|
الحركة الطلاّبيّة التونسية : محاولة تقييميّة
شبيبة الكادحين
الحوار المتمدن-العدد: 3994 - 2013 / 2 / 5 - 00:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تعدُّ الجامعة التونسيّة اليوم ما يناهز الـ 350 ألف طالبة و طالب يتوزّعون على أكثر من 190 مؤسسة تعليم عالي. وبالرّغم من أنّ هذا العدد لا يمثّل سوى نسبة 27% من مجموع الفئة العمريّة المعنيّة، فإنّه يمثّل بالمقابل خزّانا نضاليّا مهمّا بالنّظر لما توفّره فرصة الالتحاق بالتعليم العالي لهؤلاء من مزايا من أهمّها اكتساب التكوين العلمي والمعرفة من جهة والتمرّس على النّشاط النقابي والسياسي من جهة أخرى خصوصا أنّ الأوضاع الماديّة والمعنويّة التي يعاني منها أغلب الطلبة والمؤسسات الجامعيّة بالبلاد تُعدّ دافعا هامّا نحو الانخراط في هذه الأنشطة. على عكس هذه المعطيات، فإنّ حالة الرّكود النّضالي -إن لم نقل الهبوط- تميّز اليوم السّاحة الطلابيّة، وهي حالة لم يسبق تقريبا وأن شهدت الجامعة التونسيّة لها مثيلا منذ عقود طويلة، كما أنّ هذه الحالة صارت مزمنة بما أنّ الحراك الاجتماعي والشعبي الذي ميّز البلاد خصوصا منذ 17 ديسمبر 2010 لم يؤثّر إيجابا على الحركة الطلابيّة.
لقد كانت الحركة الطلابيّة ومنظمتها النقابية الاتحاد العام لطلبة تونس طرفا مهما ضمن القوى الاجتماعيّة المناضلة وشريكا أساسيا للكادحين في النضال والثورة مثبتة انها جزء لا يتجزّأ من الحركة الشّعبيّة. وهذا ما شهدته مسيرتها عبر عديد المحطّات التاريخيّة التي لا تُنسى، بدءا بدورها في الكفاح الوطني ضدّ الاستعمار المباشر منذ تأسيس الاتحاد في بداية سنة 1952، مرورا بتحرّكات جوان 1967- مارس 1968 وبحركة فيفري 1972 والسنوات التي تبعتها وصولا إلى دورها في الانتفاضات الشعبية وأهمّها جانفي 1978 و جانفي 1984. والنّاظر في مختلف هذه المحطّات يلحظ أنّ الحركة الطلابيّة لم تكن تقتصر في نشاطها وتحرّكاتها على القضايا الطلابيّة المحضة وإنّما أيضا في علاقة بالقضايا الوطنية والاجتماعيّة للقطر وكذلك في علاقة بالقضايا القوميّة والأمميّة أيضا. إنّ الغاية من ذكر هذه المحطّات هى إبراز الدّور المهم للحركة الطلابيّة والاتحاد العام لطلبة تونس في مختلف القضايا التي تهمّ الشعب في كفاحه ضد النظام والمساهمة في الدفاع عن قضايا الشعوب والأمم المضطهَدة التي تبنّاها الاتحاد وعبّر عنها في قانونه الأساسي في فصله الخامس:"يناضل الاتحاد العام لطلبة تونس إلى جانب شعوب وأمم العالم المضطهَدة ضد الاستعمار والعنصرية والاضطهاد الديني والقومي". أمّا اليوم، فبالرّغم من حالة النّهوض الثّوري النّسبيّة التي تجتاح عديد البلدان في العالم ومنها الوطن العربي، فإنّنا لا نكاد نسمع صوتـا لهذه الحركة أو حتّى صدى لهذا الصّوت، فحتّى خلال أوج الانتفاضة الشعبيّة لمّا كانت المواجهات على أشدّها في جهات عديدة من أرجاء القطر، غاب دور الحركة الطلابيّة كقطاع منظّم ما عدا بعض التحرّكات المحدودة في عدد لا يتجاوز عـدد أصابع اليد من الأجزاء الجامعيّة رغم مشاركة الطلبة -كأفراد- في التحرّكات. وقد قابل حالة الغياب هذه، حضور مكثّف ولافت للتحرّكات التلمذيّة التي ساهمت بدور أكبر في الكفاح الشّعبي عبر تنظيم الإضرابات والمسيرات والمشاركة في المواجهات مع أنّها كانت تفتقد إلى هيكل نقابي أو سياسيّ ينظّمها.
هذه الحالة من الرّكود-أو الهبوط- في دور الحركة الطلابية في الكفاح السياسي و الاجتماعي يطرح العديد من التساؤلات حول المسبّبات والعوامل التي أدّت بهذا القطاع إلى هذا الوضع ؟ لا أحد يشكّ في أنّ الجامعة التونسيّة خضعت، مثلها مثل بقية القطاعات الاجتماعيّة، لعمليّة إخضاع ممنهجة من قبل النظام في إطار إحكام قبضته على مختلف روافد النشاط السياسي والنقابي الذي قد يهدّده في أيّ لحظة من اللّحظات، وفي هذا الإطار جاء مشروع بن ضياء الذي جعل من التسيّس في الساحات الجامعيّة حجّة لممارسة القمع الموجّه ضدّ الحركة الطلابيّة وتلاه في شهر مارس 1991 أصدار محمد الشرفي الذي كان وزيرا للتربية والصادق شعبان الذي كان وقتها كاتب دولة للتعليم العالي مراسيم وزارية مُنع بموجبها القيام بأيّ نشاط فكري أو سياسي أو ثقافي في ساحات الكليات ما لم يقع الإعلام عنه وأخذ ترخيص مسبق في ذلك بعد إن تمّ حرمان الطلبة من ممارسة هذه الأنشطة بالمبيتات والأحياء الجامعيّة. إلى جانب ذلك تم تشتيت الوحدة الطلابيّة بصناعة الاتحاد العام التونسي للطلبة في مارس 1985 زمن الوزير الأول محمد مزالي ثمّ منظمة طلبة التجمع سنة 1988. وسياسة الحصار والتشتيت هذه جعلت من الحركة الطلابيّة المناضلة التي رفعت منذ فيفري 1972 شعار "القطيعة السياسيّة والتنظيميّة مع طلبة الحزب الحاكم" تخسر إشعاعها مع ما كانت توفّره السلطة الحاكمة من امتيازات ودعم لطلبتها وهو ما جعل منظّمتهم تنمو عدديا بسرعة (30 ألف طالب سنة 2004 من مجموع حوالي 208 آلاف طالب) وقد بلغ الحصار إلى حدّ منع عقد الاتحاد العام لطلبة تونس لمؤتمره التوحيدي منذ سنة 2009. وهذا الحصار لن يتغيّر بعد الحلّ الصورى للتجمع الدستورى ومنظّمته الطلابية، إذ أنّ صعود النهضة إلى السّلطة سيدعم نشاط منظّمتها الطلابية أيضا في السّاحة. يضاف إلى هذه السياسة، مخطّطات التهميش الموجّهة ضدّ الطالب عبر السياسات التعليمية وظروف الدراسة واللاّمركزيّة المفرطة في بعث المؤسسات الجامعية، وهي مخططات تهدف إلى جعل الطالب مجرّد كائن مستهلك لقدر معيّن من المعرفة تكفيه مشاكله اليوميّة من الانخراط في قضايا الوطن و الشعب.
هذه العوامل الموضوعيّة لا تكفي وحدها لتحديد المعوقات التي حدّت من فعل الحركة الطلابية ومن فاعليتها في حقل الكفاح الجماهيري. إذ أن الحركة في حدّ ذاتها تحمل في داخلها معضلات ربّما لم تقدر على توصيفها للقضاء عليها قبل أن تقضي هي على الحركة. وهذه المعضلات مرتبطة أساسا بمحاور النّضال وبالصّراع داخل المنظّمة الطلابيّة. فبقدر ما ازدادت مشاكل الطلبة والجامعة عموما على المستويين المادي والمعنوي بقدر ما فتر نسق النضال الطلابي المرتبط بها وهذا يعود إمّا إلى تغييب وإهمال هذا المحور القادر على توحيد أكبر عدد من الطّلبة أو عزله عن السياق العامّ السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يتنزّل فيه بما أنّ مشاكل الطلبة هي جزء من مشاكل الطبقات الاجتماعيّة المسحوقة. إضافة إلى عدم الإمساك بمختلف محاور النّضال التي تبنّتها الحركة الطلابيّة وخصوصا تفاعلها مع القضايا القطرية والقوميّة والعالميّة التي تجذب الجماهير ولا تنفّرها وهذا من شأنه أن يُسهم في إضعاف الحركة إن تمّ تجاهله. أمّا الصّراع الدّاخلي فيتحمّل القسط الأوفر ممّا آلت إليه أوضاع هذه الحركة، من ذلك مساعي الهيمنة الحزبيّة الضيّقة من طرف الإصلاحيين والانتهازيين على الاتحاد وتكريسها وتغليب المصالح الذاتية والشخصيّة أحيانا وهو ما يجعل العناصر القياديّة غالبا ما تنحرف عن المطالب الأساسيّة للطّلبة وتتّجه إلى اتّباع خطّ المهادنة مع السّلطة مقابل بعض التّرضيات لا غير، ويصبح بالتالي الصّراع داخل الهياكل الطلابيّة في حدّ ذاته محور النشاط الرئيسي فتغيب بموجبه المحاور الأساسيّة مثلما هو الحال بالنسبة لواقع الاتحاد منذ المؤتمر 22 والذي تعمّق بعد عقد المجموعة السياسيّة المهيمنة على قيادة الاتحاد للمؤتمر 23 سنة 2004 بإحدى الشقق بنهج فلسطين بالعاصمة وسط غياب لجماهير الطلبة. ورغم الإجماع من قبل المهتمّين بالشّأن الطلابي على ضرورة عقد مؤتمر توحيدي إلاّ أنّ حالة الصّراع لم تفض إلى وحدة فعليّة وإنّما مجرّد وحدة على مستوى النّوايا والدّليل أنّ هذا المؤتمر لم ينجز إلى حدّ اليوم. . و إلى جانب هذا الدّاء، فإنّ داءا آخر لا يقلّ خطورة لا زال ينخر جسم الاتّحاد وهو مرتبط بالقوانين الدّاخليّة للمنظّمة الطلابيّة التي تسمح بأبديّة الحفاظ على المناصب العليا داخلها من ذلك الأمانة العامّة أو العضويّة في المكتب التنفيذي وهو ما يسمح للبعض بتبوّء هذه المناصب وإن كان من خارج الصفّ الطلابي كما هو الحال لقيادة الاتحاد اليوم.
هذه بعض المعضلات التي تقف عائقا أمام استعادة الحركة الطلابيّة لمكانها الطبيعي إلى جانب القوى الاجتماعيّة المناضلة و قيادتها للكفاح الطلابي ، ولا نظنّ أنّنا أتينا بهذا العرض السّريع على كلّ المشاكل التي يعاني منها القطاع الطلابي وحركته، وإنّما هي محاولة منّا للمساهمة في رفع السّتار عمّا تعانيه هذه الحركة من معضلات و نهدف من خلالها إلى المساهمة في النقاش الدّائر حول سبل تجاوز هذا الوضع الرّاكد الذي تعيشه الحركة الطلابيّة والذي نرى انّه لن يتحقّق إلاّ بحل هذه المعضلات وغيرها التي تمنع بناء حركة مناضلة وثوريّة في الوسط الطلابي
#شبيبة_الكادحين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|