أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - جهاد علاونه - اليوم الذي كنت خائفا منه















المزيد.....

اليوم الذي كنت خائفا منه


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3977 - 2013 / 1 / 19 - 13:55
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


كل الأيام التي شاهدتها في حياتي كانت سوداء جدا أسود من عصير التمر الهندي وأسود من السوق السوداء ولكن هذا اليوم وبالذات هو أسود يومٍ مررتُ عليه في حياتي حيث لم أتوقع حدوثه أو زيارته المفاجأة,نحن وجوهنا بيضاء وأيامنا كلها سوداء...جاءنا يوم لا يرحم ولا يستقبل صلوات الاسترحام... كنت أخافُ من هذا اليوم الأسود الذي تتحدث عنه كل الكتب والروايات والقصص الشعبية وغير الشعبية كنتُ أحاول تجنب الاصطدام معه وكنتُ طوال عمري خائف من التحاور معه وكنت أهربُ بعيوني عنه بعيدا وكنت أهرب بقلبي وبكياني وبكل جوارحي حتى لا يراني في حالةٍ لا تسرُ عدوا ولا صديقا فيستغل هو ضعي في هذه الفترة التي أبدو فيها ضعيفا ولستُ على ما يرام وصحتي النفسية في كل يوم تتراجع للوراء...كنتُ دائما جاهزا للسفر خوفا منه وعلى أهبة الاستعداد واضعا في حقيبة سفري كل الأشياء التي تلزمني, لذلك أنا أسافرُ فجأة وأعود فجأة دون أن يشعر أحد بي بأنني سافرتُ أو بأنني عدت من السفر...كنت أحاول التملص منه على قدر المستطاع وكنت أغير من شكلي ومن جوهري لكي لا يتعرف عليّ بين المطلوبين له للنزهة معه في مكان لا يعود منه من يذهب إليه...لم أكن جبانا على الإطلاق ولكني كنت وما زلت أتجنب الصدام مع الآخرين فأنا لست مضطرا للاختلاف مع أحد ولا أحب المشاكل مع الناس ومعه هو بالذات وخصوصا زماني الأغبر الذي جاءني باليوم الأسود فجأة فحذف النور من عيوني وسلّط عليّ كلابه تنهش بلحمي وشحمي من كل ناحية...وجدتي رحمها الله مليون مرةٍ كانت دائما ما تقول:خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود وأنا لم أشاهد في حياتي يوما واحدا أبيضَ أو رمادي وكل أيامي أزفت من الزفت نفسه... كل الناس في يومهم الأبيض يرسمون ويخططون ليومهم الأسود من أجل المواجهة معه وجها لوجه وسواء أعددتَ ليومك الأسود وحسبت له حسابا أو لم تحسب له أي حسابٍ فإنه على الأغلب سيأتيك لا محالة متخفيا بزي صديق أو حبيبٍ وهذا ما كنت أخشاه وأتوقع حدوثه وهو أن يأتيني اليوم الأسود على حين غرةٍ مني ,كنت أتوقع قدومه في أي لحظة تتكسرُ فيها مجاديفي وكنت أتوقع أن يطرق باب بيتي ويدخل عليّ من الباب مثله مثل أي زائر متخفيا ولكن لم أكن أتوقع بأن يأتيني من النافذة, لقد كان الباب مقفلا بشكل جيد ضد أي فيروس وضد أي زائر غير مرغوب به ولهذا السبب وجد أن تحطيم النافذة والدخول منها أسهلُ بكثيرٍ من الدخول من باب البيت المحصن ضد أي هجومٍ مباغت لقد حطم قواعد الفيزياء ولم يترك وراءه أثرا يدل عليه وكأنه دخل مثل أشعة الشمس من زجاج النافذة الذي لم يتحطم حتى أنه لم يصب بأي خدش ودخل منها كما يدخل اللصوص أو الضوء ,وإنه لم يجد شيئا في بيتي ليأخذه مني إلا قلبي ونور عيوني وإنه لم يجد صعوبة في الدخول إليّ وكان سيدخل أيضا من ثُقب الباب -ليعثر عليّ- إذا وجد أيضا أن النافذة من الصعب جدا تحطيمها وكان من الممكن إليه أن يدخل حتى مع الهواء البارد أو الساخن والمواجهة الحتمية التي لا بد منها قد كادت أن تحدث بالفعل,الخصمان يتقدمان ي مشهدٍ إدرامي جدا والسكوت والسمت(الصمت) المريب يحبس الأنفاس قبل بدء المعركة ,اليوم الأسود مسلح بالجرأة والآخر المسكين الذي لم يكن بحوزته أي سلاح أراد أن يتحدى المخرز والسيف بباطن كفيه..وقف أمامه مندهشا جدا منه ومن تصرفاته ومن استوائه على رجلٍ ضعيف مثلي ليسلخ جلدي عن لحمي أو ليدفنني حيا على عادته في كل مرة.. دخلتُ معه في معركةٍ غير متكافئة انتصر فيها الظلامُ على النور والشر على الخير والأسود على الأبيض والمخرز على الكف والسيف على القلم والعبدُ على الحر وانتصرت الخيانة على الأمانة والشرف وانتصر القوي على الضعيف ولم تنتهِ الرواية مثل المسلسلات العربية الروتينية التي دائما ما ينتصر في نهايتها الخير على الشر والنور على الظلام والأبيض على الأسود.

وأخيرا جاءني يومي الأسود مثل كل الناس , هذا اليوم الذي كنت أخاف منه كثيرا والذي كنت أهرب من المواجهة معه جاءني على حين غرة وقلب حياتي رأسا على عقب ودمرني دمارا شاملا وتركني في الرياح العاتية تأخذني بعيدا مثل الإعصار يرميني بين جنبات هذا الكون في الأودية وفي الجبال وبين السطور وبين الكلمات حتى أنني في بعض الأحيان رأيتُ نفسي مرة نقطة فوق الأحرف التي أكتبها ومرة نقطة تحت الأحرف وأحيانا كلمة بين السطور لا أعرفُ معناها ولا أدرك مغزاها أو فحواها وما هي الفائدة المرجوة من تعذيبي بهذا الشكل ومن توجيه الإساءة إليّ,جاءني اليوم الذي أبكي فيه كثيرا على مصير الناس وعلى مصيري...جاءني اليوم الذي كنت طوال عمري أهرب منه كما يهرب أي حيوانٍ ضعيف من حيوانٍ مفترس ...وجاءني اليوم الذي تركني وجعلني مثل الغبار أتطاير هنا وهناك وأنا أحمل في عيوني غيمة كبيرة تمطر في كل حين وفي كل يوم وأحيانا انهمر بالبكاء من غير سببٍ ذلك أنني اعتدت جدا على البكاء حتى أصبح البكاء جزء من حياتي ظنا مني بأن اليوم الأسود لا محالة أنه قادم ولا محالة من المواجهة الخاسرة معه,كنتُ أظنُ نفسي بأنني سأتفقُ معه على أي مبدأ من مبادئ الحياة ولم أكن أتوقع بأنه ضد كل الاتفاقيات الدولية وغير الدولية ولم أكن أعلم أنه أيضا ضد أنصاف الحلول لم يقبل بأن يأخذ مني ما يريده ويترك لي ما أريده..لقد أخذ كل شيء ورحل...جاءني اليوم الأسود الذي تخاف منه كل الناس ,جاءني اليوم الأسود الذي جرني مع السيل العَرم..كنت أحاول طوال حياتي أن أهرب منه وكنتُ أتمنى بأن يأتيني الموت وأن تنشق الأرض وتبتلعني قبل أن أرى هذا اليوم بأم عيني وكنتُ أتمنى أن أستحيل إلى صخرة قبل أن أرى هذا اليوم في حياتي كنت أتمنى لو أنني جماد لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم...ولكن جاءني هذا اليوم الذي كنت أخشى من المواجهة معه أو من الالتقاء به وجها لوجه...كنت أخشى هذا اليوم طوال حياتي وكنتُ أحاول أن أخفي نفسي عنه...كنت كلما صادفته في الطريق أحاول أن أشيح بوجهي عنه ولكنه كان يلازمني ويلاحقني ويتوعدني بكثيرٍ من التهديدات وكنتُ أشعر بأنه يقول لي: أين ستذهب مني أيها الشقي..سألقي القبض عليك في أي يومٍ من الأيام...سأجدك مهما حاولت الإفلات من قبضة يدي...ومهما باعدت بيننا الأيام لا بد وأن أعثر عليك حتى لو كنت مختبئا خلف البحار وخلف الجبال, وبالفعل كان يومي الأسود جادا فيما يقوله وكان ملتزما بوعوده لي لأنه في النهاية ألقى القبض عليّ وحشرني في الزاوية البعيدة وتركني فيها أصارع الحياة وأنا أحاولُ الإفلات من قبضة يديه...وأخيرا تم إلقاء القبض عليّ وتم إخراس لساني وإسكاتي وتم تمشيطي وتجريدي من كل أسلحتي...كنتُ أحاول أن أبتعد عنه قدر المستطاع ولكنه كان يقتربُ مني في كل يومٍ أكثر وأكثر...كنت أحاول اللجوء إلى الجبال العالية لأحمي نفسي منه ولكنه كان يسبقني إلى كل مكان أذهب إليه...ماذا يريد مني هذا اليوم الذي دائما ما يجعلني أصاب بالرعب وبالهذيان؟ إنها قصة الإنسان الذي ترك كل شيء حوله وتاجر بالكلمات وبأوجاع الناس...هذا الإنسان هو أنا ولن أنجو من العقاب... هذا اليوم قد جاءني ليعاقبني على كل ما اقترفته يداي...كنت أستحي من التحدث معه وكنتُ أخجل جدا من النظر في عينيه ولكنه كان وما زال جريئا يلاحقني بنظراته أينما ذهبت وأينما حللت بروحي وبجسدي...جاءني اليوم الذي كنت أقول عنه بأنه هو الوحيد الذي سيحاسبني على كل شيء وكنتُ أعرف أنه لن يكافئني على كل ما فعلته وقلته إلا بصفعةٍ قوية على خدي جراء ما كنت أفكر به.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكل مشهور
- ألم الحرمان
- الأصدقاء المزيفون
- رحلة العذاب
- الإنسان مخلوقٌ فوضوي
- مساعدة الفقراء تؤجل الثورة
- كيف يختار الله الرسل والحكام وكبار رجال الأعمال
- العبور من ديانة إلى ديانةٍ أخرى
- سنه حلوه يا ثقافه
- الخلوة أحيانا ضرورية
- الدين بين فشل المنطق ونجاح الإغراء
- أنا مراقب جدا
- بطاقة معايدة
- إنهاء الصراع بين الدولة والدين
- الإسلام ليس وحده الذي يعرف الحلال والحرام والخير والشر
- الثورة لا تحدث إلا في الدول المتخلفة
- الفرق بين المسلم والملحد
- خمسة مبادئ أمريكية ثورية
- الحمير تعرف أصحابها
- أمي


المزيد.....




- تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي ...
- الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ ...
- بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق ...
- مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو ...
- ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم ...
- إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات ...
- هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية ...
- مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض ...
- ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار ...
- العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - جهاد علاونه - اليوم الذي كنت خائفا منه