|
ورقة أولية حول الوضع العام والمهام
نبيل عثمان
الحوار المتمدن-العدد: 3989 - 2013 / 1 / 31 - 16:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
العولمة الراسمالية ومميزاتها تتميز المرحلة الراهنة بكونها طور جديد في تطور الامبريالية و ازمتها . ويتعلق هذا الطور بتحولات عميقة في ميدان تراكم الراسمال ، والتي سمكن ان نلخضها في النقاط التالية: 1 ) هيمنة الاستثمارات المالية و المضارباتية. وقد ساعد على هذه الهيمنة الموجة الطويلة للازمة التي ترافقت مع سياسات تقشفية معممة ادت الى تقليص المنافذ جراء ضرب القدرة الشرائية لاوسع الفئات الاجتماعية. هذا في الوقت الذي انتعشت فيه معدلات الربح في مجموعة من القطاعات من جراء الرفع من إنتاجية العمل و التراجع على المكتسبات الاجتماعية. و نتج عن هذا رأسمال مالي فائض اتجه ليس نحو استثمارات منتجة، بل إلى دائرة البورصة. هذا الميل يعبر عن انتقال لفائض القيمة وهيمنة الرأسمال المالي على الرأسمال الصناعي،ويدعم الأزمات عوض أن يسمح للرأسمالية بخلق شروط نمو اقتصادي. 2 ) الميل إلى تأسيس سوق عالمية موحدة. فقد أدى كل من تحرير المبادلات وتأسيس مجموعات جهوية و الرغبة في إخضاع كل الأنشطة لمنطق السوق إلى تنافس مباشر و معمم بين الاقتصادات في السوق العالمية. وتكمن إحدى أوجه هذه السيرورة في تمركز وتركز الرأسمال العالمي: تقليص عدد الشركات متعددة الجنسيات وتوسيع هيمنتها. فالتجارة العالمية تمثل أكثر من الأسواق المحلية، وكلاهما خاضع لهيمنة الشركات متعددة الجنسيات التي أصبحت اقل فاقل ارتباطا بالبلدان الأم. 3 ) تبدل في دور الدولة، لم يعد هذا الدور يكمن في تقنين الأنشطة الاقتصادية و إرساء نظام حمائي، بل في مسايرة المنحى النيوليبرالي وتسريعه وفق متطلبات السوق العالمية. لم يعد تدخل الدولة، كما في المرحلة السابقة، يكمن في فرض توافقات اجتماعية ونهج سياسة اجتماعية. فعلى سبيل المثال، نجد البنك المركزي الأوربي يفرض مجموعة من التوصيات على الحكومات الأوربية، والتي تؤدي إلى تفكيك القطاع العام و نظام الحماية الاجتماعية. تقلص دور الدولة هذا (سيرورة لم تكتمل بعد) يقابله تنامي دور مؤسسات دولية كصندوق النقد الدولي والبنك العالمي و المنظمة العالمية للتجارة. إن تأسيس دولة عالمية للبرجوازية مازال مستحيلا، لكن مشاريع من قبل الاتفاق متعدد الأطراف من اجل الاستثمار ( AMI) وقمة سياتل وتوصيات المنظمة العالمية للتجارة. تبين بالملموس بان الشركات متعددة الجنسيات تحاول فرض إجراءات اقتصادية وسياسية وإعطائها قوة القانون. ففي المرحلة الراهنة، إذا كان للدولة دور في إعادة إنتاج علاقات الاستغلال في كل بلد والحفاظ على الوضع القائم، فعليها الخضوع للعولمة والتخلي عن عناصر سيادتها كالعملة والقطاع العام و نظام الحماية الاجتماعية والملكية الصناعية و العقارية والذهنية والنظام الجبائي، الخ، والتي لم تعد تحدد أكثر فأكثر وفق قوانين محلية. 4 ) لا تقف الرأسمالية موقفا سلبيا إزاء أزمتها الحالية. فرهان ربح المنافسة على الصعيد العالمي يكمن في الهيمنة على الأسواق التقليدية و خلق أسواق جديدة، خصوصا في قطاع الاتصالات و المعلوماتية و التأمينات و الكائنات الناتجة عن التعديل الجيني (Organismes modifiés Génétiquement ) . إن تعدد المنتوجات المشتقة يبين أن الرأسمالية تحاول خلق حاجيات جديدة وبنية استهلاكية جديدة تقود أسس التقسيم الدولي للعمل الذي عرفته المرحلة السابقة. 5 ) محاولة إرساء تنظيم جديد للعمل لمسايرة حدة التنافس وتبدل الأسواق. ومن هنا الحاجة إلى مرونة قوة العمل وضرب الأجر الاجتماعي و ترسيخ نظام العقد المحددة. ويهدف العقد من الباطن للعديد من الأنشطة إلى ضمان إنتاجية قصوى وتفكيك قوة العمال الجماعية. إن تنظيم العمل هذا، المبني على المرونة وتقليص تكاليف قوة العمل، هو الهدف الرئيسي للهجوم البورجوازي في كل البلدان.
العولمة و بلدان العالم الثالث 1 ) لقد تراجعت الاستثمارات الأجنبية في بلدان العالم الثالث بشكل ملحوظ. وذلك راجع لكون موازين القوى الأساسية بين الشركات متعددة الجنسيات يوجد في البلدان الصناعية المتقدمة التي تتركز فيها الاستثمارات (80 في المائة من الاستثمارات على الصعيد العالمي). فبلدان العالم الثالث لا تتوفر لا على الأسواق و لا على بنى تحتية ولا على تكنولوجيات أو استقرار اجتماعي. كما إن امتيازاتها التفضيلية لم تعد تلعب دورا كبيرا. لم تعد بلدان المركز في حاجة إلى المواد الأولية التقليدية التي يجري تعويضها بمواد بديلة. كما أن الرأسمالية اليوم في حاجة إلى قوة عمل مؤهلة تتكيف مع التكنولوجية المعقدة. فالرأسماليون لا يهمهم فقط مستوى الأجور المنخفضة. فهم يربطونه بإنتاجية قوة العمل. خلال الحقبة الممتدة من الستينات إلى بداية الثمانينات، ترافق الاستعمال المكثف لقوة العمل مع إرساء صناعة محلية خفيفة أو صناعة تحويلية أولية موجهة نحو التصدير. لكن لم يعد هذا يتطابق مع التحولات التي تسير في اتجاه إرساء تقسيم دولي جديد للعمل، حيث تزاح بلدان الجنوب عن الأسواق الصاعدة ويتقلص الطلب على منتوجاتها التقليدية، مما أدى إلى تراجع ثقلها في الاقتصاد العالمي. 2 ) تعميق التبعية. بلغت المديونية أرقاما هائلة، ويعوق استردادها كل إمكانية تطور اقتصادي. فقد كان من نتاج سياسات التقويم الهيكلي ليس فقط تدهور شروط الحياة، ولكنها كانت عاملا أساسيا في تحرير كل الأنشطة الاقتصادية للبلدان المدينة التي اضطرت لإعادة مركزة أنشطتها في اتجاه التصدير للحصول على العملة الصعبة وفتح أسواقها المحلية للمنافسة الأجنبية. هذه السيرورة التي أرستها المديونية تتدعم من خلال مشاريع إرساء مناطق التبادل الحر وثقل المؤسسات الدولية التي أصبحت تتحكم أكثر فأكثر في السياسات الحكومية. وهذا يؤدي ليس فقط إلى مواجهة مباشرة وغير متكافئة بين البلدان الصناعية المتقدمة و بلدان العالم الثالث، ولكن أيضا بين بلدان العالم الثالث نفسها. وذلك لكون كل بلد تابع يسعى إلى تعميق السياسات الليبرالية وتوفير الامتيازات ليس فقط لإعادة جدولة الديون أو الحصول على قروض جديدة، ولكن لجلب الاستثمارات الأجنبية. وهذا التنافس يخلق شروط استعمار جديد يدمر كل الأنظمة الحمائية لتوفير شروط التكيف مع العولمة. فالاستثمارات تتعلق أساسا بالخوصصات التي تمر عبر البورصة و التي تفتح إمكانيات المضاربات. وبطريقة أدق. تتجه الرساميل الأجنبية للعالم الثالث بشكل انتقائي و عابر. ويكمن هدفها في غزو الأسواق على حساب المقاولات المحلية، وتملك المؤسسات العمومية المربحة، وذلك في إطار إستراتيجية مربحة للتنافس تكون فيها بلدان العالم الثالث في أحسن الأحوال قواعد للتصدير ورهينة سياسات الشركات متعددة الجنسيات. 3 ) ستؤدي هذه المرحلة من تطور الامبريالية إلى تغييرات عميقة في بنية العلاقات الاجتماعية. فالبورجوازية المحلية ستتأثر بالتقسيم العالمي الجديد و سيجد القسم الأكبر من شرائحها صعوبات في التكيف مع هذه التغييرات. كما أن إمكانيات توسع الطبقات الوسطى و البورجوازية الصغرى اخدة في التقلص مع استحالة القيام بسياسات اقتصادية محلية وتطوير سوق محلية. وتتعرض الطبقة العاملة لتحولات عميقة مع تغيير تنظيم العمل و تفكيك قطاعات إنتاجية والتسريحات الجماعية، الخ. أما الفلاحون، فهم مهددون حتى في وجودهم من جراء التغيرات الحاصلة في المجال الغذائي الذي أصبحت تهيمن فيه اكثر فاكثر منتوجات كيماوية اصلها المختبر. فعلى سبيل المثال، سيؤدي الاستعمال المعمم للكائنات الناتجة عن التعديل الجيني (OMG ) الى التخلي عن انتاج وتسويق البذور الطبيعية لصالح بذور كيميائية تستحيل اعادة انتاجها والتي ستتحكم فيها الشركات متعددة الجنسيات. وهذا التهميش على مستوى الانتاج يترافق مع تركز ملكة الاراضي من طرف الصناعات الغذائية مع حلول اجال منطقة التبادل الحر. 4 ) الدولة الراسمالية التابعة في ازمة. فقد فقدت كل امكانية في تجسيد شرعية وطنية كما كان الامر غداة الاستقلال. فهي خاضعة للعولمة ولم تعد لها اية امكانية في ضمان شروط تصنيع محلي وتنمية من شانها ضمان شروط افضل للحياة. هكذا نجد انفسنا في وضعية تعرف فيها كل الطبقات باستثناء العملاء العصريين تهديدا في وضعيتهم المادية من طرف الامبريالية. كما ان هذه الدولة لم تعد تجسد شرعية اجتماعية، حيث نسفت قاعدة دولة-الرفاه من خلال خوصة القطاع العام وضرب مجانية الصحة والتعليم والغاء صندوق المقاصة، الخ. وتنامي التفاوتات الاجتماعية. واخيرا، فقدان هذه الدولة لكل شرعية ديموقراطية حيث يبقى جوهر حكمها استبداديا وتنعدم فيها الحريات. هذه المميزات تعم كل بلدان الجنوب كيفما كانت اشكال حكمها السياسي في المرحلة السابقة. وهذا ما يفسر غياب استقرار سياسي عام، بل و هناك تفكك للدولة في بعض البلدان الافريقية.
نتائج العولمة على المغرب 1 ) على المستوى الاقتصادي سيستتبع مشروع منطقة التبادل الحر الموقع مع اوربا خضوع تام لميكانيزمات المنافسة مؤديا الى جعل نمط تدخل الدولة على الصعيد الاقتصادي و الاجتماعي مخط تساؤل، وذلك بشكل اكثر تعبيرا مما كان عليه الامر في ظل سياسات التقويم الهيكلي. فالخضوع للعولمة يهدد قدرة الدولة على توجيه استراتيجية التراكم الراسمالي. ان الازمة المادية للدولة تسير نحو التعمق. فالبنك الدولي يقدر بان تحرير المبادلات في اطار منطقة التبادل الحر سيؤدي الى خسارة في المداخيل الجمركية بحوالي 8.5 مليار، أي ما يعادل % 68 من مجموع المداخل الجمركية و 20% من مداخيل الدولة، في الوقت الذي تتقلص فيه المداخيل الرئيسية للعملة الصعبة (تقلص عائدات المهاجرين بالخارج التي تشكل 70 % من عوائد العملة الصعبة، ازمة السياحة ، الخ). وتعتبر الخوصصة التي تشهد وثيرة سريعة بدورها تصفية حقيقية للمؤسسات العمومية ذات المردودية، كما انها تقلص من المداخيل المنتظمة للدولة. اما المديونية فتمثل % 54 من الناتج الداخلي الخام و 30℅ من الميزانية العامة. وتمثل خدمة الدين قرابة 70℅ من الصادرات. بل اكثر من ذلك، يتعلق الجزء الاعظم من هذه الديون بمؤسسات مالية خاصة. هذا دون ان ننسى الدين الداخلي الذي يمثل 40℅ من الناتج الداخلي الخام. بالاضافة للازمة المادية الدولية، تنعدم الامكانية الموضوعية التي تمكن من ايجاد الشروط العامة لتراكم محلي في المرحلة الخالية من تطور الاقتصاد العالمي و اعادة تقويمه. فالدولة تحاول خلق مناخ اقتصادي شامل لصالح توسيع القطاع الخاص وجدب الرساميل الخارجية وخلق دينامية شاملة لضمان اندماج ناجح في منطقة التبادل الحر. هذا المناخ نعني به اجمالا خلق شروط ضمان دورة سريعة للراسمال وارباح هامة على مستوى الانتاجية. وكل هذا يبقى وهما اذا علمنا ان البورجوازية في هذه المرحلة تستقطبها الاستثمارات المضارباتية غير المنتجة وكل ما يمكن ان يحقق ارباحا طائلة في اسرع وقت، واذا علمنا ان الدولة لا تمتلك لا الوسائل و لا الارادة لطرح مشروع شامل للتصنيع وحيث ان طبيعة الطبقات السائدة تدفعها الى اعتبار الاقتصاد مجرد منبع للنهب. وهذه الشروط الضرورية لاندماج ناجح تتناقض مع الديناميات الليبرالية الحالية. ماهو محتمل بالاحرى هو عدم امكانية انتقال اقتصاد مرتكز على الفلاحة و المناجم والصناعات التحويلية الخفيفة وعلى انشطة ذات قيمة-اضافية ضعيفة، وعلى المضاربات العقارية، الى اقتصاد صناعي وحتى شبه-صناعي، خصوصا في الوضعية الحالية التي تتجابه من خلالها اكثر فاكثر، اقتصادات ذات انتاجية متباينة مرتبطة بعلاقات الهيمنة والتبعية. ان العولمة الراسمالية ستكون لها نتائج مدمرة في فترة زمنية قصيرة، فمن المحتمل تدمير قطاعات اقتصادية كاملة و انهيار الارباح في اجزاء كبيرة من نظام الانتاج الذي تمثل فيه المقاولات الصغرى والمتوسطة 94℅. في اطار التسابق اللا متساوي الى العولمة سجل تقرير للبنك الدولي، ضرورة بلوغ معدل نمو عال، والا فان عائدات الصادرات ستتقلص من 22℅ حاليا إلى 0.9℅ في سنة 2010 . وبذلك ستنسف اسس الاندماج التنافسي في السوق العالمية.لكن تسريع الإصلاحات الليبرالية من شانه ان يخلق وضعية معقدة بالنسبة للبورجوازية. فالدولة لا تملك الوسائل لتتخلص من الضغوطات الثقيلة للسوق العالمية، ولا تملك سياسة بديلة، وتبقى سياستها مكبلة في ديناميتها بضرورة التكيف مع حلول آجال منطقة التبادل الحر. وحول هذه الميولات تتمحور أزمة الدولة وضعف مشروعية النظام. هناك بعد سياسي تشمله مشاريع منطقة التبادل الحر وتتلاقى فيه مع النظام المغربي الذي يلعب أيضا على هذا الوتر: فالمناداة بالشراكة وفتح مجال اكبر للرساميل الخارجية تبررها في الخطاب الرسمي ضرورة دعم النضام الذي يمنح دائما لكبار هذا العالم ضمانات عن اخلاصه وقدرته على الحفاض على استقرار لا يقارن بالدول المجاورة. ان المشكل لا يتعلق فقط برغبات الدول ونواياها الرسمية و انما بالدينامية الحقيقية لازمة التراكم في هذه الفترة من اعادة تقويم الاقتصاد العالمي الذي تتحدد فيه من جديد موازين القوى والاستراتيجيات الجيو-سياسية وخرائط الاسواق والاشكال الجديدة للتبعية، الخ. ان الاشكال السابقة للتقسيم العالمي للعمل تمنع المغرب من التكيف مع منطق العولمة: الاختيارات الاقتصادية المنجزة بعد الاستقلال الشكلي استجابت لمتطلبات تخصص ضيق نسبيا وخضعت لحاجيات السوق الاوربية، وهذه الاختيارات تتطابق مع مصالح الكتلة السائدة التي تستمد قاعدتها الاجتماعية من اولغارشية عقارية معارضة لاي اصلاح زراعي و رافضة لارساء اية دينامية تدعم قطاعات اخرى من البورجوازية الصناعية ولتنامي قوى اجتماعية اخرى خصوصا طبقة عاملة اكثر اهمية وتنظيما بامكانها تهديد الاسس الاجتماعية و الاقتصادية للملكية. خلال العقد الاخير، شهدت قطاعات التصدير الاساسية (النسيج، الفوسفاط، الحوامض، والصيد البحري) تراجعا. فهذا القرن سيشهد ثورة تكنولوجية في طرق الانتاج والتبادل والتوزيع، مما سيعمق التفاوتات في الانتاجية ويضر بطبيعة الطلب. هذه الثورة ستشمل البيو-تكنلوجيا والطرق السيارة للمعلوميات، والحصة المتنامية للمنتوجات الكيماوية، والخدمات،الخ. ففي الوقت الذي بدات تغلق فيه الاسواق التقليدية او اصبحت محط منافسة، لم يجر التحكم في الاسواق الصاعدة، لذلك تظن البورجوازية انه يكفيها اعادة تكثيف الاستغلال لتتمكن من احتلال مكانتها في تلك الاسواق. ان التفاوتات في الانتاجية وفي غزو الاسواق الجديدة لا يمكن ان تلغيها زيادة بسيطة في معدل الاستغلال. فلكي تصبح باطرونا النسيج بالمغرب تنافسية، يمكن ان تقلص اجور العمال والعاملات وان تستغلهم ليل نهار، وان تدخل طرق انتاج جديدة اذا ما كانت مرتبطة براسمال خارجي او توفرت على الوسائل الضرورية لكن ما يفكر فيه باطرونا مغربي سينجزه باطرون كوري او تونسي كي يصبح اكثر تنافسية. هؤلاء واولئك، وفي اطار المؤسسة المعممة، يستغلون العمال اكثر دون ان يخلق ذلك حظوظا اضافية على مستوى السوق العالمية. بالعكس، يبقى هدف المنافسة متناقضا مع نمو السوق الداخلية ومع الزيادة في كتلة الاجور في الوقت الذي تتعمم فيه المنافسة بين بلدان الجنوب نفسها. بالطبع، فالباطرونا المحلية تعرف انها لاتملك أسس ولا ارادة التراكم المستقل الذي يفترض على الاقل استقلالا عن ضغوطات السوق العالمية والسير في توسيع السوق الداخلية والتطور الصناعي. فرهانها على الانفتاح يرتكز على الاستقطاب الكثيف للرساميل الاجنبية في اطار الشراكة مرتبط، على الاقل، بعاملين اساسيين هما القدرة على تحسين وضعيتها بشكل يجعلها ذات مردودية وتنافسية ثم استراتيجية الراسمال الاجنبي التي تهددها. فيما يخص العنصر الاول فان بلوغ هذه الوضعية بالنسبة لاغلبية المقاولات الصغرى والمتوسطة والتي تشكل لحمة النسيج الصناعي، يبقى ضعيف المنال بسبب ضعف رسملتها وضخامة مصاريفها. اما فيما يخص العنصر الثاني فقد جرى إرساء مركز للتشخيص يهيمن عليه خبراء اوربيون وتنحصر مهمتهم في تقييم متطلبات اعادة الهيكلة في اطار برنامج ميدا. والهدف المحدد لهذا المركز هو تقليص عدد المقاولات التي ستفلس من جراء اقامة منطقة التبادل الحر، أي التخفيف من وقع صدمات الانفتاح بدل مسايرة برنامج للتحديث او العصرنة كما يدعي الخطاب الرسمي.
خلاصة لا يخرج المغرب عن اطار الميولات العامة للاقتصاد الراسمالي العالمي. فهو لا يتوفر على سوق محلية صاعدة نتيجة تركز المداخيل في ايدي كمشة من الاغنياء وضعف القدرة الشرائية للجماهير الشعبية. ان الرساميل الاجنبية لن تجد طريقها الى المغرب لكونه لا يتوفر على يد عاملة مؤهلة للتكيف مع التكنلوجبا المتطورة، ولا على بنيات تحتية ونسيج صناعي قادر على ضمان شروط التنافسية. وفي احسن الاحوال لن تتجاوز الاستثمارات حدود تدفقات ظرفية ليس بامكانها خلق مناصب شغل وتعويض الخسائر التي سيحدثها التكيف مع ارساء منطقة التبادل الحر. وبالتالي، لن تمكن من احداث دينامية في النسيج الاقتصادي المحلي، مادام المغرب سيعتبر مجرد قنطرة للعبور نحو السوق الاوربية. ان الفرضية الاكثر احتمالا هي تركيب لسيرورتين: من جهة تعميق التبعية عبر الوساطة في بعض القطاعات المحددة والمرتبطة بمصالح الشريحة السائدة، ومن جهة ثانية تفكك اقتصادي لجزء كبير من المقاولات الخاصة والعمومية امام عجزها على التكيف مع ضغوطات السوق العالمية.
2 ) على المستوى الاجتماعي كل هذه التطورات لها نتائج على مستوى احتداد التناقضات الطبقية: _التناقضات داخل الطبقة السائدة والحاكمة بين الشرائح المرتبطة بالراسمالية العالمية والشرائح "الطفيلية". فالارتباط بالسوق العالمية يتم من خلال منافذ تعترضها مشاكل فعلية فيما يخص التسويق واحتداد المنافسة وتطور الطلب العالمي وشفافية الاسواق. ثم ان البيروقراطية البورجوازية التي راكمت من خلال تسييرها للقطاع العام ارباحا ضخمة تفتقد الى امكانيات تحويلها الى قطاع خاص مربح. _التناقضات بين الامبريالية والنوات الصلبة للطبقة المهيمنة المرتبطة بها وشرائح البورجوازية الصغيرة والمتوسطة. هذه الاخيرة توجد في وضعية عجز بنيوي للتكيف مع متطلبات الانفتاح، في الوقت الذي بدات تتاكد فيه سيرورة تركز وتمركز الراسمال المحلي الموجه نحو "الكل من اجل التصدير ّ تحت قيادة هذه النواة. - التناقض الرئيسي بين الراسمال والعمل. _التناقض بين الطبقة المهيمنة ومجموع الجماهير الشعبية التي تعيش سيرورة افقار حاد. بالطبع لا يجب التضخيم في تقدير دينامية هذه التناقضات التي تبقى في جوهرها مجرد تعارضات فيما يخص الشرائح البورجوازية. فردود افعال القسم من البورجوازية المرتبطة بقطاعات غير تنافسية تبقى دون أي افق استراتيجي. انها لا تتوفر على وسائل تمكنها من الافلات من سلطة السوق العالمية ونفوذها رغم انها متضررة منها. كما انها تحتاج لجهاز الدولة الذي يبقى ضامنا لوجودها الطبقي في مواجهة المضطهدين، ولو استدعى منها ذلك التضحية بمصالحها المباشرة. لكن من المؤكد ان ذلك سيؤدي الى اضعاف التوازنات الداخلية للطبقات المالكة. فالبورجوازية لاتتوفر على منابع اخرى لضمان التنافسية سوى الزيادة في معدل الاستغلال. وتدفعها اجال منطقة التبادل الحر الى التسريع بهجومها. وهذا هو ما يهيمن بالكامل على مشروع مدونة الشغل لأجل مأسسة مرونة شغل عامة ، وذلك بالتوازي مع اضعاف قدرة الطبقة العاملة على النضال والتنظيم الجماعيين. ان دينامية ازمة التراكم في اطار العولمة الحالية لا يمكن أن يؤدي سوى الى تعميق الازمة الاجتماعية وتعميمها. وتتركب الميولات نحو التهميش والفقر والاستغلال البشع وتقوية التباينات الاجتماعية لتضاعف من الحلقة الاضعف للنضام. فالبرجوازية لم يعد بامكانها تقديم التنازلات ويجب عليها سحق البروليتاريا اكثر. الا ان هذه الاخيرة، ورغم هزائمها الجزئية، لم تعش تفككا وتذريرا يحكمان عليها بالسلبية لفترة طويلة. ومثل هذه الوضعية حبلى بالتحديات. فالنضالات العمالية خلال الفترة الاخيرة (النسيج، المناجم، النقل، القطاع الخاص، الخ) تدل من حيث مدتها وكفاحيتها على الميل لايجاد سبل المواجهة رغم موازين القوى غير الملائمة. ان كل اوجه شروط العيش الملموسة(السكن، الاجرة، البطالة، شروط العمل، الصحة، النقل، التعليم...) اصبحت عوامل قوية للتجذر ويمكن ان تشكل مفجرا اجتماعيا.
3 ) _ على المستوى السياسي ان مجمل هذه التناقضات الاجتماعية تزداد حدة مع العولمة الراسمالية وتقلص من القاعدة المادية للتنازلات الممكنة وتوفير شروط استقرار اجتماعي و سياسي. وهذا ما دفع الملكية الى القيام" باصلاحات" سياسة بهدف تفادي انفجار الازمة الاجتماعية والسياسية التي تعمقت منذ الثمانينات. وقد ساعدتها في ذلك احزاب المعارضة البورجوازية التي قبلت بان تكون اداة لتمرير مخططات الامبريالية مع الحفاض على "السلم الاجتماعي". فقد تشكلت "الكتلة الديمقراطية" على اساس تقييم سياسي يعتقد ان النظام قد يحتاجها لملء الفراغ الحكومي الذي يغذيه فقدان المصداقية المعمم للاحزاب "الادارية" على الاقل للتخفيف من ازمة مشروعية الملكية او تفادي تفجرها. لهذا، لابد من جبهة موحدة لاحزاب المعارضة الرئيسية لتشكيل قوة ذات مصداقية للتعاون الطبقي، تستطيع توضيف علاقاتها وقدراتها لتاطير الحركة العمالية و"المجتمع المدني". هذا التقييم ليس خاطئا. فازمة الملكية تترافق مع ضغط العولمة ومشاريع منطقة التبادل الحر، مما يفرض ضرورة اعطاء نفس جديد لالة الحكم للاستمرار في توجه طبقي باقل تكلفة سياسية. وعلى المعارضة ان تلعب دورها في جعل العمال يتحملون اعباء ازمة الراسمالية. ومن هنا ذلك الاستعداد الذي ابانت عنه، مع بداية التسعينات، لتسلم زمام تسيير الشؤون العامة في الطار الذي تحدده الملكية. لم تسع ابدا هذه الاحزاب الى تشكيل موازين قوى في صالحها او لتطوير مواجهة ولو محدودة مع الملكية. فمركز ثقل قاعدتها الاجتماعية يوجد في الشرائح الوسطى سواء في تلك التي لم تندمج في سيرورة الانتاج (المهن الحرة، الانتليجنسيا الجامعية، موظفي واطر الدولة...)، او التي تشكل جزءا لا يتجزا من طبقة المالكين. وهذا الامر ينطبق اساسا على حزب الاستقلال ولكن ايضا على الاتحاد الاشتراكي. وعلى هذا الاساس، فهما يفتقدان للسبل والمصلحة للاضطلاع بمشروع مستقل او متعارض جذريا مع البنيات المتأزمة للرأسمالية التابعة وتعبيرها السياسي. بل على العكس، فقد تكيفا مع الليبرالية ويعتبران الاندماج مع العولمة الراسمالية معطى موضوعيا ثابثا لا يمكن تفاديه ولا تغييره. وياتي هذا في سياق المازق العام الذي تعرفه تجارب مشاريع "راسمالية وطنية" بكل اشكالها، وهجوم الايديولوجية البورجوازية منذ عقد الثمانينات. ومن جهة اخرى، تبلورت احزاب الكتلة في وجودها الملموس كاجهزة بيروقراطية، حيث تنزل شبكة المنتخبين الجماعيين والبرلمانيين وموظفي الحزب بكل ثقلها على سير هذه الاحزاب وحياتها اليومية. واصبحت اكثر من أي وقت مضى موجهة نحو الاشكالية الانتخابية مستبطنة تقاليد الدولة "المخزنية" التي احتوتها على جمبع المستويات. لقد اصبحت هذه البيروقراطية تساهم بشكل مباشر في تسيير مؤسسات الدولة، على هدا المستوى او ذاك، وارتبطت بالكامل بمنطق المحافظة على جهازها الحزبي والتحكم فيه وادماجه في الدولة. لقد احدثت احزاب المعارضة هوة في في علاقاتها مع التنضيمات الجماهيرية والحركات الاجتماعية. وقد كان هذا شرطا لسياسة التعاون الطبقي التي تنهجها. فهي تتجنب في العمق اجبار نفسها على خوض عمل جماهيري قد يشكل عائقا لاندماجها ومشاركتها في الحكومة. وليس هذا سوى تعبير عن دينامية اكد عليها الثوريون الماركسيون منذ زمن بعيد: كلما تعمقت التناقضات الاجتماعية وليس فقط في الاوضاع الثورية المباشرة، الا وارتمت المعارضة البورجوازية في معسكر الرجعية، ارتماءا ليس فقط موضوعيا بل هو سياسي ومباشر كدلك. فلقد ارتمت احزاب المعارضة في احضان الملكية معتبرة اياها ضامنة للاستقرار ، وذلك لتقلص تاثيرها وتاطيرها الاجتماعي وازمة مشروعها الديمقراطي البورجوازي من جهة، وتفادي انفجار الاوضاع وخطر صعود الرجعية الاسلامية التي تتغذى من جزء من قاعدتها الاجتماعية من جهة اخرى. وهي بذلك ساعدت الملكية في تمرير اصلاحاتها التي تهدف الى: - ضمان انتقال هادئ للحكم -التكيف مع التحولات العالمية وتجديد قواعد الارتكاز بالنسبة للامبريالية على المستوى الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي - احتواء النضالات العمالية والاجتماعية عبر ادماج المنضمات الجماهيرية في استراتيجية "السلم الاجتماعي". -ضمان حياد الطبقات الوسطى والبورجوازية الصغيرة وخداعها بتقديم تنازلات شكلية.
ان العولمة الرأسمالية ستسرع من الوثيرة العامة للتناقضات الداخلية. فالمطلوب اذن هو اصلاحات سياسية جدية في اتجاه ديمقراطية فعلية واصلاحات اجتماعية مستعجلة تمكن من تحسين شروط العيش. لكن الطبقات المهيمنة تعارضها بشراسة. ان مؤسسة الديكتاتورية المعممة للسوق لن تؤدي الا الى تقوية الاستبداد السياسي لتعويض ازمة مشروعيته والعمل على الغاء أي بوادر تغيير اجتماعي وسياسي للمستغلين، وان كانت ازمة المشروعية لا تؤدي تلقائيا الى ازمة هيمنة. فالامر يستلزم استنزافا للنظام السياسي وتعميقا لازمة الاحزاب الليبرالية. كما انه يجب استنهاض نشاط الجماهير وبناء بديل ثوري ذي مصداقية. ان ما يمنح مضاهر القوة للملكية هو بالضبط ازمة العامل الذاتي والارادة المستقرة للجماهير الكادحة ووعيها المنضم. فعمق الازمة واتساعها في جزء كبير منه، يحجب غياب بديل سياسي قادر على استغلاله لصالح الجماهير. وهذا الغياب يمنح للبرجوازية سبل المناورة لمواصلة هجومهاوالاخذ بزمام المبادرة وربح الوقت. الا ان سياستها بعيدة عن ايجاد حلول للتوترات الاجتماعية والسياسة بل تزيد من تعميمها وتجذرها ونضجها، مما يزيد من صعوبة تسيير سياسي فعال يضمن الاستقرار للحاكمين. وكخلاصة، يمكن القول ان كل المؤشرات تدل على ان عدم الاستقرار السياسي هو الذي سيكون عنوان المرحلة القادمة. فالقاعدة المادية التي تسمح بحد ادنى من التنازلات تتقلص اكثر فاكثر. واحزاب المعارضة الليبرالية تفقد اكثر فاكثر دورها في تاطير قطاعات من الطبقة العاملة، وفي ضمان "سلم اجتماعي". يؤدي عمق التناقضات الاجتماعية الى تنامي الاحتجاجات العمالية والشعبية اكثر فاكثر ويشكل فضاءا موضوعيا لتجذر كامن، ويزيد من امكانيات بناء حزب ثوري. لكن هذا لايجب ان يحجب حضوض الرجعية السلفية في التوسع وكونها قوة سياسية صاعدة.
وضعية الحركة الجماهيرية 1 )_ الحركة النقابية تعيش الحركة العمالية وضعية ضعف كبير، ويرتبط هذا بأسباب: 1 ) موضوعية متمثلة في التخلف الاقتصادي وضعف قوة الطبقة العاملة بنيويا، وتنامي البطالة الجماهيرية وشعور الخوف منها، وتغيير بنية الطبقة العامة عبر الخوصصات واغلاق المناجم وافلاس العديد من المقاولات في اطار الانفتاح على السوق العالمية الراسمالية 2 ) لكن جوهر هذا الضعف مرتبط بعاملين سياسيين حاسمين: ا ) غياب بديل سياسي شامل وضعف التجربة السياسية لدى الطبقة العاملة. وكل هذا في سياق الاحباط العام الذي يصيب الطلائع العمالية ازاء سياسات قيادتها والذي يعمقه غياب معارضة نقابية منظمة ب ) سياسة التعاون الطبقي التي تنهجها القيادات البيرقراطية النقابية. فبقبولها المشاركة فيما يسمى بحكومة التناوب، تكون احزاب المعارضة التقليدية قد استكملت اندماجها في المشروع السياسي للبورجوازية وتحولها الى ادات تنفيذية مباشرة للمخططات الامبريالية. وهكذا تسعى الى استغلال رصيدها الشعبي لجعل الجماهير العمالية والشعبية تستسلم دون مقاومة وتتنازل عن مكتسباتها الاساسية كثمن ضروري لمسايرة العولمة الراسمالية وتوفير شروط البقاء للمقاولات الضعيفة وتحصين تنافسية المقاولات الكبرى. واصبح دور النقابات المرتبطة بها هو اضعاف الحركة العمالية واشكال المقاومة الشعبية، وذلك من خلال: 1 ) عقد اتفاقات "الحوار الاجتماعي" واعتبار النقابة شريكا في تدبير الهجوم البورجوازي. 2 ) نزع الطابع الوطني على المطالب وحصرها على صعيد المؤسسة او على صعيد الجهة، وخنق الاضرابات القطاعية ونسف كل اشكال التضامن معها. 3 ) تدمير القلاع العمالية التي راكمت حدا ادنى من التقاليد النضالية قصد منع مرورها الى الاجيال الجديدة. فعلى سبيل المثال جرى اغلاق منجم جرادة ورفض اعادة ادماج عماله في قطاعات اخرى وتركهم في وضعية تهميش يتلاشى معها كل استعداد نضالي. وتشمل الخوصصة مؤسسات عمومية معروفة بانتاجيتها الكبيرة ولكن ايضا بكفاحيتها (لاسامير، لاسنيب، الخ، الاتصالات والسكك عما قريب) مع ما يعنيه من تسريحات جماعية تستهدف النقابيين بالخصوص. 4 ) اضفاء طابع مؤسساتي على واقع مرونة الشغل من خلال مشروع مدونة الشغل وضرب حق الاضراب والابقاء على القوانين المعادية للعمال. تتلخص ازمة الحركة النقابية في: 1 ) استسلام ايديلوجي عام - فقد تخلت قيادة ك.د.ش عن عبارات "التحرير والديمقراطية والاشتراكية" لتعوضها بالتنمية والشراكة والتوافق بين العمال والباطرونا التي لاتتناقض ومصالحهما. ومن هنا اتفاقات "السلم الاجتماعي" ودعم حكومة "التناوب". - بقيت بيرقراطية ا.م.ش وفية لنهجها الاستسلامي المهادن والفاقد لأية مواقف سياسية ضد هجومات البورجوازية، وفتح المجال لوجود اعيان من الاحزاب الرجعية. - ثقافة التشبت بالمقدسات وعلى راسها الملك والاسلام التي يكرسها إ .ع.ش.م في صفوف القطاعات المتخلفة لاالتي ينظمها. 2 ) تقوقع مطالبها وضعف قاعدتها الاجتماعية لم يسبق للقيادات النقابية ان جعلت من مسالة البطالة الجماهيرية والفقر المعمم احدى اولويات نشاطها. فاهتماماتها تقتصر اساسا على العمال الذين يمارسون عملا ويتقاضون اجرا، تاركة مات الالاف من المطرودين ضحية الباطرونا المتحالفة مع السلطة. وحتى في تحديد مطالب هذه الشريحة، تقتصر على ماهو خاص بالمقاولة او القطاع، ولا تركز على عدم استقرار شروط العمل بشكل عام (المرونة، تنامي وثيرة العمل ومدته، تقليص عدد العمال، التمييز بين المراة والرجل، الخ) ولاتربطها بالوضعية المتردية للماجورين ككل. هذا التقوقع الذي لايربط النضالات الجزئية بالنضال ضد مجمل النتائج الاجتماعية لازمة النضام الراسمالي التبعي، يقوي النزعة التنافسية ويكسر اواصر التضامن بين عمال هذه المقاولة او تلك، هذا القطاع او ذاك، وبين العمال والمطرودين الذين يتشكلون اساسا من النساء والشباب. ومن هنا تكسير دعامة توحيد كافة ضحايا الرأسمالية من عمال وعاطلين ومهمشين. وتقليص القاعدة الاجتماعية للنقابات الذي يعكسه بروز حركات اجتماعية على هامشها. 3 ) تعدد الاطارات النقابية يعكس تعدد النقابات بالمغرب هذا التناقض المتمثل في بحث الطبقة العاملة عن ادات لتحسين وضعية استغلالها، وعمق ازمة الحركة النقابية في احتواء احتداد التناقضات الطبقية والدفع بها في سيرورة نضالية شمولية تكون في مستوى الهجوم البرجوازي. وهذا ما ادى الى سيادة النضالات الجزئية التي تغذيها طبيعة النسيج الصناعي نفسه (90% من المقاولات الصغرى والمتوسطة)، وتخلف النشاط النقابي الذي يغذي صفوف النقابات الرجعية ويفاقم الازمة التنظيمية للمركزيات النقابية التقليدية التي تتجلى في: -الانشقاقات والانسحابات التي تعيشها القطاعات التي تشكل العمود الفقري للكونفدرالية الديمقراطية للشغل (فوسفاط، تعليم، بريد، الخ). والتي يعمقها الارتباط بحكومة تشكل اداة تمرير المخططات الامبريالية - جمود هياكل الاتحاد المغربي للشغل الذي يغذيه كونها لم تفرزها دينامية نضالية وليست سوى اقطاعات للنهب والاغتناء -الصراعات القيادية داخل الاتحاد العام للشغالين بالمغرب وهشاشة بنيته التنظيمية المرتبطة باندماجه مع حزب الاستقلال. ورغم كل هذا، تبقى الحركة النقابية جوهر نشاط الطبقة العاملة ووسيلتها الوحيدة لمواجهة عدوها الطبقي. وستزيد المرحلة من الهوة وحدة التناقضات بين البيروقراطية والقواعد، وحتى داخل البيروقراطيات نفسها، وذلك لسببين: 1 ) يميل الهجوم البورجوازي الى اضعاف الانغراس النقابي عموما وفي المجال القانوني: الاجهاز على حق الاضراب، وضرب حق العمل النقابي (الفصل 288 ) ، الخ. فالباطرونا لايريد فقط سلما اجتماعيا، بل يريد ايضا اضعاف النقابة. وهذا ما ينسف اسس مشروعية القيادات. 2 ) لم تعد سياسة القيادات تتوافق مع تنامي سخط القواعد، التي تتعرض للهجوم الحالي وتحس بضرورة قيادة نضالية. وقد يفتح هذا فضاءا لبناء معارضة نقابية ذات مصداقية.
2 ) النضال ضد البطالة تشكل البطالة عنصرا مركزيا في التناقضات الطبقية في هذه المرحلة: - فالهجوم البورجوازي يسير في اتجاه ارساء مرونة عامة، مع ما تعنيه من تسريحات جماعية وعدم استقرار شروط العمل والحياة لاغلب الشرائح العمالية. - يعتبر الشباب اكثر الفئات الاجتماعية تاثرا بنتائج ازمة الراسمالية التابعة، ويعيش وضعية اقصاء اجتماعي شامل. - تشهد القرى تقلص فرص الشغل بشكل اكثر فاكثر حدة، وتتعمق الهجرة القروية التي تصطدم بانعدام الشغل بالمدينة، وبالتالي تقوية احزمة البؤس والحرمان. كل هذا يضع مسالة البطالة والاقصاء في قلب النضالات الاجتماعية، ويجعل منها عنصر تجذر اساسي. لكن الادوات النضالية تبقى هزيلة بالنسبة لاهمية الرهانات. فالنقابات لاتضع مسالة البطالة والاقصاء ضمن اهتماماتها. فهي تقتصر فقط على منخرطيها المباشرين، وترفض النضال من اجل الحق في الشغل الذي يعني مواجهة مباشرة مع الباطرونا ويتناقض مع سياسة "السلم الاجتماعي". ان اعادة مصداقية العمل النقابي ستمر حتما عبر النضال ضد التسريحات وعدم استقرار الشغل بشكل عام. حركة العاطلين حاملي الشهادات كشف تنامي نضالات المعطلين وتاسيس لجمعيتهم عجز الحركة النقابية في تشكيل قطب اجتماعي بديل. وان كانت هذه الحركة تستمد قوتها من توسع قاعدتها الموضوعية المتمثلة في الشباب المتعلم، ومن وضعية بطالتها واقصائها الاجتماعي التي لا تسمح بعقد أي هدنة مع البورجوازية، فهي تعاني من: - ضعف قوتها الاجتماعية وعجزها عن عرقلة سير الة الانتاج الراسمالية وقلب موازين القوى لصالح الحركة العمالية. ولتجاوز هذا الضعف، لا بد من ربطها بالحركة العمالية والشعبية حليفها الموضوعي. - طابعها الفئوي الضيق وضعف تاطيرها : لا يمثل منخرطي الجمعية سوى قرابة 3٪ من مجموع المعطلين، ولم تستطع بعد احتواء نضالات فئات من صفوفهم كالمكفوفين والدكاترة والمهندسين والمجندين. وهذا ما يعمق النزعة الفئوية والتنافسية التي تزرعها البورجوازية في صفوف المعطلين. - ضعف مكاسبها الجزئية مركزيا وعلى صعيد الفروع. وهذا قد يدفع، في ظل موازين القوى الحالية، في اتجاه تعميق خطرين كامنين: التكيف مع السياسات البرجوازية للحصول على مكاسب ولو شكلية لتفادي احباط القواعد. او الدفع بمعارك مركزية في مواجهة الدولة دون الاخذ بعين الاعتبار مستوى الوعي وموازين القوى. - حداثة التجربة وعجزها في بلورة مطالب ونضالات شاملة ضد الهجومات الحالية. ويعود هذا الى ضعف تيار نضالي منظم يساهم في مراكمة التجارب، الذي يرتبط بالزمة العامة لغياب قطب ثوري. هكذا اذن تبقى اول تجربة للنضال ضد البطالة في المغرب مقتصرة على شريحة من الشباب المتعلم، وتفتقد لاستراتيجية واضحة تدفع في اتجاه توسيع قاعدة النضال ضد البطالة والاقصاء لبناء موازين قوى في مستوى الهجومات البورجوازية. ومع ذلك تبقى الجمعية الوطنية احملة الشهادات المعطلين بالمغرب مكسبا نضاليا هاما، حيث طرحت بحدة مسالة النضال ضد البطالة وبلورت مطالب جولها، ودفعت بمبادرات ذات طابع جماهيري كشفت في العمق طبيعة المخططات البورجوازية . وان كان دورها مازال ضعبفا لتفجير التناقضات الاجتماعية على المدى المنضور، فهي اطار لتجميع الشباب وتجذرهم وتطرح على اليساريين ضرورة بنائه واعطائه كضمونا كفاحيا.
3 )_ الحركة الطلابية تتعرض الجامعة لهجومات متكررة تستهدف ضرب طابعها العمومي ومجانيتها. فالالغاء التدريجي للمنح وفرض المبارات لولوج الجامعة والغاء عديد من الشعب في السلك الثالث والانتقاء الصارم والغاء امكانيات التكرار، وتدهور شروط الطلبة بكل عام، كلها عناصر تضرب في العمق الطابع الجماهيري للتعليم العمومي. ويكرس الاستقلال المادي والاعتماد على "الشركاء المحليين" الطابع الطبقي الذي يتميز به التعليم العالي عموما من خلال وجود جامعات غنية تلجها الاقلية المحضوضة وجامعات فقيرة ذات شهادات ضعيفة القيمة. كما سيكرس التمايز الموجود بين الجهات، من خلال التباين في البنيات التحتية والامكانات وتدمير القيمة الوطنية للشهادات المحصل عليها. هذا علاوة على ضرب مضمون التعليم العالي وحق الطالب في المعرفة عبر اخضاعه لمتطلبات قطاع خاص هجين يهمه تكوين يد عاملة متخصصة لكن ذات تكوين محجود وقصير المدة. هذه الهجومات تخلق الشروط الموضوعية لتمرد الطلاب على واقع الاقصاء الجماهيري الذي يشملهم وافق البطالة الذي ينتظرهم. لكن تعيش الحركة الطلابية جمودا مقلقا، رغم وجود نضالات محلية محدودة. فالاتحاد الوطني لطلبة المغرب تفكك، ولم يعد له وجود كاطار وطني يواجه سياسة الدولة التصفوية ويمركز النضالات ويدفع في مبادرات وطنية لتجذير الطلبة. وهذا ناتج عن تفكك القوى السياسية التي كانت تتفاعل فيه. فالتيارات القاعدية تتلاشى اكثر قاكثر وتتخبط في نقاشات مرتبطة بالماضي عاجزة بالكامل عن تقديم أي جواب على مسائل الساعة. اما بالنسبة لتيارات احزاب المعارضة البورجوازية، فانكشاف حكومتهم كاداة لتمرير المخططات الامبريالية سيزيد من تعميق ضعف تواجدهم وانغراسهم. وتلعب كل هذه المعطيات لصالح تيارات الرجعية الاسلامية. لكنها تفتقر هي الاخرى الى اجوبة سياسية ملموسة في مواجهة ازمة الجامعة وتتعامل مع الحركة الطلابية كمجال للاستقطاب. ان قوتها تكمن في غياب تنظيم طلابي يساري اكثر مما في قدرتهم على التعبير على طموحات الاجيال الجديدة. وهي لم تستطع بعد ان تكون محور اعادة بناء حركة طلابية جماهيرية، وان كانت تتوفر على بعض القلاع الجامعية. ان خروج الحركة الطلابية من ازمتها يمر عبر تطوير معارك جماهيرية واعادة تسييس الوسط الطلابي، وهي امكانية موجودية موضوعيا. الا ان الامر يتطلب وجود مشروع نضالي يرتكز على الدفاع عن المصالح المباشرة للطلبة انطلاقا من الهجومات الحالية، وتطوير تنظيمهم الذاتي عبر ابداع صيغ جديدة للنضال وايجاد بنيات تنضيمية لمركزة المبادرات على المستوى الوطني. ولن يكون لهذا المشروع أي افق اذا لم يندرج ضمن استراتيجية للنضال ضد كافة اشكال اضطهاد الشباب ومن اجل مركزة كل النضالات الجماهيرية في اتجاه تدمير الدولة البورجوازية.
4 )_ الحركة النسائية تشكل النساء الفئة الاكثر اضطهادا واستغلالا داخل المجتمع. فربات البيوت يقمن بدور الأمومة والاشغال المنزلية، لكن دون اعتراف اجتماعي بهذه الاعباء وبلا اجور او تعويضات. هذا العمل المنزلي ينضاف الى الاستغلال داخل المؤسسات والمعامل والمزارع لتجعل من النساء العاملات ضحايا استغلال مضاعف. هذا علاوة على التمييز في الاجور وكونهن اول من يتعرض للطرد والتسريح. وهذا ما يجعل البطالة النسائية في اتساع دائم، خصوصا اذا ما اضفنا حاملات الشواهد المعطلات ومطرودات المدارس والنساء القرويات ضحايا الامية وانعدام الخدمات العمومية. هذه الاوضاع تلقي بغالبية فقيرات الاحياء الشعبية نحو الاعمال الهامشية، وهي سبب توسع الدعارة ونسونة الفقر. ولتكريس هذه الاوضاع وتعميقها تلتقي فئة النساء اجمالا في سجن ترسانة من القوانين الموغلة في الرجعية التي تضعها الطبقات السائدة لتابيد استعباد جماهير النساء والعودة باوضاعهن الى الوراء. كانت هذه الاوضاع الرهيبة وراء التحركات النسائية. فالنساء العاملات يخضن نضالات ضد الطرد والتسريح ومن اجل الحريات النقابية. وتنخرط المعطلات في اشكال النضال ضد البطالة. وتقوم النساء القرويات بمسيرات شعبية للمطالبة بتوفير حد ادنى من البنى التحتية. لقد ابرزت هذه التحركات، رغم ضعفها وتشتتها، عمق الازمة الاجتماعية التي تطال النساء من جهة، وغياب ادوات النضال النسائي من جهة اخرى. فالتجربة النسائية في المغرب لم تستطع بلورة نقاش جاد حول المسالة النسائية للوقوف على الحاجيات الاساسية واليومية للنساء والالتفاف حولها مع صياغة برنامج عمل يكون عموده الفقري النضال من اجل الغاء اضطهاد النساء واستغلالهن. وتتسم هذه التجربة بمميزات يمكن تلخيصها كما يلي: - اختراق الايديلوجيا الليبرالية لمجمل الاطارات النسائية والاقتصار في مجال التكوين النسائي على المواثيق الدولية دون أي رؤية نقدية. - غياب الفهم الماركسي للمسالة النسائية الذي سيسمح بادماجها في الصراع الطبقي العام - التركيز على المطالبة بتعديل التشريعات والقوانين ليس عبر تعبئة نضالية بل فقط عبر رفع مذكرات مطلبية استجدائية. - تغييب كل المطالب التي تخص الجانب الاقتصادي والاجتماعي للنساء. فالعديد من المعارك التي تخوضها العاملات والمطرودات والمعطلات حاملي الشهادات ونساء الاحياء الفقيرة والقرى لاتجد صداها داخل هذه الاطارات التي تبقى في الجوهر اطارات لنخبة مفصولة بالكامل عن الاهتمامات الفعلية للنساء ومعاناتهن. ان تجاوز ازمة الحركة النسائية يمر عبر العمل الدؤوب من اجل الرفع من مستوى الوعي النسائي، وخصوصا في الاجيال الجديدة، وخلق حركة قادرة على صياغة استراتيجية للنضال في صفوف النساء من اجل الاهداف الخاصة بهن اولا ثم للنضال من اجل القضاء على النضام الاقتصادي والاجتماعي الذي يضطهدهن.
وضعية "اليسار الجديد"
كانت عملية التجميع في بداية التسعينات بمثابة رد فعل على قوة الصدمة التي احدثها انهيار الانظمة البيروقراطية وتعميقها للتناقضات الداخلية وسيادة شعور داخلي بالافلاس التاريخي لتجربة تاريخية باكملها. وقد حاولت جميع الاطراف في البداية التمسك بشعار تجميع "اليسار الجديد" بشكل فضفاض مع تفادي خوض النقاشات حول الماضي واسباب الازمة. لكن سرعان ما طفت الى السطح الخلافات الايديلوجية التي تغذيها نتائج التربية التنظيمية والضعف السياسي للمناضلين. هذه العوامل مجتمعة، علاوة على ضعف العمل الجماهيري الذي كان وجوده سيسمح بوحدة على الاقل على اساس مبادرات علمية، كانت وراء فشل محاولة التجميع في توحيد مكونات "اليسار الجديد". وكشف هذا الفشل من جهة اخرى، عن غياب قطب راديكالي منظم يستخلص الدروس من التجربة في اتجاه طبقي يقطع مع الضبابية الفكرية والسياسية ويسطر مهام النضال من اجل بناء حزب عمالي مستقل. وتبقى التنسيقيات ذات طابع فوقي ولا تعبر عن دينامية وحدوية تحتية في اتجاه تشكيل معارضة عمالية حقيقية. كما انها تفتقد لاية استراتيجية نضالية لتشكيل موازين قوى طبقية في مواجهة الهجوم الليبرالي الشامل، ويحكمها افق تشكيل معارضة بورجوازية لن تفعل في الاخير سوى اضفاء نوع من المصداقية على الاستبداد السياسي. واجمالا، يمكن تلخيص اسباب الميولات اليمينية التي تغزو صفوف "اليسار الجديد" في العناصر الثلاثة التالية: - التحولات العالمية وفقددان المصداقية للبديل الاشتراكي الثوري. - غياب النقاشات النظرية والاقتصار على النضال الديمقراطي كاستراتيجية بالشكل الذي كرسته به احزاب المعارضة البورجوازية ، بعد ان كان غائبا في فترة المناداة بالنضال الثوري المستند الى الكفاح المسلح. وقد ترافق هذا مع تحليل خاطئ لـ"الانفتاح السياسي"، مما دعم التصورات الليبرالية وتبلور قيادات انهزامية تنظر لفشل بناء منظمة ثورية. - ضعف الانغراس في المنظمات الجماهيرية وغياب تراكم تجارب التدخل في النضالات الطبقية اليومية. هكذا حسمت قيادة اليسار الجديد يمينيا مع تجربة الحركة الماركسية-اللينينية، وتبنت نهج الديمقراطية البرجوازية لملا الفراغ الذي تركه استسلام المعارضة البورجوازية للملكية، وان كانت الظروف الذاتية والموضوعية لبلوغ ذلك لم تكتمل بعد. لكن هناك ميولات داخلية مضادة وان لم تبرز بعد بشكل منظم. وتشكل امكانية انضاج هذه التناقضات لتبلور تيار ماركسي يساري، رهانا كبيرا بالنسبة للتيار الماركسي الثوري. عليه ان لا يبقى سلبيا اومحايدا، وان يتدخل في ازمة اليسار الجديد بعيدا عن كل نزعة عصبوية او انتهازية، ويساعد المناضلين الجذريين والكفاحيين الفاقدين للبوصلة من خلال تسليحهم بمشروع ثوري بديل. ويفترض هذا نقاشا حول القضايا الاستراتيجية والتوضيح الايديولوجي، وتكريس تقاليد الوحدة النضالية على مهام مباشرة وفي جميع الواجهات. علينا ان نوضح بشكل واضح هدفنا في بناء حزب ثوري تعددي، ونحدد التكتيكات الصائبة لبلوغه.
مهامنا اننا نعيش وضعية ارتداد خطيرة على مستوى الوعي السياسي للطلائع العمالية والاجتماعية، مع ما يعنيه من ضعف في الاستعداد النضالي وفي الانخراط التنظيمي. فالنضالات العمالية والاجتماعية والاحتجاجات الشعبية تنمو، لكنها تتسم بعدم الاستمرارية وغياب المكاسب، مما يؤدي الى تبعثرها. وتساهم وضعية اليسار الجديد في البلبلة العامة وفي تراجع القناعة السياسية. انها اذن ازمة العامل الذاتي التي تستوجب اعادة بناء مشروع ثوري بديل. لا يسمح عمق التحولات الحالية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وكذا مستوى تطور الصراع الطبقي بتحديد دقيق وملموس لدينامية السيرورة الثورية. لكن لابد من رسم الافاق العامة لتوجهنا السياسي والاجتماعي من اجل التنظيم-الذاتي المستقل للجماهير الكادحة. 1)_ القوى الاجتماعية الثورية
0) القوى الاجتماعية الإستراتيجية تلك التي تتناقض مصالحها الموضوعية ووضعها الاجتماعي الملموس مع الهيمنة الراسمالية: 1) الطبقة العاملة التي تتكون من جميع فئات الماجورين بالقطاع الخاص والعمومي - الشرائح الاجتماعية المبلترة التي اقصيت من سيرورة الانتاج بشكل دائم او دوري: الشبيبة غير المتعلمة، جماهير العاطلين، العاطلين "المقنعين" (القطاع غير المهيكل) ، سكان الاحياء القصديرية - جماهير النساء التي ترزح تحت نير الاستغلال الراسمالي والاضطهاد البطريركي - شرائع واسعة من الشبيبة المتمدرسة - شرائح الفلاحين الفقراء الذين انتزعت منهم اراضيهم او عاجزين عن العيش من الانتاج التقليدي، خصوصا في هوامش المناطق المسقية.
2 ) القوى الاجتماعية التكتيكية: تلك التي تتعارض مصالحها مع الانفتاح على العولمة وتعيش سيرورة تفقير سريعة. هذه القوى يمكن كسبها اوضمان حيادها في اطار مشروع ديمقراطي ثوري: - البورجوازية الصغيرة الكادحة : تجار، حرفيين، الخ - بعض شرائح الطبقات الوسطى: المهن الحرة، بعض فئات الموظفين، الخ.
3 ) القوى الاجتماعية المضادة للثورة: تلك ترتبط بالطبقة المهيمنة والتي يجب نزع ملكيتها الاقتصادية والسياسية: - البورجوازية العقارية الكبرى - الرأسماليين الكبار في القطاع الصناعي والفلاحي والبنكي والتوزيع - الشرائح العليا والوسطى من بيرقراطية الدولة مدنية وعسكرية.
2 ) توحيد القوى الاجتماعية الثورية تحت هيمنة الطبقة العاملة ان التحدي المطروح على عاتق الحركة الثورية مزدوج: - تحقيق تحالف القوى الاجتماعية الاستراتيجية في السيرورة الثورية - جعل هذا القطب الاجتماعي الثوري العمود الفقري لجبهة عمالية وشعبية وديمقراطية يعقد تحالفات تكتيكية مع البورجوازية-الصغيرة وشرائح من البورجوازية الوسطى، لتشكيل ميزان القوى ضد العدو. اما هيمنة الطبقة العاملة على مجمل هذه السيرورة فتفترض: - بناء حزب ثوري - بناء ادوات التنظيم الذاتي المستقل للجماهير. هناك علاقة مركبة بين تطور التنظيمات المستقلة للجماهير ونضالاتها، وبناء القطب الاجتماعي الثوري وتطور القوى السياسية الثورية. فكلما تطورت تجارب التنظيم الذاتي في النضالات اليومية والجزئية، كلما اتسعت مجالات النضال وواجهاته، وتنامت قوة الطليعة الثورية. والعكس ايضا صحيح. ان المحور الاساسي الذي يجب ان يرتكز عليه عمل الثوريين هو المساهمة في بناء طليعة نضالية عبر مراكمة تجارب النضال والتنظيم-الذاتي، ومساعدة الحركة الجماهيرية على بلورة مطالبها الانتقالية، مع ضمان استقلاليتها التنظيمية وعدم اعتبارها مجرد ادوات خاضعة للحزب او مجالا للاستقطاب. ومن هنا ضرورة توضيح طبيعة برنامج العمل المرحلي الذي ينظم القطب الاجتماعي الثوري والبرنامج الاستراتيجي الذي ينظم سياسيا الطليعة الثورية.
3 )_ البرنامج الاستراتيجي
اننا نناضل من اجل تدمير الدولة البورجوازية واقامة دولة للماجورين والمضطهدين المبنية على ديمقراطية المشاركة الجماعية التي تعتمد على التنظيم-الذاتي، أي المجالس العمالية والشعبية. وهذه الديمقراطية تعني القضاء على جميع اشكال الهيمنة السياسية والاقتصادية للبورجوازية (في اماكن العمل والسكن وكل مجالات الحياة اليومية)، وتتناقض مع كل التصورات البيروقراطية التي تهدف الى الفصل الدائم بين مؤسسات الدولة واجهزة التمثيلية العمالية والشعبية. لذا نعتبر التنظيمات الذاتية المستقلة والمشاركة المباشرة للجماهير العمالية والشعبية شرطان ضروريان من اجل اقامة ديمقراطية حقيقية قائمة على مبادئ العدالة والمساواة وتلبية كل الحاجيات الاجتماعية وتوفير الشروط المادية والسياسية للحرية والكرامة.
4 )_ البرنامج المرحلي - سياسيا اننا نناضل من اجل وضع حد للاستبداد السياسي القائم عبر الدفاع عن ديمقراطية شعبية مباشرة تتجسد في مجلس تاسيسي منتخب يخضع للرقابة المباشرة للتنظيمات الذاتية المستقلة للجماهير العمالية والشعبية. كما نناضل من اجل اقامة حكومة عمالية شعبية تمثل العمال وكل الكادحين وترتكز على التعبئة الشعبية للإطاحة بسلطة البورجوازية وتفكيك اجهزة دولتها وتقوم باتخاذ كل التدابير السياسية والاقتصادية المناهضة للسيطرة الامبريالية. - اجتماعيا علينا ان نعمل على: + بناء الادوات النضالية للجماهير مكافحة ومستقلة في كافة الواجهات + تطوير تجارب التنضيم-الذاتي ومراقبة النضالات والمطالب من طرف القاعدة + توحيد النضالات العمالية والاجتماعية وتوسيعها لتشمل كافة الشرائح الكادحة + انضاج شروط اضراب عام لفرض المطالب السياسية والاجتماعية وارادة الشعب على كافة المستويات، وتشكيل حكومة عمالية وشعبية هذه العناصر ليست منفصلة عن بعضها البعض. انها تترابط لتشكل محور برنامجنا، وتساهم في بلورة طليعة نضالية للحركة الجماهيرية الثورية. وهنا تطرح الضرورة الحاسمة لحزب ثوري يعمل على تجسيد هذا البرنامج ويمنحه قوته المادية.
5 ) بناء الحزب الثوري تكمن مهام بناء الحزب الثوري في مايلي: - تدقيق البرنامج الاستراتيجي والبرنامج المرحلي وادراك دينامية السيرورة الثورية بشكل عميق من خلال: + تحديد المطالب السياسية والاجتماعية الانتقالية + تحديد التحالفات السياسية والاجتماعية بين مختلف قوى الصراع الطبقي + تحديد التناقضات داخل قطب العدو ونقط ضعفه. - تحديد برامج التدخل في الحركة العمالية والشعبية - إصدار منبر يدافع عن برنامجنا العام وبرنامج التدخل، ويساهم في تنظيم الطليعة وتوحيد الثوريين.
المسألة التنظيمية
بما أننا نقوم بمجهود اعداد وتحديد مهامنا السياسية والجماهيرية، علينا ايضا ان نفتح نقاشا حول وضعيتنا التنظيمية. المسالتان مرتبطتان. في الواقع نجد ان المجموعات تعمل بشكل تجريبي مع قواسم مشتركة كيفما كان قطاع التواجد او المدينة: - غياب تام للتقييمات، الامر الذي يحول دون مراكمة التجربة باخطائها ونجاحاتها ونقاشها جماعيا. ليس هناك من ذاكرة تبنى على قاعدة دروس ملموسة. - غياب النقاشات السياسية إن على مستوى الظرف السياسي او على مستوى أهدافنا على المستوى المتوسط والطويل، وهيمنة الاهتمام بما هو ظرفي ومباشر في العمل الجماهيري وذات الطابع المحلي. ومن هنا سيادة النشاط اليومي المشتت وفقدانه لاي بوصلة سياسية وتنظيمية، وتنظيم المبادرات الجهوية والوطنية في اخر لحظة! - غياب تسيير عقلاني لعلاقاتنا ومتابعتها - عشوائية في توزيع ادبنا ومحدوديته الخطيرة. - تشكيل المجموعات وتحديد برامج العمل والتكوين وفق مقاييس اعتباطية. فإما تشكيلها من مناضلين لهم مجالات مختلفة في التدخل، وهو ما يحول دون اعداد جماعي للمهام. وإما تشكيلها من مناضلين يعملون في نفس القطاع ، لكنهم عاجزين على تحديد خطة عمل مشتركة وتوزيع عقلاني للمهام. وهذا بالطبع يعود الى غياب الرابط السياسي الكفيل بتوحيد المجموعات وتحديد اهداف مشتركة. هذا علاوة على طبيعة التكوين المرتكز اساسا على التقيد بالكتب وعلى ما هو ايديولوجي دون أي ارتباط بالواقع. الحلقة المركزية المحلية ولجنة التنسيق الوطنية : - كلاهما لا تمثل كافة قطاعات التدخل - تعيد انتاج نقط ضعف المجموعات ولا تساهم في تصحيحها - تكتفي بتنسيق لتبادل الاخبار والادب - اجتماعات غير منتظمة. هكذا اذن، تفتقد بنيتنا التنظيمية لجهاز يمركز ويوحد نشاط المجموعات. ويتجلى هذا اساسا في لجنة التنسيق الوطنية التي لم تستطع بعد تجاوز سيادة النظرة القطاعية والمحلية. وهذا ما يؤدي الى غياب سيرورة لتشكيل قيادة جماعية تكون اداة لبناء تيارنا على المستوى الوطني.
خلاصة يجب ان ينكب النقاش حول الأهداف التالية: 1 ) اعادة النظر في تشكيل المجموعات، بحيث: + تسمح للمناضلين بالمساهمة، ليس فقط في النقاش، ولكن ايضا في اعداد المهام السياسية والجماهيرية + تحدد اهداف النضال والبناء التي يجب بلوغها في اطار برنامج سنوي + توزع المهام بشكل عقلاني وتقوم بتقييمات دورية حول مختلف اوجه نشاطنا + تدمج العاطفين والعلاقات في نشاط جماهيري وفي النقاشات السياسية وليس فقط التركيز على تكوين نظري عام + ارساء ضوابط المساهمات المالية والزاميتها 2 ) اعادة النظر في الحلقة المركزية، بحيث: + تعكس واقع تدخلاتنا من خلال ادماجها لرفاق جدد وشباب، ينتدبون من طرف المجموعات المحلية + توحد تدخلات مختلف المجموعات لبناء منظمة محلية + تساعد على بناء مجموعات جديدة + تدمج باستمرار المهام الوطنية في النشاط المحلي + تقوم باجتماعات موسعة محلية دورية (مرتين في السنة) حول: "الحصيلة والآفاق". 3 ) اعادة النظر في لجنة التنسيق الوطنية +تنظيم نقاشات دائمة حول مهامنا السياسية والجماهيرية من خلال نشرة داخلية منتظمة +تمركز التقييمات وتجعل منها حصيلة شاملة +تساعد على حل مشاكل التدخل والتنظيم للمجموعات +تنظم التنسيقات القطاعية وتوحد المبادرات في كافة المجالات +تنظم الظهور السياسي لتيارنا: تنظيم مهرجانات، تصدر مناشير، كراريس، الخ. +توسيع تنظيمنا وتحديد خطة والاولويات فيما يخص المدن او المناطق التي لا نتواجد فيها +تحدد خطة محكمة لتكوين دائم تسمح بتطوير مدارسنا وإعداد ادب قار وخاص بها تنظيم علاقاتنا مع الأممية الرابعة.
#نبيل_عثمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بنكيران يقود حكومة الواجهة: زواج العدالة بالاستبداد .. والتن
...
-
ملاحظات حول حركة مناهضة الغلاء على ضوء ورقة المناضل عبد الحم
...
المزيد.....
-
مستشار ترامب المستقبلي للأمن القومي يستكشف مقترحات وقف إطلاق
...
-
الإمارات تعلن وفاة جندي متأثرا بإصابة حرجة تعرض لها قبل 9 سن
...
-
والتز: مبعوث ترامب إلى أوكرانيا متمسك بإنهاء الحرب
-
رئيس الاستخبارات البريطانية السابق: أوروبا في حالة حرب حقيقي
...
-
-وول ستريت جورنال-: إدارة بايدن لا تمتلك الوقت الكافي لإرسال
...
-
أمراض تشير لها التشنجات اللاإرادية في العين
-
عالمة روسية: الإنسان لايستطيع تحديد لحظة خروج الذكاء الاصطنا
...
-
ترامب يعتزم فرض رسوم جمركية على 3 دول
-
بوتين: كازاخستان شريك استراتيجي موثوق
-
ممثلو بريكس يجتمعون في يكاترينبورغ
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|