عسلجت وعرَّشت في دماغ رفيق آخر هرع الى المعمعة
بحميته الحزبية هو فارس محمود فاستغرب واستعجب منها لأنه مؤمن بأن الماركسي لا يجب
أن يكون مستقلا ، أقول له أن المقصود بها هو الاستقلال التنظيمي وليس الاجتماعي
والفلسفي والفكري . بمعنى إنني
ماركسي غير منتم الى الحزب الشيوعي أو الى ابن عمه الشيوعي العمالي، وثمة
الآلاف من الماركسيين المستقلين
الذين ربما زاد عددهم عندنا في العراق على ثلاثة أضعاف أعضاء هذين الحزبين الشيوعيين الموجودين اليوم أو
أكثر .
أما إذا اعتبر فارس محمود أن صفة الماركسي تستوجب
الانتماء الحتمي والميكانيكي الى حزبه فهذا رأيه الشخصي فقط وهو رأي -بالمناسبة -
ليس بعيدا عن فكرة "التبعيث القسري " التي ابتكرها حزب البعث في العراق وأرغم
بموجبها الناس على الانتماء إليه . مصادفة كئيبة أخرى ! أليس كذلك ؟ ماذا نفعل إذا
كان التاريخ أكثر مكرا و لؤما أحيانا في مواجهة الشموليين والسلفيين من جميع
الألوان ؟
إن الهدف من هذا الطرح أو الاحتمال ضمن عدد من الاحتمالات والقائم على
التغيير السلمي وإنهاء الدكتاتورية تحت ضغط الأحداث ، هو تجنيب البلد خرابا شاملا
والشعب مجزرة رهيبة ،وفتح الباب على عملية تغيير ديموقراطي سلمي ! ونتفق مع من
يقول أن استجابة النظام الفاشي أقرب
الى الاستحالة اليوم ولكننا نعول على تسارع الأحداث وزيادة الضغط على النظام ووجود
سوابق تاريخية كثيرة في بلدان أخرى دفعت بأنظمة من ذات النوع الى الانسحاب من
السلطة مقابل ضمانات معينة .
و إذا كان صحيحا أن
الدكتاتور في بلادنا لن يكون في قامة زعيم عنصري مثل دكليرك الذي قاد بشجاعة استثنائية عملية تفكيك ( مع أن هذه
الكلمة تقترن في دماغ عصام رشدي بمحرك السيارة فقط كما فهمنا من مقالته التعقيبية )
إذن، تفكيك دولة عنصرية مسلحة بالقنابل النووية في جنوب أفريقيا وأعاد السلطة الى
الشعب الأفريقي دون حرب أهلية فلماذا لا يكون في حجم فرانكو الذي حكم
بطريقة استبدادية ودموية مرعبة لزمن
ظن الأسبان معه أنه لن ينتهي في يوم ما ثم انسحب بهدوء من البلاط الملكي الى العزلة القصيرة ثم الى القبر
ومعلوم أن عملية التغيير بدأت رغما عنه وهو مازال على قيد الحياة و تواصلت بعد موته ؟ وهل نسينا العجوز
الدموي بينوشيت الذي كان يستعمل ملاعب كرة القدم لتنظيم المذابح ضد قوى اليسار
عموما والشيوعيين خصوصا وكيف أُجبر
على التنحي عن السلطة ثم أصبح مطاردا كأي مجرم تافه معاد للإنسانية ؟
لا أورد هذه الأمثلة بهدف المقارنة بل لمجرد تأكيد أن هذا
الاحتمال ليس قادما من المريخ بل من كوكب الأرض . وحتى في عدد من الدول العربية جرت محاولات انتقالية من
الدكتاتورية والقمع الدموي الى حالة انتقالية من التطبيع الاجتماعي والسياسي
والتغيير العميق في علاقة السلطة بالشعب كما هي الحال في المغرب وفي البحرين فماذا
تغلقون الأبواب كلها بوجه الشعب العراقي ؟ ثم لنفترض أن خيار
التغيير الديموقراطي السلمي ليس ممكنا وأنه خاطئ سياسيا فلماذا كل هذا العداء له وللمنادين به وكأنه هو
السبب في قيام واستمرار الدكتاتورية ؟
ماذا لا تعامل المقاربة الواردة في مقالتنا تلك كوجهة
نظر أو اجتهاد سياسي يقبل التخطئة والتصويب و لا يستوجب التخوين ؟ لماذا يوجه لي
الاتهام بمحاولة إنقاذ رأس السلطة لصاحب وجهة نطر سياسية كما يفعل الفارس فارس محمود وكأنه كان على وشك أن
يطيح بهذا الرأس بسيفه البتار فجاء علاء
اللامي و خربط عليه
الأمور ؟
إن كاتب
هذه السطور كرر مرارا انه أقرب الى
القنوط ( والقنوط يا سيد عصام أشد من اليأس ) من احتمال إقدام النظام الدكتاتوري
الشمولي في بلادنا على عملية تغيير كهذه ، ولكنه حين لا يرى في الأفق غير صواريخ الأمريكان واحتمالات الحرب
الأهلية المدمرة لا يجد مفرا من
تكرار هذا الخيار غير الواقعي اليوم وربما غدا ولكن ليس الى الأبد
.
ولكن ماذا لو انفجرت انتفاضة شعبية في الغد
أو حدث انقلاب عسكري معاد للأمريكان ضد نظام البعث الدكتاتوري ؟ بكل تأكيد ستتحول
دعوة أو شعار " التغيير الديموقراطي السلمي " الى فقاعة تافهة لن تختلف عن فقاعات
السيد المعقب ولن يشرفنا البتة تكرارها أو الدعوة إليها وسيكون الهدف لكل عراقي
ثوري صادق هو أن يكون في صفوف المنتفضين الأولى وهم يدمرون الدكتاتورية على
رؤوس الجلادين
.
وللحديث صلة
في الجزء القادم ..
====================
*عبارة " السلفية اليسارية " ليست من قبيل المماحكة السجالية
أو محاولة لاستفزاز المحاور لأنه ذو مواقف متشنجة جدا في الشأن الديني بل إنني جاد
كل الجدية في إيرادها كاصطلاح فكري وبالمضمون الحرفي الذي تحيل إليه مباشرة . إن
السلفية أو الأصولية التي اعتبرت حتى الآن لصيقة بالتيارات والحركات الدينية
الطائفية تستغرق أيضا التيارات والحركات القومية أو تلك اليسارية الماركسية وغير
الماركسية حيث العودة الى السلف الصالح " الثوري " والى العصر الذهبي والى العقيدة
النقية والأصول التقية هي لحمة وسدى الخطاب السلفي . ولأننا في سجال مع الأصدقاء في
الشيوعمالية فسوف نسمح لأنفسنا باقتباس بضعة أسطر من التقرير الذي قدمه مؤسس الشيوعية العمالية في إيران والعراق
الفقيد منصور حكمت الى المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي العمالي الإيراني سنة 1989 . و
سوف يعطينا هذا المقبوس فكرة واضحة
عن ما أطلقنا علية السلفية أو الأصولية اليسارية .كتب الفقيد (( إنني أفهم
الماركسية بوصفها النظرية والنقد الشيوعيين ، إنني أدافع عن الأرثوذكسية الماركسية
وحين يقولون لنا ، هنا وهناك ، إن الشيوعية العمالية لم تطرح أبحاثها بشكل جيد ولم
يتم توضيح نظرتها بصورة صحيحة ، سأجيبهم إن نظراتنا مطروحة في "الأيدلوجيا
الألمانية" و" رأس المال" وعشرات الكتابات الأخرى المماثلة . إنني لست مسئولا عن
إعطاء الأجوبة الجديدة لذلك الشخص الذي يستنبط اشتراكيته من الدكتور أراني ومن
التاريخ الموجز ، بل إن جوابي هو
اتركوا هذه المؤلفات المستهلكة واذهبوا والقوا بأنظاركم ولو مرة واحدة على "الأيديولوجيا الألمانية ")
لتروا صحة النظرات الماركسية وانتقادها الحاسم والمؤثر في توضيح معضلات يومنا هذا . وعليه ، فإن بحث الشيوعية العمالية من الناحية
النظرية ما هو أساسا إلا العودة الى
الماركسية والأصالة الماركسية والمارسية اللينينية التي قامت بتنظيم ثورة أكتوبر .
ص35 / سلسة أبحاث الشيوعية العمالية / الكتاب الأول)) . وبالمناسبة فالأيديولوجيا الألمانية هو
أحد المؤلفات المشتركة لماركس
وإنجلز انتهيا من تأليفه في شهر حزيران 1846 أي قبل مائة و ستة وخمسين عاما من الآن
ولم يطبع في حياتهما بسبب الرقابة ولماركس مزحة طريفة حول هذا الكتاب قال فيها أنهما تركا كتاب "الأيديولوجية
الألمانية" بعد الفشل في طبعه الى نقد الفئران القارض بكل طيبة خاطر !!
لم أعلق على البرقية التي ألفها
" مازن قلو " ونشرها على موقع " الحوار المتمدن " واعتبر فيها أن كاتب هذه
السطور ( لم يوفر أحدا إلا وأدان نهجه اللهم النظام الدكتاتوري ) ويبدو أن
أداة الاستثناء " إلا " قد سقطت من
جملته بعد كلمة " اللهم " بمعنى أنه يتهمني بمهاجمة الجميع والتواطؤ أو السكوت على
النظام الدكتاتوري وهذا الكلام لا يصدر إلا عن جاهل بما كتبته طوال أعوام في
الصحافة وفي كتبي المنشورة ومنها (
نصوص مضادة دفاعا عن العراق )و ( كتابات ضد التيار ) و الكتاب الصادر حديثا ( نقد المثلث الأسود : النظام والمعارضة العدوان على العراق ) و
معلوم أن الجهل بالشيء ليس حجة لمحتج ، أو أنه، وهذا هو الاحتمال الثاني ، يحاول
التشنيع والاستفزاز ولا وقت لدينا لهذا الرياضة " الثورية " . وختاما فسوف يسرني
أن أواصل السجال مع الأصدقاء في
الحزب الشيوعي العمالي إذا ما تقيدوا بشروط السجال الفكري الرصين والمتحضر أما إذا فضلوا الاحتكام الى سلاح الشتائم
والازدراء والردح البذيء فسوف أكتفي
بما كتبته في هذه المقالة بأجزائها الثلاث و لن أرد عليهم بعد الآن
.