|
لماذا أنا مسلم عَلماني؟
فؤاد قنديل
الحوار المتمدن-العدد: 3992 - 2013 / 2 / 3 - 16:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أنا مسلم بالوراثة ، والحمد للهعلى نعمة الإسلام وكفي بها نعمة ، وأنا علماني بإرادتي وكما أفهمها ، ولأن العلمانية مصطلح سيء السمعة في نظر البعض فأأنا مؤقتا سأستخدم بديلا عنه ألفاظا من قبيل الديمقراطية والعقلانية حتي نوضح القضية التي تبدو ملتبسة.وهي بالفعل كذلك خاصة إذا تصدي لها بالرفض ضيقو الأفق. الشعب المصري منذ آلاف السنين وقبل الأنبياء والرسل يميل للتدين الذي ترسخ في أعماقه مع أشكال العبادة المصرية القديمة، خاصة إيمانه بالبعث حيث المثول للحساب أمام الآلهة بعد الموت، وكان للكهنة في ذلك الزمان الاعتبار الأول لأنهم كما أفهموه هو البوابة الملكية نحو الخلود في الدار الآخرة. ومن هنا أصبح شاغل الإنسان المصري هو الآخرة وليس الدنيا، وهو الأمر الذي انشغل به في العقود الأخيرة الدعاة وقيادات التيارات الإسلامية كافة وركزوا عليه ومارسو الإرهاب عن طريق الإلحاح علي تذكير الناس بعذاب القبر، ومع أن المصريين يميلون بالفطرة إلي التدين إلا أن الدين عندهم ظل معتدلا ومستنيرا في أغلب صوره وتجلياته. وأهم غايات العقلانية (العلمانية ) دفع الفكر البشري نحو الإنسان، لأن الإنسان هو الأولي بالرعاية، وكذلك كل ما هو دنيوي وتجنب الانشغال بالحياة الأخرى بما يعوق حراكنا اليومي مع ظروف المعيشة والعمل والعلم والتعمير والسفر والسياحة وتقديم الخدمات المتعددة والحلم بمستقبل مختلف، وكما كتب علينا الموت كحقيقة مؤكدة كتبت علينا الحياة كواقع فعلي يتعذر تجاهله علي أي نحو. ومن حق القارئ أن أفسر له سر قولي بأنني مسلم وعلماني أو عقلاني في الوقت ذاته .. سوف أعرض حالتي وهي حالة الكثيرين الذين يتوجسون من الإعلان عنها، وربما يجهلون تفسيراتها، وأحسب أن هذه الحالة ربما تكون عاملا مهما في مقاومة أية محاولات لفرض رؤي إسلامية متطرفة. * أعتمد في شق طريقي في الحياة علي مصادر معرفية متعددة بل ولا يكاد يحصرها حصر بداية من القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلي الله عليه وسلم ثم الكتاب المقدس وتعاليم كونفوشيوس وبوذا وكل الأفكار التي وردت في كتب أعلام الفكر والأدب من حجة الإسلام إلي القديس أوغسطين وسقراط وأفلاطون والغزالي والحلاج والسهروردي وابن عطاء الله وابن رشد إلي ابن خلدون و كارل ماركس وشوبنهور ونيتشة وطاغور وجبران وسلامة موسي ثم سارتر وبرتراند راسل وفرويد وطه حسين ونجيب محفوظ وحسن حنفي وغيرهم. * أومن بالعلم وضرورة استخدام العقل في كل الأمور، وأومن بحقوق الإنسان والحيوان والجماد وكل الكائنات التي خلقها الله وصنعها وأوجدها الإنسان، واحترم القانون وأدعو ليل نهار للحرية المسئولة . * أرفض تماما إجبار أحد علي اعتناق أي معتقد أو مذهب لا يريده ولا يتحمس له، وبالتالي فلست مستعدا أبدا لنبذ الآخر أو تهميشه أو ازدرائه كراهية فيما ورثه أو اختاره، لأنني ضد العنصرية الدينية، ولأنني أومن بأن الدين لله والوطن للجميع . * يقول الله تعالي في كتابه الكريم " من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". ويقول " ليس عليك هداكم "، ويقول الرسول : إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " أي أن الدين جاء أساسا من أجل هذه المهمة وما أقدسها من مهمة وبصرف النظر عن كل الشرائع وكل الكتب السماوية والأرضية، فيكفي أن تحل الأخلاق الفاضلة علي الأرض وتحكم سلوكنا قولا وفعلا. * قال الإمام العلامة محمد عبده بعد أن عاد من زيارته لأوروبا : لقد وجدت هناك مسلمين ولم أجد إسلاما، وفي الشرق يوجد إسلام ولا مسلمين " أي أن التفرقة في النظر الصحيح تنهض علي أساس السلوك، ونحن في العالم العربي وفي مصر بالذات نتشدق كثيرا بالدين أما السلوك فنحسبه شيئا آخر ..هذه نقرة وتلك نقرة! يقول الرسول الكريم محمد صلي الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى " إذن الحساب علي الظاهر من السلوك والكلام وليس علي النوايا لأنها ملك لمولاها، وقال خاتم النبيين " الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل". * لا أظن أن الله وكل عنه أحدا ليتحدث باسمه وأن يطارد الناس لحسابه، ولكنه قال : «ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة»، وجادلهم بالتي هي أحسن " ، كما أنني لا أومن بأن هناك علي الأرض حقائق مطلقة غير الموت، فكل المطروح نسبي يقبل الحوار والتعديل والتطوير .وأومن بقول الشافعي: كلامي صواب يحتمل الخطأ وكلامك خطأ يحتمل الصواب. * أنا ميال لإيجابية الحكمة الشعبية، ومن ذلك المثل الشعبي القائل : اللي يعوزه بيتك يحرم علي الجامع " أي أنني أسلم تماما بكل ما دعاني إليه ديني، لكن إذا احتاج أولادي للقمة العيش وأنا بالكاد أوفر جزءا منها فلن أتبرع لشراء سجادة للمسجد، وإذا احتجت علاجا ضروريا وعاجلا لصحتي فليس من المقبول أن أساهم في شراء ميكروفون للزاوية. * يقول المثل الشعبي : بيت المهمل خرب قبل بيت الظالم، وأنا أعدله تعديلا بسيطا فأقول : بيت المهمل المتدين خرب قبل بيت الظالم الملحد، ذلك لأن الله لن يدافع عن العقل الغائب، والقرآن في كل فقرة من فقراته يدعو إلي إعمال العقل. كما أن القانون لا يحمي الغافلين، والثواب والعقاب من جنس العمل. * لي جار لا يكاد يترك المسجد وولده فاشل في الدراسة ويصاحب المدمنين .. اهتم الرجل بالله الذي ليس بحاجة إلينا وأهمل ولده، لأنه تصور بالخطأ أن الله لابد ناصره ومعينه حتي لو نام وأهمل، وهي القضية ذاتها التي تكشف أسباب فقر وتخلف كثير من الدول الإسلامية، حيث يؤمن المسلمون في شتي بقاع الأرض إلا من رحم ربي أن الجنة في الجيب، وأن محمدا شفيعهم وإنهم المفضلون كما يعتقد اليهود أيضا لكن ثقة المسلمين زائدة لذلك لا يعملون، فما قيمة العمل والفكر والكفاح والدقة والإتقان وتحصيل العلم والثقافة والتنافس في الأخذ بأسباب القوة، فأي قوة في الدنيا لا تساوي قدرة الخالق .. وهي رؤية عاجزة وغريبة تدفعهم للتواكل و تجنب كل مناهج العلم والتكنولوجية والاستعانة بكل أساليب ووسائل التفوق وعدم الاعتداد بالنقد، المهم التقرب إلي الله بالصلوات وتربية اللحي ، ومن المسلمين الآلاف يرتكبون المعاصي ويحرصون علي طلب المغفرة بالحج والعمرة كل عام . فعلي من يكذبون؟!! * أومن بأن الله خلق الإنسان من طين .. أي خلقه للدنيا لسنوات ولذلك يقول سبحانه: «ولا تنس نصيبك من الدنيا» والدنيا تحتاج إلي بناء وتعمير وكدح وخبرات، ووُلد الإنسان ليموت بعد حين، أي أنه لم يخلق للخلود وأبدعه الله من مادة وروح، فالدين لعلاج وغذاء الروح، فما مصير المادة؟. ألا تحتاج إلي كل ما يلزمها، قال تعالي : «ولقد خلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا».. أظن أن هذه الكلمات القليلة تتضمن كل ما يحدث علي الأرض من حراك وتعامل وبناء وتبادل ونفع وتطوير . * اعتدت أن أتعامل فقط مع الذي يتقن عمله حتي لو كان ملحدا، وقد أتلقي علاجي علي يد بوذي أو هندوسي إذا كان بارعا، وأصلح سيارتي عند المسيحي مادام ماهرا، ويمكن أن أركب طائرة اليهودي إذا كانت أفضل من طائرة المسلم . وإذا كنت صاحب عمل سوف أختار ليساعدني الأمهر والأكفأ وذا الخلق الحسن سواء كان شابا أو شيخا.امرأة أو رجلا.. كونفوشيا أو دُرزيا. * أومن بأن الحياة تتطور ولا تبقي دائما علي حال، ولابد بالتالي أن تتغير كثير من المعايير والقوانين حسب ظروف العصر ومتغيرات الحياة، وكان طبيعيا أن يقول الرسول الملهم " أنتم أعلم بشئون دنياكم". * أحافظ قدر الطاقة علي قيم الحق والخير والجمال والتسامح والمساواة ولدي الاستعداد غير المحدود للدفاع عن مبدأ المواطنة الذي لا يميز بين الناس علي أساس الجنس أو العرق أو العقيدة أو اللون أو المكانة الاجتماعية، كما أنني أحرص جدا علي ترسيخ مبادئ العدل والمحبة والكرامة، وتجذبني الفنون والآداب، وأتوجس من النقاب، وأؤيد سياسات الثواب والعقاب، وأحرص علي الصلوات في مواعيدها حبا في الله ورسوله وإيمانا بكتبه وجميع رسله واليوم الآخر، وأتوجه إلي الله بالدعاء كي يهديني لما يحب ويرضي، وأن يعينني علي ذكره وشكره وحسن عبادته. لا أظن أن ما ذكرته ضد الدين؟.. ولذلك لا أجد غضاضة في أن أعتقد بأنني مسلم عَلماني .
#فؤاد_قنديل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل جاء كما تمنينا ؟
-
في عين العدو
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|