|
عشرة أشهر من كفاح التنظيم - نقد ونقد ذاتي -
الأماميون الثوريون
تيار ماركسي ـ لينيني ـ خط الشهيد زروال
(Alamamyoun Thaoiryoun)
الحوار المتمدن-العدد: 3977 - 2013 / 1 / 19 - 22:26
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
عشرة أشهر من كفاح التنظيم - نقد ونقد ذاتي - (النص الكامل) نحو تنظيم ثوري
أبرزت نضالات 1972 والمراحل التي تلت هذه النضالات معالم مرحلة جديدة في نضال التنظيم، وذلك عبر مسيرته المتواصلة من تنظيم برجوازي صغير يحمل رواسب عميقة للممارسات التحريفية والإصلاحية نحو تنظيم ثوري تمتد جذوره في نضال الجماهير الشعبية وقادر على قيادتها. وخلاصات هذا النضال هي التي شكلت قاعدة انطلاقنا في العملية التي بدأناها منذ نهاية سبتمبر من أجل هيكلة التنظيم هيكلة جديدة تنبني على دراسة نقدية شاملة لعشرة أشهر من كفاحه منذ انتهاء الندوة الوطنية إلى نوفمبر، تنجزها اللجنة الوطنية في هذا التقرير في إطار نقدها الذاتي منذ انبثاقها عن الندوة الوطنية الأولى. وهذا التقييم يدخل أيضا في إطار وضع الأسس المتينة لبناء وحدة الحركة الماركسية اللينينية، أسس تنبع أولا من الممارسة الثورية لكل تنظيم، هذه الوحدة التي تشكل الخطوة الحاسمة في هذه المرحلة نحو بناء الحزب الثوري. هذا التقييم النقدي سيتمحور بصفة خاصة حول مسألة بناء الحزب الثوري، والهيكلة التنظيمية. وأن تطور ممارسة التنظيم منذ الندوة الوطنية حتى الأيام الأخيرة من انطلاقته الجديدة، يفرض هذا الطرح ويجعل من المشكل التنظيمي جوهر خطنا السياسي في هذه المرحلة، لماذا؟ ليس فقط بسبب أن التنظيم يستمد بنيته وأشكال علاقاته من الخط السياسي، الذي يحمله باعتبار أن التنظيم هو التجسيد الحي للخط السياسي في ممارسة الحركة الجماهيرية، أو حلقة الوصل بين النظرية والممارسة وتأليف ديناميكي وخلاق بين النظرية وحركة الواقع المراد تغييره في جدليتهما المتواصلة، ولكن أيضا وهذا ما تسجله خلاصات العشرة أشهر من كفاح التنظيم، لأن الضعف الأساسي قد ظل يكمن على المستوى التنظيمي، وأننا في مواجهة مشكلة التنظيم لم نستطع تحقيق تقدم ملموس يمكننا من الانتقال إلى مرحلة أخرى، بالرغم من أن تقدما هائلا قد تم على مستوى خطنا السياسي، ذلك التقدم الذي يؤكده نص حول "الاستراتيجية الثورية"" وخطتنا السياسية في هذه المرحلة". هكذا فإن محاكمة التنظيم في ممارسته هي محاكمة تستمد مقاييسها النقدية من خطنا السياسي، من فعاليته أو عدمها في ترجمة هذا الخط إلى ممارسة داخل الجماهير تتبلور بتقدم التنظيم، ويتدعم ويتصلب هو ذاته عبر تقدم هذه الممارسة، محاكمة لمسيرة التنظيم نحو تنظيم ثوري، نحو الحزب الثوري قائد الثورة. فاللامركزية التي ظلت المبدأ التنظيمي الذي يحدد هيكلة التنظيم وأشكال علاقاته المختلفة، لم تكن إلا انعكاسا لخط سياسي يميزه بشكل رئيسي العفوية، عفوية حركة الجماهير في بناء تنظيمها الثوري، عفوية الجماهير في بناء استراتيجيتها الثورية، كما كان يعبر عنها مفهوم "الانطلاقة الثورية" والنتيجة هي : العفوية في ممارسة التنظيم، وفي ممارسة الرفاق اليومية (وهذا ما يفسر اسلوب المناشير الذي كان سائدا والذي لا يرتبط بالعمل القاعدي اليومي إلى حدود الفترة الأخيرة في عملنا، وأسلوب الخطابة والتحريض الفوقي في مواجهة البيروقراطية النقابية ... إلخ) فلم تكن اللامركزية إذن إلا تعبيرا عن هذا الخط السياسي الذي لم يأخذ في التحول إلا بعد الندوة الوطنية ونضالات فبراير ومارس. ونحاول هنا أن نلمس جذور تلك الممارسة، في خطنا السياسي قبل كل شيء، وفي الشروط التي انبثق فيها التنظيم، شروط ذاتية للتنظيم وشروط موضوعية. 1. لقد كانت الأطروحة الأساسية لانفصال صيف 1970 عن الحزب التحريفي هي التالية : إن الطاقات الثورية للجماهير تنمو وتتصاعد، متجاوزة الخط الانتهازي الإصلاحي للقوى السياسية البرجوازية، وأن واجب الثوريين من أجل بلورة هذه الطاقات هو بناء الحزب الثوري، تلك هي مهمة الساعة بالنسبة للثوريين. هاته الأطروحة قد تم دفعها إلى نهايتها القصوى في شكل مفهوم "الانطلاقة الثورية". وقد استطعنا خلال النضالات الكبرى في 72 أن نعيد تقييم ومحاكمة هذا المفهوم في ماي، وفي النص الصادر في أواخر يونيو "حول الاستراتيجية الثورية". إلا أننا لم نقم بذلك قط على المستوى التنظيمي لهذا المفهوم الذي كان يستند على العفوية الكاملة للجماهير في تقدم مراحل الثورة، وكان الأساس السياسي والإيديولوجي لمبدأ اللامركزية ومفهوم القيادة كتنسيق فقط. وقد تم استثمار مفهوم "الانطلاقة الثورية" حتى نهايته في النص الصادر في ماي 1971 حول "استراتيجية الثورة واستراتيجية التنظيم" الذي أعطى لمفهوم الانطلاقة شكل انتفاضة 1905 الروسية، وعلى مستوى التنظيم فقد أكد النص مبدأ اللامركزية المفرطة، بل وإلى الدعوة إلى تشتيت التنظيم عبر قطاعات الجماهير، وفي الحقيقة فإن هذا النص كان يهدف، بهذا الخط الذي طرحه، إلى قلب البنية البرجوازية الصغيرة السائدة داخل التنظيم والتجذر داخل الجماهير، وذلك من خلال حركة الجماهير الثورية، إلا أن النص نتيجة لكونه ظل سجين مفهوم "الانطلاقة الثورية" بكل ما تحمله من عفوية وتصور ميكانيكي للثورة ولشكل التنظيم لم يكن بإمكانه حل معضلة البنية البرجوازية الصغيرة للتنظيم. كما أن النص في ظل الخط السائد في تلك المرحلة كان قاصرا عن فهم دور التنظيم في مرحلة تقدم حركة الجماهير العفوية وبناء الأداة الثورية ، دور الطليعة في تركيز وبلورة المواقع والفصائل المتقدمة في حركة الجماهير في كل مرحلة، وذلك من خلال اندماج الطليعة بحركة الجماهير العفوية وعلى رأسها الطبقة العاملة بمختلف الأساليب، وممارستها لعمل سياسي وتنظيمي يومي وطويل النفس داخل هذه الحركة، وفي مواقعها المتقدمة أولا، ودور التركيز والبلورة في مرحلة بناء الأداة يتطلب تنظيما مركزيا متينا قادرا على إنجاز هذه المهمة وذا قيادة صلبة. 2. لم يكن الانفصال عن الحزب التحريفي فقط قطيعة على مستوى الخط السياسي، الخط القائم على الخيانة المكشوفة للثورة الفلسطينية والثورة العربية، وعلى الذيلية للبرجوازية الإصلاحية، ولكن أيضا قطيعة مع ممارسة بيروقراطية شديدة لجماعة علي يعتة (التي كانت تشكل من قبل ما عرف بالحزب الشيوعي)، الناتجة عن عزلته الجماهيرية الحادة، وتقوقعه كمجموعة برجوازية صغيرة منتظمة في بنية مركزية بيروقراطية تستند على الخضوع المطلق لقيادة جامدة تدعي امتلاك المعرفة الثورية ولا تعتبر القواعد إلا مجرد أداة تنفيذية. بيد أن هذه القطيعة قد اتخذت شكل لامركزية متطرفة، تغفل العلاقة الجدلية في تنظيم ثوري بين المركزية والديمقراطية التي تسمح بتطوير المناضلين في الوقت الذي تركز وحدة سياسية وإيديولوجية متينة ضرورية من أجل تركيز القوى المتقدمة للجماهير في كل مرحلة. 3. منذ تأسيس القواعد الأولى لتنظيمنا وهو يستمد خطه السياسي من الموضوعة الماركسية-اللينينية حول بناء الحزب الثوري، ذلك البناء الذي يتم في خضم الكفاح الثوري الجماهيري وتبلوره عبر هذا الكفاح كطليعة ثورية، بالسير على رأس هذه الكفاحات وقيادتها واستخلاص الدروس منها، إلا أنه في ظل مفهوم "الانطلاقة الثورية" الذي يستند على العفوية الكاملة للجماهير في فتح طريق الثورة، وفي ظل القطيعة مع التحريفية على المستوى التنظيمي كبنية مركزية بيروقراطية جامدة، فإننا في هذه الموضوعة الجدلية ركزنا على طرف واحد منها، الجماهير وإهمال الدور الطليعي للتنظيم، الذي يتدعم ويتماسك كمنظمة للمحترفين الثوريين من خلال ترسخه وتجذره داخل الكفاح الجماهيري. في هذا الإطار فإن "الجبهة الثورية الشعبية"، بالشكل الذي طرحت عليه للنقاش منذ سبتمبر 71، لم تكن في هذا السياق إلا إحدى مظاهر هذه العفوية التي كانت تطبع خطنا السياسي وممارستنا التنظيمية وإغفال دور الطليعة الماركسية-اللينينية في بناء هذه الجبهة الثورية، فالجبهة الثورية التي لا تعني تحالفا فوقيا مع القوى السياسية، بل جبهة الجماهير تحت قيادة الحزب الماركسي-اللينيني، لن تنبني إلا بتقدم الأداة الثورية وقدرتها على قيادة الحركة الجماهيرية وتجذرها في نضالات الجماهير، وجر كل القوى الطبقية المعادية للنظام إلى ساحة الصراع الطبقي ضد النظام وأسياده الإمبرياليين، ومدى قدرة هذه الطليعة على خوض نضال إيديولوجي حازم ضد مختلف الإيديولوجيات البرجوازية، وعلى تفجير الصراع الطبقي في البادية، ومدى قدرتها من خلال ذلك على تفجير طاقات العنف الثوري الجماهيري تحت أفق فتح طريق الحرب الشعبية. من الأكيد أن التركيز على طرف من جدلية الحزب والجماهير كان ضروريا لمواجهة النزعات البرجوازية الصغيرة النخبوية والشبكية، الممتدة داخل التنظيم بفعل تركيبه الطبقي وشروط المرحلة التاريخية، التي لا ترى الثورة أو التنظيم إلا عملية تقنية في بناء شبكة من الثوريين المخلصين خارج الكفاح الثوري للجماهير يمكنها أن تجر الجماهير وراءها. وتهمل دور الكفاح الجماهيري ودور الحزب كطليعة منبثقة من هذا الكفاح نفسه، الشيء الذي أثبتت اعتقالات مارس فشله وسقوطه في نفس الطريق المسدود لإرهاب البرجوازيين الصغار عبر العالم. كذلك المفهوم الذي لا يرى بناء الحزب إلا في ظروف السلم قبل خوض الكفاح الجماهيري، كما لو أن الحزب سفينة تبنى على اليابسة قبل دخولها إلى عمق المحيط ومجابهة عواصفه، إلا أن التأكيد على طرف الجدلية الأول وإغفال دور الثوريين في هذه العملية من خلال العمل اليومي الصبور والدائم في تنظيم الجماهير وفي تفجير الكفاحات تحت أفق استراتيجي واضح، قد سمح بنمو نزعة عفوية تغفل هذا الدور الحاسم، وتقفز على غنى هذه الجدلية وعمقها فإذا كان الحزب الثوري يتهيكل عبر الأعاصير القوية داخل المحيط، فإنه يتهيكل كمنظمة ثورية من المحترفين، كطليعة متراصة ومتلاحمة تفرزها معارك الجماهير في الصراع الطبقي الذي تخوضه، هاته الطليعة التي تبني صفوفها بشكل متراص داخل الجماهير من خلال العمل التنظيمي اليومي داخل الجماهير، وتركيز هذا التنظيم كتجسيد للخط السياسي وبلورة القوى المتقدمة في كل مرحلة من تفجير الطاقات الثورية للجماهير، وهذا ما كانت تفتقده ممارستنا التنظيمية، وما أكدته النضالات الهائلة في فبراير-مارس 72. إن هذه الجدلية كما قلنا معقدة وغنية، ويزيد في هذا التعقيد معضلة الثورة المغربية التي تتمثل في الفارق النوعي بين مستوى الحركة الجماهيرية ومستوى الحركة الماركسية-اللينينية وتخلفها كأدة للثورة. وهذا الفارق النوعي لا يمكن تجاوزه إلا بقفزة كيفية في ممارسة الحركة الماركسة-اللينينية وذلك بنهج خط سياسي سديد وتكتيكات سديدة في كل مرحلة يمكن من تجذر الحركة الماركسية-اللينينية في كفاح الجماهير وفي كل مرحلة يكون فيه أحد طرفي الجدلية هو مركز التناقض، في ظروف المعارك الكبرى فإن واجبنا هو الارتماء في هذه المعارك وقيادتها، وفي مرحلة أخرى يتم تركيز التنظيم وتدعيمه. 4. إن الأفكار الكبرى للثورة الثقافية البروليتارية العظمى في الصين قد مكنت من إحياء وإغناء النظرية الماركسية-اللينينية التي كانت التحريفية العالمية وعلى رأسها الاتحاد السوفياتي : بلد أكتوبر وبلد لينين قد أسدلت عليها ستارا كثيفا من التحريف والتشويه. لقد أعادت الثورة الثقافية رفع الراية المجيدة للأممية البروليتارية ولدكتاتورية البروليتاريا ورفع راية الخط الجماهيري ونحن الماركسيون-اللينينيون المغاربة لم يكن انفصالنا قطيعة مع التحريفية المحلية فقط بل ومع كل خط التحريفية العالمية، وفي نفس الوقت استيعاب المساهمة العظيمة للثورة الثقافية ولخطها الجماهيري، الذي يستند على قدرة الجماهير الخلاقة في صنع الثورة وقيادتها، واستنادا على هذه المساهمة استطاع المناضلون الثوريون في مختلف جهات العالم إدراك خيانات التحريفية وإزالة التشويهات والغموض التي كانت تحجب بها المبادئ العظيمة للماركسية اللينينية. إلا أن تيارا عفويا قد نما تحت هذه المساهمة وفي مواجهة الأحزاب "الشيوعية" الدائرة في فلك التحريفية العالمية، وامتد هذا التأثير داخل التنظيم، وهذا التيار وإن كان يهدف إلى مناهضة التحريفية، فإنه يغفل كل تراث الماركسية-اللينينية التي نمت وتقوت خلال ما يقرب من قرن وربع من كفاح وتضحيات الطبقة العاملة العالمية والشعوب المقهورة، كما أن تيارا مضادا من قبل كان قد نشأ تحت تأثير كتاب لينين "ما العمل" بفصله عن إطاره التاريخي والسياق الموضوعي للثورة الروسية وفهم مساهمة لينين حول دور التنظيم كمنظمة للمحترفين الثوريين بمفهوم القادة فوق الجماهير. إن جدلية فكر لينين ومساهمة الثورة الثقافية الكبرى ونضالات الثورة العالمية تجعلنا نرفع عاليا موضوعة الحزب الثوري كانبثاق لتقدم وتعمق كفاحات الجماهير، وتهيكله كحزب ثوري يستند إلى المركزية الديمقراطية في قيادته لكفاحات الجماهير، وفي مقدمتها الطبقة العاملة طليعة الثورة، بكل ما تحمله هذه الموضوعة من مضامين خلاقة. في ظل مجموع هذه المعطيات فإن اللامركزية قد رسخت كبنية أساسية للتنظيم، وشكلت الضعف الأساسي لتنظيمنا، ففي حين كانت النضالات المتفجرة للشبيبة المدرسية بمساندة الجماهير الشعبية خلال فبراير ومارس 72 وما بعدها تصحح خطنا السياسي، فإننا على مستوى التنظيم لم نستطع تجاوز المفاهيم السائدة، وظلت القيادة مجرد تنسيق بين النواحي بالرغم من التقدم الملموس على مستوى هيكلة القيادة خلال الندوة الوطنية (اللجنة الوطنية تنبثق عنها الكتابة)، بل إن وثيقة "مهامنا في الوضع الراهن" التي كانت قد طرحت المشكل لم تزد على مجرد اتخاذ إجراءات شكلية كحذف كلمة التنسيق والتوصية بممارسة القيادات المحلية للمركزية، دون الارتكاز على تقييم للبنية التنظيمية انطلاقا من الخط السياسي, الشيء الذي لم نتمكن من إنجازه بشكل جذري إلا في المرحلة الأخيرة في إطار النقد والنقد الذاتي للجنة الوطنية. وسنعيد في هذا التقييم بناء المحاور الرئيسية التي يجب أن تستند عليها الانطلاقة الجديدة لتنظيمنا نحو بناء منظمة ثورية صلبة : أ. منظمة ثورية مهيكلة من المحترفين الثوريين، منظمة الشيوعيين الذين ينظمون ويكرسون حياتهم وعملهم اليومي للثورة، ينبثقون من النضال الجماهيري ويشكلون طليعته، على هذا الأساس يتحدد أعضاؤها وتتحدد مقاييس استقطابهم. منظمة ثورية تندمج بحركة الجماهير، وتعمل على بلورة القوى المتقدمة من حركة الجماهير في كل مرحلة. ب. منظمة ثورية تستند على الدور الطليعي للبروليتاريا في الخط والممارسة، وتضع مهمة التجذر داخل الطبقة العاملة في مقدمة كل المهام، من أجل بناء الطليعة البروليتارية، وبدون إنجاز هذه المهام "فإن تنظيم المحترفين الثوريين قد يصبح ألعوبة ومغامرة ومجرد شعار بدون مضمون" كما يقول لينين، منظمة ثورية تستعمل نظرية البروليتاريا : الماركسية اللينينية في تحليل الواقع الملموس لبلادنا، وخوض نضال حازم ضد مختلف الإيديولوجيات البرجوازية. ت. منظمة ثورية تستند على المركزية الديمقراطية في ديناميتها الداخلية، في جدلية القيادة والخلايا وتستمد حيويتها من جدلية المنظمة والجماهير، منظمة مبنية على وحدة الإرادة ووحدة الفكر والممارسة الجماعية، مركزية لبناء وحدة متينة سياسية وإيديولوجية وتنظيمية وتركيز التنظيم كبلورة للقوى الطليعية للجماهير، وديمقراطية تفتح مجال المبادرة والانتقاد داخل التتنظيم. ث. منظمة ثورية ذات قيادة صلبة ومتينة، قادرة على بناء الخط السياسي وضمان تطبيقه في كل مرحلة وتطوير ممارسة التنظيم، وقادرة على ضمان الوحدة السياسية والإيديولوجية والتنظيمية وعلى نهج المركزية الديمقراطية داخل التنظيم. ج. منظمة ثورية يلتزم أفرادها بالانضباط الصارم على كافة المستويات، انضباط الرفاق للخلايا، انضباط الأجهزة الدنيا للأجهزة العليا، وبالممارسة الدائمة للنقد والنقد الذاتي جماعيا وفرديا، داخليا وأمام الجماهير. ح. منظمة ذات خط سياسي سديد، ينبع من الاستيعاب الدائم لخصائص الوضع ببلادنا وتطوراته، والقدرة على استعمال المنهج الماركسي-اللينيني في تحديد هذا الخط، خط سياسي يستند على تطوير حركة الجماهير الثورية والسير على رأسها، وفي مقدمتها الفلاحين الفقراء وشبه البروليتاريا ومجموع قوى الشعب الثورية بطليعة البروليتاريا وحزبها الطليعي نحو آفاق الحرب الشعبية، ودمج العنف الثوري بمسيرة حركة الجماهير نحو الحرب الشعبية. خ. منظمة ثورية تساهم بصفة فعالة في وحدة الماركسيين اللينينيين، مساهمة تنبني على حصيلة نضال المنظمتين الثوريتين ومكتسباتهما داخل الحركة الجماهيرية، من أجل منظمة ماركسية-لينينية موحدة نحو بناء الحزب الثوري.
وعلى قاعدة هذه الخلاصات في بناء منظمة ثورية سنحاول، عبر هذا التقرير عرض ممارسة التنظيم خلال عشرة أشهر الماضية منذ ن.و. إلى نوفمبر 1972، واتخاذ القرارات المناسبة في آخره. وسنلمس عبر هذا التقرير أن أخطاء ل.و. والتنظيم ومجموع الرفاق، سواء أولئك الذين نشير إليهم في هذا التقرير أم باقي رفاق القيادة والتنظيم، تجد أسسها الموضوعية في بنية التنظيم السابقة، وخطه السياسي. وإن كفاح التنظيم خلال فبراير ومارس وأبريل من هذه السنة، والقمع الوحشي للجهاز البوليسي في كل مرحلة، ومرحلة الجزر داخل الحركة الجماهيرية وانكماش التنظيم خلال الصيف هي التي ستمكننا من هذه المراجعة النقدية ومن تحديد هذه الخلاصات، وتجعل –كما قلنا في البداية- من المشكل التنظيمي مركز عملنا السياسي في هذه المرحلة.
I- الندوة الوطنية : مرحلة في بناء التنظيم الثوري
1. لقد أظهرت محاولة 10 يوليوز 1971 الانقلابية عمق التناقضات التي تنخر النظام والتي اتخذت يوم 10 يوليوز شكل انفجار دموي عنيف، كما أنها أثبتت الرغبة الحسية العميقة للجماهير في إسقاط النظام المتعفن، وأثبتت أيضا واقع تنظيمنا وعجزه عن فتح آفاق ثورية وتحويل رغبة الجماهير الحسية إلى إرادة ثورية عميقة وقوية. ونتيجة لانعدام خط سياسي سديد يفتح آفاقا واضحة، وسيطرة العفوية والتجريبية بكل أشكالها، ونتيجة لبنية التنظيم البرجوازية الصغيرة، وتسلط القمع على رفاقنا في مراكش في يونيو 1971، فقد وجد التنظيم نفسه بعد 10 يوليوز في طريق مسدود، ودون أية آفاق، وانعكس ذلك بشكل واضح في بداية تفكك التنظيم نتيجة تعمق السلبية والتشاؤم لدى عدد كبير من الرفاق إزاء الطاقات الثورية الكامنة في الجماهير, وهكذا فإن تيارين قد أخذا في التبلور في هذا الاتجاه، تيار لا يرى الاعتماد على الجماهير في فتح الطريق الثوري، بل على تنظيم شبكي إرهابي خارج الكفاح الثوري الجماهيري، هذا التيار الذي كان يعمل في الخفاء مستغلا اللامركزية وانعدام أية مراقبة مركزية، الشيء الذي سيمكن البوليس من توجيه ضربته في فبراير ومارس (وسنعود إلى ذلك)، وتيار إصلاحي آخر أكثر سلبية لا يرى إمكانية انطلاق مد ثوري في الشروط الحالية، وتبلور هذا التيار الأخير في التحليل السياسي المقدم للجنة التنسيق الوطنية السابقة في نوفمبر 1971، ونتيجة للممارسة البرجوازية الصغيرة فإن الصراع السياسي والإيديولوجي لم يفتح بشكل واسع ضد كل هذه الانحرافات ومن أجل توطيد الخط الثوري الذي لم يكن متبلورا بشكل كاف، الشيء الذي سيمكن بعض الرفاق الذين يلتقون حول الخط الإصلاحي لهذا التحليل السياسي من نهج ممارسة تكتلية وتطوير النهج الإصلاحي داخل الناحية التي كانوا مسؤولين عنها، مستغلين هيكلة التنظيم المفككة وانعدام المراقبة المركزية. ونتيجة لبنية التنظيم السائدة ولبنية القيادة السابقة التي كانت، بسبب تركيبها الطبقي والتناقضات السائدة داخلها، عاجزة عن مواجهة أزمة التنظيم في مختلف مظاهرها، وتحت تأثير بداية انطلاق الحركة الجماهيرية منذ سبتمبر 1971 التي تجلت في انطلاق المعارك النقابية الكبرى للطبقة العاملة، لم يكن بإمكان هذه القيادة مواجهة هذا الواقع إلا بندوة وطنية (لها كل صلاحيات مؤتمر)، وكان على الندوة الوطنية التي تقررت في سبتمبر 1971 أن تحسم في هذه الأزمة، وأن تجابه بصفة خاصة معضلة التركيب البرجوازي الصغير للتنظيم، وهكذا فإن السؤال الرئيسي في جدول أعمال الندوة الوطنية كان كما يلي : كيف يمكن لمنظمة برجوازية صغيرة أن تتجذر داخل الطبقة العاملة : طليعة الثورة، من أجل بناء الأداة الثورية البروليتارية؟ 2. لقد مكنت الندوات التهييئية على مستوى القطاعات والنواحي من تعميق النقاش حول الخط السياسي ومعضلة بناء تنظيم ثوري، وسمحت هذه الندوات بانبثاق مثقفين بروليتاريين ينحدرون من الجماهير الكادحة في تعارض مع البنية السائدة من المثقفين البرجوازيين، بالرغم من أن هذا الانبثاق قد ظل جزئيا, وقد كان التحضير للندوة الوطنية الأولى انعكاسا لواقع التنظيم في تلك المرحلة، فلم يكن يستند إلى فتح صراع سياسي وإيديولوجي مفتوح ضد كل الانحرافات والأفكار الخاطئة، ولا يستند إلى أية مراقبة دقيقة ومنهجية ومقاييس واضحة في انتخاب مندوبين إلى الندوة الوطنية، مقاييس تستند إلى ممارسة الرفيق الثورية داخل الجماهير، الشيء الذي سينتج عنه انعكاسات سيئة في التنظيم أثناء النضالات المجيدة في فبراير ومارس 1972 وما بعدها. هذه الأخطاء تجلت في انتداب رفاق لم يبرهنوا قط عن أية نضالية ثورية كما لم يبرهنوا على ذلك بعد الندوة الوطنية. 3. هكذا فإن ل.و. المنبثقة عن هذه الندوة الأولى قد حملت معها كل سلبيات هذه الندوة. ففي ظل اللامركزية والممارسات السابقة، فإن القيادة لم تكن تعني إلا تنسيقا بين مختلف القطاعات والنواحي وذلك رغم إقرار ن.و. لهيكلة جديدة للقيادة (اللجنة الوطنية كقيادة سياسية، والكتابة التي تشرف على تطبيق مقررات ل.و. وضمان قيادة التنظيم بين اجتماعين، ومراقبة العمل اليومي للتنظيم). فكانت التمثيلية هي المقياس الأول للندوة الوطنية في تحديد أعضاء ل.و. هذه الندوة التي لم يخضع أعضاؤها لأية مراقبة دقيقة ومقاييس محددة بل وأكثر من ذلك فإن النزعة "العمالية" التي كانت سائدة داخل ن.و. وحماس الرفاق العمال لضرورة قيادة بروليتارية قد دفعت الرفاق العمال بسهولة أكبر إلى ل.و. وقد برزت نقط الضعف هذه خلال العشرة أشهر الماضية المليئة بالكفاحات. 4. ومع ذلك وبالرغم من كل هذه السلبيات فإن ن.و. قد شكلت قفزة هامة نحو تنظيم ثوري. فمن خلال المراجعة النقدية الشاملة لحصيلة 15 شهرا من ممارسة التنظيم، تلك الحصيلة التي تبلورت في التقرير السياسي، ومناقشات هذا التقرير والملتمسات سجلت ن.و. اندحار المفاهيم الإصلاحية وتوطد الخط الثوري الجماهيري، من أجل إعداد استراتيجية ثورية ترمي بالعفوية وتدمج بالملموس مسيرة العنف الثوري الجماهيري بالانتقال نحو الحرب الشعبية، وبدور الطليعة في الإعداد والتهييء لهذه المسيرة، كما أن "التجذر داخل الطبقة العاملة" الشعار الرئيسي للندوة قد سجل مرحلة جديدة في العمل السياسي والتنظيمي داخل الطبقة العاملة يرمي بالعفوية والتجريبية. كذلك سجلت ن.و. قفزة هامة في عملية بناء وحدة الماركسيين-اللينينيين الشيء الذي تعبر عنه النضالات المشتركة منذ يناير 1972، وأثبت سواء تحت التعذيب أو في السرية أن بإمكان منظمة ماركسية-لينينية ان تتهيكل وتتقوى في أسوأ شروط القمع الرهيب.
II- في مواجهة نضالات 72
حتى فترة انعقاد الندوة الوطنية، ومنذ محاولة 10 يوليوز 71 الانقلابية، كانت الشروط السياسية تنضج باستمرار من أجل خوض معركة جماهيرية واسعة، تمكن من ضرب المساومات الجارية وقتئذ بين النظام والقوى البرجوازية. وكان على ل.و. الجديدة أن تواجه مباشرة بعد انتهاء ن.و. مهام المرحلة وتحديد آفاقها وتحضير شروط هذه المعركة، الشيء الذي تبلور بصفة خاصة في التحليل السياسي الصادر في يناير "قاطرة الجماهير وقاطرة المساومين"، في هذه المرحلة التي كان فيها النظام لا يزال يعاني من ضربة 10 يوليوز ويناور من أجل استعادة قواه وكسب المبادرة من جديد، كانت الأحزاب البرجوازية تساوم النظام. فلم تكن أزمة النظام بالنسبة لها إلا فجوة يمكن أن تتسرب منها إلى السلطة في الوقت الذي كانت فيه الطبقة العاملة تخوض أكبر نضالاتها النقابية منذ 1956، في ظل هذه الشروط السياسية كان واجب الحركة الماركسية-اللينينية هو خوض نضال جماهيري لإفشال مخططات الحكم والقوى البرجوازية والدفع بحركة الجماهير في طريق النضال من أجل تعميق أزمة الحكم وتعميق عزلته، وهكذا فقد رمينا بكل قوانا داخل حركة الشبيبة الثانوية، التي تمثل المعبر الفكري عن الوعي الحسي للجماهير ومثقفيها العضويين وتشكل بذلك طليعتها المرحلية، محددين لها الشعارات المناسبة. ويمكن أن نقول باعتزاز أن الحركة الماركسية-اللينينية قد استجابت لمهامها التاريخية في نضالات 72، وذلك بخطة سياسية سديدة، استطاعت أن تلف حولها حركة الشبيبة الثورية ومساندة الجماهير، وأثبتت هذه النضالات انه في مثل ذلك الظرف السياسي بإمكان اليسار أن يحقق قفزة نوعية تقرب الشقة بين مستوى حركة الجماهير وضعف الأداة الثورية، ففي ظرف يكون فيه النظام منهارا وتلجأ فيه القوى البرجوازية إلى الانتهازية بشكل سافر، فإن اليسار بطرحه شعارات سديدة يمكن أن يجذب حوله الجماهير المناضلة ويشكل قيادتها. لقد أعادت هذه النضالات كذلك تأكيد موضوعتنا حول بناء الحزب الثوري على قاعدة جدلية الحزب والجماهير، بناء الحزب في قلب الكفاحات الثورية للجماهير وعلى رأسها, بناء يشير إليه النص التالي للحزب الشيوعي الصيني : "على الأحزاب البروليتارية وكل الثوريين أن يصبحوا أكثر صلابة في العواصف، أن يقفزوا في عالم العواصف الهائلة والعالم المجيد لنضالات الجماهير (...) فالأحزاب البروليتارية لا يمكنها أن تنمو وتصبح صلبة إلا إذا رمت بنفسها في العواصف الكبيرة لحركة الجماهير، كما أن البرنامج والخط الصحيح لا يمكن أن ينبثق ويتقوى عمليا إلا في تجربة الصراع الطبقي الذي تخوضه الجماهير الواسعة". ومن الممكن القول أن تنظيمنا قد اندمج في تلك العواصف في فبراير ومارس، وأنه قد تمرس في هذه النضالات وموجات القمع نفسها، وأن بناء الأسس الثورية الأولى انطلاقا من مكتسبات ن.و. قد بدأت خلال هذه النضالات، وخلاصات هذه النضالات هي التي مكنتنا وتمكننا الآن من مراجعة خطنا السياسي وهيكلة التنظيم، وسد الثغرات التي تركتها أخطاؤنا السابقة من أجل بناء تنظيم ثوري أكثر قوة ورسوخا داخل حركة الجماهير. ولقد تحملت ل.و. مسؤولياتها في طليعة هذه النضالات، مؤدية أحيانا ثمن ذلك في شكل عاهات صحية في عضوية بعض الرفاق، إلا أن واجبنا أمام تضحيات الرفاق الذين سقطوا في قبضة الجهاز القمعي عبر هذه النضالات، هو مراجعة الأخطاء وتحديدها في مواجهة القمع كما في مواجهة النضالات.
أ- تحليل نقدي للاعتقالات ومراحلها.
1. اعتقالات آخر يناير :
منذ بداية التنظيم كان واضحا أن النظام العميل لن يسمح لهذا الجنين الثوري الناشيء بالنمو وسيعمد إلى ضربه قبل نموه وتجذره داخل حركة الجماهير، إلا أن هذا الوعي لم ينعكس على مستوى الممارسة وهكذا لم يعمل التنظيم على تشطيب كل المسلكيات البرجوازية الصغيرة الموروثة عن الحزب التحريفي وبناء جهاز سري متين. فلم تمر بضعة أشهر من وجود التنظيم حتى نزل القمع الوحشي برفاقنا في مراكش. إلا أن هاته الضربة، في ظل الواقع التنظيمي السائد لم تنعكس على مستوى خط وممارسة التنظيم بسبب عزلة الرفاق في مراكش عن باقي التنظيم في إطار اللامركزية، وهكذا مرت الضربة دون القيام بأية مراجعة شمولية لجذورها السياسية والإيديولوجية والتنظيمية. فمرحلة القمع لم تبدأ بالنسبة للتنظيم ككل إلا في آخر يناير، حيث أثرت هذه الاعتقالات في ممارسة التنظيم في تلك الفترة، وبالأخص في الدفع بحركة الجماهير. فبسبب النضال السياسي والإيديولوجي الذي بدأ التنظيم يخوضه علنيا منذ نشأته، أصبحت مجموعة من الرفاق الذين ساهموا في هذا النضال العلني معرضين لقمع العدو، في الوقت الذي كان فيه العمل الأساسي يتم في السرية، وحين أخذ الحكم ينفذ مخططه القمعي ضد الحركة الماركسية-اللينينية كان هؤلاء الرفاق بسبب هذا النضال العلني هم المرحلة الأولى في تنفيذ هذا المخطط. وقبل هذه الفترة فإننا لم نستغل كل إمكانيات المرحلة السابقة إلى أقصى حد، وذلك بسبب مبالغتنا في تقدير العدو، هذه المبالغة التي ستقودنا –كما سنرى- إلى الانكماش في صيف 72، وهذه المبالغة كان مصدرها تأثير الإيديولوجية البرجوازية داخل التنظيم التي كانت تميل إلى تقديم الجهاز القمعي للنظام كجهاز قوي ومنظم وقادر على التسرب إلى كل المنظمات الثورية، في نفس الوقت الذي كانت فيه بنية التنظيم اللامركزية لا تقوم على أساس هذا التقدير المبالغ فيه، حيث اللامركزية المفرطة والممارسات الليبرالية سائدة وانعدمت أية مجهودات حقيقية من أجل تحضير الشروط الملموسة لبناء الجهاز السري وتهييء التنظيم لمواجهة القمع والاعتقالات والتعذيب، في وقت كان العدو لا يزال يجهل أي شيء عن التنظيم، وهذا ما أثبتته اعتقالات يناير، وهو ما سيتمكن منه العدو في آخر مارس مع الشبكات البرجوازية الصغيرة التي تنمو على هامش الحركة الماركسية-اللينينية. وأثبتت هذه الاعتقالات أن وسيلة جهاز القمع في ضرب المنظمات الثورية هي التسرب والتعذيب، وهي طريقة توفق فيها مع شبكات البرجوازيين الصغار منذ 63 إلى 69 و70 ثم في فبراير ومارس 1972. ومنذ البداية أكدنا دائما أن الرد الوحيد على هذا الأسلوب هو التجذر داخل حركة الجماهير الثورية، وبناء الحزب الثوري داخل هذه الحركة، إن المناضلين المتجذرين داخل حركة الجماهير الثورية يحملون داخلهم طاقتها الثورية، وتجذر في عضويتهم الإيمان بالجماهير وبقدرتها على تحطيم الأعداء الطبقيين ومحو استغلال الإنسان للإنسان. إن هؤلاء المناضلين يمكنهم ويجب عليهم أن يقاوموا التعذيب وهاته الحقيقة التي أثبت الرفاق في اعتقالات ماي ويونيو إمكانياتها وصحتها كنهج سديد لمواجهة محاولات العدو لتحطيم اليسار الثوري، كانت قد بدأت تتأكد منذ اعتقالات يناير، سواء في مواجهة الجلادين، أو في حركة الجماهير في فبراير ومارس.
2. اعتقالات مارس :
لقد اكتشف العدو ومعه القوى السياسية البرجوازية، باندهاش، من خلال رد فعل جماهير الشبيبة الثورية ومساندة الجماهير الواسعة لها ضد القمع في يناير، أن الخط الثوري، إن لم تكن التنظيمات الثورية نفسها قد لعبت دورا أساسيا في تحريك وقيادة هذه النضالات، ولهذا فقد ركز العدو مخططه القمعي في مرحلة اللقاء مع القوى البرجوازية، لضرب الحركة الماركسية-اللينينية، مستغلا شبكات المثقفين البرجوازيين الصغار التي كانت تنشأ سريا في تلك الفترة على هامش المنظمتين الماركسيتين-اللينينيتين. وهكذا استطاع العدو أن يقوم باعتقالات واسعة ويحطم هاته الشبكات، ويتمكن في نفس الوقت من ضرب المنظمتين-الماركسيتين-اللينينيتين. بالنسبة لنا فإن أهم أسباب هذه الاعتقالات تكمن فيما يلي : - بنية التنظيم نفسها القائمة على اللامركزية المفرطة، فبسبب وجود عناصر لا تؤمن بخط التنظيم الثوري الجماهيري داخل الجهاز التقني للتنظيم الذي يملك استقلالا عن التنظيم في إطار اللامركزية، فإنها استغلت هذه الوضعية وانعدام أية مراقبة سياسية وإيديولوجية حازمة وأخذت تطور إمكانياتها في بناء شبكة والقيام باتصالات داخل التنظيم تحت غطاء الجهاز التقني. بل أنشأت نشرة جماهيرية خارج إطار التنظيم ودون علمه. - المسلكيات الليبرالية وانعدام الانضباط الثوري الحديدي، فالرفيق المسؤول عن الجهاز التقني كان عضوا في القيادة السابقة للتنظيم، ونظرا لعدم اتفاقه على الخط الجماهيري الماركسي-اللينيني، فقد انسحب حوالي منتصف 71 من القيادة على أساس الاحتفاظ بآرائه واستغلال إمكانياته في بناء جهاز تقني للتنظيم. وبدل أن تلجأ القيادة السابقة إلى فتح صراع سياسي وإيديولوجي داخل التنظيم ككل من أجل تشطيب الأفكار الخاطئة كأسلوب ثوري في تدعيم وتقوية الخط السديد وضرب كل الانحرافات، لجأت القيادة إلى أسلوب شبيه ب"المساومة"، وقد استغل الرفيق كما قلنا وضعية التنظيم من أجل إنجاز عمله التقسيمي وبناء شبكته. وكنتيجة حتمية لمنطق بناء الشبكة نفسها، فإن التسرب البوليسي يكون أمرا سهلا، لأن مقاييس الاستقطاب لا يمكنها أن تكون إلا ذاتية، لأنها لا تستند على الممارسة اليومية في النضال الجماهيري، وبالتالي يسهل التسرب إليها أو ربط اتصالات بوليسية داخلها، وهذا ما حدث في الحالتين معا في فبراير وبداية مارس، فالمثقف البرجوازي الصغير الذي لا يؤمن بالإمكانيات الثورية للجماهير ويستبدل ذلك بمحاولة إحكام تقنية شبكته كحصانة في وجه القمع البوليسي، سرعان ما يجد نفسه وحيدا في مواجهة الجهاز البوليسي وفي عالم الجلادين، دون أن يحمل معه الإيمان بقوة الجماهير الشعبية عبر الكفاح الملموس داخلها، وبسبب أنه يعتقد أن التقنية أقوى من الإنسان، فإنه ينهار تحت تقنية التعذيب، إنه يعتقد بطبيعته أن حيله التقنية ستوقف القمع والاعتقالات، باعترافات جزئية مثلا، إلا أن الجلادين لا يزيدهم ذلك إلا إمعانا في تشديد التعذيب، فكل اعتراف من أجل إيقاف التعذيب ليس إلا تشجيعا جديدا للجلادين من أجل انتزاع كل شيء. في هذه المرحلة من الاعتقالات لم يستخرج التنظيم كما في المرحلة الأولى الدروس الأساسية من القمع، رغم أن الوثيقة الصادرة في 19 مارس 72 من ل.و. "مهامنا في الوضع الراهن" كانت تهدف إلى إنجاز ذلك، ليس فقط بسبب غياب المعطيات الواضحة بل لأنها وضعت مهام مواجهة القمع كإجراءات تقنية دون ربط ذلك بالمراجعة النقدية لخط التنظيم وممارساته، فسياسة تكوين الأطر لم ينظر إليها إلا كمهمة تثقيفية دون ربطها بمراجعة مفهوم الحزب الثوري ودوره وهيكلته، وربط ذلك بمنظمة المحترفين الثوريين، منظمة الطليعة القادرة على الاندماج في الجماهير وقيادتها. كما أن اللامركزية التي كانت تراجعا عن المركزية الديمقراطية التي كانت قد أقرتها ن.و. لم يفهم منها إلا إجراءا لمواجهة القمع ومنع تسلسل الاعتقالات من منطقة إلى أخرى، وفي حين كان التحليل السياسي في هذه الوثيقة سديدا في فهم تطورات الوضع في تلك المرحلة فإنه لم يحدد المهام التي تطرحها المرحلة فانعدم ذلك أي تهييء للتنظيم وتحضير بناء جهاز سري قوي لمواجهة القمع المتصاعد باستمرار، ولذلك سرعان ما وجد تنظيمنا نفسه في مواجهة حملة أشد وأعنف في أواخر ماي وبداية يونيو.
3. اعتقالات آخر ماي ويونيو :
نقطة الانطلاق المباشرة لهذه الاعتقالات هي تسرب مخبر بوليسي إلى داخل خلية بالثانوي (شاب عاطل)، إلا أن السبب الحقيقي يكمن في واقع التنظيم في الإقليم الذي انطلقت منه الاعتقالات الذي لم يكن تنظيما ثوريا، بل كان خليطا بين التنظيمات الجماهيرية والخلايا والتجمعات تنعدم فيه الحدود الواضحة والفاصلة بين التنظيم الماركسي-اللينيني والتنظيمات الجماهيرية، وبالتالي فقد كان سهلا تسرب البوليس داخل التنظيم، وفي هذه الشروط استطاع هذا العنصر البوليسي أن يكشف للبوليس ليس فقط رفيقا مسؤولا عن ما يمكن تسميته "خليته" ولكن مجموعة من الرفاق المسؤولين في القيادة المحلية من ضمنهم مسؤول ل.و.عن الناحية، واتخذت الاعتقالات في هذه المرحلة طابعا قويا جدا، بسبب المسلكيات البرجوازية الصغيرة المتعددة خلال هذه الحملة : - الانهيار تحت التعذيب الوحشي للبوليس وإعطاء معلومات وافية جدا عن التنظيم، وإلى أقصى الحدود التي يمكن تصورها، وفي بعض الحالات كان هذا الانهيار يتم مباشرة بعد الاعتقال. - الليبرالية الشديدة داخل التنظيم التي تسمح للرفاق بمعرفة معلومات لا تمس مهامهم من قريب أو بعيد داخل التنظيم، كانت تزيد في تعميق الضربة، وتعطي هذه المعلومات مجانا للبوليس. - تسليم بعض الرفاق أنفسهم للبوليس، أحدهم عضو ل.و. وتحت ضغط عائلي في بعض المرات، دون معرفة رأي التنظيم، إن هذا يعبر عن عمق النزعة البرجوازية الصغيرة التي لا تبصر آفاق العمل الثوري في شروط القمع والسرية. - بعض الرفاق المتابعين كانوا يمارسون ضغطا معنويا على التنظيم في مرحلة القمع لإرسالهم إلى الخارج أو تسليمهم قدرا ماليا بدعوى أن اعتقالهم سيكون خطيرا على التنظيم. - بعض الرفاق انهارت معنوياتهم بشكل نهائي حتى في مرحلة التحقبق وداخل السجن. ووسط هذه الممارسات البرجوازية برزت نماذج من الممارسات الثورية، استطاعت أن توقف مسلسل الاعتقالات وعملية تفكيك التنظيم بفضل صمود بعض الرفاق وتضحياتهم، بدوي ورفاقا آخرين الذين قاوموا أبشع أنواع التعذيب في زنزانات العدو بالصمت الكامل أزيد من شهر مثال ساطع لكل الثوريين ببلادنا، وهو كاف في حد ذاته لتكذيب المزاعم البرجوازية الصغيرة، التي تبالغ في تقدير العدو، وتجعل من مقاومة التعذيب ضربا من البطولات الخيالية وهي أيضا تنبيه إلى واجباتنا في تشطيب كل الممارسات الليبرالية وتشطيب كافة الأخطاء داخل منظمتنا.
ب- ممارسة التنظيم خلال هذه النضالات.
1. فبراير مارس :
كما سبق أن ذكرنا ذلك، فإن الحركة الماركسية-اللينينية قد عرفت كيف تواجه مسؤوليتها في عواصف كفاح الجماهير في فبراير ومارس 72، وأن تضطلع بقيادتها سياسيا وإيديولوجيا، وفي حالات متعددة تنظيميا، هاته الكفاحات التي تمثل مرحلة مهمة في تطور النضالات الثورية لجماهيرنا الشعبية، مرحلة يجب أن نستخلص دروسها وحدودها من أجل الوصول إلى مرحلة أعلى في مسيرة الكفاح الثوري للجماهير. أ- لقد كان الضعف الأساسي هو انعدام تأطير الحركة الجماهيرية، فاليسار الثوري المغربي المنبثق والمرتكز في هذه المرحلة على الشباب المدرسي (حركة التلاميذ، الحركة الطلابية) لم يكن قادرا في فبراير ومارس 72 على تحريك وتأطير الكفاحات الثورية للجماهير الأساسية : العمال والفلاحين الفقراء وشبه البروليتاريا التي كانت تساند عفويا حركة الشباب الثوري، فمشاركة فئات متعددة من هذه الجماهير في الكفاح بجانب هذه الحركة قد نمت عبر مسيرة عفوية تقاسم فيها هذه الجماهير السخط ضد النظام المتعفن مع أبنائها الشيء الذي أبرزته المظاهرات الجماهيرية، في المدن الكبرى أو المراكز الحضرية في البوادي، إلا أن هذه المشاركة ظلت عفوية وجزئية. لقد تميزت الكفاحات المتصاعدة للشباب الثوري في هذه المرحلة بمظهرين أساسيين لا بد من تسجيلهما: o أصبحت الجماهير تتبنى هذه الكفاحات منذ فبراير ومارس مثل كفاحها الخاص، إن هذا التأييد قد جاء بعد التطور الهائل للحركة الجماهيرية نفسها، وفي مقدمتها الإضرابات العمالية منذ سبتمبر 71. o لقد امتدت نضالات الشباب الثوري حتى المدن والمراكز الحضرية الصغيرة، وهاته الظاهرة مهمة جدا، فهاته المراكز الحضرية الصغيرة تمثل أكثر فأكثر الحياة الاجتماعية لجماهير الفلاحين في إطار تزايد عملية تفقير وتهجير الفلاحين في البوادي. ب- إن هذه التطورات تؤكد صحة أطروحتنا حول دور حركة الشباب الثوري المدرسي كمثقف عضوي للجماهير الكادحة، والمعبر الفكري عن الوعي الحسي لهاته الجماهير، بحكم ارتباطهما عضويا. ج- وكنتيجة لسيادة النهج العفوي، لم يستطع التنظيم استيعاب الطاقات الهائلة التي فجرتها نضالات الشباب الثوري، والاعتماد على الأسلوب التحريضي الفوقي كأسلوب أساسي دون القيام بالعمل التنظيمي اليومي داخل حركة الجماهير وفي مواقعها المتقدمة، وخلق أشكال تنظيمية متطورة ودينامية لتأطير الطاقات التي كشفت عنها نضالات فبراير-مارس، وتوسيع وتدعيم الأشكال الموجودة، وتكثيف وتقوية الأشكال الدعائية، سواء داخل التنظيمات الجماهيرية أو في اللجان التي تضم العناصر الطليعية والدينامية، والتي ينبثق منها أطر التنظيم. ولم يتم تقوية تنظيمنا وإعطائه دماءا جديدة بالعناصر الطليعية والصلبة التي ظهرت خلال هاته المعارك، وهذا يشكل إحدى المظاهر الأساسية لأزمة تنظيمنا. د- وبالإضافة إلى انعدام أسلوب التأطير والتنظيم، فإن غياب فهم دور العنف الثوري في مسيرة الكفاح الثوري الجماهيري نحو فتح آفاق الحرب الشعبية، وسيادة العفوية، فإننا لم نكن في مستوى الطاقات الثورية للجماهير التي برزت خلال فبراير-مارس والتي تجلت عبر كل البلاد وامتدت إلى الجماهير في الجنوب ضد الوجود الاستعماري في الصحراء الغربية خلال شهري مارس وأبريل، ولم نستطع أن نكون طليعة مبادرات الجماهير العفوية في مواجهة جهاز القمع بالعنف الجماهيري، ولم نتمكن من تحديد ذلك الدور إلا في يونيو في الدراسة "حول الاستراتيجية الثورية" المعدة على قاعدة المناقشات الممتدة منذ ن.و. إلى ماي.
2. من أبريل إلى يونيو :
أ- كانت هذه مرحلة تراجع النضالات الجماهيرية للشباب الثوري التي كانت قد وصلت إلى أوجها في فبراير مارس، ولم يستطع العدو أن يكسر اليسار الثوري بتصعيده للقمع من جهة، ومناورات تجميد وشل الحركة الجماهيرية من جهة أخرى، وهي عملية وزعت فيها الأدوار بين مختلف القوى البرجوازية والحكم. وإذا كانت الحركة الطلابية قد أوقفت نضالاتها تحت ضغط مناورات السياسيين البرجوازيين، فإن إفلاس الإصلاحية كان تاما داخل الحركة الطلابية كما أظهرت ذلك نتائج انتخابات المؤتمر 15 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب حين فاز اليسار الثوري بالأغلبية الساحقة من مقاعد المؤتمرين. ب- بينما استمرت حركة التلاميذ في أغلب المناطق رغم القمع الشديد والمناورات الانتهازية والتقسيمية للإصلاحية. في هذه الفترة تم الإعلان عن النقابة الوطنبة للتلاميذ، وقد كان الإعلان عنها حاسما في تقوية وتدعيم حركة التلاميذ، فقد جاءت لقطع الطريق على تشويهات الحكم والإصلاحية لشعار حق التنظيم النقابي الذي كان في مقدمة شعارات التلاميذ، ومن أجل خلق إطار وطني وجماهيري يمكن من تقوية حركة التلاميذ وتعبئتها بشكل منظم وفي إطار وطني، وللتمييز بين التنظيم الماركسي-اللينيني وبين حركة التلاميذ في إطار تنظيم جماهيري. إلا أن طريقة الإعلان عن النقابة تمت بشكل فوقي دون بنائها أولا على أسس متينة واستيعابها من طرف جماهير التلاميذ، وذلك رغم أن مبدأ تأسيس النقابة والإعلان عنها طرحت للاستشارة منذ آخر فبراير وطرح الشروع في بنائها فعليا منذ ذلك الوقت، إلا أن هذا العمل ظل عفويا ولم ينجز، بسبب انعدام أية مراقبة مستمرة لتنفيذ كل القرارات، كما أن حملات القمع في تلك الفترة قد كرست من أساليب العفوية والفوقية في عمل المنظمة. ج- في هذه الفترة، بدأت بوادر اتجاه حركة التلاميذ نحو الجماهير الكادحة تتقوى، ويتجلى ذلك في انسحاب المناضلين التلاميذ نحو الجماهير الفلاحية بالخصوص (خاصة في إقليم الغرب)، الشيء الذي ظل عفويا تماما ودون أية مراقبة أو تنظيم لهذا العمل الأساسي، كما عرفت هذه الفترة بداية الالتقاءات النضالية بين حركة التلاميذ والحركة العمالية (تضامن التلاميذ مع عمال النسيج في الدار البيضاء في شهر يونيو) ... كانت الحركة العمالية قد بدأت تعرف تحولات في نضالها، يتجاوز القيود البيروقراطية، خاصة في قطاع النسيج الذي يتكون أغلب عماله من الشباب المطرود من الثانويات، وهذه التحولات تجلت في المواجهة العنيفة لقوات القمع، والنضال ضد طرد العمال والممثلين النقابيين، والمحاكمات ..، في نفس الوقت الذي ظل فيه تنظيمنا بعيدا عن هذه التحولات العميقة داخل الطبقة العاملة التي ابتدأت منذ سبتمبر 71 بصفة خاصة، ولم يأخذ شعار ن.و. "التجذر داخل الطبقة العاملة" الأشكال السديدة لتطبيقه على ضوء هذه التحولات واستيعابها في خطط وأساليب عملنا، وتكثيف هذا العمل داخل الطبقة العاملة من أجل بناء الطليعة البروليتارية المنشودة. د- كما أن التنظيم –كما قلنا من قبل- لم يستخرج الدروس الأساسية لهذه الفترة كسابقتها، ولم ينجز أي عمل من أجل التهييء لبناء تنظيم سري وصلب لمواجهة القمع الأسود ومن أجل مواصلة الكفاح الثوري وتصعيده، وهكذا ظلت القيادة تنهج اللامركزية في غياب فهم دورها القيادي الحاسم داخل التنظيم وظلت المسلكيات البرجوازية الصغيرة والليبرالية بكل أشكالها القاتلة منتشرة بشكل واسع داخل التنظيم، ولم تحضر القيادة نهائيا الشروط المادية لبناء الجهاز السري، لهذا فإن حملة ماي القمعية كانت قاسية جدا ووصلت إلى المدى الذي نعرفه.
3. من يونيو إلى سبتمبر :
كانت هذه الفترة الممتدة من أواسط يونيو حتى نهاية سبتمبر مرحلة انكماش التنظيم. فالضربات المتواصلة من مارس إلى ماي التي فرضت انتقال مجموعة من الرفاق المسؤولين وأطر التنظيم إلى السرية، كانت هي السبب المباشر لهذا الانكماش، إلا أن هناك أسبابا أعمق من ذلك، فإذا كان هذا السبب يفرض انكماشا محددا للتنظيم، وإذا كان كل تنظيم ثوري مضطر إلى التحكم في مراحل الجزر في الحركة الجماهيرية وفي مراحل المد، فإننا من جهتنا قد تركنا انكماش التنظيم يشتد بشكل كبير في هذه المرحلة من الجزر. وترجع الأسباب الحقيقية إلى غياب فهم شروط العمل الثوري تحت القمع والسرية في ظروف بلادنا وغياب التهييء السياسي والتنظيمي للعمل في ظل هذه الشروط، الشيء الذي تفرضه بنية التنظيم نفسها اللامركزية والمفككة التي تفتقد الصلابة والتماسك الضروريين للعمل السري في ظروف بلادنا. ويفسر ذلك شعار مقاطعة الباكالوريا الذي رفعته ل.و. والذي كان يترجم الانقطاع بين ل.و. والرفاق المسؤولين في الثانوي عن واقع حركة التلاميذ، والواقع السياسي ببلادنا في ذلك الظرف، فإذا كان شعار المقاطعة صحيحا في ماي في الفترة التي أعقبت محاولات الحكم والإصلاحية لتكسير حركة التلاميذ وإعلان ن.و.ت. فإن القمع الوحشي الذي نزل بالتنظيم في نهاية ماي، وغياب بنية تنظيمية متينة ورؤية سياسية واضحة قادرة على مواجهة القمع، قد فرض انقطاع الرفاق عن واقع حركة التلاميذ وتقدير شروطها الحقيقية، ولهذا ظل الشعار مرفوعا دون فحص المعطيات الجديدة في الوضع وقتئذ بسبب هذا الانقطاع. ولم تواجه ل.و. مسؤولياتها خلال هذه الفترة كهيكلة التنظيم هيكلة جديدة ولحم صفوفه وتقوية عمله في الشروط الجديدة وذلك نظرا للعوامل التي ذكرنا بها مرارا عبر هذا التقرير. وكان من جملة هذه العوامل الأساسية أيضا المبالغة في تقدير قوة العدو وانتشار الأسطورة البرجوازية الصغيرة داخل التنظيم، التي تظهر الجهاز البوليسي كجهاز قوي ومنظم تنظيما كاملا في إطار جهاز دولة النظام المتعفن الذي يعاني هو بنفسه تفككا مستمرا، الشيء الذي أكدته أحداث 16 غشت بشكل قاطع في هذه الفترة، وقد كان على التحليل العلمي أن يقودنا منذ البداية إلى هذه الحقيقة لولا التجريبية التي سقطنا فيها. فالعدو لا يعتمد في تفكيك المنظمات الثورية إلا على وسيلة التعذيب، لان التعذيب بالنسبة لجلادي النظام المتعفن لعبة مرحة يجيدونها، أما الأساليب الأخرى التي تتطلب عملا محكما ودائما، فإنهم لا ينجزونها إلا بالشكل الذي هيأ به أوفقير انقلابه في 16 غشت. يجب علينا أن نعرف كيف نستغل إلى أقصى حد ضعف الجهاز البوليسي وتفكك أجهزة النظام دون أن نسقط في نزعة احتقار العدو واستصغار شأنه، مما يؤدي إلى انتشار الأساليب الليبرالية. يجب على كل واحد منا أن يشل فعالية الوسيلة الرئيسية للنظام : التعذيب, فقد أثبت بعض رفاقنا إمكانية ذلك بالملموس. لقد أدينا ثمن أخطائنا مرتفعا جدا، لدرجة أن الدروس المستخرجة من تجربتنا وتضحيات رفاقنا يجب أن تتجذر في صلب عمل منظمتنا اليومي وحياتها. كما يقول البلاشفة فإن المطرقة تكسر الزجاج وتقوي الفولاذ، وهذا الفولاذ الذي يتصلب هو الذي سيشكل الأساس الصلب المتين للحزب الثوري، ولكي نصل إلى هذا الأساس يجب تشطيب كل نقط الضعف الموجودة، ابتداء من المفاهيم السياسية والإيديولوجية الخاطئة إلى المسلكيات البرجوازية الصغيرة اليومية، من أجل بناء منظمة ثورية طليعية، صلبة وراسخة جماهيريا. في هذه الفترة بدأ التهييء لإنجاز الجريدة التي كانت مطروحة كمهمة رئيسية منذ ن.و.، وحالت دون تطبيقها ظروف القمع والنضالات، ثم عدم اتفاق مجموع اليسار على إصدارها في النصف الأول من هذه السنة، إلا أن تهييء إصدار الجريدة لم يكن يدخل في إطار بناء منظمتنا بناء صلبا، فالجريدة لا يمكن إنجازها بدون منظمة صلبة تضمن شبكة متينة لجمع المعلومات والتقارير وللتوزيع والاستفادة من دورها المنظم والموجه والدعائي وسط الجماهير. وقد تم توحيد المشروع مع الرفاق (ب) بعد انطلاقة التوحيد الجديدة في بداية أكتوبر، وبعد مراجعة التجربة والشروع في إعادة تأسيس منظمتنا على أسس صلبة منذ نهاية سبتمبر. وقد عرفت هذه الفترة بشكل أساسي انتصارا عظيما لليسار الثوري ببلادنا فقد سجل المؤتمر 15 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب في أواسط شهر غشت انتصار الخط الثوري لحركتنا الماركسية اللينينية واندحار الخط الإصلاحي في قيادة المنظمة المناضلة أ.و.ط.م. وذلك بعد سنتين من كفاح رفاقنا المستميت داخل الحركة الطلابية من أجل بلورة أهدافنا الثورية داخل هذه الحركة الطليعية، وضمان قيادة ثورية للاتحاد الوطني لطلبة المغرب. إلا أن النظام الفاشستي الذي لا يتوانى لحظة في ضرب اليسار قد سارع إلى محاولة ضرب قيادة أ.و.ط.م.، وتصعيد مخططه التصفوي ضد الحركة الطلابية المناضلة. إن محاولة الحكم هذه في سبتمبر قد فاجأتنا في ظرف لم يكن فيه اليسار قادرا على الرد المباشر، فالحكم قد اختار الظرف المناسب لمحاولته في وقت كانت فيه شروطنا الذاتية وشروط الحركة الطلابية غير قادرة على الرد المباشر على استفزاز الحكم. وقد شكل هذا عاملا آخر في الدفع بالتنظيم إلى تجاوز الانكماش وإلى استيعاب الخصائص الجديدة للوضع السياسي الراهن، هذا الوضع الذي يهييء شروطا موضوعية لمرحلة أعلى في الكفاح الجماهيري كما تبلور ذلك في التحليل الصادر في 5 أكتوبر عن لجنة التوحيد "الوضعية السياسية الراهنة ومهام اليسار". ففي ظل التفكك المتزايد للنظام المتعفن وانفجار تناقضاته، وفشل كل مناوراته لإعادة ترتيب الأمر لصالحه، وفي ظل تهافت القوى البرجوازية للاستفادة من أزمة النظام، وفي ظل اتساع حركة الجماهير وانتشار الفكر الثوري داخل الشباب وصدى ذلك وسط الجماهير، فإنه يطرح على الحركة الماركسية-اللينينية مهمة مواجهة هذه الشروط المناسبة بخطة سياسية سديدة تستهدف تعميق عزلة الحكم وضرب مناورات القوى البرجوازية وأشد أجهزتها انتهازية وخطورة على الحركة الجماهيرية (اتحاد بوعبيد)، وتعميق عمل اليسار داخل الحركة الجماهيرية وعلى رأسها الطبقة العاملة، من أجل إنجاز قفزة كيفية نحو بناء الأداة الثورية في طريق إنجاز مهام الثورة الديمقراطية الشعبية والثورة الاشتراكية. في هذا الاتجاه فإن انطلاق عملية توحيد المنظمتين الماركسيتين-اللينينيتين منذ بداية أكتوبر يشكل خطوة تاريخية حاسمة، كما تبلور ذلك في بيان التوحيد الصادر يوم 3 أكتوبر 72، لقد كان لهذه الانطلاقة تأثير عظيم في بث الحماس داخل تنظيمنا والعمل على تدعيم منظمتنا وبنائها بناءا متينا، من أجل بناء منظمة ماركسية لينينية موحدة وصلبة تكون مرحلة حاسمة في بناء الأداة الثورية. كل هذه العوامل دفعت ل.و. إلى الشروع في مراجعة الأخطاء والكشف عن نقط الضعف والعمل على تشطيبها، وإعادة تدعيم وتقوية التنظيم وتركيزه على قاعدة الخلاصات الأساسية للعشرة أشهر الماضية من كفاحه، من أجل منظمة ثورية طليعية صلبة وراسخة جماهيريا، قادرة على مواجهة العواصف الجماهيرية المقبلة وقيادتها.
قرارات تنظيمية
استنادا إلى كل الخلاصات الأساسية السابقة فإن ل.و. في إطار الانطلاقة الجديدة للتنظيم تذكر مجموع الرفاق بأن المهام التي حددتها الندوة الوطنية لا زالت مطروحة للإنجاز من طرف مجموع منظمتنا، وهذه المهام هي : - التجذر داخل الطبقة العاملة وتكوين أطر بروليتارية. - التوحيد. - إعداد الاستراتيجية الثورية. - الجريدة. إن شوطا هاما قد قطعناه في إنجاز هذه المهام، إلا أن عملا أكبر لازال ينتظرنا من أجل إتمامها. وأن ل.و. ستعمل على توفير كل الشروط لمواصلة إنجازها، وهي تدعو كافة الرفاق إلى الالتفاف حول هذه المهام بحماس أكبر والمثابرة الدائمة لتحقيقها في شروط المرحلة الجديدة. وفي مقدمة الشروط الأساسية لإنجاز هذه المهام العظيمة، بناء التنظيم بناء قويا وصلبا انطلاقا من الأسس المطروحة في مقدمة هذا التقرير، وهذه المهمة الأساسية تتطلب عملا دائما ومجهودا أكبر من طرف كل الرفاق لضرب كل المسلكيات البرجوازية داخل التنظيم من ليبرالية وتهاون من أجل بناء تنظيم مركزي-ديمقراطي، وبناء قيادة متينة كما أن الأسس تتبلور من أجل بناء منظمة ماركسية لينينية موحدة، وهذا البناء حاسم في إنجاز مهامنا الثورية، وإن بناء تنظيمنا بناء ثوريا يشكل عملا أساسيا في هذا الاتجاه، في الوقت الذي تتحدد وتتقدم فيه شروط مد ثوري جديد، الشروط الموضوعية والذاتية لمرحلة أعلى في الكفاح الجماهيري. وهذه قرارات تنظيمية تدخل ضمن تحضير تلك الشروط :
(1)
تعلن اللجنة الوطنية المنبثقة عن الندوة الوطنية أن مهمة تدعيمها باعتبارها القيادة الوطنية هو أمر حاسم في هذه المرحلة نظرا للنقص الذي أصابها نتيجة القمع البوليسي، ونتيجة مهام المرحلة الحالية الجسيمة. لهذا فإنها تحتفظ بحق تدعيم نفسها بأطر جديدة لمواصلة أداء المهام المنوطة بها من طرف ن.و. إن هذا التعيين يتم من طرف ل.و. وتحت مسؤوليتها.
(2)
إصدار نشرة داخلية سرية للتنظيم تحت اسم "الشيوعي"، تساهم في بناء تماسك التنظيم سياسيا وإيديولوجيا وتنظيميا ولحم أجزائه. نشرة داخلية تعبر عن وحدة الإرادة ووحدة الفكر والممارسة داخل منظمتنا.
(3)
(أ) توقيف الرفيق المسؤول عن الجهاز التقني بسبب ممارساته الانقسامية داخل التنظيم إلى حين تقديم نقد ذاتي مكتوب ينشر على صفحات النشرة الداخلية. (ب) تسحب من الرفيق (ع) جميع المسؤوليات داخل التنظيم بسبب ممارساته التكتلية وخرقه للمبادئ التنظيمية، هذا القرار يظل ساري المفعول إلى حين استكمال التحقيق الذي تقوم به الآن ل.و. حول ممارسة هذا الرفيق. (ج) توقيف الرفيق عضو ل.و. الذي سلم نفسه للعدو من مسؤولياته داخل ل.و. وذلك حتى كتابة نقد ذاتي مكتوب ينشر على صفحات النشرة الداخلية. (د) توقيف الرفيق (ر) من مسؤولياته داخل ل.و. لعدم إنجازه المهام المنوطة به. واعتبارا للشروط التي تطورت في الناحية التي يعمل فيها، وتحمل الكتابة لنصيبها في هذه المسؤولية، فإن هذا التوقيف محدود بثلاثة أشهر ابتداء من 1 نوفمبر 72، وهذا الأجل قابل للتمديد في حالة عدم تحمله لمسؤولياته. (هـ) طرد الرفيق العربي نظرا لممارسته الخطيرة على أمن التنظيم.
عن ل.و. 20 / 11 / 1972
#الأماميون_الثوريون (هاشتاغ)
Alamamyoun_Thaoiryoun#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تناقضات العدو والأفق الثوري بالمغرب
-
من أجل الجبهة الثورية الشعبية -دروس النضالات الشعبية وأحداث
...
-
الوحدة الجدلية لبناء الحزب الثوري والتنظيم الثوري للجماهير
-
الوضع الراهن والمهام العاجلة للحركة الماركسية-اللينينية
-
القضايا الإستراتيجية في فكر منظمة -إلى الأمام- من خلال وثائق
...
-
أهية الصراع الإيديولوجي ضد التحريفية الإنتهازية
-
الشهيد القائد عبد اللطيف زروال و مفهوم الحزب الثوري
-
الحد بين الخط الثوري و الخط التحريفي الإنتهازي بمنظمة -إلى ا
...
-
تذكير بالمواقف الانتهازية لمن يدعون الاستمرارية لالى الأمام
-
الإستراتيجية الثورية لمنظمة -إلى الأمام- في مواجهة التحريفية
...
-
الإستراتيجية الثورية لمنظمة -إلى الأمام-
-
الورقة المسودة لمنظمة -إلى الأمام-
-
الثورة هي الاختيار الوحيد ضد النظام الفاشي التبعي
-
دحض أسس التحريفية الإنتهازية - أيديولوجيا و سياسيا و استراتي
...
-
دحض أسس التحريفية الإنتهازية - أيديولوجيا و سياسيا و استراتي
...
-
نقد الفكر التحريفي الإنتهازي ل-حزب النهج الديمقراطي- الجزء ا
...
-
لنرفع عاليا راية الماركسية اللينينية
-
من أجل فضح أفيون القوى التحريفية المضادة للثورة في المغرب !!
...
-
مساهمات بعض المناضلين الثوريين في الذكرى 41 لتأسيس المنظمة ا
...
-
في الذكرى 41 لتأسيس المنظمة الثورية الماركسية اللينينية الم
...
المزيد.....
-
في ظل حكم طالبان..مراهقات أفغانيات تحتفلن بأعياد ميلادهن سرً
...
-
مرشحة ترامب لوزارة التعليم تواجه دعوى قضائية تزعم أنها -مكّن
...
-
مقتل 87 شخصا على الأقل بـ24 ساعة شمال ووسط غزة لتتجاوز حصيلة
...
-
ترامب يرشح بام بوندي لتولي وزارة العدل بعد انسحاب غايتس من ا
...
-
كان محليا وأضحى أجنبيا.. الأرز في سيراليون أصبح عملة نادرة..
...
-
لو كنت تعانين من تقصف الشعر ـ فهذا كل ما تحتاجين لمعرفته!
-
صحيفة أمريكية: الجيش الأمريكي يختبر صاروخا باليستيا سيحل محل
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان مدينة صور في جنوب لبنا
...
-
العمل السري: سجلنا قصفا صاروخيا على ميدان تدريب عسكري في منط
...
-
الكويت تسحب الجنسية من ملياردير عربي شهير
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|