أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد حمدان - حوار أملاه الحاضر 11 الشريعة وتطبيق الحدود حد الجنايات 1















المزيد.....



حوار أملاه الحاضر 11 الشريعة وتطبيق الحدود حد الجنايات 1


عبد المجيد حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 3989 - 2013 / 1 / 31 - 20:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حوار أملاه الحاضر 11
الشريعة وتطبيق الحدود حدود الجنايات 1

قلت لمحاوري : تعال نبدأ حوارنا بداية مختلفة بعض الشيء هذه المرة . قال : كيف ؟ قلت : أن نعود للخلف قليلا ، وأن نتوقف عند بعض ما يطرح ، مما له علاقة بأمور تتعلق بتطبيق الشريعة والحدود . قال : ليكن . لك ذلك ، رغم أنني لم أتبين قصدك بعد . قلت : دعني بداية أسألك : ما سر إصراركم على استبدال قوانين الجنايات المعمول بها ، بما تصفونه بالحدود في الشريعة ؟ قال : اتق الله يا رجل ، أتقارن قوانين وضعها الإنسان بقوانين من عند الله تعالى ؟ وغير ذلك فالقوانين التي تشير إليها ، وتسمى بالقانون المدني ، هي قوانين مستوردة ، هي ليست حتى من إنتاج عقلنا ، ولا تتناسب مع تراثنا ، ولا تلتقي مع ثقافتنا ، أو تتقاطع مع عاداتنا وتقاليدنا . وفي ظنك هل يمكن ، مهما اتسعت وتنوعت ، أن تضاهي في شموليتها ومضامينها قوانين هي من عند الله تعالى ؟ قلت : ولكن يا صديقي يمكن لأي متمعن لقوانين الشريعة أن يرى فيها ملمحين شديدي الأهمية : الأول أنها جاءت شبه مطابقة ، شديدة التماثل ، مع الأعراف ، التقاليد ، والعادات ، التي كانت سائدة في مجتمع الحجاز ما قبل الإسلام . وأن الاختلاف ، إن وقع ، فهو إضافة هنا ، أو حذف هناك ، وبما لا يمس الجوهر . بمعنى أن الأصل فيها بشري ، صار من خلال تبني الشريعة له إلهي . ومن غير الجائز الظن بأن مجتمع الحجاز كان متقدما ، من حيث أعرافه القانونية ، على قوانين مجتمعات الإمبراطوريات التي عايشها ، أو حتى تلك التي سبقته . الثاني : أن آيات التشريع تحتل مساحة صغيرة من مجمل مساحة القرآن ، حوالي 600 آية من بين ما يزيد على ستة آلاف . ولما كان بعضها مكرر ، حمل تطويرا أو تعديلا لما قبله ، فإن مجمل آيات التشريع لا يزيد عن 400 . ولما كان أن النسج طال بعضها ، فيتردد الآن قول بأن آيات التشريع الباقية لا تزيد كثيرا عن بضع وثمانين آية ، أي بضع وثمانين قانونا . فهل هي في رأيك أوسع وأشمل من مواد القانون المدني ؟
المواءمة مع المجتمع :
قال : بالنسبة للنقطة الأولى ما كان من الممكن تنزيل شرائع على مجتمع تتنافى ، أو تتعارض ، كي تتصادم ، مع أعرافه وتقاليده . كان بداهة سيرفضها وبرفض الدعوة ذاتها . وهكذا جاءت التشريعات متآلفة مع أعرافه وتقاليده ، ليقبلها . والحقيقة أن التعديلات لم تكن طفيفة . كانت عميقة وأحيانا قلبت الوضع تماما ، مثل حد القتل كما سترى . وبالنسبة للثاني فقد قام القياس والاجتهاد والفقه بالمهمة ، بمعنى أن قاموس التشريع لم يتوقف عن النمو ، التطوير ، التحديث والاتساع طوال الوقت . وبالتالي ظل التشريع الإسلامي أوسع وأكثر شمولية ، وأوفى لحاجات المسلم من أي تشريع آخر . قلت : أتفق معك في النقطة الأولى . إذ لم يكن بالإمكان تنزيل شرائع ، على أهل الحجاز ، وبقية جزيرة العرب ، متعارضة ، أو متقدمة على عادات وأعراف ، على ثقافة وتراث ، بيئتهم . ولذلك تبنت هذه التشريعات ، في مجملها ، تلك الأعراف والتقاليد . لكن ما تتجاهلونه أن هذه التشريعات فرضت على أقوام ، مجتمعات ، بيئات ، كانت ثقافاتها ، تراثها القانوني ، مغايرة تماما لتلك التي كانت في الحجاز . والآن تطلبون تطبيقها على عالم مغاير تماما لذلك الذي كان في الحجاز . فكيف تبررون ذلك ؟ والثاني أن أصحاب الاجتهاد والفقه والقياس ...الخ بشر ، ومنتوجهم ، مهما قلتم ، هو منتوج بشري ، يتأثر بالمستوى الحضاري ، الثقافي ، الفكري والإنساني لمجتمعاتهم . والسؤال : لماذا يقبل هذا ولا يقبل غيره ؟ هذا بالإضافة إلى أن القانونيين ، في بلد كمصر مثلا ، قدموا الدليل تلو الدليل ، أقاموا البرهان ، على أن التشريعات التي تصفونها بالمدنية ، وتطالبون بإبطالها وإحلال الشريعة محلها ، تتفق ، ولا تتعارض بأي حال ، مع مبادئ الشريعة . وأضفت : هل تعتقد أن البلدان المفتوحة لم يكن بها قوانين تنظم حياة مجتمعاتها ؟ هل تتصور أن الإمبراطورية الرومانية ، التي كان القانون مساهمتها الكبرى للحضارة الإنسانية ، كانت بلا قوانين للعقوبات ؟ بلا قوانين للجنايات ، للزنا وغيرها ؟ قال : نعم كانت لديهم قوانين ، لكن القوانين الإسلامية كانت أشمل وأعم وأوسع . ولعلك تعرف صلاحية التشريعات الإسلامية ، من حيث جوهرها ومضامينها ، لكل زمان ومكان ، ولكل مجتمع من المجتمعات البشرية ، في كل زمان ومكان أيضا . قلت : وكيف عرفت ؟ هل قام المسلمون بدراسات مقارنة أثبتت صحة ما تقول ؟ هم لم يفعلوا ذلك لا مع الرومان ولا مع الفرس ، ولا مع المصريين ، ولا حتى مع أهل الحجاز أنفسهم . قال : ولكن تطبيق الحدود الإسلامية حمل ميزة الردع ، بدليل أن دولة الخلافة الراشدية شهدت تراجعا حادا في الجريمة بكل أنواعها ، وعرف الناس الطمأنينة في عهدها . لقد نعموا بأمن وأمان لم يعرفوا مثله ، لا سابقا ولا لاحقا . قلت : أنت الآن فتحت بابا كبيرا لا أريد الدخول فيه . فأنت تعرف أن حديث الأمن والأمان ، وأمثلة الطمأنينة والاطمئنان ، اقتصرت على المدينة وحدها ، وهي ليست كل البلاد . ولم يكن الحال حتى في عواصم الأمصار كما كان في المدينة . ومع ذلك ، وكما قلت لك ، هذا موضوع كبير ليس هنا مجاله . أنتم تعتقدون أن قوة الردع الكامنة في الحدود ، في حال تطبيقها ، هي التي ستأتي بالأمان ، لأنها ستخفض من منسوب الجريمة . أليس كذلك ؟ قال : نعم . فالتطبيق الصحيح للحدود سينهي الجريمة ، سيقتلعها من جذورها . قلت : سمعت مسؤولا في أحد التيارات الإسلامية ، في إحدى الفضائيات ، يقول كيف أن قطع يد السارق ، وكان يستخدم يده وسيلة إيضاح ، سيردع السارقين ، وبالتالي سيتم القضاء على جرائم السرقة . وأنا أسألك : ألم يتم تطبيق هذه العقوبة في مكة قبل الإسلام ؟ ألم يتواصل تطبيقها في كل العهود الإسلامية ؟ فهل ردعت السارقين ؟ بمعنى هل السر يكمن في العقوبة ذاتها ، أم في توافر عوامل أخرى عديدة معها ؟ وألم تكن العقوبات في مجتمعات ما قبل الإسلام ، الرومان ، الفرس الإغريق ، المصريين ، السومريين ، البابليين ، الهنود ، الصينيين ....الخ ، أشد حزما ، وأكثر قسوة من الحدود الإسلامية ؟ فهل نجح تطبيق العقوبات في وقف الجرائم ، أم أنه كان لا بد من توافر عوامل كثيرة أخرى ، في مقدمتها قوة الدولة ، ازدهارها الاقتصادي ، غناؤها الثقافي ...الخ ؟ قال : في الحقيقة لا أعرف . قلت : أنا ، من مناقشاتي المتعددة معكم ، وصلت إلى قناعة مفادها أنكم تتصورون ، بل مقتنعون ، بأن الأمم الأخرى ، قبل مجيء الإسلام ، لم تكن لديها نظم تشريعية ، بقوانين مكتوبة ، أو متداولة ، تعتني بمختلف جوانب حياتها . والأئمة والوعاظ يكررون ذلك كثيرا عن الحجاز وجزيرة العرب ، باعتبار أن وضع تلك المجتمعات ، أو القبائل ، لو صح ما يقولون ، يماثل حال مجتمعات العالم الأخرى . قال : ولكن ألم يكن ذلك هو الحال ؟ وبالتالي أليس ما نقول هو عين الحقيقة ؟ قلت : بالقطع لا . وسأثبت لك ذلك من خلال مناقشتنا لحدود الجنايات ، والقتل في مقدمتها . ضحك قائلا : إذن لنمض على بركة الله .
آيات حدود الجنايات :
قلت : إذن تعال نبدأ من استحضار آيات حد الجنايات ، مع وقفة قصيرة مع كل منها . قال : موافق ، علني أرى آخرتها معك . قلت : نبدأ إذن من الآيتين 178 و179 من سورة البقرة ، وهذا نصها :{ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وآداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب عليم * ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب } . قلت : ماذا تقرأ في هذه الآية ؟ قال : ماذا تعني ؟ ومن أنا حتى أراجع كلام الله الذي لا أرى فيه إلا القبول والخضوع ووجوب الالتزام ، والترحيب بالتطبيق . قلت : ولكن ألا يلفت انتباهك أن الآية لا تساوي بين الناس حتى في تطبيق الحدود ؟ قال : اتق الله يا رجل . أتعترض على مشيئة الله ؟ قلت : ولكن الآية تقول بوضوح أن الناس ينقسمون إلى أحرار وعبيد ، من ناحية ، وإلى ذكور وإناث من ناحية أخرى ، وهؤلاء غير أولئك ، وكذلك حقوقهم وتبعات أفعالهم ؟ قال : ولكن المجتمع كان كذلك ، وبديهي أن يأتي التشريع متوائما معه . قلت : والآن انتهى عهد العبودية ، وبقي هذا التمييز غير الإنساني بين المرأة والرجل . والقانون المدني ، وفي موضوع جناية القتل ساوى بينهما ، فهل يتوجب ، بتطبيق الشريعة ، أن نعود حتى عن هذه المساواة ؟ قال : أنا لست قاضيا ، وليس بمقدوري حتى أن أشير على القاضي كيف سيتصرف . إلا أنني أؤكد أن لا مجال لمجرد التفكير بتجاوز تطبيق حكم هذه الآية أو غيرها . ثم يا أخي هناك آيات كثيرة يؤكد نصها على المساواة بين الناس من حيث تطبيق هذه الحدود . قلت : سنأتي لهذه الآيات ، ولا أقول من الآن أنها ليست كما تقول . وسؤالي الثاني : هل كان العرف الحجازي مخالفا لنص هذه الآية ؟ قال : بكل تأكيد كان مخالفا . قلت : ولكن كتب التراث تعلمنا بعكس ما تقول . صحيح أن أعراف مكة والمدينة تختلف بعض الشيء عن أعراف البادية ، حيث الأخيرون تدفعهم نزعة الثأر لعدم القبول بالقصاص على أساس المساواة ، ولكن مبدأ الواحد بالواحد كان هو السائد في عرف مكة والمدينة والطائف ، وكذلك مبدأ ، أو عرف ، لا تزعل ، حق الولي في العفو أو وجوب القصاص . سكت مفكرا ثم قال : في الحقيقة لا أعرف إن كان ما تقول صحيحا أم لا .
قلت : لننتقل إلى سورة النساء والآيتين 92 و93 وتنصان :{ وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مُسَلَّمة إلى أهله إلا أن يَصَّدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مُسَلَّمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما * ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا أليما } . قلت : والآن أسألك من جديد : كيف تقرأ هاتين الآيتين ؟ قال مستثارا : كيف أقرأها ؟ ما الذي تقوله ؟ هي آيات محكمات وليس لي غير الإذعان والخضوع لأحكامها . قلت : ولكن ألا تلاحظ أن الآيتين 1) لم تفرضا عقوبة مباشرة تقع على القاتل . 2) وأن تحرير الرقبة مشروط بأن تكون الرقبة مؤمنة؟. 3) وأن هذا الجانب من العقوبة قد انتفى بانتفاء عصر العبودية ؟ 4) وأن الآية لم تحدد عقوبة للقاتل في حال أن كان المقتول غير مؤمن ؟.5) وأن هذا تفريق جديد يطيح بفكرة مساواة دماء الناس ؟ 6) وأن الآية الثانية تعيدنا إلى مبدأ القصاص المقرر في الآية 178 من سورة البقرة السالفة ؟ قال : يا أخي أنت تجرجرني إلى منزلق خطر . وأستطيع أن أقول لك أن تفسير الآيات ، هذه وغيرها لا يتم على هذا النحو ، وإلا فسيجرنا إلى الشك في حكمة الله ، وهو منزلق قد يوصل صاحبه إلى الكفر والعياذ بالله . قلت : ولكن ألا تعتقد أن تحرير رقبة غير مسلمة ، تحرير إنسان أقرب إلى الله من صيام شهرين متتابعين ؟ قال : قلت لك أنت تذهب بنا إلى منزلق خطير . ثم صاح فجأة : يا رجل اتق الله في نفسك وفينا . أنت بهذا تشركني في إثمك والعياذ بالله . قلت : سامحك الله . ودعنا ننتقل إلى الآيتين 32 و45 من سورة المائدة وحيث المخاطبة لبني إسرائيل وللتوراة . تنص الآيتان على : { من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا } وقلت : وأنت ولا شك تعرف أن الإشارة هنا { من أجل ذلك .. } هي لفعل قابيل بقتل أخيه هابيل . و{ وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون } . ومن جديد أعاود السؤال : كيف تقرأ هاتين الآيتين ؟ استشاط محاوري غضبا معيدا أقواله الأولى وغيرها ، ولذلك قلت : ألا تذكرك الآية الثانية ، والآية 178 من سورة البقرة ، التي بدأنا بها حديثنا ، بشيء ؟ قال : ماذا تقصد ؟ قلت : ألا يقفز إلى ذهنك فورا ، وأنت تقرأهما ، ما سبق وتعلمته في المدرسة عن شريعة حمورابي ، ذلك الملك السومري الذي حكم قبل الميلاد ب1790 سنة ؟ قال : نعم صحيح ، فهو صاحب تشريع العين بالعين والسن بالسن والعبد بالعبد ...الخ . لكن تشريعنا يتجاوز ذلك التشريع كثيرا وكثيرا جدا . قلت : ليكن ذلك . وما دامت الآيتان تتحدثان عن بني إسرائيل وما ورد في توراتهم ، تعال نستطلع ذلك . قال مستنفرا : وكيف نستطلعه والتوراة التي بين أيدينا محرفة ومزورة ؟ قلت : دعنا من جدل عقيم ولا طائل تحته . ولنفتح التوراة على سفر الخروج – بالمناسبة نصوصها ملزمة لأتباع الديانتين اليهودية والمسيحية لأنها كتابهما المقدس – ولنفتح على الإصحاح 21 ونقرأ الآيات الخاصة بحد القتل ، ونترك آيات القصاص الأخرى لحلقة الحوار اللاحقة ، ونقرأ :[ من ضرب إنسانا ومات يُقتل قتلا (13) ولكن الذي لم يتعمد بل أوقع الله في يده فأنا أجعل له مكانا يهرب إليه (14) وإذا بغى إنسان على صاحبه ليقتله بغدر فمن عند مذبحي تأخذه للموت (15) ومن ضرب أباه وأمه يقتل قتلا (16) ومن سرق إنسانا وباعه أو وجد في يده يقتل قتلا (17) ومن شتم أباه وأمه يقتل قتلا (18) وإذا نطح ثور رجلا أو امرأة فمات يرجم الثور ولا يؤكل لحمه (29) ولكن إن كان ثورا نطاحا من قبل وقد أشهد على صاحبه ولم يضبطه فقتل رجلا أو امرأة فالثور يرجم وصاحبه أيضا يقتل (30) وإن وضعت عليه فدية يدفع فداء نفسه كل ما يوضع عليه (31) ]. ومرة أخرى نذكر أننا تركنا آيات قصاص الجروح للحلقة القادمة . وعدت أسأل محاوري : ما رأيك فيما قرأت ؟ قال : أسمح لي أن أمتنع عن التعليق . قلت : أما أنا فإليك بعض ملاحظاتي : 1- هذه الآيات وإن تحدد عقوبة القتل بالقتل ، إلا أنها لا تشير إلى وضعية المقتول ، حرا أو عبدا أو أنثى ، مع أن آيات قصاص الجروح تتناولها . 2- لفتت انتباهي ، ومن ثم اهتمامي عقوبة شتم وضرب الوالدين وهي القتل . 3 - اهتمامي من حيث المقارنة ما ورد بخصوصها في التنزيل . فالآيتان 23 و24 من سورة الإسراء تنصان على { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا } 4 –هذه الآيات تشير بعدم فرض عقوبة على شاتم أو ضارب أبيه أو أمه . ومع أن الاعتداء على الوالدين يتكرر في مجتمعنا ، وإلى حد إدخالهما المستشفى إلا أن وعاظنا وأئمة مساجدنا لا يرون في هكذا جريمة ما يوجب تخصيص خطبة أو وعظة لها . 5- وهنا تحضرنا شريعة حمورابي التي تنص على أن ضارب أبيه أو أمه تقطع يده . 6 والعقوبة مشابهة في تشريعات المصريين والإغريق والرومان وغيرهم . 7- في النص التوراتي نص تطبيق عقوبة القتل على مختطفي البشر ، أطفال أو نساء ، أو غيرهم للاتجار بهم ، ولا نص مشابه في التنزيل . وعدت أسأله : ماذا تقول ؟ ما رأيك ؟ وعاد يكرر : أمتنع عن التعليق ، مؤكدا أن التشريع الإسلامي أشمل وأكمل .
ونعود إلى التنزيل والآيات 31 و33 من سورة الإسراء ونصهما :{ ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيرا * ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قُتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا } . وعدت أسأل محاوري : كيف تقرأ هاتين الآيتين ؟ قال : عدنا من جديد لمراجعة كلام الله ، وهو ما أعوذ بالله منه . يا سيدي كان الناس في الجاهلية يتخلصون من أطفالهم الصغار في سني القحط لضمان عيش القادر على توفير بعض الطعام للآخرين . أي يضحون بالبعض لضمان بقاء البعض الآخر . وجاء التنزيل لينهى عن فعل هذه الفاحشة واصفا إياها بالخطأ الكبير . أما الآية الثانية فلأن بعض أولياء القتلى كانوا يسرفون في الانتقام من أولياء القاتل فجاء الإسلام لينهاهم عن ذلك ، وليؤكد على ضرورة أن يكون القصاص نفسا بنفس لا أكثر . وأضاف : ألا ترى أن هذا هو ميزان العدل ؟ قلت : أما أنا فلفت نظري 1- أن الآية الأولى لم تحدد عقوبة لقاتل ابنه أو ابنته ، أيا كان السبب ، واكتفت بالنصح واعتبار القتل خطأ كبيرا . 2- وأن الآيتين جاريتا أعراف أهل الحجاز التي كانت قائمة آنذاك ، وتشريع سلطان ولي الأمر الذي كان قائما آنذاك ، مكتفية بمناشدته عدم الإسراف في القتل ، وهو نص مفتوح كما ترى . هز محاوري رأسه حارما إياي من معرفة ما إذا كان يوافقني أو يخالفني فيما قلت .
شروط وجوب القصاص :
وقلت لمحاوري : دعنا الآن ننتقل إلى كيفية الوصول للحكم والنطق به ، أو ما يوصف بشروط وجوب القصاص . وحتى لا نتوه بين الفقهاء وكتبهم ، دعنا نستعين بسيد سابق وكتابه فقه السنة . وسيد سابق كما تعلم كان من أساتذة الأزهر ، وفي ذات الوقت أحد رموز الإخوان المسلمين ، ومن هنا ، من هذا الظرف الحاصل الآن ، تنبع أهمية الرجل وكتابه . ولأن شروط وجوب القصاص جاءت من ص334 إلى ص338 المجلد الثاني ، وللتسهيل علينا ، وعلى القارئ ، سألخصها في نقاط ، وكما يلي : 1- أن يكون المقتول معصوم الدم . 2- لا قصاص على صغير ولا مجنون ولا معتوه لأنهم غير مكلفين . 3- لا مسؤولية على من فقد إرادته – من أرغم على القتل – 4- أن لا يكون القاتل أصلا للمقتول ....لا يقتص من والد قتل ولده أو ولد ولده ...بخلاف ما إذا قتل الابن أحد أبويه . 5- أن يكون المقتول مكافئا للقاتل حال جنايته بأن يساويه في الدين ، والحرية . فلا قصاص على مسلم قتل كافرا أو حر قتل عبدا لعدم التكافؤ بين القاتل والمقتول . بخلاف ما إذا قتل الكافر مسلما أو قتل العبد حرا – وهذا ما ينطبق على قتل الرجل للمرأة رغم أن سيد سابق لا يذكرها - 6- بالنسبة للذمي والمعاهد فقد اختلفت فيها أنظار الفقهاء فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يقتل بهما لصحة الأحاديث في ذلك – سنوردها في الفقرة التالية – وقال الأحناف وابن أبي ليلى " إذا قتل المسلم الذمي أو المعاهد بغير حق فإنه يقتل بهما" استنادا للآية 45 من سورة المائدة سالفة الذكر . 7 – يورد الدارقطني أن رجلا قتل عبده صبرا متعمدا فجلده النبي مائة جلدة ونفاه سنة ومحا سهمه من المسلمين ولم يُقد به وأمره بتحرير رقبة . 8- لا يقتل الحر بغير الحر وإذا كان لا يقتل به – بالعبد - فإنه يلزمه قيمته بلغت ما بلغت وإن جاوزت دية الحر . هذا إذا كان عبد غيره أما إذا كان عبده فما ذكر في الحديث . 9 – وقال أبو حنيفة : يقتل الحر بالعبد إلا إذا كان سيده استنادا للآية 45 السالفة الذكر .
وقلت لمحاوري : قبل أن أسالك بالله عليك كيف يمكن التعامل مع هكذا شروط ، تقوم على التمييز الصارخ بين المسلم وغير المسلم ، بين الحر والعبد ، أي الإطاحة هكذا بمبدأ المواطنة ، قبل أن أسألك ذلك ، تعال نراجع الأحاديث ، كما أوردها سيد سابق أيضا .
أحاديث وجوب القصاص :
ولأن هذه الأحاديث متفرقة في الصفحات السالف ذكرها نوردها على الشكل التالي : 1- في تفسير الآية 33 من سورة الإسراء { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ...} وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة " . 2- في معصية قابيل وقتله لأخيه هابيل ، قال صلى الله عليه وسلم :" ليس من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم كفل من دمها ، لأنه أول من سن القتل " رواه البخاري ومسلم . 3- وعن ابن عباس :" لا توبة لقاتل مؤمن عمدا " ، و" ولزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق " . رواه ابن ماجة 4- " لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار " رواه الترمذي . 5- من أعان على دم امرئ مسلم ولو بشطر كلمة كتب بين عينيه يوم القيامة : آيس من رحمة الله " . رواه البيهقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص . 7- من قتل معاهدا لم يرم رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين سنة " البخاري ومسلم . 8- سلسلة أحاديث عن قتل النفس – الانتحار - . 9- " لا يقتل الوالد بالولد " ابن عبد البر . 10 – أورد البخاري ، وأحمد في مسنده ، وأبو داود ، والنسائي والحاكم ، عن علي بن أبي طالب سأله أبو جحيفة :" هل عندكم شيء من الوحي ليس في القرآن ؟ قال : لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن وما في هذه الصحيفة . قلت : وما في هذه الصحيفة ؟ قال : المؤمنون تتكافأ دماؤهم ، وفكاك الأسير ، وألا يقتل مسلم بكافر " . 11– وأخرج البيهقي أن رسول الله قتل مسلما بمعاهد .
والآن جاء أوان السؤال : كيف كمسلم تقرأ ما سلف من شروط وأحاديث وجوب القصاص ؟ قال : أنا مسلم ، مؤمن وقابل بكل حرف وتفصيلة منها . قلت : دعنا من موضوع العبيد الذين لا وجود لهم الآن إلا في قصور أكثرية الملوك والأمراء العرب ، ولنتوقف عند مسألة المسلم والكافر . أنت ترى أن الأحاديث ركزت على عظم جريمة قتل المسلم وما سيلاقيه القاتل في الآخرة ، دون أن تشير إلى هول جريمة قتل الإنسان كإنسان . كما أن الأخذ بمبدأ التكافؤ يعني تقسيم مجتمع الدولة ، أي دولة في أيامنا ، ويعصف بمبدأ المواطنة ،الذي هو أحد أهم مبادئ الديموقراطية ، التي تقول الجماعات الإسلامية بقبولها الآن . وسؤالي لك : كيف يمكنك أن تتصور ما سيؤول إليهالعالم – دول الاتحاد الأوروبي ألغت عقوبة الإعدام وكذلك كندا وإسرائيل - لو أخذت الدول بمبدأ " لا يقتل مؤمن بكافر " ؟ قال متظاهرا بعدم الفهم : لم أفهم سؤالك . قلت : كما تعرف في عالمنا أديان عديدة . وفي كل البلدان هناك دين الأغلبية ، وأديان للأقليات . والدين الإسلامي دين الأغلبية في عدد منها ، ودين الأقلية في أكثرها . ولأن كل دين يعتبر تابعه مؤمنا وتابع الدين الآخر كافرا ، فإن تطبيق المبدأ السالف عالميا يدخلنا إلى حالة تمييز من الصعب جدا تصور أبعادها . قال وهو يحاول تكوين صورة شاملة في ذهنه : في الحقيقة لا يسعفني خيالي على تجسيد صورة لما تقول . قلت : تصور مثلا لو أن تايلاند ، أو بورما – مينامار حاليا – أو أي بلد في جنوب شرق آسيا أخذت بهذا المبدأ . إذن حسب قانونها لا يجوز قتل البوذي بالمسلم لأن الأول مؤمن والثاني كافر . وفي الصين لا يجوز قتل الكونفوشي بالمسلم لأن الأول هو المؤمن والمسلم هو الكافر . وفي روسيا لا يقتل المسيحي بالمسلم ، وفي الهند لا يقتل الهندوسي بالمسلم ، لينقلب الحال في البلاد العربية وذات الأغلبية المسلمة ، كإيران وباكستان ...الخ . وأعيد السؤال : أي عالم هذا الذي سنبنيه مستندين إلى تطبيق الشريعة ؟ قال: في الحقيقة أنا أول مرة أرى المسألة على هذا النحو . قلت : ولنأخذ مسألة الذمي والمعاهد . أنت تعرف أن عواصم الدول تضم عاملي السفارات الأجنبية ، إلى جانب جاليات من دولها ، صغيرة وكبيرة . بالله عليك ، كيف ستصنفون هؤلاء ، تحت بند الذميين أم تحت بند المعاهدين ؟ وكيف سيطبق الحكم على من يقع ضمن موضوعنا هذا ، قاتلا كان أو مقتولا ؟ وقبل أن تجيب أذكرك أن عمل السفارات في الأصل رعاية مصالح وحيوات مواطنيها هؤلاء ؟ قال : أصارحك مجددا أنني لم أر الصورة على هذا النحو . قلت : يتصور بعض الإسلاميين أن انتشار الإسلام وسيطرته على العالم باتت قريبة . ويتصورون أيضا أن دول العالم لا يمكن ، استنادا لنظمها الديموقراطية ، ولإقرارها معاهدات حقوق الإنسان ، ولسيادة مبدأ المواطنة في ربوعها ، لا يمكن ، بل من المستحيل ، أن تأخذ بالمبدأ السابق – أفضلية المؤمن على الكافر - ولذلك فإن تطبيق هذا المبدأ في الدولة الإسلامية ، لن يلحق ضررا بالأقليات الإسلامية المنتشرة في كل دول العالم ، ولن يوصل إلى حالة التمييز المفترضة . وأيضا حين تسود دولة الإسلام العالم – وأوانها قريب كما يعتقدون – يخضع العالم لمبدأ واحد ، هو المبدأ الإسلامي سالف الذكر ، ومن ثم يتساوى البشر أمامه ، مع علو للمسلم على غيره . وسألت : أليس ذلك صحيحا ؟ قال : بهزة رأس تحمل من هم التفكير فيما سمع من جديد ، أكثر مما تحمل من القبول : نعم صحيح .
عقوبات القتل بين الأمم :
قلت : تعال ننتقل خطوة أخرى . يفهم المستمع إلى عظات الوعاظ ، وخطب أئمة المساجد ، وكأن عقوبة قتل القاتل مقصورة على الشريعة الإسلامية فقط . هل ترى بداية أن هذا الفهم صحيح ؟ قال : ليس بالضبط . العقوبة نفسها وجدت قبل الإسلام وبعده . لكن تميز الإسلام بتنطيمها في تشريع محكم ومفصل ، كما نصت الآيات السالف ذكرها ، وكما أبانتها السنة الشريفة ، وأضافت لها وراكمتها جهود وعقول علماء الأمة وفقهاؤها . قلت : لكن سنة التطور البشري أوضحت لنا كيف أن منظومات القانون ظلت ترتقي مسايرة لهذا التطور . شريعة حمورابي مثلا ، وفي مواد قوانين القصاص كانت ملائمة لذلك العصر ، وحتى لعصور طويلة بعده . حتى أن الإسلام شرع ما يناظرها . ويلاحظ المرء كيف أن المجتمعات القديمة انتقلت من شريعة الانتقام لدم المقتول ، إلى تقنين القتل بالقتل في المجتمعات المدنية ، وإلى البديل المالي في بعضها لاحقا ، وإلى إلغاء هذه العقوبة حديثا في بعض الدول ، وبما يشير إلى أن العالم جميعا يتجه نحو الأخذ بهذا الإلغاء . وبالمناسبة فإن عقوبة الإعدام لم تكن قصاصا على القتل وحده . وقلت : خذ مثلا : فرض الآشوريون عقوبة القتل على الزناة في حال القبض عليهم متلبسين ، فيما فرض الفراعنة هذه العقوبة على شهادة الزور ، وعلى مزوري البيانات الحكومية الرسمية ، وعلى من يمتنع عن تقديم العون لمن يتعرض للموت وهو قادر على إنقاذه . أما الإغريق – اليونان القديمة – فقد فرضوا عقوبة الموت على الخيانة ، فيما فرضها الرومان على الزنا وعلى خاطفي العذارى للتمتع بهن أو لبيعهن ، وعلى السرقة ، في حال التلبس . لكنهم لم يوقعوا عقوبة الإعدام على الحر ، وإبدلوها إما بتحويله عبدا لدى أهل المغدور ، بعد الجلد ، أو الاكتفاء بنفيه إن كان من طبقة الأشراف . وعند عرب المدينة ومكة والطائف – الأماكن الحضرية ، كان القتل عقوبة القاتل ، فيما أبقت القبائل على الثأر والانتقام . وفرض العرب عقوبة القتل على الزنا والرجم بالحجارة حتى الموت ، وكذلك قتل السارق الذي يكرر السرقة ، بعد قطع يديه في المرة الأولى والثانية . وكما أشرنا في حلقة سابقة كان من حق الزوج قتل الزوجة وعشيقها في حال ضبطهم متلبسين . وأنهي بالقول أن كل مجتمعات وأديان العالم أخذت بعقوبة القتل – ارجع للاقتباس من التوراة - ، إلى أن ظهرت جمعيات حقوق الإنسان الحديثة ، وحيث نجحت مطالباتها بوقف هذه العقوبة ، بإلغائها في أكثرية الدول الأوروبية ، وفي دول أخرى – إسرائيل مثلا . ومع أن مفسري الآيات سالفة الذكر يوضحون أن التنزيل استجاب لعادات أهل الحجاز ، بسلطان أهل القتيل على القاتل ، وأن المجتمعات البشرية كلها تقريبا ، تجاوزت هذا الأمر ، إلا أنكم تحاولون معاودة تطبيقه ، بدعوى أنه الأكمل والأشمل والأصح ...الخ . قال : الصحيح أنني أعرف القليل عما هو سائد في المجتمعات الأخرى ، قديمها وحديثها ، لكنني أؤكد أن تطبيق حدود القتل ، كما نصت عليه الشريعة ، لأنها الأعدل والأشمل والأكمل ، كفيل بالحد من وقوع هذه الجريمة ، ويدشن الطريق أمام اختفائها تماما . قلت : مع كل التمييز الذي أشرنا إليه ، ومع العصف بمبدأ المواطنة ؟ قال : نعم حتى مع ذلك الذي تزعمه أنت وغيرك من كارهي تطبيق الشريعة . قلت : يا رجل اتق الله هل هو مجرد زعم أم أنه حقيقة لم تنجح أنت في نفيها ؟ قال : قل ما شئت ، ولكن لا شيء أكمل وأشمل وأعدل من شرع سنه الله لخير امتنا وسعادتنا بضمان أمننا وأماننا .
تنفيذ القصاص :
قلت ضاحكا : تعال ننتقل إلى نقطة أخرى أداة التنفيذ . لا شك أنك تعرف ، لأنك سمعت على الأقل ، أن قطع الرأس بالسيف ، هو الطريق الأرحم ، وطبيعي الأسهل ، لتنفيذ شرع الله في القصاص . قال : نعم ذلك صحيح . إنه الوسيلة الأرحم ، الأسرع ، والأسهل ، والأقل تعذيبا على من تنفذ به هذه العقوبة القاسية . هو أسهل وأرحم من كل الوسائل الأخرى ، الكهرباء ، الغاز ، الشنق ... الخ . قلت : استنادا إلى ماذا تتحدث بهذه الثقة عن صحة هذا الحكم وفاعليته ؟ هل أجريت دراسات على نفسية المحكوم عليهم ، ومن نفذ بحقهم حكم الإعدام ، ليأتي هذا التفضيل للسيف ؟ هل قال من قطعت رؤوسهم أن عذابهم كان أقل من عذاب الشنق ، أو الموت بالصعقة الكهربائية ؟ هل قالوا أنهم كانوا أقل خوفا ، أقل رهبة ، وهم يواجهون السيف من مواجهة الكرسي الكهربائي مثلا ؟ قال : لم يحصل أي من ذلك ، ولكن استخدام النبي للسيف ، ينبئ أنه الوسيلة الأرحم والأقل عذابا للمحكوم من غيرها ؟ قلت : وهل كان في زمن النبي كهرباء وغاز قاتل . يا رجل حتى الشجر الملائم لتنفيذ عقوبة الشنق كان غير متوفر في أكثر بقاع الجزيرة . قال : نحن نؤ من أن الله لا يريد عذاب الناس ، حتى المجرمين منهم ، وأن النبي لم يستخدم ، كما لم يوصي باستخدام أداة تزيد من عذاب الإنسان ، وهكذا نعتقد أن تنفيذ العقوبة بقطع الرأس بالسيف ، هي الوسيلة الأرحم لأنها سنة نبينا صلى الله عليه وسلم . قلت : إذن تعال نعود إلى سيد سابق وكتابه فقه السنة . يقول وتحت عنوان : " بم يكون القصاص " ( الأصل في القصاص أن يقتل القاتل بالطريقة التي قتل بها ، لأن ذلك مقتضى المماثلة والمساواة ، إلا أن يطول تعذيبه بذلك فيكون السيف له أروح ) ويورد عن النبي حديثا يقول :" من غرَّض غرَّضنا له ، ومن حرَّق حرَّقناه ، ومن غرَّق غرقناه " .والتغريض هو اتخاذ المقتول غرضا للسهام . كما ينقل عن النبي أنه نفذ حكم القصاص بيهودي قتل امرأة برضخ رأسها بحجر ، بأن رضخ رأسه بحجر . طبعا هناك آراء فقهية متعددة حول تنفيذ العقوبة بالسيف ، واستنادها لأحاديث نبوية . وأسألك : ألم يلفت انتباهك واهتمامك أن أهل الحجاز ، قبل الإسلام ظلوا ينفذون هذه العقوبة بقط الرأس بالسيف ؟ قال : نعم أعرف ذلك . قلت : هل اختاروه لأنه الوسيلة الأرحم والأسرع والأعدل أم لأنه الوسيلة المتوفرة آنذاك ؟ قال بعد تفكير : في الحقيقة لا أعرف . قلت : هم أيضا كانوا ينفذون الحكم بالصلب ، وبجرج الجسم جراحات متعددة ، ليموت المصلوب بالنزف في النهاية . وأضفت : هل لديك فكرة كيف كانت الأمم الأخرى تنفذ هذه العقوبة ؟ قال : ليس بالتحديد ولكنها كانت في الأغلب وحشية وقاسية جدا . قلت : هذا صحيح بالإجمال الآشوريون مثلا كانوا يستخدمون قطع الرأس ، سلخ الجلد ، تهشيم عظام الجسم ....الخ . أما الفراعنة فكانوا يقومون بتقطيع جسد قاتل أبيه ثم حرقه حيا على الأشواك . وكانوا يرمون المحكوم عليه إلى التماسيح ، وببتر أعضائه ليتكفل النزف بموته . أما الرومان ، وكانوا ينفذون عقوبة القتل بالعبد كما أشرنا ، بعد الجلد بالصلب أو بإلقائه من قمة شاهقة ، أعلى جبل مثلا . وبالمناسبة هذه الوسائل كلها ، وأبشع وأكثر وحشية وبربرية منها بكثير ، استخدمها الخلفاء والملوك والسلاطين المسلمون ، ولكن ضد معارضيهم السياسيين ، كما سنرى في الحلقة القادمة .
الديات :
وقلت لمحاوري : تعال ننهي حوارنا اليوم بحديث الديات . قال : لك ذلك . قلت : الدية كما تعرف عرف حجازي ، كان قائما قبل الإسلام . كانت الدية محددة بعشرة من الإبل ، رفعها عبد المطلب ، جد النبي إلى مائة ، وهو فداء ابنه عبد الله ، الذي ارتضه الآلهة ، بديلا لذبحه تنفيذا لنذر أنذره عبد المطلب ، إن رزقته الآلهة بعشرة أولاد ذكور – يمكن مراجعة هذه الأسطورة في سيرة ابن هشام ، أو في أي سيرة نبوية - . وفي مكة كانت مهمة تحديد الديات ، دفعها وإتمام الصلح بعدها ، موكلة لبني عدي ، رهط عمر بن الخطاب ، ولعب هو شخصيا دورا مرموقا فيها ، ولهذا السبب ، وربما لغيرة سموا بلعقة الدم . وأضفت : أكيد لفت انتباهك أن عرب الجزيرة لم يميزوا في الدية على أساس الدين ، وأنهم ميزوها على أساس الوضع الاجتماعي – لا دية للعبد ولكن يقدر ويدفع ثمنه ولو كان أعلى من دية الحر ، وعلى أساس الجنس – دية الأنثى نصف دية الذكر – . وسؤالي : هل أخذ الإسلام بالتشريع السابق ، أم أضاف له ، في صالح محو أو تقليص التمييز ، أم أضاف لهذا التمييز تمييزا جديدا ؟ قال : بداية أعترض على صيغة السؤال التي توحي بأن العدالة ليست هي مقصد التنزيل الخاص بالديات . وأضيف أن الإسلام ، وقطعا ، انحاز إلى جانب العدالة ، ولكنه لم يناقض الواقع الذي كان قائما آنذاك . قلت : تعال إذن نحتكم إلى سيد سابق وكتابه فقه السنة . يقول في دية المرأة ، ص359 :" دية المرأة إذا قتلت خطأ نصف دية الرجل ، وكذلك دية أطرافها ، وجراحاتها على النصف من دية الرجل " . ثم يورد ما يسند قوله هذا . وتحت عنوان دية أهل الكتاب ص360 :" ودية أهل الكتاب إذا قتلوا خطأ نصف دية المسلم . فدية الذكر منهم نصف دية المسلم ، ودية المرأة من نسائهم نصف دية المسلمة " . ثم يورد براهين تسند قوله هذا . وعن دية الجنين في الصفحة التالية يقول :" إذا مات الجنين بسبب الجناية على أمه عمدا أو خطأ ، ولم تمت الأم وجب فيه غُرَّة " ، وإذا مات بعد ولادته – خرج حيا ثم مات - فله دية . ثم يحدد مقدار كل من الغرة وهي عبد أو وليدة أو خمسمائة درهم أو ما يكافئها من الغنم وغيرها . وهذا ليس هو المهم هنا . المهم أن الشرع ميز بين غُرَّة جنين المسلمة وجنين الذمية . قال سيد سابق :" أما جنين الذمية ، فقد قال صاحب بداية المجتهد : قال مالك والشافعي وأبو حنيفة : فيه عُشْر دية أمه ، لكن أبا حنيفة على أصله ، في أن دية الذمي دية المسلم ، والشافعي على أصله ، في أن دية الذمي ثلث دية المسلم ، ومالك على أصله ، في أن دية الذمي نصف دية المسلم " . وقلت : كيف يتقبل العقل هذا التمييز بين جنين وجنين ؟ ألم يخطر ببال المسلمين احتمالية أن يعتنق هذا الجنين الإسلام ، لو قدرت له الحياة ؟ وأضفت منهيا حوار هذه الحلقة ، هل بعد كل ذلك يمكن القول أن الإسلام ساوى بين الناس ، أم أن تطبيق الشريعة سيعصف بالمساواة المحدودة التي تحققها القوانين المدنية ؟ وهل يسعفنا ما سبق في فهم مبررات رفض تيارات الإسلام السياسي للديموقراطية ككل ، ولمبدأ المواطنة على وجه الخصوص ؟ أظن أنه يفعل ذلك . وسنرى المزيد في حلقتنا القادمة عن حد الحرابة وقصاص الجروح . فإلى لقاء .









#عبد_المجيد_حمدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار أملاه الحاضر 10 الشريعة وتطبيق الحدود ملك اليمين والمجت ...
- حوار أملاه الحاضر 9 الشريعة وتطبيق الحدود ....زنا الإماء
- حوار أملاه الحاضر 8 النبي وتطبيق حد الزنا
- حوارأملاه الحاضر 7 الشريع وتطبيق الحدود حد الزنا 2
- حوار أملاه الحاضر 6 الشريعة وتطبيق الحدود ....الزنا (1)
- حوار أملاه الحاضر 5 الشريعة وتطبيق الحدود ....الخمر
- حوار أملاه الحاضر 4 العورات بين المجتمعي الإنساني والرباني
- حوار أملاه الحاضر 3
- حوار أملاه الحاضر 2
- حوار أملاه الحاضر
- عفوك يا سماحة المفتي 3
- خطوة للأمام ... عشر للوراء
- عفوك يا سماحة المفتي 2
- تسونامي إسلامي يضرب جامعة بيرزيت
- يافخامة الرئيس لم تقدم شعوبنا كل هذه التضحيات لتحصل على ديمو ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 17 اختطاف الثورة قبل الأخ ...
- عفوك يا سماحة المفتي هذه ليست مساواة
- تغيير يوجب تغييرات
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 16 تغيير ام إصلاح
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 15 المثقفون وأدوارهم 4 سو ...


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد حمدان - حوار أملاه الحاضر 11 الشريعة وتطبيق الحدود حد الجنايات 1