|
أخي المسلم، أنت لستُ كافراً
شريف خوري لطيف
الحوار المتمدن-العدد: 3977 - 2013 / 1 / 19 - 22:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
« إنت كافر في ديني زي ما أنا كافر في دينك»، عبارة نسمعها تتردد كثيراً من الإخوة الإسلاميين للمسيحيين، وحقيقة نندهش لهذه العبارة جداً، لأنها عبارة لاينطق بها ولايرددها المسيحي ولا اليهودي ولا البوذي ولا حتى عابد البقر، فلا يوجد ديانة في العالم سواء سماوية كانت أو وضعية تكفِّر الأخر وتقصيه وتسلبه حقه في حياة إنسانية كريمة، نعم الفكر التكفيري يحمل في طياته الكراهية والإدانة غير المبررة، أما المسيحية لاتحمل في عقيدتها الفكر التكفيري للأخرين أياً كانوا معتقداتهم، فـ« التكفير» لفظة وفكر ومعتقد إسلامي بحت، ولكن ما نندهش له هو إدعاء إخوتنا الإسلاميين أن المسيحية تحمل فكراً تكفيراً ضد الإسلام! فهو إدعاء لايمت للحقيقة بعلاقة ومغاير لها، ولايحمل سوى توصيل رسالة بأن هناك كراهية ومن ثم إدانة وبالتالي جرائم إرهابية منظمة تتم بغلافِ أكثر تهذيباً تحت مسمى« فتنة طائفية» متبادلة! فيكون للإسلاميين المبرر والعذر فيما يرتكبون من أفعال وجرائم من وراء هذا الفكر التكفيري والإستعلائي والذي ينافي كل قيم ومبادئ المساواة الإنسانية؟! وفي الحقيقة لا يستطيع الإسلامين إثبات إدعاءاتهم هذه ضد المسيحية لأسباب أهمها، أن السيد المسيح في رسالته البذل والعطاء للإنسانية حمل رسالة محبة وخلاص للعالم أجمع بلا تمييز لا على أساس ديني ولا عرقي، فعندما أتى إلينا بشريعة الكمال فلم ينقض في نفس الوقت شريعة الناموس اليهوية بل أكملها قائلاً:{لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس. ما جئت لأنقض بل لأكمل}«متى 5: 17»، حتى أعدائه من اليهود لم يكفِّرهم ولم يُدينهم رغم إنكارهم وجحودهم له، فالتكفير يحمل دائماً كراهية وإستعلاء وإدانة غير المبررة للأخرين، حتى أن السيد المسيح لم يدينهم: { وَإِنْ سَمِعَ أَحَدٌ كَلاَمِي وَلَمْ يُؤْمِنْ فَأَنَا لاَ أَدِينُهُ، لأَنِّي لَمْ آتِ لأَدِينَ الْعَالَمَ بَلْ لأُخَلِّصَ الْعَالَمَ}«يو12: 47»، فالمسيح أتى ليُخلِّص ما قد سبق وهلك، والبشرية كلها أصبحت بخطيتها مدانة، فكيف يُدين ما قد سبق وهلك! رغم أنه تبارك إسمه من سلطان لاهوته الواحد مع الآب أن يدينهم بالعدل والحق:{ وَإِنْ كُنْتُ أَنَا أَدِينُ فَدَيْنُونَتِي حَقٌ، لأَنِّي لَسْتُ وَحْدِي، بَلْ أَنَا وَالآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي }«يو8: 16» ولكنه لم يفعل{ أَنْتُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ تَدِينُونَ، أَمَّا أَنَا فَلَسْتُ أَدِينُ أَحَدًا}«يو8: 15»، فوقت دينونته للبشرية لم يَحنْ بعد. وحتى في أشد أوقاته على الصليب غفر لهم ولم يقصيهم من نوال نعمة فدائه وخلاصه الأبدي، إن قبلوا هذا الخلاص،{ يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون}« لو23: 34» فإن كانت لغة الغفران و قبول الأخر وعدم نبذه وإقصائه لليهود هي لغة السيد المسيح ولغة تعاليم إنجيله، فكيف تكفِّر المسيحية بما سيأتى بعدها من عقائد وهي عقائد كانت في علم الغيب ؟! ولهذا السبب لايستطيع الإسلامي الإدعاء بأننا نكفره لأن عقيدة المسيحية وفكرها وإنجيلها راسخ قبل دينهم، وإلا فليجيبونا بالمنطق، أيهما أتى بعد الأخر ليكفِّر بما قبله؟! التكفير عقيدة إسلامية تُكفِّر ماقبلها من عقائد السماوية، والدليل عندما تسأل الإسلامي لماذا تكفرني يردّ بقوله بأن الإسلام « يَجُبْ» كل الديانات التي سبقته، ولفظة يجُبْ تعني أنه « يختزل» فيه كل الديانات التي سبقته، فبحسب معتقد الإسلاميين هذا فإن المسيحية واليهودية تلاشتا وإضمحلتا وأصبحتا لا وجود لهما بعد ظهور الإسلام..! بينما إله الكتاب المقدس لا يمسح ما سبق وأنزله ورسخه من شرائع ولا ينسخ كلامه ولا يَجُبْ حتى الديانات البشرية، لأن كلمته أزلية لإله أزلي فلا يغير ولايبدل شرائعه، وطبيعي أن هذا الفكر الخاطيء سيعطيهم إنطباعاً بأن إلههم مثلما ينسخ آياته فيمكنه أن ينسخ شريعته في دياناته السماوية التي رسخها قبل الإسلام ويختزلها في دين جديد! فالإسلام إن كان يجُبْ فهو يجُبْ الجاهلية والوثنية، ولكنه لايستطيع أن يجُبْ ديانات سماوية سبق وأرساها الله بكلمته الأزلية الغير متغيرة ! فمن أين أتى الإسلاميين بفكرة أن الديانة المسيحية تكفِّر الإسلام وتكفر معتقداتهم وهي فكرة بالتأكيد مغلوطة عمداً لغاية في نفس يعقوب؟! هذه الفكرة حقيقة ليس لها وجود إلا في عقلية الإسلامي ونظرته الإستعلائية والتكفيرية للأخر والتي تربى ونشأ عليها في مجتمع يغالي ويزايد في التدين، فصارت نفسيته وعقليته مؤهلة تلقائياً لنبذ الأخر وإعتباره إن مجرد عدم إعتراف الأخر بعقيدة الإسلامي هو تكفير له.. ولكن العقل والمنطق يقول أن عدم إعتراف المسيحي بعقيدة الإسلامي لا علاقة له بفكرة تكفيره، فالمسيحية كما سبق وذكرت لا تنادي بعقيدة تكفيرية بل حملت رسالة محبة وبذل وعطاء للعالم أجمع بلا تمييز، بل لأن السيد المسيح أتمم الخلاص الأبدي للبشرية على الصليب والذي سبق وأعد ومهد له أنبياء التوراة الطريق لإتمام مهمة الفداء، وعلى الصليب قال السيد المسيح " قد أُكمل" فهو أتمم شريعة الكمال ولم يخبرنا أنها شريعة ناقصة تحتاج لنبي أخر ليكملها، وختم الوحى الإلهي الشريعة بتلاميذ السيد المسيح في نبوأة واضحة، تقول:{ صُرّ الشهادة اختم الشريعة بتلاميذي}« إشعياء8: 16»، وأكد السيد المسيح بعد صعوده للسماء على إكتمال الوحي المقدس وإكتمال كلمته الإلهية فهو الوحي النهائي والمختوم بتلاميذه: فيقول في خاتمة الوحي الإلهي لسفر الرؤيا: { أنا يسوع ارسلت ملاكي لأشهد لكم... لأني اشهد لكل من يسمع أقوال نبوة هذا الكتاب إن كان أحد يزيد على هذا يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب، وإن كان أحد يحذف من أقوال كتاب هذه النبوة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة و من المدينة المقدسة و من المكتوب في هذا الكتاب}« رؤيا22: 16، 18، 19»، فمع إحترامي الكامل لعقيدة وإيمان ومقدسات أخي المسلم، ورغم أن عقيدتى لا تقرِّ عقيدته ولكن في نفس الوقت لا تكفره وليس في هذا حرجاً ولا تكفيراً له ولا إستعلاءاً عليه، لأنه كما سبق وذكرت أن الفكر المسيحي لايحمل عقيدة تكفيرية. فيا أخي المسلم، أنت أخي في الإنسانية وشريكي ورفيق دربي في الكفاح من أجل النهوض بهذا الوطن، ونحن كمسيحيين نؤمن أن الله قد بعث الأديان بتعليمات ووصايا ترشدنا لمعرفته في أن نحيا بها حتى لانضل طريقنا إليه، فدع الدين لله اما الوطن شراكة بيني وبينك من أجل الكفاح لنعيش فيه حياة إنسانية ترتقي فوق أي كراهية وأي عنف وأي نفور، فأخيك المسيحي يحمل لك كل معزَّة وإحترام وكل « محبة» والتي هي شرط مأمور به في إنجيله، فإن صار بداخلي كراهية وتكفير لك فلن أستطع أن أوفي شرط أساسي من شروط دخولي لملكوت السماء، وهو شرط المحبة فبدون المحبة لن نستطع أن نعاين الله ونعاين مجده السماوي، لأن الإنجيل علمنا أن من لايعرف المحبة لايعرف الله :{ أيها الأحباء، لنحب بعضنا بعضا، لأن المحبة هي من الله، وكل من يحب فقد وُلد من الله ويعرف الله، ومن لا يحب لم يعرف الله، لأن الله محبة}«1يوحنا4: 7-8 »
#شريف_خوري_لطيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|