على حد علمي ،
لم يرحب أحد من قادة وقواعد المعارضة العراقية ، وخاصة الأساسية وصاحبة التضحيات
التي فاقت الحدود منها ، ترحيبا غير مشروط بخطط ونيات أميركا وحليفتها حكومة توني
بلير ، لإطاحة النظام الذي جاءت به واشنطن ولندن بقطارهما المشترك حسب المرحوم علي
صالح السعدي ، عام 1968 . فقد عبرت بعض الأحزاب العراقية المعارضة الرئيسة عن رفضها
التام لهذه الخطط ، فيما صدر عن أطراف رئيسة أخرى في المعارضة ما يوحي بأنها لن تقف
في وجه هذه الإطاحة ، لكن من أجل استثمار الفرصة فقط بهدف إحلال حكم وطني تعددي
دستوري فدرالي ، يلتزم بموضوعة احترام حقوق الإنسان ومبدأ التداول السلمي للسلطة .
ولم يتحدث أحد ، حتى أقرب الوجوه إلى المخطط الأميركي ، مثل الدكتور أحمد الجلبي ،
عن ترحيب مطلق ومفتوح وغير مشروط بالتدخل الأميركي .
وفي أوقات
كثيرة ، لم يتردد قادة عراقيون معارضون ، وخاصة الإسلاميين واليساريين منهم ، في
التأكيد على رفض أي معارض عراقي شريف لعب دور الرئيس الأفغاني حامد كرزاي ، بل
أكدوا على أن أميركا لم تكن ترغب في أن تدخل القوى الأفغانية الأساسية العاصمة كابل
، وتسيطر عليها ، لكن ، وخلافا لرغبة واشنطن ورغم أنفها ، دخلت طلائع القوى
الأفغانية الأساسية العاصمة وهاهي تمسك بزمام السلطة ، بغض النظر عن كون كرزاي
الواجهة التي لا تحل ولا تربط ، بل هو واجهة تشريفاتية فقط .
سقت هذه المقدمة ، للوصول الى النقطة اللاحقة ، وهي أن أميركا ، المعروفة
بعنجهيتها وتراثها العنيف وغير المتحضر ، كشرت عن أنيابها ، وأبانت نيتها
الحقيقية من وراء هذه الجلبة وهذا الضجيج . فهي لا تريد للمعارضة العراقية الأساسية
ولا حتى الهامشية أن تمسك بزمام الأمور في بلادها ، ولا تريد نظاما ديموقراطيا
تعدديا فدراليا دستوريا تتداول السلطة فيه سلميا ، ولا تريد حكما قويا ولا عراقا ذا
إشعاع حضاري على المنطقة والعالم . وإنما تستهدف احتلال العراق لخدمة مصالحها
الاستراتيجية التي تتمثل بشكل أساس بحماية الكيان الاسرائيلي ، الذي لم يتورع بوش
عن الإعلان عن أنه لن يسمح بسحقه أبدا ، هذا ما استقبل به ولي العهد السعودي عبد
الله بن عبد العزيز أثناء آخر زيارة له لأميركا ، رغم أن الرجل كان يحمل غصن زيتون
، لا بندقية !
أعود فأؤكد ، أن النفط وحتى الموقع
الاستراتيجي لبلادنا ، ربما ليس هو الهدف الأساس للغزو الأميركي القادم . فأميركا
تلعب لعبا بكل نفط العالم ، ابتداء من نفط الخليج وليس انتهاء بنفط نيجريا وفنزويلا
وربما حتى بحر الشمال ، إذ من يشتري النفط ويسوقه ويكرره غير الشركات
الأميركية ، أو المتعددة الجنسية التي يسيطر عليها الأميركان ! كذلك فأميركا تسيطر
على كل المواقع الاستراتيجية في العالم ، إن مباشرة أو بشكل غير مباشر . الهدف
الأساس هو حراسة الكيان الصهيوني القائم في فلسطين ، وهذا ما عبر الأميركان
عنه بشكل ملتو ، فهم يريدون احتلال العراق بشكل مباشر وجعله تحت قيادة
الجنرال تومي فرانكس قائد قواتهم في الخليج أو أحد معاونيه ، والبقاء على ذلك الوضع
شهورا أو سنينا ، ثم - إذا تفضلوا – يقومون بتنصيب حكم ربما سيكون أسوأ من الوجه
الكالح للرئيس الأفغاني حامد كرزاي ، وكل ذلك لغرض تدمير ما تبقى من أسلحة الدمار
الشامل ، ولا أدري لماذا هذا الإصرار على تجريد الشعب العراقي من أية وسيلة ردع ،
في حين تعج صحراء النقب الفلسطينية بترسانات هائلة من أسلحة الدمار الشامل ، تحت
أيدي عتاة مجرمين مثل شارون وبن العيزر لا يقلون وحشية عن صدام إن لم يفوقوه ، ولا
غرو ، فجدهم عبد السطيح واحد ! ولماذا يجرد العراق من أسلحته إذا كانت قيادته
المستقبلية ديموقراطية وحكيمة ومتحضرة ، ألا يفهم من هذا التكالب الأميركي أنهم
يستهدفون العراق بالذات ، وكل ما يقال عن صدام وخطره على البشرية فهو محض
تحجج !
سأكتب السطور التالية عامدا عالما بأن
الأميركان وأجهزتهم المخابراتية - وأجهزة حلفائهم أيضا – تسجل وتترجم وتبوب
وتصنف الآن كل شاردة وواردة ، وكل دردشة وبريد إلكتروني ومقال وخطاب وحديث
هاتفي للعراقيين في الخارج ، وفي كردستان أيضا ، وإلى حد ما في السجن العراقي
الكبير ، وفحوى هذه السطور إن الحادث المسلح الذي كانت جزيرة فيلكا الكويتية مسرحا
له سيكون بالتأكيد مرشحا للتكرار بمئات الآلاف من المرات في عراق الغد ، ربما منذ
اليوم الأول واللحظة الأولى للغزو الأميركي ، خاصة بعد ملاحظة كون الأميركيين
ساعدوا الكويتيين على التحرر من ربقة احتلال صدام ولم ينصبوا لهم حكومة تخلف حكمهم
الوطني الشرعي ، فيما هم يتحدثون الآن عن شيء آخر مختلف ، في العراق ، شيء ينبغي أن
يعرفوا ، أن العراقيين الذين قدموا كل هذه التضحيات الجسام ، و ذاقوا الأمرين على
أيدي نماذج مشابهة له من صنع الأميركيين وحلفائهم أنفسهم ، طوال أكثر من ثلاثين
عاما ،لن يبخلوا بأعداد أخرى من الشهداء لكي لا يحدث ويتحقق ويترسخ .
لقد حاربت الدولة التي تصف نفسها بأقوى
دولة في العالم ميليشيا صغيرة مثل القاعدة وطالبان باسم مكافحة الإرهاب ، ثم لما
هرب السلفيون من كابل جاء الأميركان بحفنة من مخلفات مركز التجارة العالمي المنهار
ودفنوها في الأرض الأفغانية ، معبرين بوضوح عن نشوة الانتصار على بلد ادعوا أنهم لم
يكونوا يحاربوه . وهاهم يحاولون تكرار التجربة القبلية والبدائية ذاتها مع
العراق العريق ، الذي يريدون نصب سارية علمهم المهان في بقاع كثيرة من العالم ، على
جبهة من جباهه العالية التي لم تركع لغاز أو محتل .. ويالهم من مغرورين مخطئين
!
لم أشعر يوما بود لذلك البلد ، وجاءت الأيام لتثبت صدق
مشاعري !