أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - في مشكلة تعاليم يسوع الإنجيلي















المزيد.....

في مشكلة تعاليم يسوع الإنجيلي


حسن محسن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 3983 - 2013 / 1 / 25 - 19:29
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



أحد أهم النقاط التي انتبهت لها من خلال نشر مقالاتي في موقع الحوار المتمدن والتعليقات التي تفضل بها الأساتذة الكرام عليها هي أن موضوع النقد العلمي للنص المقدس المسيحي وقضايا التطرف الفكري المسيحي هو شبه مفقود تماماً في الأدبيات العربية. فكل شيء تقريباً يدور حول التطرف الإسلامي ونقد نصوصه في تلك الأدبيات، بالإضافة إلى نشاط ملحوظ في نقد نصوصه بسبب صراع العقائد الذي هو سمة مميزة للشرق الأوسط منذ آلاف السنين. كما لاحظت أيضاً إشكالية (العقلانية العربية) ذات الثنائية الغرائبية، المميزة بصفة واضحة في الحقيقة، التي تلعب دوراً بارزاً في نشاط صراع العقائد الإسلامية – المسيحية، وتُنتج هذا الثراء المُركز على المحيط الإسلامي، وهي أن هذه (العقلانية) هي "عاقلة" في كل شيء تقريباً إلا فيما يخص عقائدها هي. فليس غريباً أن نرى، أو كما رأينا على موقع الحوار المتمدن، شخصاً فاضلاً يدافع عن نصٍ مقدسٍ ضمن عقائده، واضح التهافت أو السذاجة أو التزوير، من خلال إصراره على الرجوع إلى التفاسير العقائدية التي "تُفلسف" هذا النص للخروج به من إشكالاته أو وضوح سذاجته أو حتى خطأه المنطقي، لكن نفس هذا الشخص، الذي يُصر على اللجوء إلى تفاسير دينه، عندما يذهب للتعليق أو الحكم على مواضيع ونصوص (الدين الآخر)، يرفض تماماً، ضمناً أو صراحةً، هذا المنهج في الدفاع ويُصر على إلغاء كل أدوات منهجه هو الذي تبناه في الدفاع عن نصه المقدس. فلا منهجية منطقية هنا، ولا حتى عقلانية حقيقية. هذه الإشكالية المتعلقة بالإزدواجية في العقلانية العربية تبرز في مجالات وصور متعددة، لكنه واضحة جداً في مجال العقائد.

فمن منطلق هذا النقص في الأدبيات العربية، وتلك الإشكالية في العقلانية العربية أيضاً، لابد لنا من الإلحاح على تسليط الضوء على تلك الزوايا المظلمة في الفضاء العقائدي العربي. فـ "العقلانية" هي كلٌ كامل شامل محايد، لا يتجاوز زاوية من الزوايا بسبب انتماء أو عقيدة أو دين أو مذهب. وكمساهمة بسيطة في سد هذا النقص كانت المقالات السابقة في نقد النص المقدس المسيحي، وهذه أيضاً منها.

مشكلة التعاليم الدينية والنصوص المقدسة، بصفة عامة، أنها كانت تخاطب إطار ثقافي محدد في زمانها وهي في نفس الوقت غير واعية ولا حتى مُدركة أن هذا الإطار التي هي فيه هو إطار متغير شديد الديناميكية مع مرور الزمن. هي تبدو بالفعل أنها جاهلة أن إطارها الثقافي سوف يتغير تماماً ومِنْ دون أي شبه لمعاييرها الثقافية الراهنة. والنص المقدس المسيحي، بعهديه القديم والجديد، ليس استثناءاً بالتأكيد، بل إنه مثال واضح على تأثير الإطار الثقافي بكل إشكالاته على نصه المقدس. فعندما نقرأ مثلاً على لسان يسوع الإنجيلي: (لا تقاوموا الشر) [متى 5: 39]، لا بد لنا أن نتساءل هنا هذا السؤال: ما الذي يدفع "إله"، كما في العقيدة المسيحية، الذي بطبعه يُقاوم الشر ليهزمه ويتغلب عليه، أن يوصي أتباعه بهذه الوصية؟ مالذي يدفع هذا "الإله" إلى أن يقول: (من لطمك على خدك الأيمن فحوّل له الآخر أيضاً) و (من سخَّركَ ميلاً واحداً فاذهب معه اثنين) [متى 5: 40 و 41]؟ ما الذي اختلف هنا عن إله العهد القديم، رب الجنود، الإله المخوف [تثنية 7: 21]، الذي يقتل أعداءه ويُحرق مدنهم ولا يَسلم منه حتى النساء والأطفال والحيوانات والجماد، (يقول رب الجنود: ... اذهب واضرب عماليق، وحرِّموا كل مَا لَه، ولا تعفُ عنهم، بل اقتُل رجلاً وامرأة، طفلاً ورضيعاً، بقراً وغنماً، جملاً وحماراً) [صموئيل الأول 15: 2-3] وانظر [تثنية 7: 1-2 و 7: 22-24 و 20: 16-17]؟ لماذا هذا "الإله" مختلف، جملة وتفصيلاً، عن ذاك الإله في نفس النص المقدس ضمن نفس الدين؟ الذي اختلف أن هذا الإله الجديد، يسوع، كان يعكس وضعه السياسي الراهن المُضطهَد المهزوم الخائف من المحتل الروماني، (ولما سمع يسوع أن يوحنا أُسلِمَ [أي تم اعتقاله] انصرف إلى الجليل) [متى 4: 12]، مع ملاحظة أن المترجم المسيحي العربي قد لطّف ترجمته باستعماله كلمة (انصرف) لأن الترجمة الصحيحة للكلمة اليونانية هي (تراجع) [انظر New International Version أو American Standard Version] أو (ولّى) [انظر Good News Translation]، وفي ترجمة عربية حديثة تم استخدام كلمة (رجع) كنوع من الوسطية إن جاز التعبير [انظرEasy-to-Read Version]. إنها الحالة السياسية المحيطة بيسوع، والتي لن تغفر له خطأه حتى على الظن دون اليقين، هي التي فرضت واقعها على نفسية هذا "الإله" الجديد الذي يُصر على أتباعه أن يعطوا الجزية لقيصر (اعطوا ما لقيصر لقيصر) [مرقس 12: 17]، هذا على الرغم من أن قيصر كافر به، وكافر بدعوته، وكافر برب جنوده، ومحتل لأرضه، ومنتهك لمعبده، ومستعبد لشعبه، ويعبد صنم، وليس له عنده، ولا لأتباعه ولا لليهود الذين خرج منهم، إلا السيف أو الحرق أو الإلقاء لوحوش البراري أو الصلب الذي انتهى عليه هذا الإله مشتكياً لربه في السماء (إلهي إلهي لماذا تركتني؟!) [مرقس 15: 34]. هو "إله" مستسلم تماماً لواقعه السياسي، وإن كان هناك خلاص من هذا الواقع فلن يكون على يديه بالتأكيد، ولكن من خلال "مملكة" سوف يأتي بها الله بطريقة ما. فالنص المسيحي المقدس على لسان يسوع الإنجيلي (لا تقاوموا الشر) يُجب أن يُفهم ضمن إطاره السياسي والثقافي الذي عاش فيه قائله أو كاتب النص، وليس على أنه معيار متعالٍ قائله مُلهَمٌ دون الآخرين. فهو بالتالي فاقد حياده المطلق كمعيار أخلاقي كما يُفترض في كائن مقدس خارج الظرف الزماني والمكاني أو كما تفترضه التفاسير والتعليقات العقائدية. وكذا هو الحال في باقي النصوص المقدسة. إنها ابنة ظرفها وزمانها بامتياز.

ومثال آخر على تأثير الثقافة هو عندما وقف يسوع الإنجيلي ليقول للمرأة الكنعانية بأنها من جنس (الكلاب) [متى 15: 26] وكذلك الحال مع المرأة السورية الفينيقة المسكينة [مرقس 7: 24-29]. إذ لم يكن هذا "الإله" في تلك المقولة إلا أسيراً لثقافته اليهودية بجدارة منقطعة النظيرة، نفس الثقافة التي نراها اليوم في فلسطين المحتلة من جانب الجماعات الدينية اليهودية، ثقافة (أبناء الله) في مقابل (الغوييم) أبناء الأمم. ومن هنا نفهم مصطلح (ابن الله) و (أبي) على حقيقته اليهودية عندما استخدمه يسوع، وليس كما فهم من اعتقد فيه إلاهاً. ربما يصدم الكثيرين أن كلمة (أبي الذي في السماوات) له تفسير أبسط بكثير مما تصوره لهم عقائدهم.

يشير الكثيريون إلى مكانة المرأة في التعاليم المسيحية بالنسبة إلى مثيلاتها في الديانات الأخرى. إلا أن الحقيقة أن هذه الإشارة تتعلق فقط بمكانة المرأة بعد "التهذيب" العلماني على تعاليم المسيحية والذي أتى تدريجياً بعد الثورة الفرنسية وإصرارها على رجوع رجل الدين إلى كنيسة وتركه التدخل فيما وراء ذلك. التعاليم المسيحية الأولى كما في النص المقدس المسيحي هي على العكس تماماً مما نراه اليوم في المحيط الاجتماعي والسياسي لأصحاب الديانة المسيحية، وخير من يلخصها لنا هو بولس الرسول: (النساء يزين ذواتهن بلباس الحشمة مع ورع وتعقلٍ لا بضفائر أو ذهب أو لالئ او ملابس كثيرة الثمن. بل كما يليق بنساء متعاهدات بتقوى الله باعمال صالحة. لتتعلم المراة بسكوت في كل خضوع. ولكن لستُ آذن للمراة أن تُعلِّم ولا تتسلط على الرجل، بل تكون في سكوت. لأن آدم جُبِلَ أولاً ثم حواء. وآدم لم يُغوَ، لكن المرأة أُغْوِيَتْ فحصلت في التعدي) [رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس 2: 9-14]. هذه هي التعاليم الحقيقية للمسيحية فيما يخص المرأة قبل التهذيب العلماني، وهي متأثرة جملة وتفصيلاً بالتعاليم والمناخ الثقافي الديني اليهودي جملة وتفصيلاً فيما يخص وضع المرأة في المجتمع، لا فرق إطلاقاً. لكن الملاحظة الأهم هي أنه لا فرق جوهري هنا بين المبدأ المسيحي (لتتعلم المراة بسكوت في كل خضوع. ولكن لستُ آذن للمراة أن تُعلِّم ولا تتسلط على الرجل) وبين المبدأ الإسلامي (ما أفلح قومٌ ولوّا أمرهم امرأة). كِلا المبدأين متشابهين حذو القذة بالقذة، لأن كِلاهما متأثرين بالمناخ الثقافي اللذان نشأ منه. والأهم من هذا كله أنه لا فضل لمبدأ أخلاقي مسيحي فيما يخص المرأة على إسلامي. هما متشابهين رغم أنف الفريقين.

ربما خير مثال نختم به هذه المقالة هو ما ورد على لسان يسوع الإنجيلي مُبشراً المؤمنين به بأنهم (يحملون حيّاتٍ، وإنْ شربوا شيئاً مميتاً لا يضرهم) [مرقس 16: 18]. هذه المقولة هي انعكاس مباشر لا لبس فيه لواقع ثقافة (عجائبية الحواة). هذه العجائبية للحواة الذين يلعبون بالثعابين والحيّات ويوهمون الناس بأن السم لا يُؤثر فيهم كانت معروفة ضمن إطار مجتمعات متعددة على مر التاريخ، وهذا النص هو وليد رحمها بجدارة. وعلى كل معترض من الأخوة والأخوات (المؤمنين والمؤمنات)، قبل اعتراضه، أن يحاول أن يُمسك ثعبان ثم يتجرع كأساً من سم هذا الحيوان، ثم بعد ذلك ليكتب لنا اعتراضه.



#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إشكالية العقل السلفي العربي
- في طبيعة العلاقة بين الفرد والدولة
- عندما نفقد خارطة طريقنا
- مشكلة اليهودية والجغرافيا عند كتبة الإنجيل
- من إشكاليات قصة يسوع الإنجيلي
- التناقضات الأخلاقية عند يسوع الإنجيلي
- هل هذه صلاة أجر ومغفرة؟
- في إشكالية الشعوب العربية
- سؤال غير بريئ لما يسمى ب -القوى الشبابية- في الكويت
- بصراحة … رأيي في أحداث مسيرة يوم الأحد
- كلمة قصيرة لمن يخاف -ثورة- في الكويت
- لأنكم مجتمع يمثل شذوذاً في كل شيء
- حتمية الصدام بين المنهج السلفي والدولة المدنية
- ميسون سويدان ... أيتها الرائعة
- أيها السياسيون الكويتيون العباقرة … يا أيها الشعب
- باغافاد غيتا – المعرفة السرية القصوى
- التدليس في الخطاب الإعلامي الديني ... محمد العوضي كنموذج
- إشكالية النص المسيحي وشخصية يسوع
- مَنْ كتب الإنجيل؟
- في نقد الطب الإعجازي المسيحي والإسلامي


المزيد.....




- كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة ...
- قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ ...
- قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان ...
- قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر ...
- قائد الثورة الاسلامية: شهدنا العون الالهي في القضايا التي تب ...
- قائد الثورة الاسلامية: تتضائل قوة الاعداء امام قوتنا مع وجود ...
- قائد الثورة الإسلامية: الثورة الاسلامية جاءت لتعيد الثقة الى ...
- قائد الثورة الاسلامية: العدو لم ولن ينتصر في غزة ولبنان وما ...
- قائد الثورة الاسلامية: لا يكفي صدور احكام اعتقال قيادات الكي ...
- قائد الثورة الاسلامية: ينبغي صدور أحكام الاعدام ضد قيادات ال ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - في مشكلة تعاليم يسوع الإنجيلي