احمد سعد
الحوار المتمدن-العدد: 1146 - 2005 / 3 / 24 - 12:25
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
تصادف في هذه الايام الذكرى السنوية المأساوية الثانية لاحتلال قوات الغزو الاستراتيجي الامبريالي الانجلوامريكي للعراق واحتلال اراضيه. وتأتي هذه المناسبة في ظل ظروف ومناخ تنسف مدلولاتها السياسية البارزة على سطح وارض الواقع جميع الادعاءات الباطلة والذرائع التضليلية التي لجأت اليها ادارة عولمة الارهاب والجرائم الامريكية لشن حربها الاستراتيجية العدوانية على العراق. ولعل المظاهرات الاحتجاجية الجماهيرية الحاشدة التي تجتاح مختلف مدن بلدان العالم مطالبة بانهاء الاحتلال الانجلوامريكي وجلاء قواته عن العراق وادانة الاحتلال وجرائمه، وبعد سنتين من الاحتلال، تعكس حقيقة عدم مصداقية هذه الحرب العدوانية وتعارضها مع القانون الدولي بشكل صارخ، فقد انكشفت اكاذيب ذرائع الغزاة المحتلين ليس فقط في حقيقة ان ارض العراق نظيفة من اسلحة الدمار الشامل، بل الاهم من ذلك الاكاذيب التي سوقوها وروجوا لها بان هدف حربهم "حمل المشعل" لانارة طريق الحرية والدمقراطية وضمان الامن والاستقرار لشعب العراق!! واليوم وبعد سنتين من الاحتلال تتضح الصورة اكثر وتنعكس الحقيقة الساطعة بان قضايا حرية ودمقراطية وامن واستقرار شعب العراق لا تدخل في حسابات المحتلين، بل كان ولا يزال دافعهم وهدفهم السيطرة المباشرة على العراق لنهب ثروته النفطية ومصادرة هويته الوطنية كجزء عضوي من المخطط الاستراتيجي المرسوم في الدهاليز المعتمة "للبيت الابيض" والبنتاغون للهيمنة على المنطقة وبلدانها وتدجين انظمتها في بيت طاعة وخدمة المصالح الامريكية واحتكاراتها متعددة الجنسيات وعابرة القارات. وهذا ما تعكسه معطيات الواقع المرير خلال السنتين من احتلال العراق. فهذه المعطيات تعكس الحقائق التالية:
* اولا: ان شعب العراق لم ينعم يوما واحدا بالامن والاستقرار خلال السنتين الماضيتين، فأين يوجد احتلال توجد مقاومة لكنسه، فهذه جدلية التطور والصراع على ارض شعب داس الغزاة حرمة سيادته الوطنية. فالمقاومة حق شرعي لكل شعب يرزح تحت نير الاحتلال. ولا نقصد بالمقاومة حصرها في اطار المقاومة المسلحة، "فأهل مكة ادرى بشعابها"، وكل شعب، قواه الوطنية المناضلة هي صاحبة اختيار الوسيلة الكفاحية التي تراها مناسبة على ساحة مقاومة المحتلين وللتخلص من دنسهم ولضمان الاستقلال الوطني لبلدهم. والشعب العراقي يقاوم المحتلين بوسائل مختلفة، عسكرية وسياسية سلمية. (سنعود لهذا الموضوع لاحقا) للتخلص من نير الاحتلال.
* ثانيا: اثبتت ممارسة المحتلين خلال سنتين في العراق انه لا يوجد احتلال انساني حضاري، فالاحتلال، أي احتلال هو مجمع للجرائم الهمجية بحق الشعوب المغلوبة على امرها، بحق الانسانية جمعاء، فقوات هولاكو الاحتلال الانجلوامريكي ارتكبت خلال السنتين الجرائم البشعة بحق الشعب العراقي من تدمير للبنية التحتية الى هدم المدارس ونهب المتاحف ورموز الحضارة العربية العراقية، الى هدم احياء سكنية على رؤوس ساكنيها من المدنيين الابرياء. ففي ظل الاحتلال سقط عشرات الالوف من المدنيين العراقيين بين قتلى وجرحى، كما هدمت منازلهم، اضف الى ذلك نهب نفط العراق وقدرات العراق الاقتصادية والمالية على ايدي اللصوص من الشركات الامريكية وغيرها من احتكارات النفط وعصابات مافيا شركات "الحراسة الامنية" الاجنبية. ومقابل ذلك كانت ارض العراق مقبرة للغزاة، فعلى ارض العراق سقط اكثر من الف وخمسمائة قتيل والوف مؤلفة من جرحى من قوات الاحتلال الامريكي.
* ثالثا: الاحتلال الانجلوامريكي للعراق كان خلال السنتين الماضيتين ولا يزال الى يومنا هذا مصدر عدم استقرار وتهديد بلطجي لمختلف الانظمة والشعوب في المنطقة، خاصة للانظمة التي لم تركع بعد عند اقدام استراتيجية الهيمنة الامريكية في المنطقة. ولعل تصعيد التهديدات العدوانية الامريكية ومن قبل حليفها الاستراتيجي العدواني اسرائيل لايران وسوريا وللسيادة اللبنانية اكبر مثال على ذلك.
والسؤال المنطقي الذي يطرح نفسه هو اذا كانت هذه هي الجرائم الوحشية التي يرتكبها المحتلون بحق شعب العراق، واذا كانت هذه هي اهدافه الاستراتيجية السوداء، لماذا لا ينتفض كل شعب العراق وقواه الوطنية الحقيقية وينخرط في اوسع جبهة مقاومة لكنس المحتلين؟
من خلال لقاءاتنا في العديد من المؤتمرات الدولية بالعديد من رموز القوى الوطنية التقدمية العراقية نود تأكيد ما يلي: انه اذا استثنينا زمرة الخونة من عملاء المخابرات الامريكية والبريطانية العراقيين الذين جلبهم المحتل على ظهر دباباته ابان الغزو، اذا استثنينا هؤلاء النكرة فان الشعب العراقي بمختلف قواه الوطنية والتقدمية من اجل انهاء الاحتلال الاجنبي. ولكن رغم ذلك فان بعض هذه القوى ومن منطلقات انتهازية ابدت وتبدي استعدادها للتعايش مع الاحتلال والمحتل لفترة زمنية محدودة تأمل من خلالها تحقيق اهدافها الفئوية المصلحجية القومجية والطائفية. هذا اضافة الى عدة عوامل مساعدة ساعدت وتساعد على اطالة أمد الاحتلال. ويمكن تحديد هذه العوامل الانتهازية و"المساعدة" للمحتلين بما يلي:
* اولا: ان بعض القوى والفئات من الشعب العراقي عانت اكثر من غيرها من جرائم النظام الصدامي البائد، الدكتاتوري والدموي، وكانت على قناعة انه بدون التدخل الخارجي لا يمكن بقواها الذاتية التخلص من نظام صدام حسين الاجرامي. وبعض هذه القوى رأت في الاحتلال الانجلوامريكي. وللأسف، المخلص!! فالاكراد الذين عانوا الامرين من نظام صدام حسين تعايشوا مع المحتلين الغزاة الامريكيين حتى قبل الحرب والاطاحة بنظام صدام حسين ومع المخابرات الاسرائيلية كذلك، وكانوا قبل الحرب ما يشبه دولة "مستقلة" تحت الحماية الامريكية العسكرية. ولهذا يأملون ان يحققوا تحت حراب المحتل الاجنبي هدفهم "القومي" باقامة دولة كردستان المستقلة، او على الاقل تحويل شمال العراق الى اقليم كردستاني بحكم ذاتي مستقل مع كامل السيادة الاقليمية – السياسية في اطار دولة عراقية فدرالية.
اما الشيعة، الذين يؤلفون غالبية سكان العراق، وتسيطر بينهم المرجعيات الدينية، فقد عانوا كثيرا من التمييز والقهر والاضطهاد في العهد الصدامي. ويعتقدون انه في ظل الاحتلال الاجنبي وقواته الغازية البالغة اكثر من مائة وخمسين الف جندي محتل يمكن تحقيق هدفين، الاول منع عودة صدام البعث الىالسلطة، والاستئثار بالسلطة كقوة مقررة في صياغة القرار السياسي والاجتماعي ابان وبعد زوال الاحتلال.
ولهذا ليس من وليد الصدفة ان تتمحور قوة المقاومة في المحور السني، وليس من الصدفة بمكان ان يستغل المحتل هذا الوضع لاجراء انتخابات كان يدرك نتائجها ودلائلها السياسية مسبقا.
فالانتخابات التي جرت في العراق لانتخاب البرلمان العراقي (الجمعية الوطنية المؤقتة) كانت بطابعها وجوهرها انتخابات طائفية وقومية، حيث ان الكتلة الشيعية الموحدة المدعومة من المرجعيات الدينية حازت على حصة الاسد من اعضاء البرلمان، حتى ان كثيرين من الشيعة اعضاء احزاب اخرى سياسية، من الناصريين والشيوعيين جرفهم الشعور الطائفي وصوتوا للقائمة الشيعية. كذلك الامر بالنسبة للكتلة الكردية الموحدة التي جرفت اصوات الاكراد.
ان الخطر الجدي يكمن في ان يستغل المحتل هذه التوزيعة والفرقة الطائفية لتنفيذ مخطط تمزيق اوصال الوحدة الاقليمية للعراق الى دويلات طائفية وقومية.
* ثانيا: ان أي سلاح يوجه الى صدر المحتلين يكتسب المصداقية والشرعية حسب رأينا، ولكن السلاح الذي يوجه لقتل الناس الابرياء من المدنيين العراقيين، جرائم قطع الرؤوس وقصف الجنازات والجوامع والكنائس والاعراس والمدارس ليس بسلاح مقاومة بل سلاح عصابات مافيا ومجرمين بحق الشعب العراقي وقضيته العادلة في معركته للتحرر من نير الاحتلال، اعمال كهذه تشوه حقيقة مقاومة الشعب العراقي للمحتلين ولا يستفيد من ورائها سوى المحتل وخدامه، كما يضعف عمليات النشاط التضامني العالمي مع شعب العراق.
* ثالثا: تواطؤ وتخاذل العديد من الانظمة العربية في موقفها من الاحتلال الامريكي للعراق ومن استراتيجية الهيمنة الامريكية يشجع المحتلين على مواصلة البلطجة العدوانية في المنطقة ويفقد شعب العراق سند العمق التضامني العربي المطلوب. وليس صدفة ان اضعف حلقة تضامن مع شعب العراق وادانة المحتلين بمناسبة سنتين على الاحتلال كانت الحلقة العربية.
اننا نتمنى لشعب العراق وحدة الصف الكفاحية للتخلص من كابوس الاحتلال، فلا حرية ولا دمقراطية ولا سيادة مع بقاء الاحتلال.
#احمد_سعد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟