|
الأسد وإستراتيجية البقاء المذهبية والطائفية والعنصرية
نادية حسن عبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 3971 - 2013 / 1 / 13 - 21:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الشعب السوري في ثورته من أجل الحرية والكرامة والعدل والمساواة بل تاريخيا يرفض التمييز، ويرفض سياسات الإقصاء والاستبعاد لأي مواطن في سورية، ويرفض كل الممارسات التي تعتمد المذهبية والطائفية السياسية. لم يرفع المتظاهرون شعارات طائفية أو مذهبية أو عرقية في بداية الثورة، إنما كانت جميع الشعارات ضد الاستبداد والظلم وخنق الحريات العامة للانتقال من دولة القمع إلى دولة الحريات المدنية. وخلال 21 شهرا منذ بداية الثورة والشعب السوري يحاول الابتعاد عن الخطاب الطائفي الذي يستغله النظام الأسدي من أجل بث التفرقة بين المواطنين والشعب الواحد، ولإقناع المجتمع الدولي والصامتين السوريين بأنه يواجه الإرهاب الذي يتستر بالإسلام، وهي وصفة ظنها ناجحة.
الشعب الثائر في سورية يرفض المذهبية والطائفية، ولكن مع زيادة العنف والقمع، والإرهاب الأسدي، والمجازر والجرائم الوحشية ضد الإنسانية، برزت وجوه من الاحتقان المذهبي، وخاصة في المناطق التي ارتكبت فيها المجازر، وانتشرت بعدها لنجد الكثير من الأشخاص الذين رفضوا التحدث عنها في بداية الثورة، يتحدثون بغضب عن العنصرية المذهبية والطائفية التي يتعامل بها النظام الأسدي مع شعبه.
لقد باتت المؤشّرات على تنامي الحس الطائفي في سورية كثيرة. ففضلًا عن التقارير الصحفية الأجنبية، فإن تقارير الأمم المتحدة وتقارير علمية لمراكز أبحاث مرموقة، علاوة على التقارير الصحفية المباشرة، تجمع على بروز بعد طائفي للثورة السورية.
على الرغم من أن مفردات كالسنة والشيعة والعلويين والمسيحيين والدروز لم تكن بهذا الحضور العلني التي هي عليه الآن. ولكننا نراها تتزايد يوميا في الخطاب السياسي وفي الخطاب الشعبي. بعض الكتاب السوريين تناولوا المسألة الطائفية في سوريا بكتاباتهم وأبحاثهم، معتقدين أنهم يتحدثون عن موضوع (ممنوع) و (تابو) و(مسكوت عنه)، رغم أنه على الصعيد الشعبي بدأ يظهر بوضوح للجميع، وأصبح خطابا عاديا يتحدث عنه البعض بشكل عادي، ولكن الشعب السوري كما ذكرنا سابقا تعود على أن يرفض الحديث الطائفي، ويحاول دائما استعمال كل المفردات والمفاهيم الأخرى ليصف ما يحدث بعيدا عن المفردات والمفاهيم الطائفية.
مع بدايات الثورة السورية كنا نشعر بالحرج من توظيف المفهوم الطائفي في تحليل مقتضيات الحركة الثورية وتفنيد أبعادها، رغم إن وكالات الأنباء الدولية كانت تركز على الطائفية في الصراع السوري، فمثلا BBC تصف (الصراع الدائر في سوريا بأنه يتسم بكونه قائما على أساس طائفي بين الأغلبية السنية والأقلية العلوية الحاكمة). على سبيل المثال تحدث تقرير BBC ( ناشطون سوريون يواجهون شبح الطائفية المتعاظم، في أكتوبر 2012) عن (الصراع الدائر في سوريا على أساس طائفي، حيث إن الدولة بها أغلبية مسلمة سنية تشكل نسبة 80% في المائة، تعيش معها أقليات مسيحية وكردية إضافة إلى بعض الطوائف المسلمة التي تضم بينها الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الرئيس بشار الأسد). وهناك الكثير من التقارير الدولية التي تركز في تحليلاتها على البعد الطائفي للثورة السورية. بينما يحاول السوريون عدم التحدث بهذه اللغة ويركزون في تحليلاتهم (الثورية) على البعد المدني ويصفونها بأنها (ثورة الحرية والكرامة من أجل دول مدنية ديمقراطية تعددية).
في هذا المقال نتحدث عن موضوع الطائفية بصراحة، عوضا عن الهمس، كي نفهم واقعنا على نحو جيد من أجل تسخيره في خدمة الثورة وتفادي الوقوع في ما يريد النظام الأسدي لنا أن نقع فيه.
البعد الإقليمي والدولي للصراع الطائفي وتأثيره على سورية
لقد برز موضوع المذهبية والطائفية والعنصرية في المنطقة العربية والدول المجاورة لها، وصار موضوعا هاما للتحليل السياسي وتفسير ما يجري في المنطقة من حراك شعبي معتمد على أبعاد طائفية.
تحدث الكثير من المحللين السياسيين عن الاصطفاف الطائفي والمذهبي حول سورية، حيث يؤكد "أرشيد" أن الاصطفاف الجاري اليوم حول سوريا، هو في جزء كبير منه اصطفاف طائفي ومذهبي . فما معنى أن يكون حلفاء سوريا الإقليميون هم إيران وعراق المالكي وحزب الله؟ وما معنى أن يتحول النظام في سوريا إلى سياسة التطهير الطائفي في المناطق المحيطة بجبال العلويين على الساحل السوري؟ وما معنى أن يركن النظام في قمعه لثورة الشعب السوري إلى قواته وميليشياته المسيطـَر عليها من قبل العلويين (أسامة أبو أرشيد، ثمَّة صراع طائفي ومذهبي في منطقتنا 2012)
الدور الإيراني (طائفية مغلفة بالمقاومة )
تزايد الطائفية السياسية منذ عام 2000 ووصول بشار للحكم، حيث استغلت إيران ضعفه لتنفيذ مشروعها المذهبي (التشييع السياسي) باسم دعم المقاومة.
إن الحضور الإيراني في سوريا لدعم النظام الأسدي أصبح معروفا للجميع (إيران حاضرة بخبرائها العسكريين ومخابراتها والمليشيات المحسوبة عليها والتي تم استقدام عناصرها من لبنان والعراق وهي لا تكتفي بتمويل المجازر اليومية ومد جيش الأسد بالسلاح بل دفعت بعناصرها المسلحة للمشاركة في القتال، فبشار الأسد اليوم لا يثق إطلاقًا بجيشه الذي أنهكته الانشقاقات المتلاحقة ثقته بالمقاتلين الإيرانيين والمقاتلين العرب المحسوبين على إيران. ولولا الدعم الإيراني للأسد وشبيحته لما وصلت الأمور في سوريا إلى ما وصلت إليه اليوم، ( خلف الحربي، صحيفة عكاظ، 2012)
كما عملت روسيا على تأجيج الثقافة الطائفية وليس غريبا أن تعلن دولة كروسيا على لسان وزير خارجيتها بأنها لا تريد حكومة إسلامية سنية الطابع في سوريا.
الموقف الدولي من الطائفية في سورية
ركز المجتمع الدولي في تقاريره على (إن ما يحدث في سورية هو صراع طائفي)، حيث تتحدث التقارير الأخيرة للأمم المتحدة وتصريحات الأمين العام للأمم المتحدة ومستشاريه عن تحول ما يحدث في سورية إلى (حرب طائفية)، حيث يوثق التقرير الأخير لمجلس حقوق الإنسان انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ترتكبها القوات الحكومية السورية ذات بعد طائفي، بما في ذلك أنواع من التعذيب الوحشي في سجون الاعتقال، والقصف المقصود لأماكن محددة بهدف تدمير وقصف المدن والمستشفيات والمنشآت المدنية.
وقد أكد محققو الأمم المتحدة في أحدث تقرير له الذي نشر في كانون الأول 2012 أن "الحرب الأهلية في سورية تتحول بشكل سريع إلى حرب طائفية وصراع عرقي وحروب للأخذ بالثأر والعنف الذي قد يطول أمده لسنوات بعد سقوط النظام" ويصف التقرير تحول النزاع إلى حرب أهلية، حيث يؤكد التقرير أنه " في الشهور الأخيرة، هناك تحول واضح بأن طبيعة الصراع تتغير وأن المقاتلين والمدنيين في سورية من الطرفين يصفون ما يحصل بحرب أهلية عرقية وأسس دينية طائفية" وقد وصف مجلس حقوق الإنسان أن الصراع الطائفي يظهر بشكل واضح أيضا في الحرب ضد النظام السوري، وهذا ما قد يؤثر على مستقبل سورية.
وقال الخبراء في تقريرهم إن "الأقليات الأخرى مثل الأرمن والمسيحيين والدروز والفلسطينيين والأكراد والتركمان أقحموا في النزاع" مشددين على أن " أكثر الانقسامات الطائفية وضوحا بين الطائفة العلوية والطائفة السنية".
كما ألقت اللجنة الضوء على وجود محاربين أجانب يرتبط بعضهم بجماعات إسلامية متطرفة، وعلى تطرف بعض المحاربين السوريين المناوئين للحكومة، وأوردت تقارير عن قيام أعضاء من جماعة حزب الله اللبنانية ومحاربين آخرين من العراق وإيران بالقتال نيابة عن الحكومة.
وقال ديينغ مستشار الأمم المتحدة بشأن منع الإبادة أن "الهجمات الانتقامية وخطاب الكراهية والتحريض على العنف ضد جماعة بعينها كلها أشياء كانت في السابق مؤشرات إلى انتهاكات خطيرة وواسعة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي."وأضاف إن الحكومة السورية تظهر فشلا واضحا في حماية السكان. وردد ديينغ دعوة لنافي بيلاي مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إلى أنه ينبغي لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يحيل قضية الصراع السوري -الذي أودى بحياة 60 ألف شخص- إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وقالت كارين أبو زيد عضو فريق التحقيق في مؤتمر صحفي في بروكسل "ما وجدناه في الأشهر القليلة الماضية هو أن الأقليات التي حاولت أن تبقى بمنأى عن الصراع بدأت في التسلح لحماية نفسها".
وذكر التقرير أن طبيعة الأعمال القتالية من الجانبين تمثل "انتهاكا متزايدا للقانون الدولي". كما قال فريق المحققين المستقلين الذي يقوده الخبير البرازيلي باولو بينيرو "مع طول أمد الصراع أصبح الطرفان أكثر عنفا، ويصعب التنبؤ بتصرفاتهما على نحو متزايد، مما أدى إلى تزايد انتهاكاتهما للقانون الدولي"، وأضاف المحققون أن الطرفين يتقاعسان عن "تمييز الأهداف" ويستخدمان منشآت مدنية لأغراض عسكرية. وأكد أن الوضع سيئ إلى درجة إن "مجموعات بأكملها قد تضطر للهرب من البلاد أو تقتل ". وتابع إن "الطوائف تعتقد وهذا مبرر أنها تواجه خطرًا وجوديًّا، لذلك تبدو ضرورة تسوية تفاوضية اليوم أكبر من أي وقت مضى". وخلص التقرير إلى اتهام القوات الحكومية والميليشيات التابعة لها باستهداف المدنيين السنّة والقوات المعارضة للحكومة باستهداف العلويين والأقليات الموالية للنظام. وذكر فريق التحقيق، أنه "مع اقتراب المعارك أصبح النزاع ذا طبيعة طائفية بشكل علني وأن الخطوط الطائفية تقع بشكل أساسي بين الطائفة العلوية التي تنتمي إليها معظم الشخصيات السياسية والعسكرية، والغالبية السنية التي تدعم بشكل عام المجموعات المسلحة المعارضة للحكومة" . واعتبر التقرير أن طبيعة الأعمال القتالية من الجانبين "انتهاك متزايد للقانون الدولي". (تقرير مجلس حقوق الإنسان، الأمم المتحدة ، الفترة 28 سبتمبر / أيلول و16 ديسمبر كانون / الأول 2012)
موقف المعارضة السورية من الطائفية
رد المجلس الوطني السوري على تقرير الأمم المتحدة المذكور أعلاه، أن النزاع السوري بات «طائفيا»، بأن «الثورة السورية ليست طائفية ولا دموية، لم ولن تقسم المجتمع السوري حسب الانتماء الديني أو القومي». وأضاف «أن الانقسام الوحيد والمؤقت الذي يشهده المجتمع السوري هو الانقسام بين نظام سفاح وظالم محاط بطبقة طفيلية، ومجتمع من طالبي الحرية والمساواة». واعتبر أن «الواقع والحقيقة» هما أن السوريين «يرفضون الطائفية، ويقاومون ببسالة وبأعلى درجات ضبط النفس والتعالي على الجراح، مساعي النظام الإجرامية والمستميتة»، آسفا لتحول الأمم المتحدة «إلى مجرد محلل سياسي في شأن يجب عليها فيه أن تتحمل كامل المسؤولية» عبر إجراءات لحفظ السلم والأمن «وحياة مدنيين يتعرضون لجرائم إبادة».
هل هناك فعلا تزايد في الطائفية في سورية؟
الشعب السوري بشكل عام لا يرغب بالتحدث بالمذهبية والطائفية ومنذ بداية الثورة وهو يحاول استبعادها من حديثه وتقاريره ويركز دائما على أن (الشعب السوري واحد) وأن سورية بلد غير طائفي وأننا نعيش معا ونموت معاً وغيره من الشعارات ..لكن الحقيقة أثبتت غير ذلك، هناك الكثير من الأشخاص الطائفيين، والنظام السوري يتعامل مع شعبه بطائفية، لقد قتل 60,000 شهيد معظمهم من السنة، وقد يكون هناك بعض الشهداء من الطوائف الأخرى بأعداد قليلة جدا. وقد صار الحديث اليوم عن الطائفية (علنيا) بعد أن كان يهمس به همسا وصار الجميع يتحدث عن النظام العلوي الطائفي ضد المعارضة الغالبية السنية.
وعندما يتهم النظام السوري بأن المعارضة السورية هي من الإرهابيين المتشددين (بما فيه من انتهازية للمناخات السائدة في الغرب) ويلصق بهم صفة القاعدة فهذا يؤكد على سياسته الطائفية واعتبار الحرب الدائرة هي حرب طائفية بامتياز .. وعندما تقف إيران وحزب الله والمالكي مع النظام الأسدي فهذا يعني أيضا إنه موقف طائفي صرف واصطفاف طائفي لدعم العلويين.
إن المعارضة السورية ليست كلها سنية فهناك الكثير من المعارضين الشرفاء من كافة الطوائف السورية، ولكن يتم تجاهلهم من أجل توجيه الرأي العام بأن ما يحصل في سورية ما هو إلا حرب طائفية إرهابية إسلامية تكفيرية وليس ثورة كرامة وثورة حرية. إن (إستراتيجية بقاء الأسد) تعتمد على إشاعة الوهم بأن ما يحصل في سورية ليس ثورة وإنما هي (حرب طائفية وإرهابية) من أجل أن يتغير الموقف الدولي من الثورة ومن دعمها.
إن النظام الأسدي قد قام باختطاف المجتمع العلوي وقسم كبير من الأقليات ليربطه بإستراتيجية بقائه في الحكم، وإستراتيجيته التي أسس وخطط لها منذ 40 عاما، من خلال برامج إسكان العلويين في المناطق العشوائية المحيطة بدمشق والمدن الكبرى وهي برامج مدروسة للتغيير الديموغرافي في مناطق هامة على الخريطة السورية، بل روعيت هذه الإستراتيجية حتى في المخطط الهندسي العام للمدن،إضافة إلى التقرب من الأقليات وحربه على السنة التي بدأت في حماه 1982. ويعتمد نجاح (إستراتيجية بقاء الأسد) على كيفية التعامل معه من قبل الجهات المعارضة له ...والمهم هنا هل ستنجر للدخول في حرب طائفية معه؟
إستراتيجية تعتمد على الطائفية من أجل بقاء الأسد
يقدم النظام الأسدي نفسه على أنه نظام علماني في بيئة متعددة الطوائف والمذاهب إلى جانب عدد من العرقيات والإثنيات، في حين أنه يقود نظاماً أمنياً يعتمد على الاستفادة من الخلافات بين مكونات المجتمع السوري، لتعزيز سيطرته وتعميق تفعيل سلطته، والصراعات الطائفية والمذهبية وحتى العرقية لتشكل حجر الأساس في ديمومته واستمراره (دراسة حول تداعيات تحول الأزمة السورية من انتفاضة شعبية إلى ثورة مسلحة، المركز اللبناني للأبحاث والدراسات، 2013).
كانت سياسات النظام الأسدي خلال حكمه تمنع التحدث عن المذهبية والطائفية، (ليس بسبب أنهم غير طائفيين، على العكس لأنهم طائفيون) حيث ومن خلال سياساتهم أرادوا استبعاد التفكير بأن فئة قليلة تحكم الأكثرية بشكل عنصري وطائفي). لقد أرادوا التعتيم على هذه القضية، حتى يتمكنوا من تنفيذ سياساتهم وتكريس حكمهم. كان الناس في سورية قبل الثورة يتحدثون (بشكل خافت مستتر عن الطائفية) ولكنها كانت موجودة بغلاف (مذهبي طائفي مسكوت عنه مؤقتا).
الطائفية السياسية ما هي إلا ورقة يستخدمها النظام الديكتاتوري في وجه المعارضة والثورة السورية من أجل القضاء على وحدة الوطن السوري وتدمير لحمته الوطنية، حيث يعزز النظام الأسدي في سورية النزعة الطائفية والمذهبية والعرقية ، وحتى القبلية للسيطرة على الشعب السوري من خلال سياسة (فرق تسد) حيث يقوم بالترويج منذ أربعين عاما بأنه الوحيد الذي يحمي الأقليات، والدفاع عن المذاهب والإثنيات في سورية ( حسين شيخموس الثورة السورية والفتنة الطائفية 2012)
عمل النظام من البداية على ترويج خطاب التخويف الطائفي (لتحويل الثورة من ثورة ضد النظام والاستبداد إلى صراع طائفي) . واستطاع أن ينجح في بث الخوف والرعب بين صفوف الأقليات خوفا من استبداد الأطراف الدينية المتشددة في الأكثرية السنية، ومن ثم استثمار هذا الخوف، وهي سياسة استعملتها الحركة الصهيونية بنجاح في المجتمع اليهودي ، لتمنع الاندماج في المجتمعات ، مستثمرة الخوف والحقد والكراهية لتحقيق أهداف سياسية أدى إلى نشوء إسرائيل كيانا للعدوان والاحتلال ، ويبدو أن التشيع السياسي ما بعد الخمينية ، يستفيد تماما من هذا النجاح في تصدير ثورته وتمدده السرطاني في المنطقة ) د. موسى رحوم عباس، ،الاستثمار في الخوف والحقد ، الصهيونية / حزب الله مثالا 2012).
وقد شرح محمد ديبو في مقالته حول (الطائفية في سوريا: بين الإنكار والتضخيم، 2013 ) بأن النظام الأسدي عزز الطائفية خلال فترة حكمه، حيث لم يعمل على خلق نسيج اجتماعي مدني يحيد الطائفية ، بل عزز الطائفية من أجل تفكيك المجتمع. كان ظاهر النظام علمانيا ولكن جوهره كلنا يعرف أنه طائفي، وكان يعمل على هذا البعد الطائفي ليس من أجل مصلحة طائفة النظام، كما يروج البعض، بل لمصلحة جوهر السلطة المتمثل في البقاء (أو إستراتيجية بقاء النظام). لقد كانت تركيبة الحكومة والجيش والأجهزة الأمنية، تقوم على نحو غير معلن رسمياً، لكن غير سري أيضاً، على طائفية ما، وفق محاصصة طوائفية، يعطي لكل طائفة منصبها المتماثل مع حجمها.
إن الوحشية والطائفية التي يعامل النظام شعبه وفقها، تدل على الطريقة التي يفكر بها ، وتكشف طبيعته العنصرية والطائفية التي تربى عليها. وقد وصف محمد مختار الفال النظام الأسدي بأنه يدرك حقيقة "انفصاله" عن غالبية الشعب، ولهذا يتبع سياسة البقاء التي تعتمد العنصرية والطائفية والمذهبية، فهو لا يرى له حياة إلا بقهر الشعب وبث التفرقة بين الطوائف والكراهية والعنف؛ لأن بقاء المقاومة واتساع دائرتها يؤدي إلى نهايته (هل تنجح إيران في صد الهجوم على الجبهة السورية، 2011).
وحلل ميشيل كيلو إستراتيجية النظام الطائفية حيث أكد إنه "بنى النظام إستراتيجيته على تحويل النضال المجتمعي والشعبي من أجل الحرية إلى اقتتال طائفي يشق المجتمع، ويحد من اندفاعاته الثورية ويحول القوى الأمنية من طرف في القتال إلى جهة مسيطرة تتحكم بالمذابح بين الطوائف المتقاتلة. لم تترك قيادة النظام وسيلة إلا وجربتها كي تشق الشعب، وتضعه في مواجهة بعضه البعض، كتسليم معتقلين من طائفة معينة إلى أبناء طائفة أخرى في قرية ما من قراها، مع أوامر مشددة بتعريضهم لتعذيب عنيف ومذل، بحيث تبقى آثاره ظاهرة عليهم لفترة طويلة.... لقد ركز النظام على تحويل الأقليات إلى طوائف، وجعل منها كيانات سياسية وظفها ك" قاعدة " وكحامل أمني ومجتمعي خاص به، وربطها بطرق سياسية ومصلحية مختلفة به، وفتح أمامها سبل الارتقاء في معارجه الداخلية والسيطرة على المجتمع، وأطلق يدها في الفساد والخروج على القانون، وطور تبايناتها الجزئية والمحلية وجعل منها تناقضات مجتمعية عقدها وفاقمها باضطراد............... هذا ما فعلته سياسات السلطة السورية، التي عززت طابع الطوائف كتكوينات ما قبل مجتمعية صارت أسافين تخترق وتنهك جسد المجتمع، تؤدي وظائف معادية له (ميشيل كيلو، مخاوف الأقليات والطوائف في سوريا، معهد العربية للدراسات والتدريب - 2012).
وقد رصد عدد من التقارير الدولية (مجلس حقوق الإنسان 2012) ، إن تغيرات سكانية في سورية حيث يهرب العلويون والسنيون من أماكن سكنهم العادية وخاصة في مناطق العمليات العسكرية إلى أماكن آمنة في مجتمعاتهم وبين طوائفهم، حيث يهاجر العلويون بشكل خاص إلى الجبال والمناطق البحرية. وتقارير أخرى (مركز الشرق العربي، 2012) تتحدث عن خطط بديلة للأسد في حال فشله في الاحتفاظ بكل سورية بأنه سينتقل لتأسيس دولة علوية في جبال العلويين. وهذا ما تم من خلاله تفشي المجازر التي ارتكبت بحق السكان السنة القريبة من المناطق العلوية بهدف تهجيرهم من قراهم تمهيدا لتسكين العلوية بها .
إن العنف غير المسبوق الذي يرتكبه النظام بحق شعبه، كجزء من (سياسته لنشر الطائفية بين المواطنين من اجل بقاء الأسد)، وصل إلى مستويات لا يمكن أن يتحملها بشر، فعمليات القتل والتنكيل التي ترتكبها عصابات والشبيحة والأجهزة الأمنية ضد الشعب السوري، فاقت كل التصورات، إذ لم يتخيل أحد أن يرتكب رئيس دولة حرب إبادة جماعية ضد أبناء شعبه بهذا الشكل العنصري الذي لم نر له مثيلا في التاريخ .
هل سينجح النظام الأسدي في جر سورية إلى حرب طائفية طويلة الأمد؟
هناك مصالح متقاطعة لعدد من الجهات الإقليمية والدولية في سورية، تتشابك فيها الأطماع والمصالح السياسية بالمشاعر الطائفية، كما تختلط فيها السياسات والاستراتيجيات والتكتيكات.. وكما تحدثت الكثير من التقارير التي تمت الإشارة لها سابقا، فقد أصبحت سورية لعبة الأمم وصراع المصالح على أرضها، واستغلت اللعبة الطائفية لإدخال الثورة السورية في نفق مظلم، نفق المذهبية والطائفية والعنصرية.
نحن بحاجة إلى عمل منظم ضد الطائفية، ونحن بحاجة إلى خطوات عملية واقعية محددة في هذا الإطار من أجل (مواجهة إستراتيجية الأسد المذهبية والطائفية للبقاء). نحن بحاجة إلى برامج فاعلة تمكننا من مواجهة السياسات الطائفية التي يروجها النظام الأسدي وأتباعه من خلال إشراك جميع أبناء الوطن في مؤسسات وطنية وسياسية تعددية شاملة للجميع. نحتاج إلى العودة إلى المبادئ الأولى التي نادت بها الثورة، كالمواطنة والحرية والدولة الديمقراطية وحكم القانون وحقوق الإنسان والمساواة والعدالة.
نحن بحاحة الى دعوة أفراد المجتمع كافة للمشاركة السياسية، وخاصة الفئات التي ابتعدت عن العمل السياسي بسبب القمع والتهديد والسياسات الطائفية. وكما أكد برهان غليون في مقاله (.قنبلة الفتنة الطائفية أو إجهاض المواطنية، 2011)."نريد لأؤلئك الذين كانوا قد هجروا الحياة السياسية، وهم الأغلبية الساحقة، بالعودة من جديد إلى ساحة العمل الوطني والاجتماعي، ومن وراء ذلك استعادة ثقتهم بأنفسهم، وأكثر من ذلك بأقرانهم الذين بقوا لفترة طويلة غرباء عنهم بسبب الانقسامات الداخلية. وفي تعبيرها عن التطلعات الجديدة والعميقة لهجر الأفراد معازلهم الطائفية والعشائرية التي فرضتها ظروف الشح السياسي على الجميع في الماضي، تعلن هذه العودة إلى ساحة العمل العام، والاستعداد للتضحية من أجلها، بما في ذلك التضحية بالأرواح، الولادة الجديدة للوطنية العربية او بالأحرى الشوق الملتهب إلى الخروج من ذل وضعية الزبائنية والمحسوبية، إلى وضعية المواطنة وما تعنيه من كرامة شخصية وممارسة للحرية والسيادة الذاتية..... أدعو جميع المثقفين العرب والوطنيين إلى ان يرفعوا عاليا، وفي كل مكان من الأرض العربية، راية المقاومة العنيدة لاستراتيجيات الفتنة الطائفية هذه وأن يدينوا بصوت مرتفع أصحابها من النظم النظم العقيمة والمعقمة التي تفضل تدمير بلدانها على فتح باب المشاركة في السلطة لشعوبها "
نحن بحاجة إلى تعزيز حس المواطنة عند جميع أبناء الوطن على أرضية المساواة في المواطنة وإتاحة المشاركة للجميع. نحن بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد يعيد صياغة العلاقة بين الدولة والمواطنين من خلال القيام بتغيرات سياسية واسعة المدى، والتركيز على مبدأ المواطنة، والانتقال من السلطوية التي ميزت أداء الدولة في الماضي إلى الديمقراطية وفتح الباب أمام تداول السلطة.
نحن بحاجة إلى (عقد اجتماعي جديد) من أجل ثورة حقيقية، ثورة توفر رؤية سياسة بديلة قادرة على تقديم برنامج واضح يشكل أفقا للتغير وملاذا لتحقيق طموحات الشباب المطالب بالتغيير الشامل، نحن بحاجة إلى ثورة عارمة، تؤسس لتعاقد اجتماعي جديد بعيد عن الطائفية السياسية، من خلال توافق على برامج سياسية واضحة المعالم والرؤية وقريبة من نبض الشارع، وصوت الشارع، وطموح الشعب الذي يواجه الموت والقمع والظلم من اجل دولة تحترم حقوقه وكرامته وإنسانيته.
ملحق رقم (1) قدر عدد سكان سورية حسب تقرير الأمم المتحدة إحصاء 2011 بـ 20,766,000, يضاف إليهم غير المسجلين وعددهم 173,000. وهناك أرقام أخرى تقديرية أن عدد السكان 23.5 مليون نسمة (ويكيبيديا الموسوعة الحرة) .
وهذه أهم الطوائف والإثنيات العرقية في سورية كما قدمها محمد نمر المدني مؤلف موسوعة الأديان والطوائف :
• عربي سوري عددهم 14,200,000. دينهم الإسلام السني. لغتهم العربية.
• عربي فلسطيني عددهم 581,000. دينهم الإسلام ولغتهم العربية.
• عربي لبناني 100 ألف
• عربي أردني 40 ألفا
• عربي عراقي ،60 ألفا
• علويون، 1,280,000. عرب سوريين, تفرعت طائفتهم عن الإسلام الشيعي.
• أكراد، عددهم 1,661,000, لغتهم كردية شمالية.
• شركس أديغا ،عددهم 31,000. ولغتهم الشركسية الأديغا. ودينهم إسلام سني • • تركمان، 132 ألف ومن أصول تركمانية ودينهم الإسلام السني • • أتراك 60 ألف لغتهم تركية. ويدينون بالإسلام السني.
• بدو رحل 87 ألف لغتهم بدوية مصرية. دينهم الإسلام
• غجر دومري 40 ألفاً دينهم الإسلام, ولغتهم الدومرية.
• روس 3600 من لغتهم روسي علمانيين.
• مجموع عدد المسيحيين 2،400,000
• يونان 6000 لغتهم يونانية، ديانتهم مسيحية.
• أرمن 28 ألف لغتهم تورويو، دينهم المسيحية
• برتغال عددهم 1000 لغتهم برتغالية وديانتهم المسيحية.
• فرنسيون 12 ألف لغتهم فرنسية، ودينهم المسيحية
• آشوريون 42 ألف لغتهم آشورية وسطى. ودينهم المسيحية.
• أرمن 73 ألف لغتهم الأرمينية ودينهم المسيحية
• آرامي شرقي 21 ألف. لغتهم آرامية، ودينهم مسيحية. ---------------------------------------------------------------
#نادية_حسن_عبدالله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحليل سياسي لرواية (بيلان) للدكتور موسى رحوم عباس
-
تصاعد العنف في سورية .. الجرائم ضد الإنسانية وسياسة الأرض ال
...
-
ما هي البدائل المتاحة لإسقاط النظام الذي يبحثها زعماء العالم
...
-
تهريب الأسلحة إلى سورية ؟ كيف ؟ ومن؟ وأين؟ ولماذا؟
-
هل تعلمنا الحولة درساً يجب الاستفادة منه؟
-
اللاجئؤن السوريون: هل هم لاجئؤن .. نازحون .. طالبو لجوء...أم
...
-
الثورة السورية وخطة كوفي عنان: هل هي الأمل الأخير أم هي لعبة
...
-
ثاني جلاء بعد الثورة .. شهداؤنا في ازدياد... وحريتنا على الأ
...
-
نحو استراتيجية كيف نأكل الفيل؟ من أجل إسقاط النظام
-
سرقة الأعضاء البشرية تعد انتهاكا سافرا لحرمة البشر ولقواعد ا
...
-
بداية سنة ثانية ثورة
-
هل هذا هو سعر صرف الإنسان العربي؟ ترتكب المجازر والجرائم ضد
...
-
المواقف العربية والدولية من الثورة السورية - هل هو صراع مصال
...
-
مؤتمر أصدقاء الشعب السوري... لم يحقق طموحات الشعب السوري
-
نحو استراتيجية للدولة المدنية – المفاهيم - 10 - إعادة بناء ا
...
-
نحو استراتيجية للدولة المدنية – المفاهيم – 9 - ثقافة احترام
...
-
الثورة السورية من وجهة نظر الامم المتحدة ... والمعارضة الوطن
...
-
علمتنا الثورة السورية دروسا في الجغرافية
-
ما هي المعاني التي تحملها قافلة الحرية إلى سورية؟
-
نحو استراتيجة للدولة المدنية – المفاهيم – 8 - تعزيز ثقافة ال
...
المزيد.....
-
رغم تحذير الجيش الإسرائيلي.. لبنانيون يبدأون بالعودة لمناطقه
...
-
مسؤول استخباراتي إسرائيلي سابق: وقف إطلاق النار اختبار للبنا
...
-
الداخلية الكويتية تعلن ضبط مواطن ووافد سوري ضمن تشكيل عصابي
...
-
مصر: اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان يجب أن يكون توطئة لوقف إ
...
-
ما هي أبرز بنود اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان؟
-
بسبب تكلفة اختيار المقعد.. شركات طيران تحقق أرباحا بالمليارا
...
-
خبير ألماني: -الإسلامويّون- يفضلون استخدام السكاكين في اعتدا
...
-
تحديد علامة رئيسية للاضطراب النفسي
-
الرقابة الروسية تحذر من خطورة تفشي فيروس -نورو-
-
مسؤول كبير في -حماس-: الحركة مستعدة للتوصل إلى اتفاق بعد -وق
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|