أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شموس نجد - البوليس الوهابي...مرة أخرى














المزيد.....

البوليس الوهابي...مرة أخرى


شموس نجد

الحوار المتمدن-العدد: 1146 - 2005 / 3 / 24 - 12:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مازالت ذاكرتي تحتفظ ببقايا صورة عتيقة ومهلهلة تعود إلى النصف الثاني من السبعينيات الميلادية، وقتها كنت دون العاشرة. إنها صورة ذلك الشيخ وعصاه الغليظة. كان يجوب ممرات السوق الضيقة والمكتضة بخلق كثير من رجال ونساء وأطفال، فيما تتكدس على ضفتيه دكاكين صغيرة متلاصقة الأكتاف. كان هذا الشيخ يردد يصوت جهوري: الصلاة....الصلاة. كان يأتي مع الأذان ويرحل بعد انقضاء الصلاة. لا أتذكر ما إذا كنت أحبه أم اكرهه...لا أتذكر ما إذا كنت أخافه أم لا....يبدو أن مشاعري كانت حيادية على الأقل، ربما لإن عصاه الغليظة لم تكن لتنهال على جسد صغير لم يبلغ الحلم بعد، بل على أولئك الرجال المتقاعسين والمتثاقلين عن تلبية الأذان بالسرعة اللازمة. ومازالت أذكر أيضاً أن الناس كانت تناديه فيما بينها بالمطوع أو النائب، والكلمة الأخيرة جديرة بالاهتمام والتأمل. ترى عن من كان هذا الشيخ ينوب؟ أترى المقصود بها أنه ينوب عن رب العباد مهمة عمارة بيوت الله بأجساد المصلين؟ لا...لا أتصور أن العقل كان ليعي أو يجرؤ على ابتداع مثل تلك التسمية، والتي يشتم منها رائحة التهكم، أو لنقل الموافقة الضمنية على صحة الاتهامات التي تؤكد على وجود المؤسسة الكهنوتية في الإسلام، وهو ما يثير انزعاج المتدينين وتبرمهم.
ولت السبعينات...ثم جاءت بداية الثمانينات صاعقة ومزلزلة، حيث قامت جماعة سلفية متشددة بزعامة جهيمان العتيبي باحتلال الحرم المكي. لم يكن أحد ليتوقع هذا الفعل، خاصة وأن العلاقات بين الحكومة السعودية والتيار الديني كانت دوماً سمن على عسل. كان من المعقول والمنتظر أن تنجح الحكومة وبمساعدة من أطراف خارجية في قمع التمرد والإطاحة برؤوس الثائرين. لكن الشيء غير المعقول وغير المنتظر ما تلى ذلك من تنازلات حكومية بالجملة والقطاعي، مفسحة المجال لصعود الإسلام السياسي، وكأنها – أي الحكومة السعودية – كانت تشعر بوخز من الضمير بعد سحق التمرد وقتل جهيمان. إذ بدلاً أن تتنبه الحكومة لخطورة الانفلات الديني، وتتصدى لتلك الأفكار الرجعية والموغلة في تطرفها، بإحداث ثورة شاملة في التعليم والاقتصاد والإعلام لتجفيف منابع الإرهاب والفتن، نراها – ويا للغرابة - قد سارعت بتبني سياسات ارتكاسية أقل ما يوصف عنها أنها غبية واستسلامية.
منذ ذلك الوقت، سيطر الإسلام الوهابي/ الأخواني على كل شيء تقريباً، وتعرضت البلاد إلى موجة كاسحة من مشروعات الأسلمة الثقافية والتعليمية والإعلامية، منتهزة تراخي أو جهل الحكومة بالتداعيات المستقبلية والعواقب الوخيمة، التي هي الآن تسدد فاتورتها من سمعتها ومقدراتها ودماء أبناءها. لقد سيطر الإسلام السلفي على وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، فزادت جرعات البرامج الدينية، وحجب التلفزيون أصوات نسائية جميلة كفيروز وأم كلثوم ووردة، وتكاثرت جمعيات التوعية الدينية في المدارس كخلايا سرطانية، وأطال الشباب لحاهم وقصروا ثيابهم، وارتدت النساء القفازات وانكفأت في البيوت، وولدت المراكز الصيفية لغسل أدمغة النشء وتجنيدهم لاستحقاقات المرحلة القادمة، وحوربت مشروعات الحداثة وحوصر أنصارها، وأقام تجار الدين بازار لفتاوى وأحكام بدءً من حكم الاستمناء والاستنجاء والاستجمار إلى العلاقات السياسية والشراكات الاقتصادية والهندسة الوراثية والاستنساخ، وأصبحت رموز التيار الديني مثل عايض القرني وسلمان العودة وسعد البريك نجوماً وأبطالاً تشرئب لهم الأعناق.
أما ذاك الشيخ ذو العصا الغليظة والصوت الجهوري والذي كان ينادي: الصلاة...الصلاة فقد أحيل على المعاش. لقد حل مكانه رجال أكثر شباباً وأشد بأساً وفتكاً، دائماً ما ينهبون شوارع المدينة بسيارات حكومية فارهة ومكيفة، يصدرون الأوامر والنواهي عبر مكبرات الصوت، يمتلكون سلطة حكومية وفوقها إلهية مطلقة تمنحهم الحق بالتفتيش والتنبيه والوعد والوعيد والطرد والتأنيب. دفع الرجال باللين أو العنف إلى المساجد ما عاد إلا بند صغير في قائمة طويلة تضم بنود كثيرة ذات نزعة أخلاقية، للمرأة نصيب الأسد منها.
لا تتفاءل كثيراً، فالأخلاق من منظور وهابي صرف- مثلاً- لا تأبه بالسلوكيات العامة وآداب الطريق، ولا بمسائلة وزير مختلس أو مدير عام مرتشي، ولا بحث القيادة السياسية على إطلاق الحريات وتحسين أوضاع السجون، ولا بالتطوع مع الحكومة أو بدونها لمكافحة الفقر والحد من المخدرات. كل هذه المهام السامية والنبيلة ترف زائد، وفرض كفاية، ولا تستحق العناء وبذل الجهد. ما يشغل رجل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويؤرق منامه هو: ألا تخرج المرأة للشارع وعباءتها على كتفيها وليست على رأسها، والأهم من ذلك ألا ترتدي (والعياذ بالله!) بنطال لما فيه من تشبه بنساء الغرب الكافر، وألا تدخل محلات الفيديو والتسجيلات الغنائية حتى لا تختلط بشباب الأفلام الخليعة والأغاني الفاجرة، وألا تتجرأ بدخول مطعم لوحدها أو مع بناتها أو صديقتها دون أن تصطحب محرم ولو كان عمره خمسة أعوام، وألا يستقبل البائع زبائنه من النساء بابتسامه، ولتذهب نظريات التسويق والبيع إلى الجحيم!
أمام انتهاكات جلاوزة الوهابية، واستباحتهم لخصوصيات البشر، ومحاربتهم لمباهج ومتع الحياة، ومصادرتهم لحريات التعبير والاختلاف...لا أملك إلا الحنين لذلك الشيخ وعصاه الغليظة، وهو يجوب الأسواق صائحاً بصوته الجهوري: الصلاة....الصلاة.



#شموس_نجد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البوليس الوهابي.....ما حال الإسلام بدونك؟
- السرعة لا تزيد عن الصفر
- كشف اللثام عن سنة نبي الإسلام - 3/3
- الملائكة ظلت الطريق إلى الفلوجة
- كشف اللثام عن سنة نبي الإسلام 2/3
- كشف اللثام عن سنة نبي الإسلام1/2
- الاقتصاد......المفترى عليه
- العلمانية والعقدة المحمدية
- التداخل بين الدين والأسطورة: طوفان نوح نموذجاً
- الأنثى فوق مذبح الأسطورة
- نساء بلا ثمن
- الفردوس المفقود
- الأصل والصورة
- نتؤات عقل مسلم
- يأتون الكتب من ورائها
- من عنق الزجاجة
- ما أشبه الليلة بالبارحة
- ملامح الدور الوهابي السعودي في تشويه التعليم
- المرأة السعودية في إطار الحركة الوهابية


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح ...
- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شموس نجد - البوليس الوهابي...مرة أخرى