هل الله سر ؟

مجدى زكريا

الحوار المتمدن-العدد: 3982 - 2013 / 1 / 24 - 21:11
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

" ماهو السر ؟ عموما , يكون السر حقيقة من المستحيل فطريا فهمها او اثباتها . . . ماهو السر الدينى ؟ انه احدى حقائق الله التى نحن ملزمون ان نؤمن بها , على الرغم من انه لا يمكننا فهمها ولا اثباتها. ماهى الاسرار الدينية الرئيسية ؟ انها اسرار الثالوث الاقدس , التجسد , والفداء. " (شرح موجز للعقيدة المسيحية)
ان المذكور انفا هو كيف اوجز كتاب جرت كتابته فى بداية القرن العشرين وجهة نظر الكنيسة الرومانية فى ما يتعلق بالاسرار. وعلاوة على ذلك , يظهر (دليل الى عقبات الايمان الكاثوليكى) ان مثل هذه الافكار العقائدية لا تزال ذات اهمية اذ يذكر : " ليس فقط بسبب الانجذاب الشخصى الى الوقائع الغامضة يسلم المسيحى بوجود عدد معين من الاسرار فى دستور ايمانه الدينى. فاذا كان يؤمن بها , يكون ذلك كليا على اساس كلمة الله. " ولكن ماذا تقول كلمة الله ؟ هل الله سر ؟
هل يمكننا ان نعرف كل شئ عن الله ؟ يعطينا الكتاب المقدس تفاصيل كثيرة عن الله كشخص , عن صفاته وعن كيفية تعامله مع الجنس البشرى. ولكنه يشرح ايضا ان حكمته وذكاؤه يفوقان فهم الانسان. لذلك يقول النبى اشعيا ان طرق الله وافكاره هى اعلى بكثير من تلك التى للانسان. اشعياء 55 عدد 8 و 9.
وعدم امكانية معرفة كل شئ عن الله لا يجب ان يدهشنا. مثلا , على الرغم من معرفتنا للكون تزداد باستمرار , يعترف العلماء انهم على الارجح لن يفهموا كليا اسرار الاشياء اللامتناهية الصغر والاشياء اللامتناهية الكبر. فكيف يمكن لاى مخلوق ان يعرف كاملا عمق حكمة الله , الذى هو الخالق ؟ اعترف ايوب : " لم افهم . . . عجائب فوقى لم اعرفها. " وهكذا فان معرفة الله الكاملة , من بعض النواحى , تفوق فهمنا المحدود. ولكن عقائد الكثير من الكنائس تذهب الى ما وراء حدود هذه الملاحظات البسيطة.
سرية اكثر من اللازم ؟ تقول دائرة المعارف الكاثوليكية تيو الصادرة حديثا : " فى تعاليم الكنيسة , يمكن ايضا ان يطبق التعبير سر على ما يكشفه الله عن نفسه , مثلا , فى ما يتعلق بوجوده الثالوثى. " وكما فى الكثير من الكتب الللاهوتية الاخرى , فان المفهوم المطور ضمنيا هنا هو انه , بسبب كون معرفة الله سرية بصورة حتمية , لا يجب ان يدهشنا ان الله ثالوث وأن هذا الثالوث هو سر. فهل مثل هذا الاستنتاج مؤسس على حقائق ؟
اولا , تعترف كتب كثيرة , كما تفعل دائرة المعارف البريطانية الجديدة , بأنه " لا الكلمة ثالوث و ولا العقيدة الواضحة بحد ذاتها , تظهر فى العهد الجديد. " وعلاوة على ذلك , يظهر تاريخ هذه العقيدة انها ضمت افكار عديدة مأخوذة من الفلسفات الوثنية التى ادخلت الى عقائد الكنيسة بعد عدة عقود من موت الرسل. ولذلك , ليس هنالك برهان ثابت على ان سر الثالوث موجود فى الكتاب المقدس. مثلا , للتبسيط , فاننا نطلق على الانسان المنافق , انه بوجهين. ولذلك فأن الله الثلاثة ينفر الكثير من المسيحيين وغير المسيحيين من فكرة الله بثلاثة اوجه. انه يوحى بالنفاق , وعدم الثبات , وانه من المستحيل الثقة فيه , وهذه كانت صفات للالهة الباطلة التى عبدتها امم قديمة.
فكروا فى ذلك : لانه من غير الممكن ان نعرف كل شئ عن الله , هل من المعقول ان يخفى الله هويته ؟ كلا , فهو يرغب ان يعرفه كل البشر. وهل من المعقول ان يخفى هويته اولئك الذين يريدون حقا ارضاءه ؟ لايضاح ذلك : اذا كانت الفرصة الوحيدة للمرء كى يرى مشهدا ريفيا جميلا من خلال نافذة و فهل من الحكمة ان يجعل بخارا على النافذة , قائلا : انه من الافضل جعل بخار عليها لانه لا يمكننا ان نرى التفاصيل على اية حال ؟ طبعا لا. فالكتاب المقدس والتفكير السليم يظهران ان معرفتنا لله محدودة حتما. ولكن هذه الحدود لا تبرر على الاطلاق تحويل معرفتنا لله الى عقيدة سرية , كالثالوث , التى تعمل فقط على تشويه فهمنا له.
وعلاوة على ذلك , عندما يظهر التعبير "سر" فى الاسفار المقدسة , لا يتضمن معنى "المعرفة المخفية." كما يجرى فهمه عادة. وكما تذكرنا تيو على نحو ملائم : " التعبير سر لا يتضمن المعنى نفسه هنا. وبالنسبة الى المسيحيين يشير الى امر هو عادة مخفى او لا يمكن الوصول اليه , ولكن الله يريد ان يقوله لهم . . . وأن يختبروه. "
والكلمة اليونانية ميستريون "سر" او "سر مقدس" استعملها الرسول بولس 20 مرة بمعنى خصوصى. لقد استعملها فى الاشارة الى السر المقدس الذى كان مخفيا منذ زمن طويل ولكن الله كشفه عندما ارسل يسوع الى الارض. فيسوع المسيح , منقذ الجنس البشرى , كان الجزء الرئيسى من "النسل" الموعود به الذى سيستخدمه الله لفداء الجنس البشرى , الشخص الذى به ستتبارك جميع امم الارض. وهذه الحقائق المكتومة , او السرية , كانت مخفية عن خدام الله لما قبل المسيحية ولكن الله كشفها فى الوقت المناسب. والمفرح ان هذه المعرفة ليست محفوظة لاقلية مختارة فقط - كما هو الحال مع الاسرار الدينية فى اديان معينة - ولكن يجب اعلانها لاكبر عدد ممكن من الناس دون تمييز.
يحتوى الكتاب المقدس على معلومات كافية لنعبد الله بالطريقة المقبولة لديه. وبعيدا عن تعليم الثالوث , يكشف بوضوح كبير سمو الله والمركز الثانى ليسوع بعد الله. على سبيل المثال , قال يسوع : " ابى اعظم منى. " ويشير الكتاب المقدس ايضا ان الروح القدس هو قوة الله الفعالة , التى توجه شعبه.
يجب علينا ان نتكل على كلمة الله عوضا عن قبول التقاليد السرية والبشرية الصنع التى تشوشها.

#مجدى_زكريا (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات