أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام آدم - في الرد على د. عدنان إبراهيم - 3















المزيد.....

في الرد على د. عدنان إبراهيم - 3


هشام آدم

الحوار المتمدن-العدد: 3978 - 2013 / 1 / 20 - 19:36
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


سأبدأ هنا بعرض ما جاء في الحلقة السادسة من سلسلة الدكتور عدنان إبراهيم (مطرقة البرهان وزجاج الإلحاد)، حيث أنَّني لم أقف على ما يستحق الرد في الحلقتين الرابعة والخامسة؛ لأنَّهما تناولتا بالإطناب التسلسل التاريخي لبعض الآراء الفلسفية، ولم أر أيّ وجاهة في تناول هذا العرض، فهو مما لا يُفيد تناوله سلبًا أو إيجابيًا، ومن جانب آخر فإنني لم أشأ تطويل هذا المقال أكثر مما هو عليه، وأحببتُ أن ألج مُباشرة إلى ما يُمكن أن يكون مُفيدًا في هذا السياق.

من المُلفت للنظر مع بداية الحلقة السادسة الوقوف على عدم الاتساق الفلسفي الواضح لدى الدكتور عدنان إبراهيم، فهو، رغم إيمانه بوجود إله، إلّا أننا نجده يرفض المثالية الفلسفية ويسخر منها، ويعتبرها، كما أعتبرها عدد كبير من الفلاسفة ضربًا من الخيالية؛ حتى أطلقوا عليها اسم الفلسفة الخيالية، ولكنه في الوقت ذاته يقف موقفًا ضدّ المادية الفلسفية، ويراها متجاوزة للطبيعة البشرية؛ حيث أنَّ العقل البشري، بحسبه، ليس بإمكانه البت في كل القضايا، ويستشهد بذلك على بعض المقولات الفلسفية التي ترى أنَّه ليس من الراجحة استخدام العقل في كل المسائل. واستشهد بالحديث النبوي: "اسْتَفْتِ قَلْبَكَ الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَـيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَـيْهِ الْقَلْبُ وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِـي النَّفْسِ، وَتَرَدَّدَ فِـي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْك"(أخرجه الإمام أحمد والدَّارمي بإسناد حسن) وجاء كلامه هذا في معرض اعتراضه على مقولة نسبها إلى تشارلز دارون تُؤكد على ضرورة استبعاد العواطف من المجال العلمي، وبأنَّ العالم الحقيقي يجب أن يتعاطى مع الظواهر التي يبحث عنها بحيادية تامة، وأن يكون كالصخرة الصماء، والدكتور عدنان بذلك يرى استحالة استخدام العقل في جميع التطبيقات، وأنَّ هنالك من المسائل ما لا يُمكن البتُّ فيها بشكل قاطع لتكافؤ الاحتمالات، وهو مبدأ يتنافى مع المنهج العلمي التجريبي الذي لا يشتغل بالعواطف، ولا يُقيم لها وزنًا، وهو ذات المنهج الذي عاد الدكتور عدنان وأقرّ به، ووصفه بأنَّه منهج دقيق ومُعتبر، وكان يعني بذلك المنهج العلمي الذي لا يُؤمن بالمشاعر والعواطف، وهو شيء من تناقضات الرجل، لأنَّه واقع في المنطقة الوسطى الحائرة بين الميل إلى الإيمان "القلبي" كلَّ الميل، وبين الميل إلى العلم التجريبي المادي كلَّ الميل كذلك، وهو ضرب من ضروب عدم الاتساق، ويظهر هذا الاتساق بشكل جلي عندما أعلن انتماءهُ إلى المدرسة الواقعية النقدية، وهي أحد مدارس المادية الفلسفية.

ومن المُفيد سرد لمحة تاريخية سريعة على موضوع الفلسفة، والذي طرحتُه أكثر من مرّة، في أكثر من مقال، فالفلاسفة كلّهم، دون استثناء، حاولوا، ومازالوا يحاولون الإجابة على سؤال الفلسفة الأزلي والرئيس: "أيهما أسبق للوجود: المادة أم الوعي؟" وانقسموا في سبيل الإجابة على هذا السؤال الكبير إلى مدرستين فلسفتين أساسيتين: المادية الفلسفية، والمثالية الفلسفية، وتتلخص فكرة المادية الفلسفية في القول بأسبقية المادة، بينما تتلخص فكرة المثالية الفلسفية في القول بأسبقية الوعي، وهما مدرستان على طرفي نقيض تمامًا، وخلال سنوات وقرون طويلة من الصراعات الفلسفية بين هاتين المدرستين خرجت مدرسة فلسفية ثالثة، وهي مدرسة توفيقية، تُسمى اللاأدرية الفلسفية، وهم ببساطة يحاولون إيجاد صياغات توفيقية بين المدرستين، ولهذا فقد أطلق عليهم جورج بوليتزر صفة (اللااتساق) فاللاأدري هو في الواقع إمّا مثالي غير مُتسق أو مادي غير مُتسق، لأنَّه لا يُمكنك أن تكون ماديًا ومثاليًا في الوقت ذاته، وإذا كان الدكتور عدنان إبراهيم من النوع الذي لا يُؤمن بإله شخصاني، كالعديد من الفلاسفة والعلماء، لقلنا بإمكانية أن يكون ماديًا مُتسقًا، ولكن لكونه يُؤمن بمفهوم الإله الشخصاني، فإنَّ هذا يتعارض وبصراخة شديدة مع موقفه الفلسفي من المادية الفلسفية، وهو ما يُؤخذ عليه.

عمومًا، تكلّم الدكتور عدنان إبراهيم، عن رفضه لاستخدام العقل في كل التطبيقات حتى التجريبية، والحقيقة أنَّ هذه هي بالتحديد مُشكلة العقليات الدينية التي تُعلي من شأن العلم، إلّا عندما يتصادم مع عقيدتهم ومع ما يُؤمنون به، رغم معرفتهم التامة أنَّ العلم هو علم بلا عواطف، وبلا أخلاق، فالعلم لا يكترث كثيرًا بهاتين القيمتين على الإطلاق، ويتعامل مع الظواهر بتجرّد تام، وقدّ صرّح في بداية السلسلة بأنَّه لن يستطيع أن يكون مُحايدًا بصورة مُطلقة، ولو أنَّه فعل ذلك، لكان خيرًا له؛ إن كان فعلًا باحثًا عن الحقيقة، فالحقيقة لا يجب أن تهب الراحة والرضا للباحث عنها؛ لأنَّها ربما كانت عكس ما يشتهي وما يهوى. ويقول الدكتور عدنان بأنَّ الإنسان في أساسه مكوّن من عقل ووجدان، وربما عنى بالوجدان في هذا المقام (منظومة العواطف والمشاعر) وتلك القيم التي تنظوي تحت مظلة "الروحانيات" وهو، أيضًا، مفهوم ميتافيزيقي صرف، وفي مقالي (خطوات مادية نحو تفكيك الإيمان) تعرّضتُ بشكل تفصيلي إلى هذه الظواهر "الروحانية" وحاولتُ إبانة أنَّها جميعًا ليست سوى تمظهرات مادية للتطبيقات الذهنية؛ فالحب، والكراهية، والغيرة، والحسد، والاشتياق، والحزن، وكافة العواطف والمشاعر الإنسانية منبعها الحقيقي الدماغ، فهذا الدماغ مكوّن من قسمين رئيسيين: الوعي، اللاوعي، وهو مخزن لكافة المشاعر والعواطف وهي ليست سوى مُتعلقات التجارب الإنسانية التي تمر علينا خلال حياتنا اليومية، ويتم استدعاء هذه التجارب بكل انفعالاتها في حالات بعينها، ولكننا نتوهم أنَّها مسائل وجدانية أو روحانية، والحقيقة أنها ليست كذلك، ولقد سقتُ في ذلك المثال أمثلة عديدة تُدلِّل على كلامي ذلك.

ومن الغريب أن يتكلّم الدكتور عدنان عن مفهوم القلب في مجال العلم التجريبي، فهل يُمكن فعلًا أن نستفتي القلب لحل مسائل رياضية مثلًا؟ هل يُمكن أن نستخدم "عاطفتنا" في ترجيح فرضية علمية على أخرى؟ والواقع أنَّ استفتاء القلب، ليس سوى استفتاء للذهن، وهو العمل بمبدأ الترجيح العقلي البسيط أو المُجرّد، فعندما تقف أمام لوحتين جميلتين لشراء إحداهما، فإنك تقوم بعملية ترجيح بسيطة جدًا، ليستقر رأيك في النهاية على إحدى اللوحتين، لأسباب ذاتية، وهذه التفاضيلية ليست سوى إحدى التطبيقات الذهنية البسيطة، ولكن لا يُمكن استخدام هذا التطبيق في المجالات العلمية التجريبية، لأن العلم يقوم على قوانين شديدة الصرامة، وهي قوانين موضوعية وليست ذاتية على أي حال، ولا أُريد الخوض أكثر في مسألة القلب، ومفهوم القلب الديني، ويُمكن للقارئ الكريم الرجوع إلى مقالي (خطوات مادية نحو تفكيك الإيمان) لمعرفة رأيي في هذا الموضوع. على أنَّه يُمكن افتراض أنَّ للقلب وظائف غير وظيفته البيولوجية في مجالات الحياة اليومية والأعمال الأدبية على سبيل المجاز. ولكن تجدر الإشارة هنا إلى ملاحظة شديدة الأهمية، وهي اعتراف الدكتور عدنان في هذه الحلقة بعدم وجود دليل "علمي" على وجود إله، وهذا ما أشرنا إليه في بداية المقال، وهو مما لا يُمكن إغفاله بحالٍ من الأحوال؛ إذ أنَّ مسألة وجود أو عدم وجود إله، تقع مُباشرة في حقل الميتافيزيقيا الذي لا يتناوله العلم التجريبي، مع مراعاة أنَّ الميتافيزيقيا تهاوت تمامًا مع بروز نظرية النسبية لأينشتاين، وهو ما سوف نتكلّم عنه في وقته.

تطرَّق الدكتور عدنان إبراهيم، في معرض حديثه عن برهان النظم، إلى موضوع "التصميم الذكي" Intelligent Design وتناول هذا المفهوم بشيء من الاختصار، وأوضحَ أنَّ المقصود به هو مجموعة من الأجزاء مترابطة ومُتناسقة بقصد مُعيّن، فيكون كل جزء في مكانه بالتحديد لغرض وهدفٍ مُحدد؛ بحيث أنَّ إلغاء هذا الجزء يُعطّل كامل التصميم، وبحيث أنَّه لا يُمكن التصديق بوجود أيّ جزء اعتباطًا أو بطريقة زائدة. ومن الغريب أنَّه تناول أمثلة على التعقيد، ومنها على سبيل المثال التعقيد اللغوي؛ بحيث أنَّ الحرف يرتبط مع حرف آخر ليُشكّل كلمة مفهومة، والكلمة ترتبط مع كلمة أخرى لتُشكّل جُملة مفهومة، ويرى أنَّ هذا نوع من التعقيد، والواقع أنَّ تعقيد التراكبات اللغوية لا يُمكن أن يُعتبر تعقيدًا كما نفهمه في هذا السياق، وهو مما لا يصح الاستدلال به على أيّ حال. وقد وقع الدكتور عدنان في خطأ يقع فيه الغالبية العظمى من مُنتقدي الإلحاد، عندما حاول المقارنة بين التعقيدات البيولوجية العضوية، والتعقيدات الأخرى، كالتعقيدات التراكبية في اللغة أو في الموسيقى، أو حتى التعقيدات التراكبية الصناعية، والتي تظهر جليةً في مثال شائع يستخدمه غالبية المُؤمنون: "ما هي احتمالية أن تتجمّع مجموعة من المعادن لتُشكّل طائرة من طراز بوينج 747؟" واستشهد بما يُعرف باسم "مُبرهنة القرد" التي وصفها أنطوني فلو Antony Flew بأنَّها "كوم من النفايات" وتقتضي التجربة إحضار مجموعة من القرود وإجلاسها أمام آلات طابعة علّها تكتب سونيتة من سونيتات شكبير (Shall I compare thee to a summer’s day) (!) وتوصلت التجربة إلى أنَّ احتمالية تمكن القردة من ذلك تعادل تقريبًا (1 من عشرة مرفوعًا لأس 690) وأنا أقول إنَّ القردة لم يكن في إمكانها كتابة البيت الأول من القصيدة، ناهيك عن مقطع السونيته كاملًا، ولو استمرت المحاولة إلى ما لا نهاية من المحاولات؛ لأنَّه لا يُمكن التدليل على تطبيقات الصدفة بهذه الطريقة على الإطلاق، كما لا يُمكن التدليل على تطبيقات الصدفة على طريقة مثال طائرة بوينج 747 ... ومن المعلوم بالضرورة أنَّ أيَّ احتمالية تصل إلى عتبة ديمسكي William A. Dembski تعادل الصفر.

وفي هذا الصدد فالدكتور عدنان إبراهيم يخلط خلطًا واضحًا بين مفهوم الصدفة، ومفهوم العشوائية، وهو خطأ لا يُمكن أن يُغتفر لمن هو في مثل ثقافته وعلمه، فالصُدفة هي في الأساس قانون، وهي لا تعني العشوائية بأيّ حالٍ من الأحوال، ولقد شرحتُ قانون الصدفة في أكثر من مقال، وأُعيد شرحه هنا أيضًا للفائدة. الصدفة: "توفر مجموعة من العوامل بطريقة غير واعية لتُشكّل ظاهرة" وإذا حاولنا تطبيق هذا القانون على ظاهرة كظاهرة المطر، فإنَّنا سوف نجد أن المطر يتكوّن من خلال توفر عوامل مُتعددة تتكاتف جميعها بطريقة غير واعية (أي غير مقصودة):
= مقدار مُعيّن من الحرارة + مُسطّح مائي = تبخّر
= بخار ماء + سطح أو وسط بارد = تكثّف

هذه الظاهر تحدث بصورة تلقائية غير واعية، ويُمكن ألا تتكرر في مناطق جغرافية بعينها إلّا مرّة كل عام تقريبًا، بينما قد تتكرر هذه الظاهرة في مناطق جغرافية أخرى بشكل أسبوعي أو حتى يومي. هذه هي الصُدفة، ولقد أثبتت التجارب المعملية إمكانية تكوّن أحماض أمينية أولية بمجرّد توفر العوامل التي تساعد على ذلك، وتجربة يوري-ميلر خير برهان على ذلك، والنجاح الكبير الذي أنجزه العلماء بتخليق أوّل خلية حليّة في المعمل أيضًا هي امتداد لهذا الأمر، ولم يعد هنالك أيّ مساحة لمُناقشة قانون الصُدفة بعد نجاح هاتين التجربتين، ولكن تظل هنالك بعض العقبات العلمية التي مازال العلماء يبحثون عنها، وهي ما لا يُمكن أن تشكّل أيّ عائق يُذكر.

على أنّه من المهم التذكير بأنَّ نظرية "التصميم الذكي" التي يتغزَّل بها الدكتور عدنان إبراهيم تم رفضها رسميًا من التدريس في الجامعات الأمريكية والأوربية بسبب أنها "ليست نظرية علمية" في حين أنَّ نظرية التطور هي التي يتم تدريسها، ولابد أنّ نأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، ولكن دعونا نعرف الفارق الحيوي جدًا بين "التصميم الحي" و "التصميم غير الحي" وهنا أقصد الكائنات الحيّة والأجهزة التي يصنعها الإنسان لنرى مدى سخافة المقارنة التي يُجريها الدكتور عدنان إبراهيم والخلقيون بصورة عامة. ولنأخذ جهاز التلفزيون كمثال، فهو مكوّن من أجزاء، وكل جزء موضوع في مكانه المُحدد، لتأدية غرض مُعيّن، وإذا تم فصل جزء من هذه الأجزاء فإن التلفزيون لن يعمل، أو لن يعمل بذات الكفاءة المطلوبة، وبالضرورة فإنَّ التلفزيون لابد له من صانع أو مجموعة صانعين أذكياء، لهم غايتهم الواضحة من صناعة هذا الجهاز، ولكن ما هو الرابط الذي يربط بين أجزاء التلفزيون؟ وهل هذه الروابط تمتلك وعيًا فيما بينها، أم أنَّ الوعي هنا وعي خارجي يعود إلى الصانع الذي وضع هذا الجزء في ذلك المكان بوعيه هو، وليس بوعيٍ من الجزء نفسه؟ بينما في الإنسان مثلًا فإنَّ كل خلية حيّة تمتلك وعيًا ذاتيًا بنفسها، وهذا الفارق مهم للغاية، وهو الذي يخلق الفرق بين التراكيب العضوية وغير العضوية، إلى الدرجة التي تجعل المقارنة بينهما عملًا سخيفًا. فالتلفزيون، كجهاز، لا يمتلك وعيًا ذاتيًا بنفسه، ولا وعيًا ذاتيًا بين أجزائه، بينما الكائنات الحيّة تملك هذا الوعي الذاتي، ومن ناحية أخرى، فإنَّ الرابط بين أجزاء التلفزيون هو رابط تصنيعي وظيفي، بينما الرابط بين أجزاء أيّ كائن حي هو رابط تفاعل عضوي كيميائي، ولهذا فإنَّ أيّ خلية حيّة تعرف (بذاتها) ما يتوجب عليها فعله، دون أيّ تدخل خارجي من أحد، بينما أجزاء التلفزيون تحتاج دائمًا إلى وعي خارجي لخلق هذه الروابط.

ومن ناحية أخرى، فإنّ صنع جهاز التلفزيون له غاية، وهذه الغاية هي بالتحديد ما جعلته على هذا الشكل المادي، فما هي الغاية من خلق الإنسان أو الكائنات الحيّة؟ ولماذا يختلف الشكل المادي للكائنات الحيّة إذا كانت كل الكائنات الحيّة تتفق في الغائية؟ نعم هنالك اختلافات بين أشكال أجهزة التلفزيون من أجهزة كبيرة إلى صغيرة، ومن شاشات مقعرة إلى شاشات مسطحة إلى شاشات البلازمة ووو إلخ، ولكن هل يُمكن أن تكون هذه الاختلافات مًشابهة للاختلافات أو "التنوّع" بين الكائنات الحيّة؟ هل يُمكن لنظرية التصميم الذكي أن تُفسّر هذا التنوّع بطريقة علمية؟ الواقع إنّ نظرية النشوء والارتقاء تقدّم لنا تفسيرًا "علميًا" للتنوّع الكبير والمُذهل بين الكائنات الحيّة، ولهذا فإنّ النظرية علمية بجدارة، ولهذا فإنّها تدرَّس في المعاهد والجامعات العالمية، بينما تم رفض نظرية التصميم الذكي، لأنها تفترق إلى العامل العلمي المهم هذا.

ودعونا نطرح، بشكل مبدئي، تساؤلات من شأنها أن تفيد في رؤية نظرية "التصميم الذكي" من زاوية النظر المُناسبة، فإذا كان التصميم هو كما ذكرنا (مجموعة من الأجزاء مترابطة ومُتناسقة بقصد مُعيّن، فيكون كل جزء في مكانه بالتحديد لغرض وهدفٍ مُحدد؛ بحيث أنَّ إلغاء هذا الجزء يُعطّل كامل التصميم، وبحيث أنَّه لا يُمكن التصديق بوجود أيّ جزء اعتباطًا أو بطريقة زائدة) فكيف يعيش الإنسان إذا بُترت إحدى ساقيه أو حتى كلتاهما؟ بل أنَّ هنالك أطفال يُولدون بلا أطراف علوية ولا سفلية(!) وهل بروز إصبع زائد يُمكن أن يعتبر تصميمًا ذكيًا؟ وما هي وظيفة الأثداء لدى الذكور مثلًا؟ وكيف يُمكن أن تُفسّر ظاهرة المُخنثين Shemale وفقًا لنظرية التصميم الذكي؟ وبماذا نُفسّر وجود أجنحة لدى بعض الطيور غير الطائرة: الدجاج أو النعام مثلًا؟ وكيف نُفسّر الأيادي الصغيرة والقصيرة جدًا لبعض الديناصورات المُنقرضة؟ هل يُمكن لنظرية التصميم الذكي أن تُجيب على هذه الأسئلة؟ علمًا بأنَّ هذه الأسئلة يُمكن أن نجد لها إجابات "علمية" شافية في نظرية النشوء والارتقاء، مع أخذنا في عين الاعتبار الطرح الخاطئ جدًا والمغلوط لمفهوم "التطوّر" والتعقيد، من واقع ما يفهمه الدكتور إبراهيم عمّا هو معلوم بالضرورة وفقًا لمفهوم التطوّر البيولوجي، ولكن ربما نتكلّم عن هذا الأمر باستفاضة أكثر في وقتٍ آخر، لأنني لم أنته بعد من مُشاهدة بقية السلسلة، ولعلّي أجد في بقية كلام الدكتور عدنان ما يجعلني أشرح هذا الأمر بطريقة مُتوسعّة قليلًا.



#هشام_آدم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الرد على د. عدنان إبراهيم - 2
- في الرد على د. عدنان إبراهيم - 1
- بين موت المسيح وقيامته
- تفسيرٌ غير مُقدَّس لنصٍ مُقدَّس
- تأملات في العقيدة المسيحية
- عن المسيحية والبالتوك - 6
- عن المسيحية والبالتوك - 5
- عن المسيحية والبالتوك - 4
- عن المسيحية والبالتوك - 3
- عن المسيحية والبالتوك - 2
- عن المسيحية والبالتوك - 1
- لماذا الله غير موجود؟
- في نقد شعار: الإسلام هو الحل
- المادية التاريخية للجنس – 3
- المادية التاريخية للجنس – 2
- المادية التاريخية للجنس - 1
- عنّ ما حدِّش حوَّش
- نقد العبث اليومي(*)
- تهافت رهان باسكال(*)
- خطوطات مادية نحو تفكيك الإيمان


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام آدم - في الرد على د. عدنان إبراهيم - 3