مجدى زكريا
الحوار المتمدن-العدد: 3971 - 2013 / 1 / 13 - 20:32
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
يصعب تفسير السحر الحديث, ذلك لأن الذين يمارسونه يختلفون كثيرا. فهم لا يعترفون بسلطة اوعقيدة مركزية او كتاب مقدس رئيسى لتكون معتقداتهم موحدة. ويختلبفون ايضا فى التقليد, التنظيم, الشعائر, والرأى فى ما يتعلق بالالهة التى يجب اكرامها. تعلق كاتبة : " يقدم عالم الغيب للمرء سوقا حرة من الافكار ". وتقول اخرى : " معظم ممارسى الوثنية الحديثة يختلفون فى الرأى حول كل شئ تقريبا ".
لا تشكل التناقضات اية مشكلة بالنسبة الى كثيرين. يذكر كتاب يستعمل كدليل للساحرات الطموحات : " عندما تعترضكم معلومات تبدو متناقضة, افحصوا هذه المعلومات وقرروا اية منها ستتبعون. أصغوا الى حدسكم. وبتعبير اخر, اشعروا بحرية الاختيار والانتقاء من بين الشعائر المنشورة والكتب الشعائرية لتقرروا ما تعتقدون انه صائب ".
اما الذين يعون طبيعة الحق, فتشكل هذه التناقضات مشكلة. فالحق هو واقع, امر حقيقى. ولا تكون الامور حقيقية لمجرد ان الشخص يشعر او يأمل او يعتقد انها كذلك. على سبيل المثال, اعتقد الاطباء ذات مرة ان بامكانهم شفاء ذات الرئة بقسم دجاجة حية الى شطرين ووضعهما على صدر المريض. ودون شك كان مرضى كثيرون يعتقدون بصدق ان هذا العلاج سيشفيهم. لكن معتقداتهم وامالهم لم تكن على انسجام مع الواقع ان هذا الاجراء لا يشفى ذات الرئة. فالناس لا يصنعون الحق, بل يسعون الى فهمه.
يدعى الكتاب المقدس انه يحتوى على الحق فى ما يتعلق بالقضايا الروحية. وعندما كان يسوع المسيح على الارض, صلى الى ابيه : " كلمتك هى حق ". وكتب الرسول بولس : " ان الاسفار المقدسة كاملة هى موحى بها من الله ". لا يوافق على ذلك كثيرون ممن يمارسون السحر. فهم عوض ذلك, يبحثون عن الوحى والتوجيه فى الاساطير, الاديان القديمة, حتىى فى الخيال العلمى. ولكن أليس من المنطقى على الاقل ان نتأمل فى ما يقوله الكتاب المقدس ؟ فهو كتاب مقدس معترف به من قبل الجميع تقريبا. كما انه احد النصوص الدينية الاقدم التى بقيت موجودة. كتب الكتاب المقدس خلال 1,600 سنة, ومع ذلك فكل تعاليمه على انسجام واحدهما مع الاخر. فلنقارن تعاليم الكتاب المقدس ببعض المعتقدات الشائعة التى يعبر عنها حاليا من يروجون السحر.
ان احد الاسئلة الاساسية للبحث عن الفهم الروحى هو : من يسكن الحيز الروحى ؟ فيما تتبع معظم الساحرات العصريات ايمانا بالهة متعددة متمحورا حول الطبيعة, يعبد البعض الالهة اما عظيمة لها ادوارا ثلاثة : عذراء, ام, وعجوز - مايمثل المراحل الاساسية للحياة. وعاشقها هو اله له قرون. وتعبد ساحرات اخريات الها والاهة. يقول احد الكتاب : " ان الالهة والاله يعتبران تجليا للقوى الانثوية والذكرية للطبيعة, ولكل منهما خصائص فريدة بحيث تنتج, اذا اتحدت خلقا متناسقا للحياة ". ويكتب مرجع مسؤول اخر : " ان احد الاختيارات الاكثر اهمية فى السحر هو اختياركم للمعبودات التى سنعملون معها . . . فهذه المهنة تمنحكم حرية انتقاء ومن ثم اكرام ما تختارونه من الالهة ".
لا يدعم الكتاب المقفدس ايا من هذه الافكا. فقد وقف يسوع المسيح كامل خدمته لتعليم الاخرين عن الله. " الاله الحق الوحيد ". ويذكر الكتاب المقدس : " الرب عظيم ومفتخر جدا, وهو مرهوب فوق جميع الالهة, لان كل الهة الامم اصنام ".
وماذا عن ابليس ؟ يعرف قاموس وبستر الجامعى الجديد التاسع السحر انه " الاتصال بابليس ". ولكن من الصعب اليوم ايجاد ساحرة توافق على هذا التعريف, اذ ان كثيرات منهن لا يقبلن حتى فكرة وجود الشيطان ابليس. ثمة امرأة شابة, وصفتها صحيفة ذا ايريش تايمز بأنها ساحرة رفيعة المقام وقائدة لأهم مجمع ساحرات فى ايرلندا ". تحاج قائلة : " يدل الايمان بوجود ابليس على قبول المسيحية . . . فابليبس لا يستطيع ان يقطن فى كون لا وجود فيه لله ".
يؤكد الكتاب المقدس وجود ابليس ويحمله مسؤولية الكثير من الالم والاضطراب على الارض. ولم يعلم يسوع ان ابليس موجود فحسب, بل اظهر ايضا انه من الممكن فعل ارادته عن غير قصد. على سبيل المثال, اكد القادة الدينيون للقرن الاول ذوو البر الذاتى انهم كانوا, بطريقة ما, ابناء الله واعتقدوا انهم يفعلون مشيئة الله. اما يسوع الذى استطاع ان معرفة ما فى قلوبهم, فكان رأيه مختلفا. فقد قال لهم بشكل صريح : " انتم من ابيكم ابليس, وتريدون ان تعملوا شهوات ابيكم ". وعلاوة على ذلك, يذكر سفر الرؤيا للكتاب المقدس ان ابليس " بضل المسكونة كلها ". - رؤيا 12 عدد 9.
طبعا, يقرن السحر دائما بعلوم الغيب. ويؤمن كثير من الناس فى الازمنة القديمة والحديثة على السواء ان السحر الذى تمارسه الساحرات يجرى بغية جلب الضرر على الاخرين. فتنسب الى الساحرات القدرة على انزال الالم المبرح وكذلك الموت بالناس بواسطة السحر. ومنذ العصور القديمة, تلام الساحرات على عدد لا يحصى تقريبا من البلايا, بما فى ذلك المرض, الموت, وفشل المحصول.
تنكر الساحرات اليوم بشدة تهما كهذه. وفيما يعترفن بوجود ساحرات خبيثات وشريرات فى بعض الاحيان, يؤكد معظمهن ان سحرهن يستخدم لجلب الفوائد لا الضرر. ويعلم الويكيون ان نتائج السحر تعود على من يمارسه ثلاثة اضعاف, ويقولون ان ذلك رادع رئيسى عن التلفظ باللعنات. ثمة امثلة لهذا السحر الذى يزعم انه يهدف الى الخير, وتشمل : رقى لحمايتك, لتطهير بيتك من القوى المؤذية التى تركها المستأجرون السابقون, لجعل شخص ما يقع فى غرامك, للشفاء وتعزيز الصحة, للحؤول دون خسارتك العمل, ولكسب المال. ونظرا الى هذه القدرات الشاملة التى تنسب الى السحر, لا عجب انه اصبح شائعا جدا.
لكن الكتاب المقدس لا يميز بين السحر الذى يهدف الى الخير والسحر الذى يهدف الى الشر. ففى الشريعة المعطاة الى موسى, حدد الله موقفه بشكل واضح جدا. فقد قال : " لا تعيفوا " تمارسوا السحر ". (لاويين 19 عدد 26) ونقرأ ايضا : " لا يوجد فيك . . . عائف " ممارس للسحر " ولا متفاءل ولا ساحر ولا من يرقى برقية ولا من يسأل جانا ". - تثنية 18 عدد 10 و 11.
فلماذا قال الله ذلك ؟ ليس لأنه ينوى حرماننا مما هو نافع. فقد اعطى الله هذه الشرائع لشعبه لأنه احبهم ولم يرد ان بستعبدوا للخوف والخرافات. وعوض ذلك, يدعو خدامه الى الاقتراب منه طلبا للامور التى يحتاجون اليها. فهو مانح " كل عطية صالحة وكل موهبة كاملة ". وأكد الرسول يوحنا للرفقاء المؤمنين : " مهما سألنا ننال من (الله), لأننا نحفظ وصاياه ونعمل ما هو مرضى فى نظره ". - يوحنا الاولى 3 عدد 22.
توافق ساحرات كثيرات على رأى الكتاب المقدس حول هذه النقطة : الارواح الشريرة موجودة. وفى احدى المقالات, يحذر احد مروجى السحر : " الاشباح موجودة : انها موجودة فى العالم الخفى الموازى لعالمنا. عالم المخلوقات الحية . . . والتعابير : "عفريت صغير", "روح شرير", و "شيطان" دقبقة الى حد كبير, انها قوية جدا . . . والانواع الاكثر ذكاء . . . قادرة على دخول عالمنا (اذا وجد من يساعدها الى حد توفير مدخل لها) . . . وتستطيع دخول جسمك . . . حتى انها تفرض نوع من السيطرة عليك. نعم, يطابق ذلك تماما القصص القديمة عن السيطرة الابليسية ".
فى ازمنة الكتاب المقدس, ابتلى الناس بالسيطرة الابليسية بطرائق شتى. فبعض الذين تأثروا بها لم يستطيعوا الكلام. وكان البعض عميانا, والبعض تصرفوا بشكل جنونى, والبعض امتلكوا قوة فوق الطبيعة البشرية.
واحيانا كان الالم يتضاعف عندما تسيطر على الشخص ابالسة كثيرة فى وقت واحد. ولذلك, هنالك دون شك سبب وجيه ليحذر الله شعبه ليتجنبوا السحر وممارسات علوم الغيب الاخرى.
ينجذب كثيرون الى السحر اليوم لأنه يبدو دينا غير مؤذ, مؤاتيا, ومن اديان الطبيعة. لقد اصبح مقبولا فى بعض المجتمعات, ولا يخشى منه. بل يعتبر فى الغالب عاديا. فالسحر ينال احتراما كبيرا فى محيط يقود فيه التسامح الدينى كثيرين الى تبنى حتى ما هو شاذ.
حقا, اصبح عالم الاديان سوقا يختار منها الناس بحرية ما يلائم حاجاتهم كما يشترى المرء زوجا من الاحذية. وبالمقابل, تحدث يسوع عن خيارين فقط, فقد قال : " ادخلوا من البوابة الضيقة : لأنه واسع ورحب الطريق الذى يؤدى الى الهلاك, وكثيرون هم الداخلون منه : انما ضيقة البوابة وحرج الطريق الذى يؤدى الى الحياة, وقليلون هم الذين يجدونه ". طبعا, لدينا حرية المسلك الذى سنتبعه. ولكن بما ان خيرنا وحياتنا فى خطر, يكون هذا الخيار مهما جدا. ولاحراز الانارة الروحية, يجب ان نتبع طريق الحق, الذى يمكن ايجاده فقط فى كلمة الله, الكتاب المقدس.
#مجدى_زكريا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟