|
من سيتكلم باسم الشعب؟
أحمد غريب
الحوار المتمدن-العدد: 3971 - 2013 / 1 / 13 - 09:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من أجمل هتافات الثورة، خلال الثمانية عشر يوماً الأولى التي أسقطت مبارك: "احنا الأمن واحنا الدولة.. يسقط يسقط أمن الدولة"؛ حيث يلخص الهتاف بسخريته وطرافته جوهر أزمة النظام القمعي الذي ادعى أنه يتحدث باسم "الشعب" وأن معارضيه قلة، بينمى هو يستخدم أداة الترهيب والقمع للتخويف ولفرض أكاذيبه، والاحتفاظ بحق تسمية الأشياء حصرياً في يده. الشعب هزم القمع لأول مرة في تاريخه، لكن انقسام الخريطة السياسية إلى اتجاهات وأحزاب، وانطلاق التكتلات السياسية المختلفة مثل النقابات، وطلاب الجامعات، واتحادات العمال لممارسة حقوقها الديموقراطية أوجد فوارق بين "الاحتجاج الشعبي" وبين "إرادة صندوق الانتخابات"، بحيث تجدد اعتراض من هم في مواقع السلطة على استخدام مسمَّى "شعب" من قبل المحتجين والمعارضين عندما يصفون احتجاجاتهم بالشعبية، رغم أنها تجد تأييداً معتبراً في كل مرة! وقد بلغ الأمر ذروته وقت رفض الإعلان الدستوري الذي شل يد السلطة القضائية، فاتجهت الملايين إلى قصر الاتحادية تعترض على أن يكون إجراء كهذا هو خريطة الطريق التي يولد من خلالها دستور مصر الجديد. كان اللجوء إلى الشارع بديلاً عن الصندوق رد فعل على مخالفة مضمون الديموقراطية، ولم تنجح السلطة في إقناع الرأي العام بضرورة اللجوء إلى الصندوق إلا بعد استخدام العنف بطريقة هددت بنزاع أهلي، فلم تكن السلطة غبية أو غير مقدرة لاحتمال نشوب مصادمات عندما دفعت بشباب الإخوان لفض اعتصام الاتحادية، بالعكس، كان العنف هو المسوغ للاستعجال بالاقتراع، وبضمان قدر من المشاركة يضفي على المسألة شرعية، ويهديء من الخواطر التي كانت تتجه أنظارها صوب قصر الاتحادية في انتظار قرارات، فاضطرت السلطة لدفع ضريبة الإضرار بصورتها، حيث كان مؤيدوها هم البادئون بالعنف، مقابل صرف الأنظار عن انتظار قرارات من القصر الجمهوري، والقبول بلعبة الصندوق دون تناول السلطة عن شل القضاء. حالياً يتوعد الكتاب المؤيدون للسلطة على صفحات موقع الإخوان أونلاين والحرية والعدالة أن تكون الانتخابات البرلمانية المقبلة جولة حسم في نزع كلمة "شعب" من ألسنة المعارضة! ففي استفتاء مارس عام 2011 لم يكن الإسلاميون وحدهم من الداعين لاختيار "نعم"، فقد أيدت نفس الاختيار أيضاً "حركة 6 إبريل" لكن نتيجة الـ 77% استخدمت وكأنها حصرياً لتأييد التيار الإسلامي، وجاءت الانتخابت البرلمانية بأغلبية كبرى للتيار الإسلامي من خلال فصيلي الإخوان والسلفية، فصدق كثيرون ما تم الترويج له عن سيادة تيار معين لأغلبية كاسحة، رغم أن الخريطة السياسية لما بعد الثورة كانت – ولاتزال- قيد التشكل، ولم يتعجل بانتخابات البرلمان إلا من قصّر في التحضير والإعداد للثورة وميادينها وعمل في الأحياء والدوائر الانتخابية. ولم يسعى لتجنب التبكير بانتخابات البرلمان إلا من لم يكن لديهم خبرة العمل في الدوائر الانتخابية والأحياء، لكنهم أعدوا للثورة وأطلقوا شرارتها وشكلوا عصبها. في استفتاء مارس، مثلاً، اختارت دائرتي (حي الظاهر) التصويت بـ "لا" بنسبة 54%، بينما انتخبت عضوين من جماعة الإخوان للبرلمان أي بنسبة 100%، رافضة المنافسة القوية لهما من قبل سلفي وفلول، هذه خيارات تختلف وفق تطور الخريطة السياسية عما اختاره نفس الحي في انتخابات الرئاسة حيث اختار حمدين صباحي أولاً، يليه أحمد شفيق ثانياً! بل إنك لو جمعت أصوات مرشحي الرئاسة عن التيار الإسلامي (مرسي وأبو الفتوح والعوا) لاستغربت أنها بالكاد تصل للنصف وليس كما صورت لنا انتخابات البرلمان! بعد ذلك في استفتاء الدستور – ومع تجنب الحديث عن المخالفات والإعلاقة عن التصويت- رفض أكثر من 6 مليون شخص الدستور الحالي، وهي كتلة لو تم اعتبارها بمثابة المعارضة الراديكالية، وتم تحويلها لأصوات برلمانية تنضم إليها أصوات معارضة أقل حدة، لما حق لأحد أن يحتكر شيء في هذا البلد! ناهيك عن أن جوهر الديموقراطية أن قبول الخاسر بالنتيجة يرتب على الفائز التزامات سياسية نحوه، لكن إجراء حوار صوري مع المعارضة، والوعد بتعديل دستور -كان بالإمكان تجنب عدم سلقه- لا يمثل تطبيقاً مقنعاً لإلتزام الفائز السياسي بمراعاة الخاسر! في التعبير الشعبي الدارج يستخدم بعض أبناء المحافظات والأقاليم الجغرافية في بلدنا كلمة "شعب" لوصف حشودهم الجماهيرية؛ تجد تطبيقات هذا العرف الدارج في اللافتات التي يرفعها أبناء بورسعيد، وأبناء السويس، ومدن القناة، وشمال الصعيد، والإسكندرية، وغيرها، تأييداً لفريق كروي، أو تعبيراً عن موقف معين، فيقولون "شعب السويس يؤيد ..." و"شعب بورسعيد..." وهكذا، لكن "الشرطة العسكرية" -كما شاع على السنة أبناء الميدان- كانت أول جهة في مصر تجرؤ على تقديم تعريف لمسمّى "شعب"، ومن الذي يحق أو لايحق له استخدام المسمى، عندما أقدمت على فض اعتصامات الميدان منذ شهر مارس بعد خروج الإخوان المسلمين من الميدان بخطبة القرضاوي الشهيرة، عندها بدأت الشرطة العسكرية سلسلة فض الاعتصامات واحتلال الصينية، وعندما سئل بعض أفرادها عن سر عدم تدخلها أحياناً، بينما يستجيب المجلس العسكري لطلبات الحشود أحياناً أخرى؟ كان الرد أن "احتشاد بضعة آلاف يعتبر في مفهوم الشرطة بلطجية تفض اجتماعهم.. ومائة ألف تجمع تحاصره.. لكن مليون يعني شعب" لذا استجاب المجلس العسكري لبعض طلبات من بدا "شعبا" منذ فبراير وحتى اعتصام 8 يوليو 2011! بعبارة أخرى، الجدل حول "تمثيل الشعب" أو قطاع منه، وحق التعبير باسم قطاع معين، هو أحد الأمور الجوهرية في عملية التحول الديموقراطي في مصر، فحق اعتصام وحق الإضراب الجزئي والكلي، وجق التظاهر والاعتصام لم يشهد تطوراً قانونياً حقوقياً يواكب ما حققه أبناء الشعب على أرض الواقع من ممارسات الاحتجاج، بل إنه منذ انتخابات البرلمان بدأ هذا الجدل حول شرعية الميدان وشرعية البرلمان، وكانت الفئة المجادلة هي صاحبة الأغلبية البرلمانية من إخوان وسلفيين، ثم شاءت الأقدار أن تضطرهم الظروف إلى اللجوء للميدان مرة أخرى بعد البرلمان، فخف الجدل خاصة أن الميدان هو من أجبر العسكر على الالتزام بعقد انتخابات رئاسية، وهو من ساند مرسي خوفاً من شفيق. ثم جاء محتوى الدستور، وطريقة إنتاجه، غير موازية وغير مشابهة لما تحقق على أرض الواقع من حقوق في التعبير. إن سلطة الإخوان المسلمين، برلمانا ثم رئاسة، وعلى خط مواز لها سلطة المجلس العسكري، لم تنجحا في التطور لمستوى يناظر قطاعاً شعبياً معتبراً، وتوجها كبيراً من أبناء الجيل الحالي في بلدنا يتمسك بحق التعبير وحق الشعب في فرض رأيه على الحاكم. وقد كان للفصائل الشبابية التي تمثل عصب التغيير في الجيل الحالي الفضل -ومعظم الجهد- في إطلاق الثورة، ولاتزال تتحمل كل العبء وتقدم التضحيات من أجل عدم العودة لممارسات احتكار التمثيل الشعبي، وإغلاق الطرق أمام المشاركة في السلطة والقبول بتداولها. لكن سلطتة العسكر ثم الإخوان اللتان تعاقبتا على حكم البلاد عملت كل منها على تفريغ الثورة من أغلب مضمونها، وحصرها في أن تكون حركة احتجاجية لها مطالب تم تلبية بعضها، ثم تلجأ لتخوين المعارضين، وانتهى الأمر. على المستوى الشعبي يجد كثير من الناس متعة في اذهاب إلى صناديق الاقتراع، وهو ما تحاول السلطة الداعية للاقتراع تحجيم تأثيره عن طريق توجيه أسئلة الاقتراع بطريقة ملتبسة –خاصة الاستفتاء- تصبغ أحد الخيارين المتاحين للتصويت بصورة الشر أو الخطأ، لتوجيه أغلبية الاختيار صوب ما يتم تصويره على أنه الصواب. لكن تطور اختيارات الناس وقدرة هذه الاختيارات على تشكيل خريطة سياسية جديدة يبدو أمراً مدهشاً، خاصة في نتائج الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة، وهو ما يبشر بحيوية مستمرة في الخريطة التي لاتزال تتشكل، وهنا خوف من أفادوا من الثورة، وسعيهم لإجهاض هذه الحيوية عن طريق الطعن في النعارضة بكل الطرق ومنها التكفير والتخوين. وبينما يشعر كثيرون بضيق طبيعي من الإضرابات كونها تمس الخدمات وتؤثر على حياتهم اليومية، وهو أمر يوجد مثيل له حتى في أعتى الدول الديموقراطية، فالناس تحتار ماذا يفعلون بأولادهم إذا أضرب المعلمون عن التدريس في المدارس مثلاً ما يجعلهم يستاؤون من افضرابات ولا يناصرونها! لذا يساعد وجود إطار قانوني مفصل ودقيق حول تنظيم حق الإضراب، ففي بعض الدول الديموقراطية تلجأ النقابة الداعية للإضراب إلى الطعن القانوني على دعوتها بنفسها، وتنظر محكمة مستعجلة الطعن لتقرر إذا ما كان من حقها الإضراب وفق الشروط القانونية، فإذا أقرته المحكمة يصبح شرعياً ويتم الإضراب ويتجه الرأي العام للضغط على الحكومة للتفاوض مع المضريبن والاستجابة لهم. تبدو هذه الصورة بعيدة الآن عن الجدل القائم حول ألف باء ديموقراطية ومن يمثل "الشعب"، لكن المؤكد أن السلطة القائمة لا ترحب بالديموقراطية، وتسعى لأن تكون المعارضة مجرد ديكور على طريقة مبارك، وتعادي حرية التعبير بأشكالها سواء الإعلامية (من خلال دفع أنصارها لمقاضاة المعارضين) أو من خلال مقاومة الاحتجاج الجماهيري وتخوين المحتجين وتجاهلهم ليمتد احتجاجهم فيبدو معطلاً للأعمال، لكن أخطر ما لديها ولم يتوفر لمبارك أو للمجلس العسكري ليس وجود الأنصار والمؤيدين، فلم يعدم الآخرون ذلك، إنه استبدال مفهوم "الشعب" كدلالة على الجماهير، ليحل محله الانتماء الديني والانحياز لجماعة معينة، فيتم الترويج لبدائل لكلمة "شعب" الأصلية، مثل "الأهل" و"العشيرة" و"المؤمنون"، وهو استخدام "سياسي" خطير يؤدي للانقسام والقطيعة بين مكونات المجتمع، وتخدع درجة الولاء الناتجة عنه، فالولاء الشديد من التابع يشجع على مزيد الطغيان، وهو ما غر بمبارك يوماً حيث ظن أن ولاء جندي الأمن المركزي وطاعته المطلقة تغني عن حقائق السياسة وأبحديات العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
#أحمد_غريب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجماهير أسبق من السياسيين: هذه دولة الإسلاميين.. فماذا عن د
...
-
الإسلام السياسي ونزعة الخصومة
-
دستور الإخوان:المقاطعة.. والشرعية
-
مليونية 27 نوفمبر.. الكتلة الحرجة
-
الإسلام السياسي.. الحاكمية.. والبطولة الغائبة
-
الأصابع الخفية
-
ماذا حدث لسوريا؟
-
-الخطة بوتن-
-
-والله الموفق-
-
المشير
-
بروفات مواجهة إسرائيل
-
إسرائيل تتحدث
-
فن الجماهير: كلمة السر -منقول-
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|