|
العمالُ والطائفيةُ: أثرُ القومية
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 3970 - 2013 / 1 / 12 - 07:24
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
تخلخلُ الطبقاتِ العاملة في المنطقة واكبهُ نمو الثروة النفطيةِ بتغيير أسعارها ولعبَ ذلك دوراً رئيسياً في التحولات سواءَ كان نمواً إصلاحياً أو اضطرابات سياسية. لقد قادت منطقةُ الشام ومصر الدولَ العربيةَ في عمليةِ النهضة الليبرالية القومية التي توقفتْ بسبب سيطرة الموديلات العسكرية الشمولية. وبهذا فقد بدأت منطقةُ العراق والخليج وإيران بقيادةِ المشرق، والتي كانت أقلَ تطوراً اجتماعياً وسياسياً، وذاتَ جذورٍ مذهبية سياسية لم يتم تجاوزها، ومن خلال مستوياتٍ مختلفة فيها. هذه المنطقةُ لم تستطع عبر تاريخِها السابق أن تصعدَ الوعي القومي - الوطني لكي يكون بديلاً عن الوعي الطائفي السياسي، فظهر ذلك في إيران وأجزاء من العراق بشكلِ المذهبية الشيعية، وفي العراق والجزيرة العربية بشكلِ المذهبية السنية. ونظراً للضعف الديمقراطي الاجتماعي السياسي الطويل في هذه المنطقة فقد قامت الدكتاتورياتُ بحرق المراحل لقفزاتٍ فوضوية تقود إلى الوراء، وذلك عبر مغامرات البعث العراقي والحزب الجمهوري الإيراني، وقد مثلتْ هاتان التجربتان هزاتٍ عنيفةً وخلخلتْ الأنسجةَ الوطنية الخفيفة التي كانت تُغزلُ خلال عقود. الوعي القومي الفارسي أو الوعي الوطني القومي العراقي لم يُجابْهَ واقعَهُ بموضوعية، ولعبتْ الشمولياتُ الحكومية، وخاصة المَلكيات المنتفخة بذواتها وبمحدودة الرؤية السياسية الاجتماعية لها بحيث اعتبرت نفسَها الكلَ المنقذ المهيمن وقتذاك، أدوارَها في تسلمِ فئات البرجوازية الصغيرة العسكرية والدينية المغامرة الأمورَ في دولتين هامتين في المنطقة التي صعد دورُها بفضل الثروة النفطية، فالمَلكياتُ في إيران والعراق لم توسع قواعدَها وتتحالف مع البرجوازياتِ الوطنية والقوى العمالية الديمقراطية، وتركت للقوى المغامرة التلاعبَ بمشاعر الشعوب القومية والدينية، وحين قفزتْ هذه إلى السلطات اتضحَ خواؤها الفكري السياسي وغيابُ البرنامج التحديثي الديمقراطي، مما أدى إلى توسع المغامرات الكارثية على الشعوب وإلى الصراع بينها، وإشاعة الكثير من التمزق بين المسلمين، والقضاء على بذور التحديث الوطني في الجماعات السياسية في المنطقة، بحيث كسرت الطائفيةُ صلابةَ التنظيمات القديمةِ التي حوتْ بعضَ البذور العقلانية الوطنية وصعدتْ بتوسع في التنظيمات الطائفيةِ الجديدة التي أعادتْ طريقة القوميين الفوضوية الخمسينية العتيقة من حيث التنظيم الهلامي والفكر الغائب واستخدام العنف. التنظيماتُ الهلاميةُ التي تضملا بفوضويةٍ بعضَ العامة والمهمّشين والصغار تعبيرٌ عن ضرب الوعي السياسي العقلاني واستخدام المؤامرات وتوجيه المجتمعات نحو المزالق والقفزات، ولكن جرى ذلك في بلدان تفجرت الثروة فيها، عبر استغلال المناطق الفقيرة وفقدان التربية السياسية الديمقراطية. لم تستطع إيران والعراق فهم وإدارةِ الهدف القومي أو الوطني لهما، فالُبنى العائدةُ إلى العصور الوسطى، والمتجسدةُ في كثرةِ الجماعات القومية ذاتِ المظهر الديني، وبغياب ثقافةٍ ديمقرطية نهضوية تشكلها وتحدثها، جعلتهما يتوجهان إلى الحلولِ العسكرية لتجاوز تلك الاختلالات العميقة. ولكن هذه الحلول فجرتْ الكيانين بحراكِ هذه الجماعات الطائفية التي هي مظهرُ الوعي القومي العقلاني الغائب، وفي إيران تم لجمُ هذا الصراعَ بعنفِ الجيش وفي العراق تفجرّ هذا الصراع بغيابِ الجيش. وقد قام المجتمعان الإيراني والعراقي خاصة مع تقاربهما بنشر الطائفية السياسية وكان لها أثرٌ كبير، وخاصة داخل المجتمعات الأقل منهما تطوراً تاريخياً، وكما تضررت الطبقاتُ العمالية، وخاصة في المجتمعين من مسار التطور نحو الفاشية، حيث فقدت أرواحَها وأعمالها وهاجرت بالملايين خارج البلدين، فقد تم استغلال السكان بظروفٍ مادية أسوأ، وبتحويل المنشآت الاقتصادية إلى معسكراتٍ حربية، وجلب عمال أجانب بأجور أدنى وبغياب مختلف الحقوق، بل تم تجنيد بعضهم في الأعمال الحربية. كما حولت القوى المتنفذةُ الاستغلالية المذاهبَ إلى أداةِ تفكيكِ لصفوف العمال والناس، ولم تكتفِ بذلك بل واصلت مشروعاتَها العسكرية الخطيرة نحو امتلاك القنابل النووية وجلب القوى الغربية العسكرية للمنطقة. وأثر ذلك على منطقة الخليج بتعميق الطائفية السياسية وبتر العلاقات بين الأمم الإسلامية، ولم توجد في منطقة الخليج والجزيرة العربية سياسات بعيدة النظر تستوعبُ مدى مخاطر التحولات في الدولتين المجنونتين في مساريهما السياسيين، لتغييرِ أحوال الطبقات العاملة وخلق سياسات اقتصادية عقلانية بعيدة النظر تصعدُ الانتاج الوطني عبر المؤسسات الوطنية والعمال الوطنيين والعرب. لهذا فإن الجنون الطائفي السياسي تسربَ من هذه الاختلالات فتوجهت الموارد إلى الاستهلاك الواسع الحكومي والبذخي وتناقصت الأجور الفعلية مع التصاعد الجنوني في الأسعار والإيجارات، والتوسع الهائل في المؤسسات الاقتصادية المختلفة غير الانتاجية والمعبرة عن فئاتٍ صغيرة في أغلبها، والتي جلبت عمالاً أجانب بأجور متدنية طردت العمالَ الوطنيين وإمكانيات زيادتهم.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إسحاق الشيخ يعقوب وحلمُ شعبٍ (1-2)
-
علاءُ الديب والمحارةُ المضيئة (2-2)
-
الإخوان السوريون والاحتيالُ باسمِ الإسلام
-
الدين والثقافة
-
علاءُ الديب والمحارةُ المضيئة (1-2)
-
عزيز السيد جاسم (3-3)
-
عزيزُ السيد جاسم (2-3)
-
عزيز السيد جاسم (1-3)
-
المشرقُ العربي الإسلامي في مهبِّ العاصفة
-
البناءُ التحتي القبلي العابرُ للتاريخ
-
معسكرانِ متخلفانِ
-
مرحلةُ دخولِ الأريافِ في الديمقراطية
-
انزلاقٌ نحو الفوضى
-
في انتظارِ غودو
-
المذهبيون السياسيون إلى الوراءِ دائماً
-
الإسلامُ التوحيدي والوطنيةُ
-
المحافظون أمريكيين وعربا
-
المذهبيون السياسيون والقومية
-
المذهبيون السياسيون والاستبداد
-
الفكرُ الغربي في حقبتهِ الحديثة
المزيد.....
-
ما هي حقيقة زيادة الرواتب؟ .. المالية تكشف عن جدول صرف رواتب
...
-
WFTU Declaration in Solidarity with the Arrested Unionists i
...
-
العملاق الألماني فولكسفاغن يعاني: إضراب وسط تفاقم الأزمة!
-
ألمانيا.. إضراب ما يقرب من 100 ألف عامل في -فولكس فاجن-
-
بعد مشاركة 100 ألف عامل.. إنهاء إضراب فولكس فاغن التحذيري
-
بيان الذكرى 72 لاغتيال الزعيم الشهيد فرحات حشاد على الع
...
-
دعوى على أبل بسبب -التجسس على الموظفين-
-
المرصد العمّالي يطالب بتحسين البنية التحتية بالقطاع الخاص لت
...
-
المرصد العمّالي يطالب بتحسين البنية التحتية بالقطاع الخاص لت
...
-
” 200 مليون دينار ” سلفة من مصرف الرشيد فورية في حسابات المو
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|