|
تونس أي أفق لمواصلة الحركة الثورية؟
بشير الحامدي
الحوار المتمدن-العدد: 3985 - 2013 / 1 / 27 - 17:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تونس ـ أي أفق لمواصلة الحركة الثورية؟
عامان مرّا والحالة الثورية في تونس متواصلة لقد استمرّ الصراع بين الجماهير و السلطة التي جاء بها الانقلاب على الحركة الثورية وعلى مطالب الجماهير في شكل احتجاجات تتصاعد حينا وتتراجع حينا آخر ولكن الجماهير لم تقدر على تطوير أشكال نضالها ومقاومتها التي بقيت تراوح في دائرة رد الفعل دون أفق ثوري ملموس يمكن أن يمثل امكانية حقيقية لتصعيد جديد للصيرورة الثورية أو الثورة من جديد كما نسمع من حين لآخر أثناء هذه لاحتجاجات والإضرابات والمظاهرات.لكن وبرغم كل ذلك تظل هذه التحركات والاحتجاجات تعكس حالة من رفض السياسات القائمة ـ حالة من الصراع الطبقي المتقدّم الذي لا يمكن إخماده. إن كل المؤشرات في الواقع تبين أن حالة الصراع الطبقي هذه حالة ستستمرّ وستعرف أطوارا ونقلات في المستقبل لعامل موضوعي واحد على الأقل كامن في الواقع هو أن لا حل ممكن لمطالب الجماهير غير الحل الجذري الغائب عن كل القوى السياسية سواء منها التي في السلطة أو في المعارضة. عندما نتحدث عن حل جذري فإننا نعني بالتحديد ثلاثة مهام أساسية تكثف كل مطالب الحركة الشعبية وتمثل قاعدة هذا الحل الثوري وهي: السيادة. الموارد. الديمقراطية. السيادة بما تعنيه من قطع مع التبعية وكسر لحلقة الهيمنة مع القوى الاستعمارية و الصهيونية. الموارد بما تعنيه من سيطرة الجماهير على موارد البلاد والتصرف الذاتي فيها تخطيطا وإنتاجا وتوزيعا بما يضمن حق الجميع فيها. والديمقراطية بما تعنيه من سيادة مباشرة على القرار السياسي أي تحقيق الديمقراطية القاعدية المباشرة الشكل الوحيد الذي به يمكن تحقيق حكم الشعب بواسطة الشعب نفسه. المشروع الجذري هذا غائب الآن ، نعم غائب الآن ولكنه بالمقابل ليس فكرة طوباوية بعيدة عن وعي الجماهير ولا يمكن أن تدركها أو تفهمها و تقتنع بها وتناضل من أجل تحقيقها. بالعكس إن كل التحركات وخصوصا بعد 23 أكتوبر لم تكن تدفع موضوعيا إلا في اتجاه هذا الحل ولكنها تتوقف دونه لتعود من جيد لنقطة البداية. المهم الذي يجب أن ندركه أن الحركة لن تستمر هكذا إلى ما لا نهاية. إنها ستتطور في اتجاه تخليص نفسها من الميت دائما وهذا درس من التاريخ يجب أن لا ننساه ويجب أن نتمثله دائما. الميت في الحركة والذي يحول دون تبلور هذا الوعي في حركة الجماهير ودون تجسده في مشروعها السياسي هو هذه الهيئات [أحزاب ونقابات وجمعيات وشخصيات مؤثرة في محيطها] التي تأسرها ببرامجها وتحالفاتها ووعيي نخبها وقادتها ورهاناتهم والتي تبين بعد عامين أنها ليست إلا برامج وتحالفات قاعدتها أولا و أخيرا لا تخرج عن المشروع اللبرالي. أي وبعبارة أخرى أن رهان ومهمة هذه الهيئات ليس الحركة الثورية والمهمة الثورية ومطالب الجماهير والمشروع الثوري عموما بقدر ما هو الوفاق والانتخابات والقانونية. لقد استبدلت المقاومة بالانتخابات. لقد استبدل المشروع الاجتماعي الثوري بمشروع الحزب أو الجبهة أو التحالف واستبدلت المهمات الثورية ومطالب الجماهير بمهمات وبمطالب الحزب أو الجبهة أو التحالف . لقد استبدل الصراع بالوفاق والثورة بالإصلاح والجماهير بفئة قليلة منها تدعي امتلاكها للوعي وللإستراتيجيا وللتكتيك لقد استبدلت الحركة على الأرض بالبحث عن التوافقات والفعل الثوري بالتحشيد للاجتماعات والمظاهرات والإضرابات التي تبدأ وتنتهي دون هدف أو استمرارية. إن المعركة كلها مع قوى الانقلاب في هذا الطور من الصراع تتركز على دفع الجماهير على أن لا تواصل الانحناء لجلاديها ليقودوها من جديد لصندوق الانتخابات. ماذا استفادت الجماهير من انتخابات 23 أكتوبر وماذا حققت حكومة الثلاثي من مطالب الجماهير وهل في مقدورها أن تحقق شيئا وهي تحكم بأجهزة الديكتاتورية السابقة وببرامج وسياسات القوى الاستعمارية المستمرة منذ عقود ماذا يمكن أن تحقق حكومة انتخابات 23 أكتوبر المتوافقة والراعية لمصالح البرجوازية المحلية الفاسدة وكيلة رأس المال العالمي ؟ و أكثر من ذلك ماذا يمكن أن تحقق قوى أخرى أي كانت هذه القوى يمينية لبرالية أو " يسارية " إصلاحية ستعتمد على نفس السياسات ونفس البرامج ونفس الطبقات المهيمنة وعلى القوى الاستعمارية ؟ لاشيء غير رعاية رأس المال ومزيد تفقير الجماهير وقمعها؟ لذلك ففشل حكومة الثلاثي النهضة وحلفائها لا يعني إمكانية نجاح البدائل السياسية الأخرى المطروحة لأنها في مجملها حلول لبرالية إصلاحية تقوم على نفس الخيارات و الإستراتيجيات ولا تقطع معها. حكومة الثلاثي ليست وحدها العقبة التي تمنع الصراع من التجذر وتحول دون تنفيذ مهمات الثورة. الذي يحول دون كل ذلك هو الحياد بالصراع عن طابعه الحقيقي أي صراع بين الجماهير و النظام كنظام بكل أجهزته ومؤسساته أي بين بديل جذري ثوري يرى الحل في إسقاط النظام وبديل لبرالي إصلاحي متعدد الوجوه والبرامج محافظ ليس في التحليل الأخير غير مشروع للحفاظ على النظام. مسألة البديل الجذري هذه مسألة متعلقة بحقيقة السياسات المطروحة في بعدها الطبقي. من هذه الزاوية يجب النظر إلى كل السياسات وما تطرحه من حلول. في الحقيقة إن فشل حكومة الثلاثي هو دليل على فشل كل المسار الذي أسس لوصولهم للسلطة. المسار الذي أسس لوصول النهضة للسلطة هو مسار 23 أكتوبر إنه المسار الانتخابي الذي لم يكن غير أحد ركائز مشروع الانقلاب على الحركة الثورية والذي بدأ قبل 23 أكتوبر بكثير برعاية من القوى الاستعمارية و المالية التي كان من مصلحتها وقف حالة التجذر المتصاعد لحركة الجماهير والانحراف بها بعيدا عن تنفيذ مهامها الثورية. فشل حكومة الثلاثي عن إنجاز مطالب الجماهير التي ثارت من أجلها ولئن بدأ يراكم في وعي الجماهير حالة من رفض السلطة القائمة مجسمة في حكومة حزب النهضة وحلفائها إلا انه لم ينزع بعد أوهام الحل عبر صندوق الانتخابات . أوهام صندوق الانتخابات هو الوجه الآخر لتواصل نفوذ قوى الانقلاب في أوساط الجماهير ولتواصل الانقلاب وأحد ركائز التقاء اليمين اللبرالي و اليسار اللبرالي الإصلاحي وهو قاعدة تقاربهما الموضوعية. لقد بدا الانقلاب بإزاحة بن علي وتتويج النهضة في السلطة على أنقاضه وسيتواصل وهو ما يتم الإعداد له بسلطة تحالف بين نداء تونس و النهضة وبعض حلفاء كل حزب منهما. هذا هو السيناريو الممكن وهو ما ستفرضه موازنات انتخابات قادمة كل المؤشرات تدل على أنها لن تخرج عن هذا السيناريو البائس. للأسف لا يدرك الواقفون في ظل الباجي أن أقصى ما يطمح إليه نداء تونس "التجمع العائد " هو المشاركة في الحكم لأن ذلك هو مشروع المافيا السياسية و الاقتصادية والعسكرية قائدة الانقلاب ومن ورائها القوى الاستعمارية والصهيونية التي لا يعنيها غير نسج أكثر ما يمكن من التوازنات السياسية التي وحدها يمكن أن تضمن لها مواصلة سيطرتها ونفوذها. الغائب الأكبر في التأثير في الواقع هو القوى الثورية التي ظلت على امتداد عامين من الصراع مشتتة منعزلة ضعيفة ولم تتمكن من التحول إلى قوة مقاومة ثورية حقيقية موحدة وفاعلة من داخل الحركة الجماهيرية. ماذا حققت الاحتجاجات و الإضرابات التي خيضت إلى حد الآن ؟ و أي أفق اليوم للنضال الجماهيري ؟ وكيف يمكن تجاوز حالة المراوحة في نفس الدائرة هذه المراوحة التي طالت والتي إن استمرت قد تؤدي إلى عملية تراجع كلي عن الحركة؟ في الحقيقة إن هذه الأسئلة لا نطرحها على الهيئات التي حسمت أمرها في الحركة وفي مواصلة تنفيذ المهمات الثورية و اصطفت في مسار الانقلاب على الحركة الثورية كل حسب موقعه ورهانه. إن نوجهها إلى القوى التي خارج هذا الاصطفاف و إلى النقابيين القاعديين الكفاحيين وإلى الشباب الثوري في كل القطاعات الشبابية ـ معطلين تلاميذ وطلبة و إلى الجماهير الشعبية عموما من معدمين ومفقرين وخدامة الذين من مصلحتهم مواصلة النضال لتحيق مطالبهم التي بان بالملموس أنه لا يمكن أن يحققها غيرهم ولن يكون ذلك إلا بالنضال والمقاومة حتى تحقيق التغير الشامل لكل أسس النظام القائم ولكل أجهزته ومؤسساته. إنه فقط على مدى استعداد هذه القوة الطبقية للفعل الثوري والمقاومة وعلى مدى قدرتها على الانفصال والاستقلالية عن كل قوى الانقلاب والوفاق الطبقي يمكن التصدي لمسار الانقلاب ومواصلة تنفيذ المهام الثورية. تلك هي مهمة القوى الثورية والتي برغم ضعفها وتشتتها ليست أمام مهمة مستحيلة خاصة عندما ندرك أن الفرز الطبقي المستمر منذ عامين لن يدفع موضعيا إلا في اتجاه إنضاج الظروف أكثر لاستقلالية حركة الجماهير وتنظمها وبروز قوى سياسية جذرية وثورية على أنقاض إفلاس تنظيمات وأحزاب جبهة الانقلاب على الحركة الثورية ولعل الصورة الأكثر سطوعا لهذا الإفلاس ستكون تلك الحالة التي سيؤول إليها اليسار اللبرالي الإصلاحي حالة مماثلة للحالة التي آل إليها تاريخيا اليسار اللبرالي الإصلاحي في سوريا وفي العراق وفي ومصر ووو نتيجة تحالفه مع أنظمة البرجوازيات الوكيلة العميلة الرثة والطغم المالية والعسكرية الفاسدة وانفصاله عن الشعب. ــــــــــــــــ بشير الحامدي 27 جانفي 2013
#بشير_الحامدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تونس المقاومة التي نريد من سياق معارك البلدات الصغيرة
-
في ذكرى تصفية رزا لكسمبورغ وكارل ليبنخت فريدريك إيبارت جزار
...
-
تونس ديسمبر 2010 ديسمبر 2012 -هنا الوردة، فلترقص هنا! -
-
رد على ملاحظات نشرها السيد بيرم ناجي متابعة لمقالي المنشور ف
...
-
تونس بعد 13 ديسمبر 2012 إلى النقابيين الذين لم تستوعبهم بعد
...
-
تونس بمناسبة 13 ديسمبر إلى متى سيظل الخدامة قوة ضغط بيد قوى
...
-
تونس حراس النظام هكذا باعوا انتفاضة سليانة أيضا
-
تونس مهماتنا ثورة مستمرة وليس إصلاحا توافقيا
-
تونس الدرس من قمع إحتاجاجات سليانة : لا حل وسط مع قوى الإنق
...
-
الحرب على عزة حرب للإجهاز على كل مقاومة في فلسطين وفي كامل ا
...
-
تونس عنف المليشيات السلفية جزء من استراتيجية تواصل الانقلاب
...
-
من أجل شروط أفضل للصراع ضد قوى الإنقلاب التوافقي من أجل مواص
...
-
تونس 23 أكتوبر من ضدّ من ؟ من مع من؟
-
تونس المؤتمر الوطني للحوار البيروقراطية النقابية ودور الوسي
...
-
إليهم في مخافر الفاشست في فايض
-
لا خيار غير العصيان الاجتماعي الشامل لإسقاط سلطة الانقلاب
-
تونس الهيئة الإدارية للتعليم الأساسي قرارت ليست في مستوى تط
...
-
الجبهة الشعبية في تونس تحالف سياسي انتخابي أم قطيعة مع مسار
...
-
العصابة السلفية في تونس مليشيا بيد حكومة النهضة
-
المطلوب اليوم كسر مركزية أجهزة ومؤسسات النظام والإطاحة به
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|