|
أتصبح حلب إمارة إسلامية ؟ ..
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 3975 - 2013 / 1 / 17 - 14:40
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
رغم النتائج الكارثية الملموسة .. إنسانياً .. ومادياً ، ما زال الرهان الأحمق لدى كثير من المعارضين ومن الدول الداعمة لهم ، تحت عناوين ، الثورة ، والحرية ، والجهاد ، هو تفكيك الدولة السورية وتدمير مؤسساتها .. الجيش .. الأمن .. البنى التحتية .. وإدارات الدولة على اختلافها . ويعتبر هذا الرهان بالنسبة إليهم ، هو الأسلوب الوحيد لإسقاط النظام السياسي القائم ، ليتمكنوا من الوصول إلى الحكم ومن تحقيق برامجهم المعدة مسبقاً ، وذلك وفق خرائط جديدة لسوريا .. جغرافية .. وسياسية .. واقتصادية .. ومذهبية ، تتسم بتعدد الخلفيات والألوان السياسية والعقائدية ، لكن ما هو أكثر حظوظاً وحضوراً هو الأسوا فيها . وقد باتت هذه الخرائط معلنة ومعروفة بين الخافقين . إذ لايخفي أصحابها مشاريعهم المستقبلية ، الرجعية ، المتعارضة مع سيرورة التاريخ المتجهة نحو إقامة الكيانات الكبرى المتعددة القوميات والجنسيات ، مثل الاتحاد الأوربي ، والاتحاد الروسي ، والهند ، والصين ، والولايات المتحدة الأميركية ، لتحقيق نمو اقتصادي واسع متكامل يؤمن الاحتياجات البشرية المتزايدة ، ويوفر القدرة على التصدي لكل التحديات الطبيعية والعدوانية ، التي ( أي الخرائط ) تقضي بتقسيم سوريا إلى دويلات عرقية ومذهبية ، تكون أجزاء هزيلة في منظومة الشرق الأوسط الجديد ، وتكون مسالمة وخاضعة للمشروع الصهيوني العنصري التوسعي في المنطقة ، وتكون ثرواتها مستباحة ، من نفط وغاز وغيره ، التي تدل كافة الدراسات والأبحاث على وجودها بمخزون استراتيجي هائل في البر والبحر ، إن استثمرت وطنياً تجعل من سوريا دولة غنية مزدهرة تتمتع بالوفرة والقوة .
وتعتبر السيطرة على حلب وريفها الواسع ، في مركز اهتمام هذا الرهان في مراحله الحاسمة ، لإعادة دورها ، كما كانت قبل قرون ، حلقة الوصل الاستراتيجية على طريق الحرير ومختلف صنوف السلع ، من أوربا إلى الصين والهند والسند وإيران والحجاز واليمن ، لتشكل الآن أيضاً حلقة الوصل الاستراتيجية على طريق الامتداد الحيوي للدول الإقليمية ( السعودية ـ تركيا ـ إسرائيل ) المنخرطة في مشروع الهيمنة الدولية مع المنظومة الامبرياية على العالم ، ولإيصال المياه التركية إلى الأردن وإسرائيل وسيناء وشبه الجزيرة العربية ، ولإيصال الغاز المصري والقطري والإسرائيلي لاحقاً إلى أوربا . فضلاً عن تأثيرها الكبير على اقتصاد الجنوب التركي ، وعلى حركة الترانزيت للتجارة الدولية بين الشمال والجنوب .
وعند قراءة الخريطة الجغرافية لمحافظة حلب ، التي تبلغ مساحتها ضعف مساحة لبنان تقريباً أي ( 18500 ) كم2 ، ولها حدود مع تركيا يبلغ طولها ( 324 ) كم ، وهي مع محافظة إدلب ولواء اسكندرون تبلغ أكثر من مساحة فلسطين ، ندرك خلفية الربط الأردوغاني العثماني بين الأراضي السورية الشمالية ( حلب ـ ادلب ) ولواء اسكندرون السليب . فهذه الأراضي مجتمعة ، بما تحتويه من ثروات طبيعية ، ودور اقتصادي مرموق ، وموقع جغرافي هام ، تشكل حالة جيو سياسية متميزة . ومعركة مرج دابق عام ( 1516 ) التي دخل منها العثمانيون إلى سوريا والبلاد العربية ، ثم معركة حلب في نهاية الحرب العالمية الأولى ، التي كان مسرح عملياتها ينتشر على مساحة حلب وادلب واسكندرون ، والتي أعلنت نهاية وخروج العثمانيين من المشرق العربي تشهد على ذلك . وندرك لماذا معركة حلب في أيامنا الراهنة كبيرة وذات أهمية بهذا الحجم .. ولماذا حدث التشبث بالسيطرة عليها .. ولماذا لما لاح العجز عن اختطافها ، حدث كل هذا التدمير الهمجي لمعالمها الأثرية ، ولأسواقها ومصانعها وعدد لا يستهان به من أحيائها وبيوتها ، حيث بلغ حجم الأضرار التي لحقت بالمدينة ، حسب رئيس غرفة تجارة حلب ، ( 200 ) مليار ليرة سورية .
وقد ’حشد لتحقيق هذه السيطرة على حلب عشرات الألوف من المسلحين ، الذين يشكل الأجانب غير السوريين عدداً لابأس به في تعدادهم، عبروا من الحدود التركية وغيرها . وقد جاء في تقرير استخباراتي كشفته الخارجية الأميركية ( الأخبار اللبنانية 16 / 1 / 2013 ) " هناك مئات المجموعات المسلحة كل منها 10 - 20 مسلحاً تنتشر في مختلف مناطق حلب . والجيش الحر تحول إلى مجموعات متمردة غير منتظمة مخترقة بأعداد كبيرة من المجرمين يمارسون السلب والنهب " .
لقد أدى تحويل المسلحين مدينة حلب إلى ساحة حرب ، إضافة إلى التدميرالعمراني والمادي ، أدى إلى مقتل وإصابة عشرات الآلاف من سكان المدينة الأبرياء ، وإلى هجرة آلاف غفيرة من العائلات إلى مدن سورية أخرى يتوخون فيها الملاذ الآمن أو إلى خارج البلاد ، وأدى أيضاً إلى شح أو فقدان المواد الغذائية والحاجات الأساسية ، وارتفاع الأسعار عشرات الأضعاف ، وظهور تجار الدم .. وتجار الأزمة . حيث بات الملايين من سكان المدينة يكابدون من الجوع والبرد والرعب . وباتت مفردات .. حرية .. ديمقراطية .. ثورة .. تثيرالتوتر والخوف عند المواطن العادي المهدد بالموت والجوع والتهجير بسبب الممارسات البشعة باسمها . فالمواطن العادي لا يرى أي جامع للتدمير والسلب والنهب مع قيم الحرية والديمقراطية والثورة ، ويتساءل بحق ، ما علاقة تدمير وسرقة الأسواق والمحال العريقة والمشافي بقيم الثورة التي تعد بعهد مغاير لما عاشوه سابقاً من قهر وفساد ، وما علاقة عمليات الاختطاف لابتزاز الفدية المالية بالحرية ، وما علاقة أن يرتجف الأطفال من الجوع والبرد والخوف بالديمقراطية ، وما علاقة إغلاق المدارس والجامعات بالقوة وحرمان التلاميذ والطلاب من حقهم بالتعليم بالثورة ؟ .. وإذا أردنا إجراء إحصاء شامل لما تم تدميره ولمن طالهم الموت والجروح المعوقة والتهجير ، فنحن نحتاج إلى مئات الصفحات على الأقل .
لقد جلبت لعنة الدم السياسي على حلب الكثير من الآلام والدماء والأضرار المادية ، وحولت قيم الحرية والديمقراطية والثورة ، التي كانت عزيزة على قلوب الناس ، حولتها إلى مخلوقات شبحية مرعبة .
وفوق هذا الركام من الدمار والدموع والدم ، نتيجة حرب شوارع طالت أشهراً .. ’تهدد حلب بجعلها إمارة إسلامية تقودها " جبهة النصرة " القاعدية ، لتكريس حكم الشريعة " القروسطية " على المدينة ، التي كانت على مدى آلاف السنين لؤلؤة الحضارة والمدنية ، وموئل المتحضرين من الشرق والغرب . وقد جاء هذا التهديد بأمر ممن يقود هذه الجبهة ويمولها ويسلحها ، ليقفز بالحالة السورية إلى المجهول المدمر ، وإلى إعادة تقاسم النفوذ في موسم " الربيع العربي " بين آل سعود ، وآل ثاني ، وآل عثمان ، وآل إسرائيل ، وآل أوباما . والجدير ذكره ، أنه قبل أن تتمكن جبهة النصرة من فرض إمارتها على حلب ، بدأت عناصرها بفرض أوامرها بحرق المشروبات الروحية ، وفرض الحجاب ، وتطبيق أحكام " الشريعة " كما تفهمها في إعدام خصومها ، وذلك ذبحاً بالسكين مع البسملة والتكبير ، وبفرض نسب اقتسام عنائم الغزوات من أموال وسبايا . وقصف عدد من المساجد والكنائس بالقنابل .
إن ما جرى ويجري في المدن والأرياف السورية ، وخاصة في حلب وريفها ، يسمح لنا بالقول ، إنها ضريبة استخدام السلاح في الصراع السياسي ، الذي وسع انفتاح الباب لتدخل الخارج ، وأتاح المجال للإرهاب الدولي أن يتغلغل في الداخل السوري ، ويفتك بالمدن والبلدات والقرى السورية وبسكانها ، وإنها لعنة الدم المسفوك ظلماً لحساب الجري وراء السلطة بين النخب السياسية ، ولحساب قوى خارجية استعمارية ورجعية لئيمة . ما أدى إلى تشكل مخاطر جدية على النسيج الاجتماعي التعددي ، وعلى وحدة الوطن ودفعه نحو مجاهيل مدمرة .
لقد أدى استخدام السلاح في عملية التغيير السياسي ، إلى نتائج معاكسة تماماً لمطالب المعارضة الوطنية الديمقراطية .. الدستورية .. والديمقراطية .. وإحياء الحياة السياسية التعددية . لقد حل حوار الدم محل الحوار السياسي ، و’كبلت السياسة بفعل السلاح والمسلحين بمزيد من قيود القهر والإقصاء ، وحلت تعددية المجموعات المسلحة محل التعددية الحزبية ، وحلت " الشريعة " المتطرفة محل الدستور الديمقراطي المنشود ، و’ترجمت مقولة " فليأت الشيطان بعد النظام " بأن جاء الشيطان وبقي النظام .
وعدا عن التهديد بتمزيق البلاد عرقياً وطائفياً ، وارتهانها للمخططات الخارجية الاستعمارية ، أو تحولها إلى موضوع صفقة دولية تضعها في براد النفوذ الدولي التشاركي إلى أجل غير مسمى ، فإن التهديد بإقامة إمارة إسلامية قاعدية بحلب ، ليس لها ولايمكن أن يكون ، برنامج سياسي حضاري مدني ، ليس نكتة سمجة .. ولا حرباً نفسية . قد يرى البعض ، نتيجة اطلاعه عن كثب على بنية المجتمع الحلبي التعددي ، فإن إمارة إسلامية قاعدية بحلب أمر مستحيل . ربما هذا صحيح نظرياً . ولكن من قال إن هدف هذه الإمارة لن يتحقق بحدود ضيقة وعابرة .. ولو افترضنا أن خطوات ملموسة لتكريس هذه الإمارة قد بدأت ، ولهذا الافتراض أساس مادي على الأرض ، فمسلحو جبهة النصرة ما زالوا في العديد من أحياء حلب وفي ريفها يسرحون وينشطون ، وأفعالهم مبررة كجزء أساس من فعل " الثورة " من قبل قادة الائتلاف الوطني المعارض المعترف به من قبل أكثر من مئة دولة كممثل شرعي وحيد للشعب السوري ، فماذا يعني ذلك .. ؟ .. إنه أولاً المزيد من التدمير لكل شيء ، لفرض السيطرة التامة على المواقع المستهدفة ، وإنه ثانياً ، فتح النار على الموروث الحضاري التاريخي المكرم شعبياً والانقضاض على دور العبادة المسيحية وغيرها والهجوم على الأقليات العرقية والدينية لتهجيرها . وإنه ثالثاً إعادة تركيب الإيمان العقائدي لدى جموع السنة بما يتوافق مع الشكل الإيماني للحكام الجدد . وهذه أفغانستان والعراق وباكستان والصومال نماذج واضحة . ومن يدعم هذه النماذج سوف يدعم إمارة حلب أيضاً . ولن يتأخر الغنوشي في تونس ، ومرسي في مصر ، وعبد الجليل في ليبيا ، عن دعمها إضافة إلى أردوغان ، وملك السعودية ، وشيخ قطر ، وأمير المؤمنين في المغرب . وإنه رابعاً ، يضع ما سيتبقى من سوريا على مسار الاقتتال والانقسامات والتقهقهر عشرات السنين إلى وراء . وإنه خامساً ، يحول الواقع الاقتصادي والمعيشي إلى جحيم هو أسوأ بما لايقاس مما كان مرفوضاً قبل انطلاقة الشارع الاحتجاجية ، وإنه سادساً ، مصادرة السياسة وكل ماله علاقة بالحريات العامة والديمقراطية وحقوق الإنسان بتعسف " شرعي " لاراد له . وإنه سابعاً ، خلق حالة من التوترالمقلق والارتداد المرعب في الدول المجاورة ، وخاصة في العراق والأردن ولبنان .
وهذا يطرح السؤال ، على سكان مدينة حلب وريفها أولاً ، وعلى الشعب السوري كله ، وكل الوطنيين الشرفاء .. وخاصة من لا زال يصنف نفسه في مواقع اليسار : ما هي الإجراءات العملية .. والسياسية .. والفكرية .. الواجب اتخاذها .. وممارستها .. للمحافظة على الشمال السوري جزءاً محرراً عزيزاً من الوجود السوري ؟ ..
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
- جنة - الشعب المفقودة
-
يوم تركنا البلد
-
مقومات - الربيع العربي - ومعوقاته 2 / 2
-
مقومات - الربيع العربي - ومعوقاته 1 / 2
-
اليتيم - إلى رمضان حسين -
-
غزة العظمى .. تقاتل ..
-
ما بعد تجاوز سقوف الأزمة إلى الحرب
-
سوريا من التغيير إلى التدمير .. لماذا ؟ ..
-
حبيتي حاب
-
بصمات عثمانية على الجدران السورية
-
السؤال الحاسم في الأزمة السورية ( 2 /2 )
-
السؤال الحاسم في الأزمة السورية 1 / 2
-
حتى تتوقف كرة الدم
-
أول أيار وسؤال البؤس والثورة
-
الهروب إلى الحرية
-
لماذا السلاح .. وضد من ؟ ..
-
بين غربتين
-
حتى لاتكون سوريا سورستان
-
من الحزب القائد إلى الدين القائد
-
ضريبة السلاح ولعنة الدم
المزيد.....
-
اليساري ياماندو أورسي يفوز برئاسة الأوروغواي
-
اليساري ياماندو أورسي يفوز برئاسة الأورغواي خلال الجولة الثا
...
-
حزب النهج الديمقراطي العمالي يثمن قرار الجنائية الدولية ويدع
...
-
صدامات بين الشرطة والمتظاهرين في عاصمة جورجيا
-
بلاغ قطاع التعليم العالي لحزب التقدم والاشتراكية
-
فيولا ديفيس.. -ممثلة الفقراء- التي يكرّمها مهرجان البحر الأح
...
-
الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية
-
الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان
...
-
مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|