|
اللآقاعدة الفكرية في العراق ستكون هي القاعدة الذهبية
خلدون جاويد
الحوار المتمدن-العدد: 1147 - 2005 / 3 / 25 - 15:27
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
ان التعبير الفلسفي اللآمع " اللآقاعدة هي القاعدة الذهبية " هو للأديب العالمي برنارد شو والتي تكرمت الشاعرة العراقية الكبيرة نازك الملائكة بجعله مستهلا لمقدمةٍ لأحد دواوينها وتألقت أيما تألق في تعزيز ودعم حركة العصر نحو التجديد في الشعر والتنظير له. يحاول المتورطون بالوعي الجاهز ، محاربو مستجدات الوعي المدني ان يلتصقوا بالظهير التربوي التلقيني العقائدي الجامد مفوتين على انفسهم النظر والتعلم من اكثر من نافذة للحياة وهي خصبة بتعددها وانفتاحاتها اللآمتناهية ، و لمجرد قناعة يبتغون من ورائها سكب العالم هذا بأجمعه في بوتقة واحدة ، وهنا كعب أخيل الفكر أي هنا تكريس للكارثة المتمثلة بأن اجعلك شبيهي بالقسر أو الترغيب أو الاقناع الاحادي الجانب والتسخير لمآرب مرحلية . وليس الظلاميون والرجعيون الجدد هم الذين يسقطون في المطب الفكري اياه ، بل وعلى مستويات محلية وعالمية راحت شخصيات شهيرة للغاية تؤسس لرفض الفكر الجديد . والمنطلقات واحدة والدوافع تتماهي من حيث كوني على صواب وما تفعله أنت على خطأ . وهنا لايمكن اقران مجموعة من لصوص مرتشين يدافعون عن صيغة وايمان خاص بهم وهم مرتزقة مدفوع لهم ، لايمكن اقرانهم بمدافعين عن قناعات فكرية . واذا كان لابد من توطئة لموضوع مثل هذا فالمستهل هو ان السلم يوفر تعايش الرؤى لكن التجاوز با لعنف هو ما يحطم ارادويا وبأسلوب ( الاقتدار ) الشائن كامل العملية الحضارية ويعود بنا القهقرى الى فترات السلب والنهب الجاهلي . المخاطر الأكثر ضراوة تكمن في الالغاء او التحريم اوقطع الاقدام على مقاس السرير ( قطع قدم أي نزيل في فندق بروكست بالمنشار لو كانت اطول من السرير او مطها لو كانت قصيرة ! ) . وفي الأدب والفكر قد حاول الكثيرون في تاريخ العلاقات بين المدارس الأدبية مثلا في روسيا الفكر المثالي مرة وفي الفكر المادي مرة اخرى ، نجد هذا الغمط لحقوق الناس في اختياراتها . فكأنما يحاول الأنسان دحض القول السامي ( ولله في خلقه شؤون ) بل قد ذهب بعض الكتاب العظماء الى أبعد من ذلك . لنأخذ ليون تولستوي على سبيل المثال فأنه بدوافع من فكرة عادلة يغمط حق الناس في الاختيار الجزئي او اختيار الأقلية او الفئة : اراد ليون تولتوي ان يردم البون الشاسع الذي يفصل مابين الفن الرفيع والشعب وذلك في مقال له بعنوان " ماهو الفن " ووقف موقفا مضادا ازاء الكثير من الاجناس الفنية وبسبب من امتيازها الفني ورفعتها وطبيعتها الراقية التي تقف حائلا دون فهم الشعب " احيانا" لها ، وبذا يضعنا المقال امام الاختيار " الحرج " مع من نقف ؟ من الفن باعتباره امتيازا لطبيعة راقية ام مع الشعب ؟ أي مع فن بمستوى الفهم الشعبي ، ، سيما وان الكثير من المجتمعات كانت تعاني من تفشي الامية ، كيف اذاً هل نحن الى جانب اقرار اعمال رفيعة كأعمال " بوشكين وغوغول وليرمنتوف ونيكراسوف وتورجينيف الخ " أم اعتبار كل ماورد عنهم انما هي فنون الطبقة العليا في المجتمع ؟ . حقا لقد اعتبرهم ليون تولستوي كذلك واعتبرنفسه ايضا من هذا الرعيل ! الرعيل الأعلى . كما جاهر بالخير والخيرية أي بضرورة تكييف الفنون من الفهم البسيط وخلق رفاهية مادية وروحية للناس وبأدنى مستوياتهم وبذلك يؤكد " تاريخيا " انحيازه الى السوسيولوجي الجمالي عنه الى الجمالي الخاص بالفئة او الطبقة الجالسة على رأس الهرم الاجتماعي ، وهذا اتجاه صائب من حيث التأكيد على اشتراكية الثقافة ، ولكن الوجه الثاني السلبي والتمردي هو ان نفجر تاريخ رصيدنا البشري باعتباره نتاجا للزمن العابر والغابر ذلك الزمن القائم على حكم الاقطاع والذي تفتحت فيه وعلى الاغلب قدرات فئة معينة من الناس . والموقف العدمي لليون تولستوي من جملة من المصنفات قد تلخص بانه وضع في القائمة السوداء كثيرا من النتاج الانساني مستبعدا اياه من الصفة الاجتماعية بمعناها الواسع وقد ضمت وفي الادب " كل المسرحيات والروايات والقصائد " التي تنقل مشاعر كنسية او وطنية مثلها مثل كافة الاعمال التي تنقل مشاعر خاصة لا تفيد سوى الاغنياء الخاملين " وفي مجال التصوير " وضع كافة الرسوم الدينية والوطنية الزائفة " وكذلك الرسوم التي تصور مباهج الحياة الخاصة ، اضافة الى رفضه للرمزية في الفن ! وذلك لأنها غير مفهومة من الشعب ! ولقد امتد ذلك الحنين الى البسطاء وحب تولستوي لهم وحرصه على أن يتمتعوا بالفن ، الى طرد كل شئ لايبدو مفهوما " ومهما كان عبقريا ، ففي مجال الموسيقى مثلا رفض كل الاوبرا ، وموسيقى الحجرة المعاصرة من بيتهوفن فصاعدا ، شوبان ، برليوز ليست ، فاغنر ، وطبقا لتولستوي تنتمي هذه الموسيقى الى الفن الردئ ! . لماذا ؟ ... لأنها أي السمفونية بغموضها لاتستطيع ان تفهم ولاتستطيع أن توحد البشر وذلك لأن الفن لغة عالمية . ... ولم يتورع تولستوي عن أن يضم الى فصيلة الاعمال الزائفة – الكوميديا الالهية ، وأعمال شكسبير ، وجوته " وهذا بطبيعة الحال نفي سلبي اماتي يعمل على اعدام الفنون لمجرد انها لم تكن مفهومة ، وهذا تعبير صادر عن سريرة " فلاحية " تعتقد بأن الفن يجب ان يكون مرئيا ملموسا عاديا كالكلام اليومي او بسيطا في استهلاله كالخبز ، بينما تؤكد كلاسيكيات الفكر الثوري العالمي على انه " اذا اردت الاستمتاع بالفن فلابد من ان تكون شخصا ذا تربية فنية " ... أما أن أقوم بحرق كل ماتوارثه الناس عبر الدهور والأزمان فان ذلك لايمت بصلة الى العصر الحديث سواء كان اشتراكيا ام سواه اذ لايمكن ان يقيم فنونه على ارض محروقة بل على اساس تراكمي كمي من المعارف تجري الاستفادة من تقنياتها وتنوع اساليبها وموقعها الاكاديمي العالمي كدلالات ووثائق وشواهد عيان على الطبيعة الانتاجية للقرون وعلى الكيفية المميزة لأعمالها ...ولعل ماياكوفسكي قد كتب شعرا مضادا للمواقف النهلستية من المعرفة والشارتية في الفن : كتب الى بلوك قائلا في قصيدة بعنوان " حسناً " : " سمعت ... من الريف انهم احرقوا المكتبة في ضيعتي ..." ان حرق المكتبة في ضيعة ماياكوفسكي يشبه بعض الفعاليات الهمجية للرجعيين والظلاميين في غمط حرية أية فعالية ابداعية وفنية او اجتماعية في أي مكان تسوده الأفكار المتخلفة فيهب ازلامه الصغار بالهراوات للتغيير . أما منظرو هذه الأفعال الشائنة فهم اثنان – أما أن يكون متحجرا متطرف الانتماء احادي الجانب والمسكن ، ثابتا لامتحركا سكونيا لا متفاعلا ، او أن يكون شبيها لتولستوي في عدالته فيصب في حرق الآخر من حيث يدري او لايدري . ان القارئ المتلقي لفكر تولستوي في هذه الناحية ليجد المبرر لحرق مكتبة أو منع كتاب من التداول كما يحدث في الكثير من الدوال النامية والتوتاليتارية .. ومن أين تأتي الديموقراطية والليبرالية في بلدان يسودها فكر الحزب الواحد والدين الواحد والأيديولوجيا الواحدة وحتى ترسخ العادات وتحجر الفكر السائد ؟ هذه البلدان التي لو حلقت في اجوائها فراشة غريبة لتوجهت اليها ألف فوهة مدفع وبندقية . ان سوءة الموقف النظري التولستوي وفضيلته يكمنان تناقضيا في انه " تولستوي " دافع دفاعا ( عادلا ) عن الوضوح في الفن وضرورة تبسيطه وبذا فانه رفض عمليا جملة من الابداعات العبقرية ، ولقد قيل عن تولستوي وطريقته هذه مايلي : " هذا هو العيب الكامن في محاولة تطبيق قاعدة العدالة الشكلية في مجال الفن ...الخ " وصحيح أن يقف تولستوي موقفا مضادا " للملكية العقارية غير المكتسبة بالعمل ورأس المال البرجوازي القائم على السلب الأ ان تطرفه في موقفه من الفنون وترتيبه للفن ترتيبا طبقيا حادا قد أدى به الى استنتاج روبسبيري مفاده انه لابد من نبذ كل الاعمال الفنية التي لاتعبر عن مشاعر صالحة تماما ومباشرة للفلاح الروسي الصيني والافريقي ، للصغير والكبير ، وللمتعلم وغير المتعلم " . وهناك من يقول ان الثورة الاشتراكية العالمية مع مراعاة الخصائص المحلية لكل دولة ، حاولت ان تجيب على هذه الآراء و( حاولت أيضا ) ان تضع في المركز من اعتباراتها تصفية ماعلق تاريخيا من فوارق طبقية ذات طبيعة اقتصادية وفكرية . وبلا أدنى شك فقد تركت تلك المحاولات اثرا ملموسا في حياة الشعب اذ بدلا من تفشي الامية قبل الثورات الاشتراكية جرى تشييد جامعات العمال بعد تأسيس حكوماتها ( محاولات رغم فشل الكثير من التجارب ) . وبدلا من الخرافات فقد جرت محاولات جادة للتفسير العلمي للواقع وتحقيق الانجازات في مجال العلم والطب والريادة الكونية ، وبدلا من ان يكون هناك حائل مابين رؤية الشعب للفن باعتباره طلسما يكون الشعب متنورا ليس بعطاء حاضره الفني فحسب بل بالرجوع الى ثمار النتاج الانساني والى تفهم جوته وشيللر وموسيه وميشيل انجلو ودي لاروش ...أي الى تفهم كل الذين اراد تولستوي طردهم من حديقة الابداع العالمي . ووقف تولستوي ضد الطلسمية وان كان ذلك الطلسم لغة صينية جميلة الايقاع لكنها غيرمفهومة ، ورفض الاستماع الى ماهو جميل لكنه غير مفهوم ، ويؤكد منظرو الفن بأن " العمل الفني هو تحرير لشخصية الفرد من عزلتها ووحدتها ، وفي هذا التوحيد لها مع الآخرين تكمن الخاصة الاساسية والجاذبية الرئيسية " ، ومن الطلسمة بمكان أني أطلي لوحة بقطرانٍ يحار فيها الجمهور ويتسائل عن هذا السر المؤطر بالماء الذهبي بينما ينبري المفسر قائلا بان في العمق من هذه القتامة زنجيين يتصارعان في الظلام !...وهذا ماورد في خبر عن أحد الفنانين . ان هذا ليس توحيدا للفن بالآخرين وانما تعتيم للعلاقات الاجتماعية ، لكن لوحة الزنجيين لاتؤذي أحدا ولماذا لاتُعرض وتجد مكانا لها في الوجود ؟ أما من جهة اخرى فلتولستوي كل الاحقية برفع مستوى انزعاجه الى المعضلة الهاملتية : " هل يكون هناك فن أم لايكون ؟ " ... وأيضا فقد تصدى تولستوي لعشاق فاغنر النائمين مغناطيسيا في اقبية الظلمة وحيث يتواجد المعتوهون لساعات عديدة او ايام تحت لذع الموسيقى والافيون والنبيذ و" يتدروشون " بنوبات من النشوة ، كما تصدى الفاغنريون وعشاق الموسيقى لهذا " التخلف " التولستوي . ان التدخل الفظ من قبل تولستوي مرفوض لأنه يحبذ لونا دون سواه وهذه نظرة قاعدية تمسطر الآخرين وفق ماتريد . ليتدروش من يشاء وهل ثمة معقولية في منع الدروشة في العالم المتعدد أو مزاولة أي طقس فولوكلوري . ان التدخل السلبي في شؤون الآخر ولو نظريا يعطي مسوغات الموقف المضاد منه أما بالقلب او اللسان او اليد ، وهذا خلاف فلسفة اللآقاعدة التي تتمنى الاكثار من الرؤى والتسلكات ذات الطبيعة الانسانية أي السلمية ! وتعمل على الترغيب لتنظير واسع . وان العالم الآن يجنح الى صراع من نوع جديد مابين الضيّقين الذين يمارسون العنف والواسعين الذين يدرؤونه ويضطرون على الدفاع عن انفسهم بقوة الديموقراطية . فالعنف يورث العنف . ان المنظّر الضيق يعطي التبرير للتقليل من قيمة وأهمية الآخر فاذا نظّّرت رجحانا لأبني وحده فهذا بالضرورة ضد ابناء جيراني ولمدينتي ضد المدن الاخرى ولبلدي ضد بلدان العالم ولقوميتي ضد القوميات الاخرى ولأقليتي ضد الأقليات الاخرى ، لكن ومهما تعصبت وتحزبت يبقى وسيبقى حب بني البشر هو أسمى ما يتحلى به انسان. ان امرءأً لايرى الصحيح الا من خلال عينيه فقط وما يرى عداه فهو خاطئ وكافر وخارج على القانون هو الناقص العقل والدين . أي قانون يتحدثون عنه هو الأصلح ؟ ... كل قوانين المعمورة قد تغيرت عدا القانون الذي تمضي اليه البشرية في ضرورة ارساء حقوق الانسان في الحرية ، الحرية التي توفر للبشرية جمعاء الأمان وضمان اختيارات الأفراد والجماعات بدون ترغيب ولاترهيب . ومتى يدرك المواطن البسيط بأن كل التهديدات التي يتلقاها من الضيَّقين انما هي ضد الارادة الانسانية الحقيقية والنزيهة . أنا أختار بحرية فأنا انسان حقيقي . لكن الفكر الضيق لأكبر كُتّاب المعمورة قد راح يجهز على اختيارات بعض الفئآت متعكزا او مبررا مايريده بمبدأ العدالة ، فمثلا يرفض تولستوي التخمين وتحويل الشعر والنثر واللوحات والمسرحيات والموسيقى الى متعة اشبه بحل الكلمات المتقاطعة والى الاستمتاع بالوهم والافتراض وزيف التواصل الجمالي مابين اصحاب الامتيازات في مواجهة الحياة الحقيقية للناس وللجماهير العاملة وللبشرية بأسرها " ويشير الى ان تركز الثروة عند السلطة الرومانية هي التي شجعت على ان يكون الجمال قائما لا على اساس العدالة الاجتماعية الواسعة بل على اساس المتعة المقدمة لطاولاتهم في القصور والكرنفالات وليس مهما ان يكون مفهوما من لدن الجماهير ام لم يكن . كما يجانف كاتبنا الكبير تسخير السلطة للفن وذلك عبر المكافآت اضافة الى توجيه نمط دون آخر من النقد الفني وتشكيل منظومة تعليمية لشرح تلك الماهيات . ويصل الى القول بأن شخصا واحدا وبالكاد من بين مائة شخص في مجتمعنا يستطيع ان يستخدم هذا الفن ، فأجيال وأجيال من التسعة والتسعين بالمائة الباقين يعيشون ويموتون مطحونين بالكد والعمل ودون أن يتذوقوا هذا الفن الذي لن يستطيعوا ان يفهموا منه شيئا على الاطلاق " ولا بد ان نشير هنا الى ان دعوة تولستوي الفنية لتمتاز بالنبل البشري وذلك عندما أكد على ضرورة التوازن ازاء عملية ( الرفاه الاجتماعي ) وذلك لكي يتاح لكل انسان فرصة العمل مثلما يتاح لهم فرصة التمتع بالفن " واستند هنا تولستوي الى مبادئ دينية " وانه قد أشار بمقالته استفسارات العصر ، وتصدى حقيقةً لكثرة من الآراء والتصورات ولعله قد عرّى " المخلصين الصرحاء " من أمثال نيتشه والرومانسيين الذين نظروا الى الفن باعتباره خاصة من خواص المختارين أو السوبرمان ذلك الفن الذي لايستطيع أن يفهمه الشعب وبعبارة اخرى قطيع العوام !! !!! ... ولذا فان عليهم – العوام - " ان يخدموا المتع الراقية لاولئك السادة الراقين " كما ان ت ..س .. اليوت قد طرح رغم عبقريته كشاعر آراءً مشابهةً مفادها ان هناك اناسا وجدوا لكي يحكموا : - " الفنانون والشعراء والفلاسفة والمفكرون والمتنورون عموما ...الخ " وذلك لأنهم تاريخيا مارسوا الاختصاصات هذه واضطلعوا فيها ، وماعلى البقية الا ان توفر الأجواء الخدمية لهؤلاء وذلك لكي ينطلقوا في مجال ابداعاتهم ...أي ان اليوت قد وضع الخط الأحمر مابين الفئة الحاكمة والشعب الخادم " وبذلك يكرس هو واضرابه الرؤية التمييزية الاستعبادية لحق البشر بالتعلم والتطور والابداع . ان من حق أي قارئ ان يحلم بانهيار نظرية نيتشه وآراء اليوت وتقليعات الكثير من الفنانين الذين يرون خلاصهم بالابتعاد عن مباذل الاندماج بالشعب ( الرومانسيون ) عموما والذين يضعون الشعوب في السلالم العنصرية ( النازية ) او الذين يخشون الاستماع الى كلمة ثقافة ( غوبلز ) او الذين يتهمون بعضا من الشعوب بالتخلف أو الغباء وهذا ماقاله سلفادور دالي بان افريقيا قارة غبية ! ... ان من حق القارئ أن يتنبأ بانهيار هذه الآراء بل والمؤسسات والدول التي تبشر بها ، تماما كما نظر افلاطون الى الانعزال المتزايد للفن عن المجتمع كدلالة مقلقة على الانهيار المقبل في الدولة الاغريقية ، وكما انهارت ترسانات اخرى في العصر الحديث كالنازية وكما تنحسر النظريات الاستعمارية القديمة ويحل قبالتها العصر الحديث بالحاجة الى الديموقراطية . كما ان التشدد الاخلاقي من جهة اخرى وفي مجال معالجة الفن نقديا يفقده النظر الى الجمال كتشكيل ويحول دون ان يتطرق الى امكانية بروز الفن في لوحة رجعية المضامين ، ان هذه الرؤية النقدية لهكذا فنون هي ميدان رحب للمناقشة وصراع الافكار أي تماما على العكس من الموقف التعسفي في رفض الجمال كليا وذلك بسبب من رجعيته او فئويته او ذاتيته . يشير الناقد محمد دكروب قائلا : " صحيح ان الوضع السياسي والطبقي يمارس تأثيره بهذا الشكل أو ذاك ، في كل عمل فني ولكن العمل الفني هو تركيب معقد جدا ، له نوعيته الخاصة التي تضرب جذورها في أعماق الطبيعة الانسانية متخطية الوضع السياسي أو حتى الطبقي الآني " وتأسيسا على هذا الرأي ورأي كتاب عديدين فقد دخل تولستوي النبيل في حبه للبشرية جمعاء مدخلا طوباويا ... اذ ان سلخ البناء الفوقي ( وبضمنها الفن بداهة ) عن أية تشكيلة تاريخية معينة ، هي عملية غير ممكنة ، وذلك لأن الفنون تخلد على الرغم من سقوط السلطة السياسة أو تغيير التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية ، وان التراث الجمالي تحت ظل العبودية او الاقطاعية او الرأسما لية ليمتد مشكّلا حضورا ( زاهرا ) في المجتمع الاشتراكي ولذا لم يفرط ببوشكين ويسينين وغوغول وديستوفسكي وتولستوي ..و ...و ... و بل أزدهرت اعمالهم في التداول المحلي والعالمي وكانت مادة للدراسة المتطورة والمقارنة والابداع . ان كتابات أشمل ميدانا قد أكدت على مايسمى " بالتساوي مابين تدني القاعدة الاقتصادي وازدهار انواع قيمة من الفنون والملاحم الاغريقية مثلا " وقد جرى التأكيد على استنتاج مفاده " ان الآثار الفنية الأصلية يمكنها ان تنفصل عن ظروفها التاريخية وتمارس تأثيرها في شتى العصور وتبقى " وأما بلزاك الذي " انسلخ " من طبقته فقد كان تقدميا في فنه ورجعيا في آرائه السياسية وبكلمة أدق فانه اضطر الى السير ضدها ( أي الطبقة ) واستشرف طاقات الانسانية الحقيقية في مستقبلها وسقوط الارستقراطية المحيطة به ... والاستنتاج هنا يقودنا الى حقيقة الكوامن غير الطبقية لبواعث الفن ( احيانا ) وصحيح ان الأخير يسمّر في تابوت ( الرأسمالية ) مثالبها وسؤاتها الا ّ انه يبقى أكثر تنوعا في وظيفته المرحلية باعتباره حاضنا للتاريخ وصراع الانسان مع نفسه والطبيعة اضافة الى الطبقة ايضا ... وكل ذلك لايجب ان يلقى في النار وعلى الطريقة التولستووية . والمثالية هي أن يعبر شيلر عن ( ما ) أي مايراد ضمن الفعل بينما تجسدت الواقعية في طرح ( الكيف ) وذلك عند شكسبير اي اننا بدلا من أن نكرّس المثالي او النموذجي في الفن والادب بنمذجة قسرية وقوالب واعلانات سياسية فوقية داعين الى ما يجب ان يصار ، فانه يجدر بنا ان نحترم الادب الحقيقي في كيفيته الواقعية ، ولذا يشار هنا الى " اهمية شكسبير الواقعي عن شيلر المثالي " .. وتعتقد الفاشيات المعاصرة وخصوصا في " المجتمعات " الاستبدادية بأهمية ( ما ) يجب ان يقال ويمنع ( الكيف ) النابع من اصالة الواقع ، وتلفق البطولة في ازمنة الانكسارات وتقحم الاشراقات في اللوحة المعتمة او شبه المعتمة وتدعي " الرفاه الاجتماعي " في زمن الأزمة وتطالب بقصائد متفائلة في زمن غير متفائل جدا ... وتغطي الآلام بعباءة الاعلام الزاهي الألوان . " ان أكبر خطيئة هي الشيلرة " هكذا ورد الاصلاح كلاسيكيا والآن تواجه الادباء الكثيرين في العالم غير الحر يافطة الكتابة حسب الطلب وفي الدول الأميز ديمقراطيا يعود شكسبير لمواصلة الدراما المعاصرة وبذا فان اكثر ماتخشاه السلطات هو فن الرواية الذي تجسد الواقع في شكله بعيدا عن اسلوبية شيلر رغم تقدميته بل وبفعل درامي حي يهتك ( القنونة) السائدة . ان شكسبير الذي تناوله تولستوي بالنفي أيضا ليعتبر " أحد أكبر الفنانين الواقعيين في تاريخ الثقافة البشرية " ورغم لغته الرفيعة وصلتها بالواقع يريد لها تولستوي ان تكون مادون ذلك الواقع وذلك لكي تصلح جماهيريا . وانه ادرج بوشكين كما اشرنا في ذات المنفى ولكن بوشكين قد قيم بطرق اخرى أيضا وهذا ماورد عنه : " في عزلته الريفية يغدو الشاعر أكثر اقترابا من البساطة من لغة الشعب ومن روحه . وتبدأ اعماله الشعرية آخذه طابعا واقعيا وعمقا انسانيا . لقد تركت القرية الروسية أثرا عميقا في نفسه بأجوائها الخريفية وامتداد ريفها واناسها وهم يترنمون عند الحصاد ، بأغانيهم الشعبية الصافية " . "هاهوبوشكين يكمل فصولا اخرى من روايته الشعرية ( يفجيني اونغين ) ويكتب عملا مسرحيا صغيرا ( مشهد من فاوست ) ، ان شعره في هذه المرحلة ليبلغ مستوى واقعيا عالميا ونموا فنيا غير اعتيادي . هو الآن في القلب من واقعه القومي " . " لقد أنكر النقد على الشاعر تناوله لموضوعه عاريا كما هو بابتذال مناظره ونثريته لكن هذا العري المبتذل هو مايشق الطريق أمام انجازات غوغول الآتية : النفوس الميتة والمفتش العام وغيرها " ان صدق وقوة التصوير في احدى روايات بوشكين ( يفجيني اونغين ) ليجعلها موسوعة الحياة الروسية تلك التي قال عنها مكسيم غوركي بأنها افضل بكثير من الوثائق والمدونات التاريخية الروسية . ان الخلاصة التي تعرض لها ، وفي تقييمات ادباء الثورة بأنه هو نفسه ( أي تولستوي ) قد وقف ضد آرائه الطوباوية المبثوثة في نتاجه الابداعي ، الا انه ورغم ذلك فقد اجترح الملاحم البطولية للانسانية التقدمية . ولقد أكدنا على أن الرؤية " اولوية النظرية " الصحيحة للعالم تستجلب الفعل الابداعي التغييري " الحركة الثورية " الا ان تولستوي في نيله من تشالز ديكنز لم يستنبط من الخاص ماهو عام كدرس لمجابهة الواقع ، لم يستطع ان ينظر الى اوروبا التي سادها الرأسمال وبضمنها انجلترا باعتباره فعلا مناقضا لانسانية الشغيلة بل لم يقوَ ان يصوغ رؤية متناقضة له ( رد فعل ) رؤية تعمل على مصادرة رأسمالية النظام ، وتشريك الانتاج في كل بلد معني وبذا يتبرر ديكنز ثوريا ويغدو (شبه شمولي) بل وتكمن في جذور ادبه استخلاصات لنظرية تكافح سطوة رأس المال . لم يضطلع تولستوي بذلك بل نحا بالآئمة على ادب ديكنز باعتباره ادبا خاصا بمأساة انجلترا الداخلية وان مثل هذا الأدب لايوحد البشر . ان مايوحد البشر في رأي تولستوي هو الحب الديني ، الحب العام الذي هو بمعزل عن التدقيق في قسوة التاجر شايلوك ومعاناة العمال واطفالهم البائسين وبمعزل عن رسم تصور اقتصادي علمي مبرمج يعمل على الحيلولة دون الاثراء لطبقة من الناس وافقار اخرى . ان الأخطاء النظرية أبقت تولستوي وغيره مثاليين غير واقعيين وألقت بهم في حيز النظريات ، وأما اعمالهم فهي شوامخ تعلو بالادب الانساني وذرى مضافة الى مسيرة التراث العالمي في نضالها ضد انظمة التخلف . وهكذا لانقوى على تهديم فسيفساء واحدة من تراثنا المحلي أو الانساني اذ ان ذلك يشكل ثغرة في جدارية العالم ، وبذا فان التراث قيمة مضافة لحيوية الحاضر وحلقة في سلسلة تقدمه الخالد . وان هذا يشبه رفض فلاديمير لينين لمحاولة جندي شرع بحرق كرسي ضخم يشبه العرش بل دعاه الى الاحتفاظ به كجزء من الملكية العامة وأيضا هو جزء من معرض الحقبة الروسية الماضية . وكذلك يغدو من الحكمة بمكان الابقاء على الماضي بغثه وسمينه لأنه جزء من ذاكرة الشعب . ان العراق في تحولاته العاصفة قد ذاق الأمرين من الممنوعات وكثرة اللآءات وقد حطمت كلمة ( لا ) أعصاب العراقيين .. وآن الأوان أن يتسائل كل انسان وعلنا : ( لماذا لا ) .. لماذا أُحرم من الأشكال والانواع ومذاق الاشياء لماذا أظل حبيس تربيتي وشروط انباتي والمربعات والغرف الضيقة التي اجهزوا على روحي فيها .. لماذا عليّ ان ابدو بهذه الهيأة دون سواها لماذا يهندسني تولستوي وسواه وتفرض عليّ القنونة والقومنة والبعثنة والقردنة واسلوبية معينة وعادة معينة وطقوس دون غيرها لماذا يجب ان اخرج في مظاهرة او انتمي الى حزب اواذهب الى اجتماع ولمن يمنعني سواي اذا كانت رغبتي صادرة عني في ممارسة ابسط حقوقي السلمية ... لماذا لماذا لماذ وهكذا لماذات عديدة في عراق كان شعبه حبيسا كالعبد بل أسيرا على أرضه .. ان الحرية التي يتوخاها العراق القادم ستحطم كثيرا من القواعد . وبقعة العراق رهان عالمي بين الارث التاريخي للرجعية العالمية والتحرر والديموقراطية التي يتمناها العراقيون ويدافعون عنها. ولذا فان القاعدة ستتحطم وسيحل مكانها شئ اسمه اللآقاعدة .. تلك الكلمة التي لم يستفد منها التاريخ فورا لكن الشاعرة الفيلسوفة نازك الملائكة قد أفدت منها أي فائدة عندما كانت ( اللآقاعدة هي القاعدة الذهبية ) بوصلة لشعرها ولن يدين غدا العراق الأ لهذه الكلمة الرائعة التي ترجمتها نازك ودبّجها أصلا برنارد شو ذلك العظيم الذي كتب مسرحية ( بيجماليون ) والتي دعا فيها الى عالمية الثقافة . ان ( اللآقاعدة هي القاعدة الذهبية ) بوصلة رائعة نحو عتبة اولى من حياة الديموقراطية وهي لانقول سلاح - فلقد كرهنا هذه الكلمة - بل هي نسيم ل25 مليون رئة تتنشق ووردة تتفتح . ان الكلمة فراشة في نسمة ولامجال غدا لمن يصادر النسيم او يقتل الفراشات .
#خلدون_جاويد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشاعربدر شاكر السياب .... هل هو من جماعة القاعدة ؟!
-
الجواهري روح العراق وعنفوانه الفكري والعاطفي ...هل سيعمم شعر
...
-
الموسيقى باعتبارها نوعا من السجن
-
كتابات في الحرية ألمعية الأديب في كسر القاعدة والمسلّمات
-
اوروك والتاو الصيني والآخرون
-
قوس الفلسفة في قزح الشعر
-
أُمهات البلاد الحبيبة
-
الذباب بين الفكر الفلسفي والواقع المحسوس
-
على هامش الفلسفة الوجودية
المزيد.....
-
رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق
...
-
محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا
...
-
ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة،
...
-
الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا
...
-
قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك
...
-
روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
-
بيع لحوم الحمير في ليبيا
-
توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب
...
-
بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
-
هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|