كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1144 - 2005 / 3 / 22 - 14:05
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
تتقاذف الدول العربية وبلدان المنطقة وشعوبها في المرحلة الراهنة رياح التغيير باتجاهات متعارضة, وهذا التباين الصارخ في طبيعة ووجهة تلك الرياح أضعف زخم حركتها باتجاه الإصلاح التقدمي والعقلاني, ولكنه مع ذلك تسبب وما يزال يساهم في خلق حركة واسعة ومتسعة لكسر حالة السكون واختراق الجمود السائد في مجتمعات هذه البلدان طوال العقود الأربعة الأخيرة, حتى أن الدول التي تعتبر أكثر جموداً وتحجراً واستبداداً وقهراً للإنسان, كالسعودية وليبيا واليمن والسودان وغيرها, أجبرت على الحديث عن التغيير والإصلاح والتقدم, رغم أنها تفهم كل ذلك بغير ما تفهمه وتريده شعوبها وتسعى إليه, وبالتالي فهي تسعى للاحتيال على الإصلاح الديمقراطي المنشود وتركب الموجة لتدير الدفة بالاتجاه الذي يرضي مصالحها ويكبت النزعات التي تعتبرها مضرة بقيمها البالية ورغبتها في البقاء في السلطة.
إن نظرة واقعية منصفة إلى مختلف الدول العربية ودول المنطقة سيجد الإنسان هذه الحقيقة صارخة, رغم الاختلاف في تقييم وتقويم طبيعة ما يجري في كل منها والتمايز النسبي المحدود الموجود في بعضها. حتى الجامعة العربية, هذا الجهاز البيروقراطي الجامد والمتآكل والثقيل والمحمل بأعباء الماضي والحاضر, بدأ يتململ دون أن يمتلك الجرأة على الحركة والفعل والدفع باتجاه التغيير, إذ أن حركته من حركة الدول الأعضاء فيه, فهو حتى يومنا هذا لم يكن بالعامل المحرك والدافع نحو الأمام, بل كان صدى غير مسموع لسياسيات الحكومات العربية والتابع للحركة السلحفاتية لتلك الدول, خاصة الدول المؤثرة فيه والمالكة للموارد المالية التي تصرف عليه وترفض الدفع حالما يخرج عن المرسوم له سلفاً. ولم تكن شكوى أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى دون وجه أو واقع ملموس تعاني منه أجهزة ونشاطات الجامعة العربية.
جميع مؤتمرات القمة العربية واجتماعات وزراء الخارجية كانت تدور في حلقة مفرغة, لا لأنها متصارعة في ما بينها فحسب, بل لأنها جميعاً كانت لا تريد تغيير الحال, فليس هناك أبدع مما كان, وكفى الله المؤمنين شر القتال. ولقد تسببت الجامعة العربية في بعض الأحيان في خنق وإعاقة حركة البلدان صوب التقدم وحل مشكلاتها باسم القومية ووحدة الوطن العربي وما إلى ذلك من شعارات لم تكن مليئة بالمضامين الديمقراطية, بل كانت الرغبة في الهيمنة والاستبداد والقهر للقوميات الأخرى هو المحرك لها والموجه لسياساتها. وهذا التشخيص لا يفرحني أبداً ولا يفرح من يريد لهذه الجامعة أن تسير باتجاه إنساني أخر, ولكن قول الحقيقة ضرورة إن كانت هناك نية للتغيير والإصلاح وسلوك دروب الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية.
واليوم تتحرك الرياح بقوة صوب الدول العربية والجامعة العربية من اتجاهات مختلفة ضاغطة عليها رافعة عن عورتها ورقة التوت التي كانت تستر بعبثية قاتلة ومكشوفة كل الأمراض والبلادة السياسية والبلايا التي كانت تسعى إلى تغطيتها ومواصلة السير عليها.
الشعوب العربية والشعوب الأخرى في دول المنطقة كانت تطالب منذ عقود بالإصلاح والتغيير الديمقراطي واحترام إرادتها الحرة ومصالحها. ولم يكن هناك من يسمع ولا من يجيب على تلك المطالب, فكل الحكام كانوا دون استثناء تقريباً صم بكم عمي فهم لا يفقهون. وأصبح صوت شعوب الدول العربية اليوم عالياً بل صارخاً والمطالبة ملحة ولم يعد إسكاتها ممكناً, رغم الاتجاهات المختلفة التي تسكن فيها.
ثم تحركت رياح الولايات المتحدة الأمريكية باتجاه الدول العربية, إذ أن السياسات التي تمارسها حكومات الدول العربية يمكن أن تنسف مصالح الولايات المتحدة ذاتها في المنطقة وتتسبب في إلحاق أضرار بإستراتيجيتها على صعيد المنطقة والعالم.
كلنا يعرف بإن للولايات المتحدة أجندتها وللشعوب في المنطقة أجندتها أيضاً. ولكن رغم التباين في المصالح, ورغم التباين بين رياح الشعوب في الدول العربية ودول المنطقة, وبين رياح التغيير الهابة على الدول العربية ودول المنطقة من الولايات المتحدة, فأنها مشتركة في تحريك السكون القاتل والمياه الراكدة المتعفنة.
على أثر ذلك بدأت الحكومات العربية تتخذ بعض الإجراءات بأمل أن يساعدها ذلك على تكوين انطباع إيجابي يوحي للآخرين وكأنها سائرة في طريق التغيير والإصلاح الديمقراطي, ولكنها تتخذ في الوقت نفسه كل الإجراءات الكفيلة بإعاقة كل تقدم مطلوب بالاتجاه السليم المنشود.
ما أن هبت رياح الولايات المتحدة حتى هبت القوى القومية اليمينية والشوفينية والظلامية محتجة على كل تغيير يراد تحقيقه في الدول العربية لأنها ترى فيه رياحاً قادمة من الولايات المتحدة, وغشت أبصارها حقيقة المطالب الشعبية بالتغيير والإصلاح الديمقراطي التي ناضلت الشعوب في المنطقة من أجلها منذ عقود. وبين هذه وتلك تحاول القوى الأكثر ظلامية ووحشية إعاقة كل شيء ودفع الأمور باتجاه إشاعة الفوضى والخراب والموت في مجتمعات الدول العربية. لقد أشرت منذ عدة شهور مقالاً أشرت فيه إلى أن استمرار الإرهاب في العراق ودعمه من قبل قوى وحكومات عربية أو من دول المنطقة, سيسهم في امتداده على الدول العربية ودول المنطقة أيضاً, إذ أن القاعدة وغيرها من التنظيمات الإرهابية لها قوى هي في حالة قيلولة, يمكن أن تحركها متى شاءت, وها هي الآن تحركها في الكويت وبيروت وفي قطر, وستحركها في دول أخرى. وهي المشكلة التي لا تريد القوى المضادة للإرهاب أن تنتبه إليها وتعالجها على مستوى الأقاليم والدول في آن واحد. فلم يكن ما حصل في قطر سوى تأكيد ما أشرت غليه. فإشارة من العوفي السعودي فجر مصري نائم في قطر سيارة مفخخة, وهناك العشرات منها تنتظر الأمر في مختلف الدول العربية والإسلامية. وعلينا جميعاً أن نأـخذ هذه الحقيقة بنظر الاعتبار ونتعامل في ضوئها مع الأحداث ومع هذه القوى الضالة والمجرمة.
إن سقوط نظام الاستبداد والعبودية في العراق فتح الطريق على مصراعيه أمام تغييرات جديدة ستفرض نفسها حتى على أعتا الدكتاتوريات في دول المنطقة, وهي مناسبة جداً لتحرك شعبي لا لتغيير الجامعة العربية, بل بالأساس لتغيير الأوضاع في الدول العربية التي ستجد تعبيرها أيضاً على الجامعة العربية ومؤسساتها أيضاً. والتغيير هنا يعني حركة شعبية سلمية واسعة تستطيع فرض التغيير والإصلاح على حكامها وتجد الدعم والتأييد من شعوب الأرض قاطبة والمجتمع الدولي بأسره
أمام اجتماع قمة رؤساء وملوك الدول العربية الراهن في الجزائر جملة من المهمات التي لا يجوز الوقوف أمامها دون تحريك وتغيير مناسبين. فأمام هؤلاء الحكام قضايا لا يجوز ولا يمكن الهروب منها أو عدم مناقشتها, لأنها مشكلات كبيرة تدور في بلدان أعضاء فيها وعدم حلها يقود إلى كوارث كبيرة. إن علينا أن نعجل في تحريك المياه الراكدة والتخلص من الرياح المتعفنة فيها وفتح المنافذ عليها لدخول الماء الجديد والهواء النقي.
إن أمام الدول العربية عدة مهمات مركزية, يمكن تلخيصها بما يلي:
1. إعادة النظر بنظامها الداخلي وأسس عملها وعلاقاتها المتبادلة وطريقتها في اتخاذ القرارات ومدى إلزاميتها لجميع الدول الأعضاء, إضافة إلى موضوع البرلمان المقترح ودوره في السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتقنية والعلمية والعسكرية في الدول العربية.
2. الموقف من حقوق القوميات الأخرى التي تعيش مع الشعوب العربية جنباً إلى جنب, إذ لا بد من تأكيد: حق تلك القوميات أو الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها وحقها في اختيار الصيغة التي تراها مناسبة في العلاقة مع الشعب العربي في كل من هذه الدول. ويمس هذا الموقف المبدئي حقوق الشعب الكردي والاعتراف بالحقوق الثقافية والإدارية للقوميات الأخرى في العراق مثل التركمان والكلدان والآشوريين, وكذلك شعب جنوب السودان وغرب السودان والشعب الأمازيغي في الدول المغاربية. إن الاعتراف بوجود وحقوق نلك القوميات هو الطريق الأوحد لتعزيز الأخوة والتضامن والبقاء المشترك في دولة واحدة, والعكس سيقود بالضرورة إلى الصراع والنزاع وسيل من الدماء دون الوصول إلى حلول ترضي الجميع. الاعتراف بالهويات القومية والثقافية الأخرى التي تعيش مع الهوية العربية في بلد واحد واحترامها والابتعاد عن الإساءة لها تحت أي واجهة كانت هو الطريق الضامن لسلامة أوضاع الدول العربية وسلوكها طريق الديمقراطية والتقدم والمواطنة المتساوية.
3. رفض أي وحدة بين دولتين عربيتين أو أكثر دون إرادة شعوبها واختيارهم الحر الديمقراطي.
4. معارضة كل النظم الدكتاتورية والمستبدة والتي تمارس الإرهاب والقمع ضد شعوبها وعدم الخضوع للابتزاز المالي من جانبها وملاحقة تلك النظم إلى حين الكف النهائي والفعلي عنها. ومن الممكن تجميد عضوية الدول التي تمارس التدخل والإرهاب ضد شعوبها بدلاً من التضامن معها تحت شعار بائس "أنصر أخاك ظالماً أو مظلوما".
5. الاعتراف الكامل بشرعة حقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية, بكل العهود والمواثيق المقرة دولياً وإقليمياً واعتبار ممارستها حقاً وواجباً على جميع الحكومات دون استثناء ومحاسبتها في ضوء ذلك, والعمل من أجل إقامة المجتمعات المدنية الحديثة في كل دول المنطقة.
6. رفض أي تدخل من جانب كل دولة عربية بشؤون الدول الأخرى والالتزام بمبادئ الاحترام والمنفعة المتبادلة وحل المشكلات في ما بينها بالطرق السلمية وبآليات ديمقراطية وعبر الهيئات الدولية والعربية والإقليمية, ورفض الحرب كوسيلة لحل المعضلات.
7. رفض الإرهاب ومكافحته على مختلف المستويات والمجالات والعمل من أجل إزالة التربة الخصبة التي ينمو عليها وفيها الإرهاب بمختلف أشكاله وصور ظهوره وممارساته. ولا بد من تحقيق التعاون بين الدول العربية لكسر شوكة الإرهاب تحت أي واجهة كانت.
8. الدعوة الصريحة والجادة إلى ابتعاد كل الدول العربية عن الذهنية العنصرية والشوفينية والتمييز الديني والمذهبي والعمل من أجل خلق المواطنة المتساوية للإنسان في كل دولة من دول المنطقة.
9. مساواة المرأة بالرجل وتمكينها من ممارسة جميع حقوقها وواجباتها, ومنع التمييز ضدها وحقها في الترشيح والانتخاب إلى جميع المراكز والمناصب في الدولة والمجتمع, ورفع الحيف عنها.
10. تحريم إنتاج واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً والعمل على منع انتشارها وعلى جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من جميع أسلحة الدمار الشامل وتدمير المخزون منها في أي من دول المنطقة.
11. العمل من أجل حل القضية الفلسطينية بالطرق السلمية واستعادة جميع الأراضي العربية المحتلة في فلسطين منذ 1967 وتفكيك المستوطنات الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية, وكذلك في الجولان السوري ومزارع شبعه اللبنانية بالطرق السلمية وعبر التعاون الدولي, ومساعدة الشعوب العربية وشعب إسرائيل من أجل العيش بسلام وأمن دائمين ووفق الشرعية الدولية وبعيداً عن سياسات التطرف والحرب والعدوان الجارية حالياً وتأكيد ضرورة التخلص من العمليات الانتحارية للقوى المتطرفة في فلسطين أو عمليات القتل الانتقامية وهدم البيوت على رؤوس أصحابها والعقوبات الجماعية ضد السكان الفلسطينيين, ثم شجب وإدانة السياسة الشوفينية التي تمارسها حكومة إسرائيل منذ سنوات طويلةً في الأراضي المحتلة وفي إسرائيل ضد العرب.
12. تغيير المناهج التدريسية وتطويرها لصالح فكر الاعتراف بالأخر, بكل الأديان والمذاهب والاتجاهات الفكرية والسياسية, والتسامح وتنمية الروح الحضارية المدنية, والعمل من أجل ربط التعليم والبحث العلمي والتطوير التقني بعمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحديث المجتمع, وعدم الانعزال عن عملية العولمة الموضوعية ووضع سياسات مناسبة لدول المنطقة في هذا الصدد.
إننا إذ نطالب الجامعة العربية بكل ذلك, ندرك في الوقت نفسه بأنها لا يمكن أن تتغير ما لم تتغير طبيعة مكوناتها التي تقرر سبل تغييرها, وبالتالي فالجهد يفترض أن ينصب أيضاً على تغيير واقع الحال في الدول العربية أولاً وقبل كل شيء ووفق الاتجاهات المذكورة في أعلاه وغيرها, وهي العملية الأكثر تعقيداً, ولكنها الأكثر إلحاحاً وضرورة لمجتمعات الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط بأسرها.
برلين في 19/3/2005 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟