جواد كاظم الدايني
الحوار المتمدن-العدد: 3987 - 2013 / 1 / 29 - 11:10
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ما زالت صفة التسلط والرغبة في السيطرة على مقدرات الحياة والناس هي صفة سائدة في المجتمعات العربية بدءأ من اصغر وحدة في تلك المجتمعات المتمثلة بالعائلة ووصولا الى المجموعات الحاكمة المعرفة بالسلطة الراعية لتلك المجتمعات. وهذه الصفة لازمت تاريخ البشرية منذ نشأتها وهي ما زالت تلتصق بنا كموروث يأبى ان يتنحى عن خلقنا , بينما تنجح اغلب المجتمعات في العالم باقصاء هذه الصفة القبيحة . اما لماذا تنجح اغلبية العالم فهذا لانهم نجحوا في استيعاب الدروس التاريخية , وأستغلوا الفرصة الاقرب لادانة تاريخ الحروب الدينية واطلقوا العنان للفكر البشري النبيل ان يعلن ولادة الانسان وموت الالهة لينجح بأمتياز في اعادة ملكية الحياة الى الانسان , ينظم القيم والقوانين للحفاظ على الحياة كقيمة عليا والحرية كأصل انساني . صحيح ان قيمة التجارب الانسانية ليس في نتائجها فحسب بل في الخوض بتلك التجارب , الا ان ذلك ليس مبررا كي يعترف لنا التاريخ به ونحن نصر على خوض حروب دينية مشابهة للحروب المسيحية في القرون الغابرة , في حين تتكفل العلوم الحديثة وامكانيتها المتطورة بتقديم اشبه ما يكون بمحاكاة طبيعية لتلك الحروب القذرة اسبابها وصورها ونتائجها . فهل تتيح لنا قدراتنا الذهنية والعقلية الاستفادة من تجارب الاخرين ام اننا من الضعف ان لا نعرف قيمة الشيئ الا حين نفقده , فلا يمكننا معرفة الحياة الا حين نشبع موتا ولا نعرف الحرية الا حين تعمر سجوننا . ما كنا نعتبره قفزات في الفكر والمظاهر الحضارية لم يكن سوى ( تنطيط) على عتبة التخلف المرتبط بالدين والسلطة . ليس هناك من مصيبة اعظم من اننا متخلفون بالمعنى الانساني ونحن نملك كل مقومات التحضر تقنية ومظهرا واقول بالمعنى الانساني وليس بالمعنى المعرفي لاننا نملك من المتعلمين من هم اكثر تخلفا من من لا يعرف القراءة والكتابة , المتخلف الانساني هو الذي يملك الاستعداد لهدر القيم الوجودية والانسانية السامية لصالح عقائده الدينية ورغبته في التسلط الذي يسلخه عن اي قيمة بشرية , وهما المجالان الذان تبرع وتتبلور فيها مواهبنا الذاتية . مع كل الخبرة الانسانية المقدمة لنا في اروقة التعليم الاكاديمي والانفتاح المعلوماتي الثقافي والفكري الا اننا نبدي ممانعة غربية للتغير المفترض ان يؤدي الى تحسين وضعنا الانساني والوجودي بدأ بتهذيب علاقتنا مع الاخرين القائمة على احترامهم وانتهاءا بتوسيع الافق الانساني لممارسة السلطة . تخليت مؤخرا عن امنية لو ان التغيير الذي حصل في العراق جاء بثورة رائعة كالثورة المصرية ما دامت نتائج التغيير هي هي ..هنا وهناك.... منطق المؤامرات وخلافات وصراعات ابعد ما تكون سياسية فهي بحق سلطوية والمزيد المزيد من دماء الابرياء . ابشع مساوئ الدكتاتورية انها كانت تخفي هذا الخلل الخطير في بنية وتكوين عقليتنا العروبية الاسلامية , فيفشل المصري اذ ينجح بدفع مرسي الى الرئاسة بنسبة ( 17% ) وهي النسبة الحقيقية التي يمثلها من عدد المصوتين لا من عدد المصرين , اما الجولة الثانية فان فوزه بالرئاسة جاء بمعونة الخيار الديني للناخب لا الخيار الانساني المتمثل بشخص مرسي نفسه , ان النسبة الحقيقية هي التي خدعته وصورت له احقيته باصدار الاعلان الدستوري سيئ الصيت الذي جعل سلطته فوق سلطة القضاء والدستور والقانون وبحجة واهية كانت عبارة عن اربعة اشهر اعتبرها حرجة لحين اجراء الاستفتاء على الدستور واجراء الانتخابات البرلمانية مدعيا اقتصار سلطته المطلقة على القرارات السيادية , الخطورة الحقيقية ان هكذا فكرة كانت واردة في المخيال الاخواني لمرسي وبالتالي تكرارها لا يحتاج الا الى حجة سخيفة لم تتعلق سابقتها بحجة سيادية بل بخطوات استباقية لترسيخ الحكم المستقبلي لاخوان مصر الجدد .وكما فكر مرسي المصري فكر نوري العراقي فلا يحلوا لهذا الرجل من مواد الدستور الا تلك التي تعزز من بقائه في السلطة الى اجل غير مسمى , الطريقة التي يحاول بها تفسير الدستور فيما يخص ولايته الثالثة او الرابعة او .. او .... تكشف عن جهد جهيد لمستشاريه والدعوجية من حوله ومنذ فترة طويلة بدأت على ما اعتقد بأشارات تبدي رغبته في البقاء مع بداية زحفه الكبير نحو اتفاقية اربيل , فخ المالكي السياسي , من اجل تمرير ولايته الثانية وهو المذنب الوحيد فيها اذ أمضاها وهو يعرف مخالفتها للدستور كما يدعي او أمضاها وهو يضمرعدم التزامه الاخلاقي" بكلمته" كاعلى سلطة في الدولة . قرأت مواد الدستور الخاصة بهذي القضية وتابعت النقاشات والاراء وفهمت ان مشكلة تفسيرها تتعلق بتعميم وتخصيص النص الدستوري وهي مشكلة تمليها طبيعة لغتنا الرومانسية التي تلاعبت بها قساوة الصحراء . غريب هذا الاعتراض على حق البرلمان باصدار قانون جديد لتوضيح الملتبس من مواد الدستور المفترض انه صاحب الحق التشريعي في ذلك , والتعمد في التغافل عن فلسفة التشريع التي تجعل هذه النصوص مقدسة ما دامت تكرس العدل والحرية ومبدأ الانتقال السلمي للسلطة "معضلة تاريخنا المجيد" . ومع بلد غني بالمال والمفسدين والمرتشين من اصحاب القانون وسلطة واسعة لرئيس الوزراء وقابليات ذهنية للتوطين السلطوي فان بقاء السلطة بيد واحدة لا تؤمن بالتداول السلمي للسلطة ولا بالديمقراطية سيكون خطرا جدا حيث مع ولاية ثالثة سيدخل المالكي مرحلة نرجسية السلطة ويكون الطريق مفتوحا امامه لاحتكارها بأنتخابات مفبركة على الطريقة البعثية. حتى مع صعوبة حصوله على الولاية الثالثة فان مجرد التفكير من قبله بهذه الطريقه فهو مؤشر خطير مع مجتمعات لا ترى في قادتها الا كونهم ضرورات من ضرورات التاريخ اضيفت لها مع الموجة السياسية الجديدة كونهم ضرورات بواجهات طائفية تسرع عملية الوصول الى سدة الحكم , هذا الخلط بين ماهو ديني وسياسي مقصود لاستغفال العقل العربي المحبط من التجارب السياسية الدنيوية المريرة وسيكون الحل الوحيد هو استحظار المقدس حيث لا حكم الا لله والشريعة المقدسة واستحمار الشعوب بتحميلها وعود الخلاص الدنيوي والاخروي عندها لا يختلف ايمانهم عن ايمان القوميين والبعثيين بأوحديتهم لقيادة هذه الامة الاسلامية الى ذرى المجد العروبي والاسلامي ! . سوف يبقى لغزا قدرة الديني (غير انه مؤيد من السماء) على احداث هذا الخراب داخل العقل البشري حتى مع الزلزال الفكري الذي يتعرض له المقدس داخل الارث التاريخي للفكر البشري . كان كنيدي يقول " ان جهل ناخب واحد يضر بالديمقراطية " فكيف بالمجتمعات العربية التي يورطها الديني في وحل الانحطاط كما ورط الغزالي بعد ازمة فكرية طويلة ليخرج لنا بفتوى عدم جواز الخروج على السلطان لحفظ بيضة الاسلام التي باضها الغزالي بفكره . كما يفضح ميشيل اونفري في كتابه "نفي اللاوهوت" فيلسوفا كبيرا مثل فوكو حين يبتهج " المحترف في تحليل النصوص " بثورة خمينية في ايران مبشرا بعودة غائبة للوحي في حكم ثيوقراطي اسلامي ابعد ما يكون عن قيم الحرية والتسامح وعن المبدأ الديمقراطي .واتذكر انه قال اي (فوكو) ان التاريخ الذي عندنا هو تاريخ مزور لانه تاريخ السلطة والتسلط فهل تاريخ الثورة الخمينية تاريخ السلطة ام تاريخ الشعوب المتشبثة يأسا بجلباب الدين والوحي السياسي الخميني ؟.
#جواد_كاظم_الدايني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟