|
من ميزات الشرق الأوسط
حسيب شحادة
الحوار المتمدن-العدد: 3993 - 2013 / 2 / 4 - 22:35
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
من ميزات الشرق الأوسط أ. د. حسيب شحادة جامعة هلسنكي الأقليات
تمتاز منطقةُ الشرق الأوسط بسماتٍ كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ثلاثا كما سيتبيّنُ أدناه. كثرة الأقليات العرقية او الدينية مثل العلويين والأرمن والسُّريان والبهائيين والعرب المسيحيين والكلدانيين والدروز والأقباط والأكراد والشيعة واليزيديين والفلاشا والقرّائين والشركس والصابئة والعيسويين (اليهود المسيحيون) والسامريين. لا ريبَ أنّ أحوالَ مثل هذه الأقليات، لا سيما في البلدان التي لا تمارس النظامَ الديموقراطي، وما أكثرَها، فالمواطن العربي خبير بها، لا يُحسَد عليه بتاتا. لا نُغالي إذا ما قلنا بأن كيفيةَ معاملة الأكثرية للأقلية ينسحب إيجابا أو سلبا على مدى وجود الحرية والمساواة النسبية أو انعدامهما في دولة ما. ما زال الانسان في جلّ الحالات، إن لم يكن في كلّها، يعامل أخاه الانسانَ الذي يختلف عنه من حيث الدينُ أو العِرقُ معاملةً بعيدة عن الإنصاف والموضوعية. تلك المعاملة القاسية والأثيمة لا تمتّ بأية صلة لا بأديان البشر ومعتقداتهم ولا بمبادئ حقوق الانسان في عصرنا المتحضر الذي يبدو في بعض الاوضاع محتضرا. قد يخفى على الكثيرين من بني آدم بأن اختلافَهم ينبغي ألا يؤدّي إلى أي شكل من أشكال التمييز والاضطهاد أو التنافر والضغينة والعداوة. في مثل هذا الاختلاف ثراء وبهجة وتفاعل خلاق بين أبناء الشعوب المختلفة. الكل مختلفون إلا انهم متساوون كما يقال في الشعارات التي تطلقها منظّمات حقوق الانسان العاملة في شتّى بقاع العالم. لا بدّ من التركيز على الجوانب الإيجابية وإبرازها وتنميتها بغية تحقيق أكبر قدر ممكن من التفاهم والسعادة المنصبّين في الصالح العام. ما يرنو اليه الانسان الحرّ المثقّف والمؤمن الحقيقي شيء والواقع المرير مرارة العلقم في شتّى أرجاء المعمورة شيء آخر. ما زالت الطبيعة حتى في أقاصي الشمال والجنوب من الكرة الارضية أقلَّ قسوةً وضراوةَ من معظم البشر. طبيعة الانسان أرضية واهية بحدّ ذاتها وقلّما تقوى لتخطّي الحدود الضيقة للأنانية لتحلّق عاليا في فضاء الصالح العام ومحبّة الغير والخير.
مهد الأديان ا. العهد القديم أما السمة الثانية التي تمتاز بها منطقة الشرق الأوسط فهي كونها مهد الأديان السماوية الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلام. ولكل واحد من هذه الأديان كتاب مقدّس، العهد القديم، العهد الجديد والقرآن. يضمّ العهد القديم ثلاثة أقسام، هي التوراة والأنبياء والكتابات وتُعرف باللغة العبرية اختصاراً باسم "التَناخ" وعدد الأسفار أربعة وعشرون حسب التقليد اليهودي منذ عصر عزرا الكاتب في القرن السادس ق.م. وتسعة وثلاثون وفق التقسيم المسيحي. تُعتبر التوراة أو الشريعة أي الأسفار الخمسة الأولى (Pentateuch) وهي لفظة من أصل يوناني Pentateukhos وتعني "ذي الخمسة أسفار" ومن هنا ظهر الاسم العبري החומּש والمعروف أيضا باسم أسفار موسى وهي سفر التكوين (أو الخليقة)، سفر الخروج، سفر اللاويين (سفر الأحبار)، سفر العدد وسفر التثنية (أو تثنية الاشتراع)، أهم أقسام العهد القديم. لعب الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد (Bible) دورا رئيسيا في بلورة الفكر والإيمان والسياسة والفن لدى المجتمعات الغربية. وتتحدّر لفظة Bible من اليونانية biblion أي "كتاب" وصيغة الجمع biblia والأصل صيغة التصغير biblos, bublos ومعناها ورق البردي. ومن هذه اللفظة أي "الكتاب" اشتقت الكلمة biblioteca أي "المكتبة"وأخواتها في العديد من اللغات الهندو-أوروپية مثل: الفرنسية والألمانية والإسبانية والإيطالية والسويدية أما في الإنجليزية فلفظة library فمشتقة من الكلمة اللاتينية liber التي تعني في الأصل "لِحاء الشجر" ،ومن ثمّ "الكتاب" والعديد من اللغات تميـّز بين "المكتبة" و "حانوت الكتب". يرجع تاريخُ تدوين هذه الأسفار الدينية المقدسة إلى حوالي سنة ١٥٠٠ق. م. أي قبل ٣٥٠٠ عام. دُوّن العهدُ القديم باللغة العبرية الكلاسيكية (Biblical Hebrew) باستثناء بعض الفصول والآيات التي كُتبت باللغة الآرامية القديمة وهي لغة سامية أيضا. هذه المادّة باللغة الآرامية موزّعة على أربعة أسفار هي: سفر التكوين ١٣:٧٤ كلمتان؛ سفر عزرا ٤:٨-٦:٨١، ٧:٢١-٦٢؛ سفر إرمياء ٠١:١١؛ سفر دانيال ٢:٤-٧:٨٢. والجدير بالذكر أن الطبعة الأولى للكتاب المقدّس قد صدرت عام ١٤٥٥م. يعود تاريخ أقدم مخطوطة للعهد القديم قبل العثور على مخطوطات البحر الميت عام ١٩٤٧م إلى حوالي سنة ٨٩٥م. بالإضافة إلى كتاب العهد القديم الذي يدعوه اليهود الربّانيون أيضا باسم التوراة المكتوبة أو المقْرا هناك ما يُسمى بالتوراة الشفوية المشتملة على المشناة والتلمود وهما بمثابة تفسيرات وشروح على العهد القديم. تحلّى الكتبة، أي نُسّاخ مخطوطات العهد القديم، بدرجة عالية جدا من الدقّة والأمانة والتركيز في عملهم وهذا يتجلّى بوضوح إثر مقارنة تلك المخطوطات بلفائف (scrolls) البحر الميت التي نُسخت في الفترة الواقعة ما بين ٣٠٠ق.م. و ٨٦ م. تلك اللفائف التي اكتشفت في خمسة مواقع بالقرب من البحر الميت مصنوعة من ورق البَردى والجلد باستثناء واحدة من النحاس. راعٍ بدوي تلحمي عثر على اللفائف الأولى عام ١٩٤٧ في خربة قُمران الواقعة على الساحل الشمالي الغربي للبحر الميت. يبدو أن لفائف قُمران (قرية بناها اليهود الإسيّون (Essenes) ما بين الأعوام ١٣٠-١١٠ق.م.، دمّرتها هزّة أرضية عام ٣١ ق.م. ثم بُنيت من جديد ودمّرها الرومان عام ٦٨م) كانت جزءا من مكتبة طائفة الإسيين التي ظهرت على مسرح التاريخ فيما بين ٢٠٠ق.م.- ٦٨م. في قُمران عُثر على مئات المخطوطات التي كانت محفوظة في أحد عشر كهفا. تبيّن من مقارنة ما ورد في مخطوطات قُمران بنصّ الكتاب المقدس الذي بين أيدينا أن لا فروق تُذكر خلال الألفي عام. إن "كل الكتاب المقدّس موحى به من الله" كما ورد في رسالة القديس بولس الرسول الثانية إلى تيموثاوس ١٦: ٣ وكان النبي موسى بن عمران كليم الله أوّلَ كاتب سنة ١٥٠٠ ق. م. تقريباً وآخر الكتّاب كان يوحنا الرسول حوالي عام ١٠٠ م. يبلغ عدد الذين اشتركوا في كتابة الكتاب المقدس بعهديه حوالي الأربعين. تُرجم العهد القديم أولا إلى اللغة الآرامية (Targum) فإلى اليونانية وتعرف بالترجمة السبعينية (Septuagint) فإلى اللاتينية (Vulgate).
ب. العهد الجديد أما العهدُ الجديدُ المعروفُ أيضا باسم "الإنجيل" فقد تمخّض عن الكنيسة ولفظة "إنجيل" متحدرة من اللغة اليونانية ومعناها "البُشرى، البشارة" ويحتوي على ٢٧ سِفرا تتطرق إلى حياة يسوع المسيح وتعاليمه وبداية الديانة المسيحية. يعود تاريخُ تدوينِ هذه الأسفار إلى النصف الثاني من القرن الأول للميلاد. هذا الإنجيل بصورته اليوم يعود إلى عام ٣٦٧م. أي إلى عهد المطران الكبير أثناسيوس. ولغة الإنجيل الأصلية هي اليونانية التي كانت شائعةً في تلك الحقبة الزمنية في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط. مما يجدر ذكرُه أن أقدم مخطوط لبعض أقسام من الإنجيل يعود تاريخُه إلى أوائل القرن الثاني للميلاد. لا نحيد عن جادّة الصواب إذا ما قلنا بأن الكتابَ المقدّس بعهديه القديم والجديد قد تُرجم إلى أكبر عدد من اللغات في العالم.
ج. القرآن الكريم أخيرا جاء القرآن العربي المبين الذي يُعرف أيضا باسماء أخرى مثل "الكتاب والمصحف والذِكر والفُرقان". نزل القرآن في غضون عشرين عاما ونيّف ٦١٠-٦٣٢. وقد جمع الخليفة الراشدي الثالث، عثمان بن عفّان (٦٤٤-٦٥٥م)، نصّ القرآن المتضمن على ١١٤ سورة مكية ومدنية وفق طول السور وليس حسب زمن النزول. هناك الحديث النبوي الشريف الذي يقابل التوراة الشفوية (תורה שבעל פה) لدى اليهود. ومما يجدر ذكرُه بأن اليهودَ يعتبرون اللغة العبرية التي كُتب بها العهدُ القديم لغةً مقدّسة وكذلك المسلمون الذين ينظرون إلى اللغة العربية، لغة القرآن، نظرة تقديس وتبجيل. تكفي الإشارة هنا إلى موضوع "إعجاز القرآن" والرأي السائد لدى المسلمين عامّة بأن نصَّ القرآن لا يُترجم بل محتواه. لا شكّ أن لوجود كتاب مقدّس لليهود باللغة العبرية وآخر للمسلمين بالعربية اليد الطولى في الحفاظ على هاتين اللغتين الساميتين، في حين أن لغاتٍ ساميةً عديدة كالأكّادية بفرعيها الأشورية والبابلية والأوغاريتية والفينيقية والآرامية والجعزية كان مصيرها الجمود والاندثار. الكل يعرف بأن العربَ واللغة العربية كانا قبل ظهور الاسلام في القرن السابع للميلاد إلا أن هذا الدينَ الجديدَ قد نفخ في العربية البدوية روحا أخرى جديدة فأثراها أيما إثراء وانتشرت بانتشاره وحلّت تدريجيا مكان لغات أخرى كالآرامية واليونانية والقبطية. لا شكّ بأنه لولا القرآن الكريم لكانت العربية في خبر كان. لا بدّ من الاشارة إلى أن العقيدة المسيحية لم تقدّس في الواقع اليونانية أو أية لغة أخرى بل رأت بأن تعاليم يسوع المسيح الناصري ينبغي أن تكون متاحةً بلغة أمّ كل آدمي على وجه هذه البسيطة. المعنى يأتي أولا لا المبنى.
مهد الأبجديات السِّمة الثالثة لمنطقة الشرق الأوسط هي أنها كانت مهدَ الكتابة ومن ثَمّ الحضارات لا سيّما في بلاد ما بين النهرين، أي العراق اليوم، وهل من تراث حضاري باق دون تدوين؟ ففي هذه البقعة من العالم عُثر على أقدم أثر لاستيطان الانسان الذي يحمل اسم "انسان شانيدر" على اسم كهف في منطقة أربيل. يقال إن بدايةَ خلق العالم كانت قبل حوالي أربعة مليارات ونصف من السنين. في حوالي عام ٩٠٠٠ ق. م. توصّل الانسان القديم إلى الزراعة وتدجين الحيوانات. أما النمط الأول للكتابة المعروف بالكتابة الصوَرية أو التصويرية فقد اخترعه، على ما يبدو، السومريون في ما بين ٣٢٠٠-٣٠٠٠ق. م. في مدينة الوركاء في جنوب الهلال الخصيب. مرّت هذه الكتابة بمراحل تطور عديدة، من علامات ذات خطوط مستقيمة وأفقية وعامودية وزوايا كبيرة وصغيرة ذات رؤوس مدببة كالمسامير، حتى وصلت إلى الحروف الأبجدية المعروفة اليوم. بلغ عددُ العلامات المسمارية إلى أكثرَ من ٦٠٠ علامة وكانت عملية التدوين في تلك الحقبة، الموغلة في القدم، حكرا على طبقة النبلاء والأغنياء. بعبارة أخرى، يعتبر المؤرخون سنة ٣٠٠٠ ق. م، مولد الكتابة الاولى، بدايةً للعصور التاريخية. إذن اتخذت بداية ُ الكتابة حدا فاصلا بين التاريخ وما قبل التاريخ بالرغم من ان الكتابة انتشرت وأصبحت ناجعة بعد عدة قرون من اختراعها في سومر. فالكتابة، دون أدنى شك، الوسيلة الكبرى والمثلى للحفاظ على العلم والمعرفة للجنس البشري. من المعروف أن لحضارة وادي الرافدين (Mesopotamia)، لا سيما تعاليم حمورابي (القرن السابع عشر ق.م.)، تأثير واضح على معتقدات العبرانيين وكما أن للحضارة المصرية القديمة عهد الفراعنة الأثر الواضح على الدين اليهودي فتسابيح إخناتون على سبيل المثال قد تأثرت بها مزامبر العهد القديم.
#حسيب_شحادة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أتحبّ الحلويات؟
-
مُعجم إنجليزي- عربي فلسطيني
-
تأثيل “آدم” من “أديم” و“المسيح” من المسح بالزيت
-
أتريد أن تتزوجَها؟
-
العتابا وأخواتها
-
كيف صار نوع من التوت البري الأحمر جرجيرا؟ ج. ٣
-
كيف صار نوع من التوت البري الأحمر جرجيرا؟ ج. ٢
-
كيف صار نوع من التوت البري الأحمر جرجيرا؟ ج. ١
-
من القصص الشعبي السامري (5)
-
عادة من عادات الفنلنديين
-
من القصص الشعبي السامري (4)
-
ثلاثة مؤتمرات وثلاث عِبر
-
من القصص الشعبي السامري (3)
-
من القصص الشعبي السامري (2)
-
من القصص الشعبي السامري (1)
-
لمحة عن بعض كتاب ألمانيا العرب
-
الانتقاد سهل إلا أن تنفيذه صعب
-
حول أصل أوكي .O.K
-
من فوائد الخسّ
-
أكياس البندورة
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|