|
فلسفة الانتحار/النهلستية السافرة(2-3)
ماجد الشمري
الحوار المتمدن-العدد: 3978 - 2013 / 1 / 20 - 13:43
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الانتحار..تلك الظاهرة الصادمة والشائكة والعصية على التفسير والتبرير،كتصنيف احادي قاصر،وذلك لتعدد الدوافع والمبررات،وصعوبة تحديد اسبابها وعللها الدقيقة،لاشتباك وتداخل العوامل المحرضة والدافعة باتجاه سلوك التدمير الذاتي هذا!ويمكن حصر الدوافع بشكل عام،منها نفسية وعقلية:كالقلق واليأس والكآبة والسوداوية والفصام واضطراب الشخصية والمزاج الحاد والانفعالي والبارانويا وغيرها من امراض العقل والنفس.او اسباب عضوية:كالوراثة.او اسباب اجتماعية واقتصادية وسيلسية و ثقافية:كالفقر والبطالة،وانعدام التكيف مع المجتمع،وتجنب الاحتقار الاجتماعي والذاتي(العار،والنبذ،والدونية)،والافلاس،او الايمان بفكرة او مبدأ(العمليات الانتحارية)،والفشل الدراسي،والصدمات والاحباط العاطفي والعجز الجنسي،والامراض المستعصية والخطيرة،ومرحلة الهرم ووهن وعجز الشيخوخة،وغيرها من اسباب أخرى عديدة.كل هذا يمكن ان يشكل دافعا لان يضع الانسان نهاية لحياته وينتحر،وبغض النظر عن تدرج الدوافع بين الوجاهة والتفاهة،كتبرير مقنع للشخص ذاته كي ينتحر.فالانتحار قد يكون فعلا متعمدا عن سابق تصور وتصميم-بلغة القانون-،اويكون رد فعل آني لموقف او ظرف او حالة او انفعال يضغط على الفرد فيدفعه للتهور الطائش،فيكون مجرد انفعالا عصبيا محض،ولا يتعلق بالارادة او الرغبة او الاستجابة العقلية.فهو مجرد هروب او ضعف او عجز او سلبية في التكيف والمرونة مع الوقائع اليومية،واتخاذ السلوك اللاعقلاني والمرفوض في السياق الاجتماعي السائد.بغياب الوعي وتوتر الاعصاب والسلبية،وشكل من الهستريا المندفعة والمدمرة،يتوفر الجو وتتهيأ الظروف للفعل الهائل والاحمق!....فسر دوركايم الانتحار بعوامل اجتماعية:انحلال وتكسر الروابط الاجتماعية والعزلة،وعدم القدرة على كبح النفسية المتولدة عن الفقر والبطالة وضعف الضمير،وعدم التكيف الاجتماعي... وحلل فرويد الانتحار معتبرا اياه عدوانا موجه نحو الداخل:رغبة بالقتل ورغبة بالموت ورغبة بقتله.اما اريك فروم:فقد عده صراعا بين الداخل والخارج،داخل النفس والبيئة الخارجية....وللانتحار انماط واشكال وطقوس وتاريخا موغل في القدم،منذ انبثاق المجتمع الطبقي.يحمل منحنيات وخبايا وطيات الاغتراب الاجتماعي والاقتصادي والنفسي للبشرية،وانهزام الذات امام اناها النرجسية تارة،واخرى كهروب من العبثية وتفاهة المعنى!.ولو دققنا بالاحصاء الميداني للانتحار فسنجد اكثر من مليون شخص ينتحرون سنويا في جميع انحاء العالم من رجال ونساء وهم في تزايد!والمنتحرون هم اناس عاديون في الغالب.وتجد ان دوافع اقبالهم على الانتحار لاتستحق الموت من اجلها!لو تحلى المنتحر بقدر من الوعي العقلاني،والتوازن النفسي،وقوة احتمال للشدائد،وصبرا وجلدا وارادة....عندما نشر الشاعر الالماني(غوته)روايته الرومانسية(آلام فرتر)والتي ينتحر فيها بطل الرواية بسبب احباطه في علاقته العاطفية الاولى،وانهياره النفسي،انساق الكثير من شباب اوربا لحمى الانتحار تأثرا بالرواية،وتقليدا لفرتر في هشاشته وضعفه،وكان مثلهم الاعلى في الموت العنيف!!نجد في فئة النخبة من:كتاب وشعراء ومفكرين قلة من المنتحرين،لاتتجاوز الواحد سنويا،وتكون دوافعهم اكثر تعقيدا وعمقا،واكثر جدارة بالاعتبار.لانها تتعلق بالضغط الفكري والتبني الفلسفي او الانحلال النفسي والاحباط الوجودي،او التقدم في العمر او الاصابة بمرض عضال..اما الازمات السطحية الخارجية من هموم الحياة اليومية التي تشغل اغلب الناس،فلا تؤثر بالمثقفين المنتحرين الا جزئيا،والا لكانت قد ابعدتهم وصرفتهم عما يعتمل في دواخلهم من تفجر ذاتي!!والانتحار محرم لدى اغلب الديانات!فالنفس وبالتبعية الجسد ملك للموجد او الخالق!وليس من حق احد ان يقتل نفسه!فهذا مايعده اللاهوت تدخلا فضا،وتحديا وتلاعب بالمصائر!والحق مطلق للمطلق بالتحكم بحياة وموت الكائنات من بشر وحيوان،وهي احتكارا واختصاصا للالهة ومهماتها!ولايجوزلك ان تختار موتك مثلما لم يكن لك خيار في حياتك!فأنه امر متعلق بالقضاء الماورائي واللوح الموسوعي الكوني!والذي تم فيه اعداد قوائم تاريخية بالولادة والموت لجميع المخلوقات منذء البدء وحتى المنتهى(القيامة)!فالانتحار خرق للنواميس الميتافيزيقية،وتطاول على مقررات قضائية،هي من شأن سلطة المطلق وحده!فهو واهب الحياة وايضا منتزعها!والمر ليس من حق الانسان ان يختار فناءه،وعليه الخضوع للقدر!!انك لا تجد منتحرا بين من يؤمن بدين او يعبد آلهة-ناهيك عن الهرطقات وطوائف الانتحار الجماعي-لانه معصوم بردع داخلي هو ايمانه وتسليمه المذعن للاقدار الالهية!وردعا خارجيا من قبل النص الديني او الوصايا والتعاليم والمحرمات!لذلك لا يتأثر بالازمات الا نسبيا!فالادعية متوفرة كعاصم من القنوط،ويستطيع المؤمن ان ينفس عن كربه وحزنه وحاجته برفع يده الى السماء وحرقة الرجاء،او زيارة الاولياء او الحج الى مراكز القداسة!فالمورفين النفسي جاهز في كل الاحوال والظروف!لذلك يعتبر المنترون اكبر الخطاة من المنظور الديني..والانتحار هو منتهى الجرأه والاندفاع،وهو تحدي سافر وخلخلة للمستقر والراكد والمألوف،لايقدم عليه الا الفاقد الايمان واللاديني واللاادري والملحد الخالص!فهؤلاء يملكون زمام انفسهم،ولا مرجعية لهم سوى ذواتهم،واعتزازهم بحريتهم وسيادتهم على اجسادهم،وذاتيتهم هو المحور الذي يدورون حوله...ويبدو الانتحار موزعا بين ان يكون فعلا متعقلا واعيا ومصمما للتنفيذ،ومتعلق بالحرية والاختيار الفلسفي،وبين ان يكون رد فعل منفعلا مضطربا فجائيا ومباشرا ولا عقلانيا شدسد التهور والسفه وبالغ التفاهة والحمق،من حيث الدوافع!ولا يعنينا الانتحار كرد فعل عاطفي،دوافعه رثة لاتستحق الالتفات،وان كانت تثير الاسى والالم والشفقة والحزن،بل الانتحار النبيل والعاقل والفلسفي بأمتياز،والذي يدفع الفرد لينهي حياته بأرادته،وبعد اعمال الفكر المتأمل،وتمحيص معاني الوجود،والقناعة الكاملة والرغبة الملحة الواعية لتدمير الحياة الخاصة.هذا الانتحار هو ما يبهر ويثير الدهشة،وربما الاعجاب بصدق ونزاهة النوايا،وتطابق السلوك مع الفكر،رغم التمتع بالحياة المستقرة الهانئة في مجتمعات تتوفر فيها الحقوق والحريات الفردية..وسنذكر شخصيات انتحرت وهي تعيش حياة تحسد عليها!!وفلسفة تدمير الذات(الانتحار) اراديا وبرغبة واقتناع بأن لاجدوى من الاستمرار في الوجود،ويجب اختزال العمر والحياة بفعل ارادي واعي يدرك بحدة انه مقبل على تنفيذ قرار لا رجعة عنه،وسينهي بلحظة كل الماضي والحاضر ويلغي المستقبل الشخصي.انه عملية انهاء العرض واسدال الستار ومغادرة المسرح!! انه(سيزيفية)متمردة ورافضة للاستمرار بالخضوع لعقوبة الاشغال الشاقة المؤبدة!!ففلسفة الانتحار (نهلستية )سافرة وعملية بصق على الصخرة الغبية والقفز فوقها نحو قعر الوادي!!وايقاف العقاب،وابطال بلاهة الفعل وسخفه!!!! ..........................................................................
يتبع في المقال القادم....
وعلى الاخاء نلتقي...
#ماجد_الشمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فلسفة الانتحار/النهلستية السافرة(1-3)
-
انتباه!/نبي اللومانتيه ومتراسه الاخير!!!
-
الوجود المدقع
-
مصائر الافكار بين الصعود والسقوط!/سارتر...جارودي3-3
-
مصائر الافكار بين الصعود والسقوط!/سارتر...جارودي2-3
-
مصائر الافكار بين الصعود والسقوط!/سارتر...جارودي
-
رد على الاستاذ سنان احمد حقي/عودة الى الشيوعية والاديان!!!
-
(شتان مابين الشيوعية والاديان)!!!(5-الاخير)
-
(شتان مابين الشيوعية والاديان)!!!(4)
-
(شتان مابين الشيوعية والاديان)!!!(3)
-
شتان مابين الشيوعية والاديان!!!(2)
-
(شتان ما بين الشيوعية والاديان)!!!(1)
-
الديك الاصلع!!!
-
غول ومغول وشمس تزول!!!
-
كارل ماركس فكر العالم...وضميره..(7/الاخير).
-
كارل ماركس فكر العالم...وضميره..(6)
-
كارل ماركس فكر العالم...وضميره..(5)
-
كارل ماركس فكر العالم...وضميره..(4)
-
كارل ماركس فكر العالم...وضميره..(3)
-
كارل ماركس فكر العالم...وضميره..(2)
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|