واصف شنون
الحوار المتمدن-العدد: 3975 - 2013 / 1 / 17 - 16:35
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قبل أعوام سافرت في القطار النازل من سيدني الى ملبورن مع صديق (شاعر عبثي مؤثر ومميز ومثير ) حلو المعشر والفكاهة قبل أن يتحول لاحقاً الى بوق لدولة القانون المالكية من أجل (حفنة دولارات ) وهذا خياره الوطني بالطبع !! ،الرحلة استغرقت 12 ساعة وأكثر بقليل ، وطوال الليل لم يكفْ صديقي عن تناول النبيذ الذي جهزته له متطوعاً كي نتمتع بالوقت الطويل الذي سوف يكون بطيئاً وربما ممتعاً ، لكن الصديق ما أن َسكَرَ حتى مدَّّ رقبته إلى فتاة مراهقة كانت تقرأ بكتاب على ضوء مصباح القطار الخافت كانت تجلس في المقعد المجاور وسألها : ماذا تقرأين ؟؟أجابته بلباقة وإبتسامة تلقائية :أقرأ تاريخ ،أنا مولعة بالتاريخ ،وما أن سمع صاحبي ذلك حتى بادرها بالقول : التاريخ ، أنا بروفيسور في التاريخ واستاذ جامعي هولندي أُدرّس في أحدى جامعات سيدني ،ثم قفز بخفته المعتادة لينتقل الى جوارها جالساً في المقعد الفارغ الملاصق لها .
ضحكت وكتمت شتائمي عليه ،كنت سعيداً لأنه منطلقاً على الرغم من القلق الذي ساورني وشكوكي من تصرفاته ،حتى أسترخيت ونالتني غفوة ،حيث صحوت بعدها على مرآى رجل وإمرأة باللباس الرسمي وبقبعات سميكة وضخمة على رؤوسهم بعد أن نقر أحدهم على كتفي ،بادرتني مسؤولة أمن القطار بسؤال : هل تعرف هذا الرجل ؟؟قلت نعم إنه صديقي ورفيقي في السفر ؟؟ قال المسؤول الآخر : إذن عليك أن تراقبه أو سوف تنزلان رغم أنفيكما في أقرب محطة قادمة ..!! ، وحين سألت عن السبب ،قالوا لقد تحرش صديقك جنسياً بفتاة مراهقة في قاطرتكم، ثم إنتقل الى قاطرة اخرى وتحرش بإمرأة اخرى ،شعرتُ بحرج شديد وسألت أين هو الأن؟؟ قالوا: في الزاوية هناك ..!!
وجدت نفسي مضطرباً لا أجيد الكلام ولا التقريع لرجلٍ مثله ، لكني سألته :أتتحرش بفتاة مراهقة وتلميذة تاريخ وثقتْ بك ؟؟ وهو صامت لايجيب ولا ينطق ،فقط ينظر عبر زجاج نافذة القطار المظلمة ،لكنه إنتفض مثل قائد عربي مزيف وخطيب متهور حين قلت : إفترض أن آخرا ً فعل ذلك بأبنتك(.....) التي هي نفس عمر تلك التلميذة ؟؟ قائلاً بعصبية :إياك أن تذكر ابنتي على لسانك أخ القحبة ..!!.
الذي يثير في هذا الأمر أن مثقفا ً وشاعرا ً محدثاً وحراً يمنح نفسه الحق في التحرش وإشتهاء كل نساء الأرض حتى الصغيرات ، أما حين نقترب من حياته الشخصية ونعكس مانراه من وقائع على حياة واقعية ، نجده يعود بسرعة الضوء والصوت والصواريخ ورصاص الرشاشات وإندلاق الدماء الى بيئته المتعفنة وتناقضاتها وازدواجيتها المأساوية ..!!
#واصف_شنون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟