|
عن وحدة الدولة ومركزيتها
حسين عمر
الحوار المتمدن-العدد: 3975 - 2013 / 1 / 17 - 23:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ثمّة تخالطٌ فادح في ذهن الفاعلين في الحقل السياسي السوري والمتفاعلين معه حول العلاقة بين وحدة الدولة ومركزيتها تماماً كتلك الفوبيا المفزعة من التناسب الموهوم والمتخيّل بين لا مركزية الدولة وتفتّتها. فكلّ حديثٍ عن وحدة الدولة يُضْمِرُ في دلالاته اللغوية والذهنية حديثاً عن المركزية المستحضرة بحرصٍ لا يُمارى فيه. وكلٌّ حديثٍ عن لامركزيّة الدولة محكومٌ في هذا المخيال المفزوع بالتمزيق والانفصال. في نوامبس هذا المخيال المُفرِز للذهن الفكري والسياسي والثقافي عموماً، لا وحدة للدولة ما لم تُحصّن وتُأمّن بأختام وأقفال المركزية. يُعْقَلْ هذا المنظور بأسبقيات مُحكَمة ومن ثُمّ يُعْمَلْ التحليل والجدال المحتكمان إليها. أمّا واقع الحال، فهو أنّ وحدة الدولة لا تتأثّر مصيرياً بمركزيتها من لا مركزيتها، فوحدة الدولة هي حالتها الوجودية الكيانية السيادية المُصانة باعتراف الشرعية الدولية بحدودها وبعضويتها في المؤسسات الدولية وعلى رأسها الأمم المتّحدة، في حين أنّ مركزيتها من لا مركزيتها أمرٌ يتعلّق بشكلها ونمط إدارتها وهو ما يُقرّره دستور الدولة التي تبقى موحّدة بغضّ النظر عن شكلها. ثمّة شكلان أساسيان للدولة التي تبقى موحّدة في ظلّهما: الدولة البسيطة، أو المركزية والدولة المركّبة أو الاتحادية. تقوم الدولة البسيطة المُمَرْكًزة على مبدأ احتكار مصادر اتخاذ القرار السياسي وإدارة الدولة في المركز وتعميمها على الأطراف المكوّنة وبذلك يكون هناك برلمانٌ واحد وحكومة واحدة وسلطة قضائية واحدة. أمّا الدولة المركّبة الاتحادية كبنية سياسية، فهي قائمة على نظامٍ سياسي تتقاسم فيه الحكومة الاتحادية لدولة ذات سيادة مع الكيانات الفيدرالية المكوّنة لها مختلف الصلاحيات الدستورية، أي التشريعية والقضائية والتنفيذية. إنّها نمطٌ للتنظيم السياسي تتقاسم فيه الحكومات الإقليمية والحكومة الاتحادية مصادر القرار والنشاطات العامّة وتخضع السيادة فيها لتقسيم غير تراتبي بين الحكومة الاتحادية وحكوماتها الإقليمية. إذاً تحتفظ الدولة الاتحادية بسيادتها على الرغم من تشكّلها من عدّة كيانات مستقلة ذاتياً تتمتّع بحكومتها الخاصّة، تسمى ولايات اتحادية يكفل الدستور الاتحادي وضعها القانوني ولا يمكن المسّ به بقرارٍ أحاديّ الجانب من الحكومة الاتحادية. قد تكون الدولة الاتحادية متعدّدة الاثنيات وتشمل أقاليم واسعة أو تكون أحادية القومية. ولأنّ مفهومي المركزية والاتحادية مفهومان نسبيان في تهاية المطاف، تتداخل أحياناً الحدود بين الدولة الاتحادية والدولة المركزية، إذ أنّ درجات المركزية ومستوياتها وكذلك الأمر بالنسبة للاتحادية تتفاوت وتتباين من تجربة لأخرى. حيث تقيم العديد من الدول المركزية تقسيمات إقليمية وإدارية تدير نفسها بنفسها ولكن يمكن إلغاؤها بقرارٍ من السلطة المركزية الأمر الذي لا يمكن أن يتمّ في الدولة الاتحادية التي يحمي فيها الدستور سلطات وصلاحيات المتّحدات الإقليمية. السلطة في الدولة المركزية أحادية في حين أنّها في الدولة الاتحادية ذات طبيعة ازدواجية بين المركز الاتحادي والأقاليم ينظّمها الدستور إمّا بحصر سلطات المركز أو حصر سلطات الأقاليم أو التفصيل في سلطات كلّ من الطرفين. والحقيقة، إذا كانت الدولة المركزية هي، في الأساس، ثمرة الملكيات في إطار سعيها إلى ضم ودمج الإقطاعيات المتناثرة، فإنّ الدولة الفيدرالية هي من نتاج الحداثة السياسية التي تحقّقت في مرحلة سيادة العلاقات الرأسمالية وتقوم فكرتها أساساً على الاعتراف بتباين المصالح واختلافها وتنظيمها في أرقى الصيغ السياسية للتعايش المشترك لاسيما في البلدان المتّسمة بالتعددية المتمحورة حول التنوّع اللغوي والثقافي والأثني والمذهبي. وعلى علاقة بهذا الموضوع، هناك التباسٌ يحصَل غالباً لدى تناول شكل الدولة ومضمونها أو على نحو أدقّ طبيعة نظامها السياسي. إذ غالباً ما ترتبط في الأذهان صورة الدولة الاتحادية بالنظام الديمقراطي في حين تحضر مع الدولة المركزية النظام الشمولي والاستبدادي. ثمّة ما يُبرِّر هذا الانطباع لجهة نزوع السلطة الاستبدادية وخاصّة الدكتاتورية منها إلى الاستحواذ على السلطات واحتكارها، ولكن الواقع يُبرهن لنا على وجود دول مركزية تحظى بنظم ديمقراطية متقدمة وأخرى اتحادية تحكمها نظم استبدادية متخلفة. مهما يُكن، فإنّ سياق تنظيم آليات وأنماط إدارات الدول وما يتركه ذلك من تأثير على تطوّر بنيتها وهيكليتها يسير باتجاه انحسار وانكفاء العقلية المركزية في قيادة الدول لصالح المزيد من اللامركزية دون أن يشكّل ذلك تهديداً لوحدتها.
#حسين_عمر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ظاهرة الإرهاب وعلاقتها بالاستبداد
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|