نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1145 - 2005 / 3 / 23 - 12:44
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
قد يهددون أمن وسلامة الناس ,وقد يقتلون مفكرا هنا وهناك,وقد يفجرون مسرحا في هذه العاصمة أو تلك المدينة الوادعة الهانئة ,وقد يتهجمون على طلبة وطالبات أبرياء يمارسون ببراءة طقوس الحياة العفوية من معانقة الشمس,والابتسام , وتجاذب أطراف الحديث ,ومعانقة الصباحات الوطنية الرائعة التي حرمهم منها لص بغداد لعقود طوال, والتجول في الحدائق,أمام الملأ وفي وضح النهار والسير والجلوس تحت ظلال الأشجار الوارفات الباسقات في شط العرب ومدينة النخل والشعراء,وقد يفاجئون الأطفال الأبرياء في المدارس وهم على مقاعد الدراسة ينتظرون قرع الأجراس لتناول الشطائر والحلوى والعصائر والشراب كما حصل في بيسلان,وتحويل أحلامهم البسيطة إلى كوابيسا وموتا أسودا زؤام,ولحمهم الغض الطري إلى فتات صغيرة على السبورات,وقد يحرقون الأخضر واليابس كما فعلوها مرات ومرات,وقد يُشبهون بالجراد الهائج الذي يقضي على الحياة,وقد يكفرون الجميع ويخرجون العباد من أديان الله ,ورسالات السماوات السمحاء,وقد يضربون في كل زمان ومكان, ويزيدون الأجواء قتامة وظلاما وسواد,ولكن هذا لا يغير من حقيقة واحدة أنهم كانوا دوما أعداء للإنسانية و للحياة,وأن الحضارة والبشرية قد لفظتهم إلى الأبد.لقد استغل دعاة القتل من زرقاويين,وحمراويين,وسوداويين,وصفراويين,وصحراويين الدين السمح أبشع استغلال ,وأساؤوا إلى كل الأديان والمعتقدات, وأفلحوا في شق الصفوف,وصُبغنا أمام شعوب وأمم الأرض بلون الحداد,وكبشر متوحشين لا نقيم وزنا للحياة التي وهبها وحرمها الله , وتشويه صورة الإنسان في هذه الديار بأكثر مما حاول الاعداء ولسنوات وسنوات طوال.
تمتد أذرع الإرهاب الأسود الأخطبوطي ,التي ألبسوها رداء الدين والشرائع السماوية السمحاء لتضرب في كل مكان.وملة الإرهاب واحدة في كل زمان ومكان. وتجار الموت بضاعتهم الوحيدة هي الدم والأجساد والأرواح.ولا يهنؤون ويرتاح لهم بال إلا عند رؤية نوافير الدماء تتفجر في الشوارع والأزقة والحارات ,وينتشون لسماع بكاء الأطفال ,ونحيب الأرامل والثكالى, وعويل الأيتام, وهي السيمفونيات الوحيدة التي حللوا سماعها عبر الأجيال.وهم ما زالوا يعتاشون على نشر الكراهية والحقد وزرع الفرقة والبغضاء وهي الأجواء الوحيدة التي يستطيعون فيها العيش والبقاء.
عنف,وذبح, وقتل وتفجير في كل مكان ,وتدمير للإنسان من كل الطوائف والمذاهب والأديان والأعراق , ولا يوفرون هوية أو إثنية ,أو لون من الألوان,في واشنطون,ونيويورك ,ومدريد ,والباكستان,والجزائر,ومصر,والكويت, والبصرة,والرياض,وموسكو,ونيروبي, ودمشق والدوحة وبغداد,وأصبحت واحات كثيرة,ومدنا عزيزة آمنة بؤرا للرعب والظلام والأشباح,يجوب شوارعها الخفافيش والغربان والملثمون من مقاولي قصف الأعمار. وأضحت المدن الجميلة,ومراتع الطفولة البريئة,وموئل الذكريات الطيبة مراكزا لإنتاج وتصدير الإرهاب.ولاشك أن الإرهاب الأسود أخذ طابعا عالميا وصار له الكثير من المريدين والمروجين والعشاق,الذين يعملون سرا وعلانية وفي الخفاء.ويعتبر أسلوب عمل الخلايا المنفصلة والمتصلة عنقوديا بالمركز واحدا من الأسس الهامة التي يقوم عليها أسلوب عمل التنظيمات السرية التي تعمل تحت الأرض.ويعتقد كثيرون ,ومن خلال التصريحات الأخيرة للزعماء المحليين للتنظيم أن هناك الكثير من الخلايا النائمة هنا وهناك الجاهزة عمليا لتنفيذ أية مهمات توكل إليها,وذلك عندما يعطى الضوء الأخضر اللازم لذلك,بالطريقة التسلسلية التراتبية الواردة من القيادات عبر أساليب اتصال خاصة. ولكن في الفترة الأخيرة ,وبعد توجيه عدة ضربات أمنية مؤثرة لبعض التنظيمات الإرهابية,وتضييق سبل الاتصال فيما بينها,أصبح هذا الأمر محدودا بعض الشيء.
وقد كان الاختراق الأكبر هو نجاح دوائر استخباراتية "بطريقة ما"بتصوير الزرقاوي في جلسة حميمة ودافئة ,مع "الربع والأصحاب" ,وقد لا تكون هذه الدوائر "بعيدة" عن هؤلاء,وتفكروا ياأولي الألباب.وهذا يفسر إلى حد ما سبب وجود وتضخيم مثل هؤلاء.ومادام قد تم تصويره بهذه الحال,وعن هذا القرب وضمن هذا المجال ,لماذا لم يقبض عليه ؟من يملك الجواب؟ ولكن مايمكن قوله في هذا السياق,ونحن بصدده الآن,هو أن الخلايا النائمة موجودة ولكن تأثيرها قد لا يبدو قويا وشاملا كما هو عليه الحال بالنسبة لما يمكن الاصطلاح على تسميته بالخلايا الصاحية, والواعية,واليقظة والتي تعمل جهارا نهارا,وتتلقى الدعم والهبات والأموال وتعيش وتنعم تحت عباءة السلطات,وتجتاح المنابر والمناهج والشوارع والمدارس والجامعات والأحياء,وتسيطر على عقول الشبان والصغار,وتمهد لتحول قسم كبير من هؤلاء للعمل تحت الأرض ,وضمن الخلايا النائمة,وفي ظل تغييب متعمد ومقصود لأصحاب العقول النيرة. وهذه المجموعات أخذت شكل تنظيمات حزبية,أو جماعات بشعارات علنية,أو تلك التي استغلت وجود فراغ سلطوي, وأطلقت العنان لفكرها الذي لا يتورع عن الإعلان إرهابيته وممارستها بشتى الأشكال,قد تتخذ طابع القتل والتهديد والاغتيال.
ولو حاولنا تتبع هذه الجموع "الواعية والصاحية" والتي لاتنام لافي الصباح ولاعند المساء, لوجدناها في كل مكان وتمارس عملها برضا من بعض السلطات.ولو تلفتنا يمينا وشمالا وأنصتنا قليلا إلى بعض الأبواق التي تعاني اليوم من كوارث الإرهاب, وتبعاته الخطيرة والمؤلمة لأتينا على عشرات من الأصوات التي تبرر, وتسهل, وتقدم المسوغات لكل الخلايا لنشر الخراب والدمار وزهق الأرواح, وتقوم بعملها وهي مرتاحة ومطمئنة البال. وقد استخدمت هذه الخلايا اليقظة بنجاح لإقصاء كل القوى الأخرى من ساحة العمل . ولو أجرينا جردا بسيطا للأماكن التي خرج منها رموز الإرهاب المحظيين والمدللين سابقا, والمغضوبين لاحقا, لعرفنا بسهولة أين مكمن الخطر الحقيقي, ولما أعيتنا الحيلة في التوصل إلى جواب في هذا الصدد,والقادم أعظم.
يحلو للبعض الكلام بإسهاب وتهويل عن الخلايا النائمة التي قد تضرب في أي وقت,وإبراز خطرها الشديد. فلا تخشوا الخلايا النائمة فهي نائمة وقد لا تصحو إنشاءالله في هذه الألفية, ولكن راقبوا "الخلايا الواعية واليقظية الصاحية", التي تعمل نهارا جهارا ,وتملأ الأبواق والفضائيات صخبا وضجيجا,وتضرب قلاع العقل والفكر بلا هوادة,,وتفخخ النفوس ,وتشحن الصدور بالغيظ والكراهية العمياء ,وتمسح وتغسل العقول والأدمغة ,وتثير الرعب,وتحرض على القتل, وتمهد لفكر الظلام ,وأعمال الإرهاب في كل مكان, لعلمتم كم هو تأثير الخلايا النائمة محدودا ومعدوما,والقادم أدهى وأعظم.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟