|
من أجل أوطان
نوري بريمو
الحوار المتمدن-العدد: 1146 - 2005 / 3 / 24 - 12:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إنّ المتتبع لتصريحات أي من قيادات الأنظمة الحاكمة في أي بلد لا ديموقراطي في الشرق الأوسط ،ولمبررات وشروحات الطاقم التنظيري المؤسس لمواقفها السياسية وتوجهاتها الاستراتيجية ولجملة الشعارات البرّاقة التي يتم إطلاقها بمناسبة أو بدون مناسبة... ، يدرك جيداً بأنّ تلك السلطات لا تتمسك بتلك السياسات حرصاً منها على مصالح شعوب تلك البلدان التي باتت تحكمها بعقلية أبدية وبأجهزة قمعية...،أو من قبيل الدفاع عن كرامة الأمة أو نصرة لقضية فلسطين أو العراق أو السودان أو... الخ ،خاصة وأنّ الملايين المحكومة من المواطنين قد سُلِبَتْ منهم أبسط حقوقهم الإنسانية وهم يتعرّضون للملاحقات الأمنية والسجون ولأبشع صنوف الإذلال والاغتراب والإهانة وللكبت السياسي والمجتمعي والمعاشي في ظل سيادة الاستبداد وفرض حالات الطوارئ والأحكام العرفية والسطوة الأمنية...،علماً بأن الملايين المغبونة تلك تشكل العماد الأساس لبنيان هذه البلدان ولتقدمها الذي بات أسيراً لفشل تلك الحكومات التي لا تبحث سوى عن مصالح طُغَمِها المنفعية . ولا ندري حقيقةً بأي حقّ يريد البعض من الموالين لها ،منع جموع الناس المضطهًدين ،من مناهضة تلك الأنظمة الشمولية التي تحوّلت إلى كوابيس مخيفة تعكّر صفوة حياة المواطنين المعاشية والسياسية والمجتمعية ،حيث باتت أكثرية مكونات تلك المجتمعات تعيش وفق أنماط حياتية قاسية وتعيسة جداً ،وقد تكون أفضلها مقبوعة تحت خط الفقر والفاقة والعَوَز...،ويريدونها رغم سوء الأحوال أن تكون أليفة بل وداجنة وبمنتهى الإخلاص والامتنان والولاء للحاكم...!؟. ورغم ما تفعله تلك الأنظمة في الداخل من ممارسات لا ديموقراطية تُطبِق على نفوس وأنفاس المواطنين ،فإنّ أزلامها وطوابيرها الدعائية لا يكفون عن خداع أنفسهم والرأي العام العالمي من خلال وسائل إعلامهم بأنهم إنما هم بأفعالهم تلك يدافعون عن الأوطان ضد عملاء الأجنبي الداخليين ويحاولون منع تسرّب الأوبئة الديموقراطية التي ستخدم أطماع الخارج في الوطن ...!؟،وأنهم لا محال سوف ينتصرون بقوة الشعارات والمصدّات الكلامية وبشجاعة القائد الفذ...!،على الأعداء الداخليين أي المعارضة أولاً ومن ثم على الخارجيين المتربصين هناك وراء البحار البعيدة الطامعة بخيراتنا التي هي بالأساس مسلوبة من قبل الحكام المستبدين الأبديين...!؟. ولا تتوقف أكاذيب تلك الطُغَم الحاكمة وحواشيها التابعة لها عند أي حدّ من حدود التعدي بل التمادي على كرامة الوطن والمواطن على حدٍّ سواء...،بل تتواصل المزاعم في إطار خططهم الخلّبية المعوّقة ومشاريعهم اللا تنموية واستراتيجياتهم المبتورة في كل الصعد والمستويات ،وهم بسلوكهم المتناقض هذا ما بين السياستين الداخلية الضاغطة على المواطنين والخارجية المنفرجة التي تستَجير الرضا والعفو والمغفرة من الأجانب...!؟، جعلوا هذه الأوطان برمتها سجوناً كبيرة أو معتقلات جماعية وحوّلوا الناس بقبضاتهم الأمنية إلى دواجن بشرية ليس من شأنها سوى تقديم الولاء والطاعة كي تحصل على لقمة عيشها التي باتت مغموسة بالرعب والمذلّة والهوان ومجبورية الدعاء بالعمر المديد لأولي الأمر . الاعتقالات مثلاً...،تحدث يومياً حتى أضحت أمراُ شبه اعتيادي لدى المواطن العادي ، والاحتقانات أصبحت تكثر وتكبر حتى تحوّلت إلى ظاهرة أشبه ما تكون بالأورام السرطانية المستشرية ...،والخوف والرعب والفقر بات يستشري في كل الأرجاء ،والاتهامات على الداخل تتلاحق ليرموا بها على قوى وفعاليات الحراك الديمقراطي على أنها مرتبطة بأعداء الوطن و تراهن على الخارج في دعواها للتغيير والإصلاح وذلك دون أي سند أو دليل ،علماً بأنه إن كانت هنالك جهة تراهن على العامل الخارجي فهي الجهة الحاكمة التي لا هم لها سوى تثبيت كرسي حكمها حتى ولو كان ذلك على حساب الهدنة والمساومة على الأرض أو العرض أو الوطن والمواطن معاً...!؟. إنها لغرابة ما بعدها غرابة...!؟،فهل تركت الأنظمة الحاكمة أمام الأهالي المحكومين طريقاً سوى النضال من أجل الإصلاح السياسي من خلال المطالبة بالتغيير الديمقراطي السلمي ،في الوقت الذي تحوّلت فيه هذه البلدان إلى بقرة حلوب أو مزرعة منهوبة...!؟،وهل قدّمت غير الفساد والإفساد وسلب الموارد والثروات وعمليات تبييض الأموال وفشل الخطط والبرامج وتخريب قطاع الدولة و...الخ ؟!،فكيف بها إذاً تطالب دون أي استحياء ـ من المواطنين بالسكون والسكينة وعدم المطالبة بالتغيير منعاً لحدوث أية قلاقل..!؟ . ثم مادامت شعوب هذه البلدان محكومة سلطوياً بأحدث وأمهر الأجهزة الأمنية والإستخباراتية ،فلماذا عندما تلقي القبض على آلاف المواطنين المتهمين بأنهم يشكلون خطراً على أمن وسلامة البلاد ،لا تقدمهم إلى المحاكم العلنية لعرض حالاتهم الجرمية بشكل مكشوف أمام أعين الناس ،ولتبيّن للعالم جميعاً فيما إن كانوا فعلاً مرتبطين مع الأجنبي ويعملون ضد أهداف الثورة ومن أجل خلق الفتن ويحاولون حض أبناء الأمة على الشقاق وعلى إحداث شرخ في ( الوحدة الوطنية )...؟!. الأحزاب السياسية الديمقراطية ومؤسسات المجتمع المدني وجمعيات حقوق الإنسان وغيرها ...،قد طالبت السلطات مراراً وتكراراً وبشكل مباشر أو غير مباشر ،بإجراء الإصلاحات السياسية وفق مبدأ الاعتراف بالآخر والاحتكام إلى الانتخابات الديمقراطية وحرية العمل السياسي والتداول السلمي للسلطة بعيدا عن أي شكل من أشكال العنف والعنف المضاد ،كحل أنسب لمواجهة التحديات ولضمان أمن البلاد واستقرارها وسلامتها ووحدتها الوطنية والترابية ،حيث أعلنت تلك القوى في كل ظرف ومناسبة ومرحلة ،على أنها جاهزة لتقبّل أي حوار أو مصالحة أهلية على أرضية المشاركة الحقيقية في إدارة البلاد ،لا بهدف تقاسم الرّيع والثروات بل بهدف توزيع المهام والمسؤوليات والحقوق والواجبات ،إلا أنها ـ أي تلك الأنظمة ـ آثرت إلا وأن تستأثر بكل السلطات وتنهب كل الخيرات وتقرر لوحدها مصير حاضر ومستقبل تلك البلدان . ورغم مدى فوقية وتمادي الحكومات فإنّ المعارضة الديموقراطية بكل مكوّناتها المختلفة وفي غالبية الأمكنة والأزمنة الشرق أوسطية ،بقيت بل يبدو أنها ستبقى تلتزم بخيار الديمقراطية والسلم الأهلي ،إيماناً منها بأنّ المصالحة الوطنية والعودة إلى جادة الصواب الديمقراطي ستبقى تشكل الركيزة الأساس لبناء حاضر صحيّ ومستقبل آمن لبلدانهم ،وهذا ما أكدته وتؤكده مختلف قوى المعارضة الديمقراطية من خلال دعواتها المستمرة إلى ضرورة عقد مؤتمرات أو محافل وطنية تحضرها كافة الأطراف المعنية بما فيها السلطات القائمة ،ليتم فيها التأكيد على التلاقي والحوار والبحث عن التوافقات والقواسم المشتركة ،شريطة أن تكف السلطات عن أحكامها العرفية وحملات الاعتقال الكيفي والعقلية الإقصائية وضرورة أن يتم الاحترام التام لحقوق كل الأطراف الوطنية المشاركة وفق أسس ومقاسات المواطنة الحقة لا وفق منطق القوة السائدة . وبهذا الصدد وإذا ما أخذنا الحالة السياسية السائدة في سوريا كمثال ...، فإنّ المعارضة الوطنية الديموقراطية في البلاد بما فيها الحركة الكوردية الساعية بهدوء لحل مسألتها القومية في إطار الحل الديموقراطي العام في البلد...،ترحب بأي انفراج إيجابي من قبل السلطة على الشعب السوري التواق للعيش المدني الآمن بعيداً عن أجواء الخوف والعوَز...،في حين نجد بأن السلطة السورية ولأسباب وحسابات مصلحية بحتة ،لا يحلو لها بل تتهرّب من أن ترى هذا البلد وقد عاد إليه العمل السياسي لتغمره التحولات الديمقراطية الحقيقية التي من شأنها دمَقْرَطة المجتمع من خلال خلق مناخات ومقدمات وعوامل التقدم والازدهار الاقتصادي والعلمي والبشري ،ولذلك ستبقى تعمل من أجل الإبقاء على الغبن وتوتير الأجواء واصطناع الأزمات وإدارتها وخلق ذرائع بقائها منفردة على الحكم تنفيذاً لأجندة معينة سرية خاصة بها وتوطيداً لتوجهات غير معلنة لكنها لا تخفى على أحد . وللعلم فإنّ القوى الديموقراطية المشاركة في الحراك الديموقراطي الجاري في سوريا والتي هي حريصة على وحدة وسلامة هذا البلد ،لن تنخدع بكل الأساليب والمحاولات التي تهدف إلى التغطية على انتهاك حزب البعث الحاكم للحريات العامة ولحقوق ولقمة عيش الإنسان ـ الفرد...،وستبقى تبحث عن عوامل قوتها التي ستستمدها من طاقات وإمكانيات مختلف مكونات فسيفساء الطيف الوطني السوري المعطاء ،وهي في نفس الوقت ستبقى جاهزة للحوار الهادئ المفتوح والقائم على احترام الرأي والرأي الآخر والبحث عن نقاط الخلاف لمعالجتها بأشكال حضارية ضمن إطار الجمع السوري بكل أطرافه دون إقصاء أحد . وعلى أولئك الذين لا يرتضون لأنفسهم إلاّ أن يبقوا يحتكروا الحكم لوحدهم دون غيرهم من الذين قد يكونون مثلهم أو أكثر منهم إخلاصاً لهذا البلد الذي ينبغي أن يشهد تعددية سياسية حقيقية من شأنها ليس ترطيب الأجواء فحسب بل إصلاح وتحصين البلد من الداخل ...،أن يراجعوا أنفسهم وأن يعترفوا بأنهم باتوا يبتعدون يوماً بعد آخر ـ شكلاً ومضموناً ـ عن أماني وطموحات الشعب وعن تطلعاته الوطنية الديمقراطية المشروعة وذلك قبل أن يفوتهم قطار الزمن الذي بات يسير بسرعة مذهلة في هذه الأيام التي تبدّلت فيها كافة الثوابت والمفاهيم وموازين القوى التي كانت سائدة فيما مضى . وأخيراً وليس آخراً فإنّ خير الخيارات وأكثرها حكمة وصوابية في هكذا حالة سورية حرجة للغاية ،ولكي لا يتعرّض البلد للمزيد من الهزائم على صعيد الخارج والأزمات على صعيد الداخل...!؟،هو أن تبادر القيادة السياسية في البلاد إلى الانفراج على الشعب السوري بكافة فعالياته وقواه ومكوناته المجتمعية والقومية والدينية ،دون أي تمييز أو تردّد يذكر ،فلا خوف البتة من الشعوب كونها ينابيع لا تنضب من العطاء في سبيل بناء أوطانٍ ديموقراطية قوية ومواطنين سعداء أقوياء . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * عضو اللجنة السياسية لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (( يكيتي ))
#نوري_بريمو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين حانة و مانة ضيّعنا لُُحانا...!؟ حيرة الحركة الكردية في س
...
-
المرأة الشرقية بين سندان العادات البالية ومطرقة الرجال العرف
...
-
كي تكونوا خير أمة أُخرِجت للناسِ جميعاً ...!؟
-
الفتـنة أشـدّ كـفراً مـن القـتل...!؟. محمد سيد رصاص ـ نموذجا
...
-
العلاقات الاخوية الكردستانية بين المشروعية القومية ... والمم
...
-
الحج لايمكن أن يتم بالمراسلة
-
العالم الحاسم ...
-
العامل الحاسم
-
بين الميشيلين عفلق وكيلو... هل ثمة قواسم مشتركة...؟
-
المجلس العام للتحالف يجتاز عتبة عامه الرابع رغم الصعوبات
-
لماذا هذه المعزوفة ..؟!
المزيد.....
-
سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول -وفاة طبيعية-.. الع
...
-
مصر.. النيابة العامة تقرر رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرها
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى يستخدمها -حزب الله- لنقل الأ
...
-
كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
-
حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع
...
-
البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان
...
-
أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
-
مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
-
أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|