أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ياسين عاشور - تشذّرٌ على هامِشِ النّسقِ














المزيد.....

تشذّرٌ على هامِشِ النّسقِ


ياسين عاشور
كاتب

(Yassine Achour)


الحوار المتمدن-العدد: 3968 - 2013 / 1 / 10 - 09:37
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إنّ الشّذرات، تلك التي أمثّل فيها المعلّم الأوّل بين الألمان، هي أشكالٌ للأبديّة، ويتمثّل طموحي هنا في أن أقول في عشر جملٍ ما يقوله واحدٌ آخر في كتاب - ما لا يقوله واحدٌ آخر في كتاب .
(فريديريش نيتشة - غسق الأوثان - الفقرة 51(
الشذرة، جنس كتابة مخيّب للآمال بلا شكّ، مع أنّه الوحيد النّزيه . (إيميل سيوران التمزّق(

الكتابة الشذريّة ; تلك النّصوص المبعثرة، وجيزة ومكثّفة، تحمل في تضاعيفها خفّة المعنى، وثقل اللّامعنى. قد تستوقفك إحدى الشّذرات فتأخذ منك ما لا تأخذه المجلّدات والأسفار المترعة بالكلام : قد تخاتلك شذرة ما فيسقط الكلام عن الكلام وتتفتّت الصّورة لتحملك على إعادة تركيبها : هذه المرّة أمامك ما لا نهاية له من الاحتمالات.
تحمل الشذرة عادةً مادّة انفجارها في ذاتها، كلّ كلمة فيها قنبلة موقوتة، تنتظر من يفجّرها، وإذا تفجّر المعنى تداعت الأنساق وانهارت بعضها فوق بعض كأحجار الدومينو. ينجلي ذلك الزيف، زيف البناءات المنمّقة، لن تدوم تشقيقاتهم المنطقيّة، ستذهب كلّها جفاءً: لتحفظني السّماء من كتابة المطارحات ذات النّسيج الممطّط . يقول نيتشة. (المسافر وظلّه (
يمكننا وسم الشذرة بالشظيّة. هي ما تشظّى من النّسق وصار ركامًا على الهامش، فانعدم المركز. كلّ شظيّة لها من الدفق المعنويّ ما يجعلها واحدةً في مبناها ومتعدّدةً في معناها. كلّ شظيّة هي قطعة خشنة وملساء في آنٍ، تعكس أنوار الشّموس صوب لانهاية الآفاق.
الشذرة في كنهها يأس. يأس من النّسق ومن الحداثة. نيتشة اللذي برع في كتابتها، كان قادحًا لشرارة ما بعد الحداثة حتّى اندفعت من خلاله كالسيل الجارف، وصدقت نبوءاته بعد أن ذاقت الإنسانيّة ويلات الحداثة. نيتشة كان معارضًا يائسًا للنسق وللأنوار الحديثة. وقد أعلنها مرارًا ودون مواربة. جاء في متن ـ ما وراء الخير والشرّ - هذا الكتاب في جوهره، نقد للحداثة لا نستثني منه لا العلوم الحديثة ولا الفنون الحديثة ولا حتّى السّياسة الحديثة .
الشذرة في تجلّيها عودٌ على بدءٍ. إذْ كان الخطاب الفلسفي الماقبل-سقراطي خطابًا متشذّرًا على العموم، لم تجمّده بعدُ صرامة النّسق، فكانت شذرات بارميندس وهيراقليطس طيّعةً منسابةً كسيل من المعاني الناضحة بتفاؤل البداية. أمّا غاسقات نيتشة ولعنات سيوران وشعاب هايدغر فهي طافحة بتشاؤم الغاية. وهي في كلتا الحالتين تجلٍّ لصدق فيلسوفٍ نَثَرَ الكَلام على سجيّتِه.
انتظمت شذرات فلاسفة البداية في سيرورة آيلة إلى النسق ومصيَّرةٍ إليه، حتّى إذا أدركت غايتها انفرط عقدها فانتثرت كالفراش المبثوث. وشتّان ما بين فجر التّاريخ وغسقه. لقد راهن الفلاسفة الأوائل على الإنسان. أمّا فلاسفة الغسق والأفول فقد عبّر نيتشة عن موقفهم من الإنسان بهذه الزفرة: نحن فقدنا أيضا محبّة الإنسان، وتهيّبَ حرمته، والرجاءَ فيه، بل وإرادتَنا له. ألا إنّ بنا سأماً من منظر الإنسان - وما هي العدميّة اليوم، إن لم تكن هذا ؟... لقد سئمنا من الإنسان... (جينيالوجيا الأخلاق (
نختم بشذرة لسيوران. ربّما تفسح للنّاظر التمعّن في عبثيّة هذا الجنس القلق والمقلق، المرتبك والمربك. يقول: لماذا الشذرات؟ سألني ذلك الفيلسوف الشاب مؤاخذًا. بسبب الكسل، بسبب النّزق، بسبب القرف، لكنْ لأسباب أخرى أيضًا... - وبما أنّني لم أجد منها سببًا واحدًا، أطنبت في تفسيرات بدت له جادّة وانتهيت بإقناعه. (اعترافات ولعنات (



#ياسين_عاشور (هاشتاغ)       Yassine_Achour#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العرّاف
- و هل تغيبين عنّي ؟
- مشروع ميثاق العمل الإسلامي - محمّد شحرور
- الإسلاميون و الكذبة المقدّسة : قراءة في أخلاق التدجين
- كنَعِيقِ البُومِ أو أتْعَسْ
- هَمْسُ البَرَاءَةِ
- سَعَةُ البَيْنِ
- فاتحةٌ لروايةٍ لمْ تبدأْ بعدُ
- الكينونةُ مأساةً و استحالةً


المزيد.....




- في تركيا.. ماذا يُخبّئ هذا -الوادي المخفي- بين أحضانه؟
- جورج كلوني منزعج من تارانتينو بعد أن شكك بنجوميته
- فيديو جديد يظهر تحرك القوات الأوكرانية داخل روسيا مع تقدم تو ...
- الخارجية الروسية: نظام كييف الإجرامي يأمر بإطلاق النار على ا ...
- تدريبات بالذخيرة الحية للقوات الأميركية والكورية الجنوبية لت ...
- كيف يمكن أن تساعد -ممرات الهواء البارد- على خفض حرارة المدن؟ ...
- -البحر يغلي- ـ درجات حرارة قياسية في المتوسط للسنة الثانية
- سموتريتش يعلن إقامة مستوطنة جديدة جنوب القدس ويتعهد بمواصلة ...
- المخابرات الأوكرانية تعلن عن سرقة أموال مخصصة لتطوير حماية ا ...
- مصر.. تعديلات مفاجئة على عدد مواد الثانوية العامة


المزيد.....

- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ياسين عاشور - تشذّرٌ على هامِشِ النّسقِ