عدنان فرحان الجوراني
الحوار المتمدن-العدد: 3991 - 2013 / 2 / 2 - 18:13
المحور:
الادارة و الاقتصاد
البصرة مدينة حباها الله بموقع متفرد وثروات اقتصادية متنوعة وطبيعة خلابة تتشكل من كثرة أنهارها التي يزيد عددها على 62 نهراً رئيساً وعشرات الجداول التي تتفرع من نهرها الكبير شط العرب ، وغابات النخيل المميزة بثمارها على المستوى العالمي ، وأهوارها الساحرة بمياهها وطيورها وأسماكها وحيواناتها المختلفة . وفي الغرب صحاريها الدافئة وغابات الاثل تجسد لوحة فنية رائعة . فضلاً عن المواقع الدينية والأثرية والتاريخية ذات الاحترام والتقديس لأعداد كبيرة من الناس داخل وخارج العراق ، وتمتاز البصرة بمناخ دافئ شتاء مما يجعلها من أفضل المشاتي في المنطقة . ويتسم سكان البصرة بطيبة عجيبة وانفتاح ، وأن الغريب (السائح أو الزائر) يشعر بينهم بالألفة لانفتاحهم على العالم منذ زمن بعيد كونها ميناء العراق الرئيس وهذه لوحدها ميزة تنافسية للسياحة البصرية .
وقد وصفها الكثير من الرحالة والمستشرقين وكبار الكتاب والباحثين وأطلقوا عليها عدة أسماء منها ( جنة عدن) و (فينيسا الشرق) و (عين الدنيا وعين العراق)، إلا أن هذه المحافظة تعرضت إلى تدمير كبير في بنيتها التحتية خلال العقود الثلاث الأخيرة نتيجة الحروب التي خاضها النظام السابق، مما جعلها مدينة شبه مدمرة.
تقع البصرة على ضفاف شط العرب على بعد حوالي 67 كم من الخليج العربي . تبعد عن العاصمة بغداد بحوالي 549 كم ، وتوصف بأنها ثغر العراق ، وهي المنفذ الوحيد له للاتصال بالعالم الخارجي بحراً عبر ثلاثة خطوط ملاحية عالمية عن طريق مينائي أم قصر والفاو . ترتبط البصرة جوا عبر مطارها الدولي بعدد من العواصم العالمية ، فيما ترتبط بخمسة طرق برية منها أربعة للسيارات والخامس طريق للقطار السريع ، وبطريقين نهريين بالعاصمة والمحافظات الأخرى عبر نهري دجلة والفرات .
تجاور البصرة ثلاث دول هي الكويت ، السعودية ، إيران ، وهو ما عزز موقعها كأهم مركز تجاري في العراق . تضم البصرة حوالي (65) مليار برميل نفط خام كاحتياطي مؤكد . هو ما يتجاوز نصف الاحتياطي النفطي في العراق .
تعد البصرة من أهم المراكز الاقتصادية في العراق ، نظرا لإمكاناتها الزراعية والصناعية والتجارية، التي تؤهلها لأن تكون أحدى أهم المدن الخليجية . إن لم تكن أهمها على الإطلاق.
وقد يتساءل البعض لماذا البصرة دون غيرها من محافظات العراق يتم اختيارها كعاصمة اقتصادية للعراق؟
نجيب بأن محافظة البصرة تستحوذ على أكبر ثروة نفطية في العراق ، إذ تشير الإحصائيات إلى أنها تملك 15 حقلاً منها 12 منتجة، وتحتوي الصخور في هذه الحقول احتياطياً نفطياً يزيد على 67.8 مليار برميل مشكلاً نحو 59% من إجمالي الاحتياطي النفطي العراقي. يمثل الاحتياطي النفطي للمحافظات الجنوبية( البصرة وميسان وذي قار) قرابة 81.6 مليار برميل أي %71 من إجمالي الاحتياطي في العراق, إن ذلك يعني أن الجزء الأكبر من الاحتياطي النفطي يتركز في الجنوب وخصوصاً محافظة البصرة، ويقدر حجم الثروة النفطية في كركوك بنحو 13.8 مليار برميل مشكلاً %12 من إجمالي الاحتياطي العراقي من النفط , أما إقليم كردستان فيحتوي على 3.4 مليار برميل أي 3% من مجمل الاحتياطي .
بلغ إنتاج العراق من النفط الخام لعام 2007 حوالي ( 2,2) مليون ب /ي , كان الإنتاج من محافظة البصرة لوحدها فقط حوالي 1.945 مليون ب/ي , أي أن البصرة قد ساهمت بنسبة 86% من مجمل الإنتاج النفطي العراقي من النفط الخام .
تتميز عملية استخراج النفط في البصرة بتدني كلفة الإنتاج فهي الاوطأ على النطاق العالمي وذلك لأن حقول النفط والغاز تقع على اليابسة وفي أعماق قريبة جدا من سطح التربة, ومعظمها ذات جدوى اقتصادية عالية بسبب حجم الاحتياطي الضخم فيها وكبر مساحتها, ولا تتضمن تركيبات جيولوجية معقدة بسبب ضعف الحركات الميكانيكية للصخور خصوصاً في المنطقة الجنوبية بسبب انحدار الأراضي نحو الخليج العربي ,إذ ُقدرت تكلفة استكشاف البرميل الواحد من النفط الخام في محافظة البصرة من 10 سنت/ برميل الى40سنت/برميل حسب طبيعة الحقل النفطي المكتشف في البصرة, أما تكلفة التطوير فتُقدر في حقلي الزبير والرميلة والحقول القريبة منهما بنحو 1.570دولار لكل برميل/اليوم.
هنالك أكثر من حقل عملاق في محافظة البصرة, يضاهي اكبر الحقول في العالم , منها حقل مجنون وهو يضاهي حقل الغوار في السعودية وحقل عكاس في المنطقة الغربية. واللافت للنظر حول حقول النفط في البصرة , كونها تعد أبرز الحقول العراقية العملاقة التي تضم احتياطيات مكتشفة وهي حقل غرب القرنة وحقل جزر مجنون وحقل الرميلة , ومن أصل ستة حقول عملاقة موجودة في العراق أربعة منها في البصرة .
البصرة هي المحافظة الوحيدة في العراق التي تطل على البحر ولديها موانئ بحرية إذ أنها تطل على الخليج العربي وبلغ عدد الموانئ العراقية التي تستخدم لاستقبال البواخر والسفن أربعة هي (خور الزبير ، أم قصر ، المعقل ، أبو فلوس ) فضلاً عن وجود ميناء خامس وهو (الفاو) خاص بتصدير النفط، ومشروع ميناء الفاو الكبير الذي لم يتم المباشرة به حتى الآن.
محافظة البصرة يوجد فيها (58) مشروعاً صناعياً كبيراً ، منها (15) هي مشروعات صناعية كبيرة مملوكة للدولة . وتبلغ أعداد القوى العاملة في المشروعات الحكومية حوالي (73960) عاملاً . أما المشروعات الصناعية الكبيرة المملوكة للقطاع الخاص فيبلغ عددها (43) مشروعاً، وبالتالي فإن عدد المشروعات الصناعية الكبيرة التي تعمل في محافظة البصرة لغاية عام (2007) يبلغ عددها زهاء (35) مشروعاً صناعياً كبيراً موزعاً بين ملكية عامة وخاصة وتشكل حوالي (60%) من حجم المشروعات الصناعية الكبيرة المتواجدة في المحافظة ، وتشّغل ما يقارب من (21%) من حجم القوى العاملة الصناعية في محافظة البصرة والبالغ عددها تقريباً (375000) عاملاً .
أما عدد المشروعات الصناعية المتوسطة فيبلغ عددها حوالي (78) مشروعاً صناعياً وجميع هذه المشروعات هي من ملكية القطاع الخاص ، ويبلغ عدد العاملين في هذه المشروعات حوالي (1250) عاملاً .
أما المشروعات الصناعية الصغيرة فتقدر أعدادها في محافظة البصرة بنحو (4500) مشروعاً صناعياً صغيراً موزعاً على عموم مناطق محافظة البصرة وبخاصة الصناعية.
بلغ حجم سكان محافظة البصرة عام 2007 حوالي (5, 2) مليون نسمة موزعين على الأقضية السبعة التي تكون الوحدات الإدارية للمحافظة ، وعلى وفق نتائج المسح الميداني لمحافظة البصرة، بلغت قوة العمل المدنية في المحافظة نحو (600000) شخص يشكلون نحو 46% من السكان النشطين اقتصادياً، وحوالي 24% من إجمالي عدد سكان محافظة البصرة عام 2007. يعمل في مؤسسات القطاع العام والدوائر الحكومية في محافظة البصرة نحو (220000) عامل تبلغ نسبتهم نحو 37% من إجمالي قوة العمل، فيما يستوعب القطاع الخاص نحو (210000) عامل بنسبة مئوية قدرها 35% من القوى العاملة في البصرة.
إلا أن البصرة ونتيجة لعقود من الإهمال والحروب التي مرت على العراق خلال فترة حكم النظام السابق أصبحت مدينة مدمرة تعاني من ارتفاع نسب البطالة والفقر بين سكانها، وإن من أهم مقومات العاصمة الاقتصادية في أي بلد في العالم هي أن تتوفر فيها بنية تحتية متكاملة (كهرباء, طرقات, مياه, مجاري, قضاء نزيه ومستقل, حرية الصحافة, تعليم نوعي) كل هذه البنية للأسف معظمها هشة للغاية.... وبعضها معدومة ...! وإذا كنا نريد لـلبصرة أن تلعب الدور الاقتصادي على كافة المجالات – صناعية, خدماتية, تجارية، سياحية...الخ يجب علينا أن نوجد لها بنية تحتية متطورة مثل كل العواصم الاقتصادية في العالم..
وهذا التميز للعاصمة الاقتصادية هدفه الأول والأخير إيجاد بيئة مناسبة وجاذبة للنشاط الاقتصادي بشكل عام؛ وللاستثمار المحلي والأجنبي بشكل خاص، بمعنى أن العاصمة الاقتصادية هي من يوجد الثروة بينما العاصمة السياسية تقوم بإنفاق هذه الثروة على مشاريع التنمية، لذا نجد أن معظم العواصم الاقتصادية في العالم تكون متطورة من حيث بنيتها التحتية أفضل بكثير من العاصمة السياسية وبقية المدن أو على الأقل تكون موازية لها، أما أن تكون العاصمة الاقتصادية متخلفة كثيراً عن العاصمة السياسية وبقية المدن مثل مدن إقليم كردستان فهذا يعني أن التسمية ستكون مجرد شعار فضفاض لا يقدم ولا يؤخر في التنمية ، وهذا ما هو موجود للأسف عندنا، فالبصرة تراجعت كثيراً من حيث مستوى تطور البنية التحتية وتوفير الخدمات, وهي بحاجة إلى عمل كبير وموارد مالية وبشرية مؤهلة ومدربة من أجل تطوير هذه المدينة لتكون عاصمة اقتصادية للعراق وهذا يتطلب تضافر جهود الحكومة المركزية والحكومة المحلية وكافة دوائر ووزارات الدولة من أجل إنجاح هذا المشروع بعد إقراره في البرلمان.
وإذا ما تحقق ذلك فان ذلك سيعود بالفائدة على أهل العراق عموما وعلى أهل البصرة خصوصا إذ أن مثل هذا المشروع سيوفر الآلاف من فرص العمل مما سيقلل من نسبة البطالة وبالتالي من نسبة الفقر، كما أن عوامل الجذب الأمامي والخلفي للمشاريع التي ستقام في البصرة ستساهم في تطوير العديد من القطاعات الاقتصادية كقطاع النقل والمواصلات وقطاع السياحة وقطاع البناء وقطاع العقارات والقطاع الصناعي وقطاعات المصارف والتأمين وغيرها من القطاعات، وسيمتد أثر ذلك إلى المحافظات القريبة من البصرة.
فضلا عن أن إنشاء ميناء الفاو الكبير في البصرة سيكون دعامة أساسية لتطوير المدينة واعتمادها كحلقة وصل بين الخليج العربي وبقية محافظات العراق ومنها إلى تركيا ثم إلى أوربا، مما سينشط حركة النقل البري والنقل بالقطارات بين العراق وأوربا.
#عدنان_فرحان_الجوراني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟