أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - خالد الصلعي - خطاب الانهزام ملامحا ولغة















المزيد.....

خطاب الانهزام ملامحا ولغة


خالد الصلعي

الحوار المتمدن-العدد: 3965 - 2013 / 1 / 7 - 18:15
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    



بدءا أقول داخل الأسوار ، وفي الأماكن المغلقة نهتف بأعلى حناجرنا " بالدم نفديك يارئيس أو يا ملك " ، لكن أحدا بعد الخطاب تأبط بندقية وخرج لجبهة القتال للدفاع عن الرئيس أو الملك ، هؤلاء ،هم جبناء القوم وحثالة المجتمع المزيف .
دخل الرئيس بشار الأسد من الباب الرئيسي لمسرح الحمراء بدمشق ، وسط أضواء حمراء ،كرمز طبيعي للون المحبب للرجل ،يخطو خطواته الهادئة بعد أن عودنا في خطابات سابقة برشاقة الخطو وانفتاح الأسارير ، والتلويح ذات اليمين وذات اليسار ،وتوجيه نظراته للأعلى والى كل الجهات . دخل وسط هتافات لا أستطيع التأريخ لها كشاهد على مرحلتي الا مع الراحل صدام حسين "بالروح بالدم ،نفديك يا بشار " ،والتعبير الأصح في هذه النازلة هو "بالصراخ والهتاف نفديك يا بشار " . ففداء الدم والروح له شروطه .
وهذا الشعار أو الصياح حين يردد داخل قاعة مغلقة يكون تأثيره شديد الوقع على المعني بالأمر ،لأن طبيعة المكان المغلقة التي تضاعف من قوة الصوت مستعينة بدفء الأجواء والمحيط ، وبسينوغرافيا المكان الذي هو أصلا مسرح ، تعطي للرئيس انطباعا بتصديق فحوى الهتاف وان كان في صميمه يدرك أنه هتاف مصطنع ومغشوش ،ومبني على مصالح فردية لا أكثر ، لكن طقوس الهتاف تغري بتصديق الكذب ، والثقة في المنافقين ،خاصة وان الهتاف استمر زهاء أربعين ثانية ، وهو وقت كفيل بالتلاعب بالعواطف المرتبكة لأي شخص في مكان الرئيس بشار الأسد ، الا قلة من الدهاة الذين قد يجود بهم التاريخ في مراحل طويلة .
ساد الصمت ثانيتين ،قبل أن يبلل الرئيس ريقه من كأس ماءأخذه من منصة الخطاب ، وتعلو التصفيقات ، ثم يبدأ الرئيس خطابه .
يبدأ الخطاب بلغة عاطفية شاعرية تضرب على وتر الأحاسيس والمشاعر ، باعتبارها حمولة انسانية لايتجرد منها الانسان ولو كان سفاحا ومحترف قتل ، اذ عندما يصاب أحد أقربائه كالأم أو الأب أو الأطفال يذرف الدموع أو تتراقص في عينيه ، وقد وردت كلمات الأحاسيس والمشاعر في صلب الخطاب ،وخاصة في دقائقه الأربع الأولى التي اختار لها كاتب الخطاب أن يجعلها مقدمة تتأسس على لغة الوجدان ،لاستمالة أكبر قدر من التعاطف واستدرار الدعم والمشايعة ، لكن الملاحظة التي لاينبغي تفويتها هنا ، هي بلع الرئيس لريقه بعد دقيقة وستة وثلاثين ثانية ، مع العلم أن قبلها بنفس التوقيت رشف رشفة ماء ، مما يحيل الى جفاف مهول في الغدد غير الصماء Exocrine Glands المسؤولة عن انتاج اللعاب والسوائل المرتبطة بالحنجرة ، وهذا ما يفيد أن هناك نوعا من التصحر في الهرمونات المفرزة للسوائل ،بما يعني أن الجسد ككل يتعرض لارهاق شديد ، لاتستطيع أي مواد خارجية أن تعوضه عما يحتاجه داخليا ، وان كان ماء ، وهو سكينة الروح والنفس والدماغ .
بعد ثلاث دقائق يعرج الخطاب الى لغة الاشراك ، وتحميل المواطن مسؤولية الدفاع عن الوطن ، وعرض أوهام المعارضة ،ويصبح فجأة الوطن للجميع ، وهو نفس الوطن الذي كان قبل أشهر مسجل حسب الفصل الثامن من الدستور السابق باسم حزب البعث العربي الاشتراكي ، ويغدو الموقف دفاعا والفكرة دفاعا ، ودعوة المواطن البسيط للدفاع عن وطن يريد رجل واحد الحديث باسمه. ان محاولة الاستناد الى المواطن ومخاطبة الجميع بتحمل مسؤوليته ، هو احتماء أخير بجدار انهار كلية ، ولم يعد بالامكان ترميمه واعادة بنائه الا بمواد جديدة ،غير تلك المستعملة .
اما تعريف الثورة الذي ساقه الرئيس بشار الأسد فهو تعريف بورجوازي متهافت ، لايقر به الا منظري الكراسي الوثيرة ، والا فان ثورة فرنسا التي تعتبر أم الثورات الحديثة شاهدة على تهافت التعريف الأسدي للثورة ، ولن ندخل في تقاطعات الثورة الفرنسية والقطائع التي كانت تعرفها ميدانيا والانطفاءات التي شهدها مسارها الطويل ، لكن ما يهم هنا هو التنبيه الى ايتيمولوجية الكلمة ،ومعناها الأولي باعتبارها تمرد على واقع الأمر ومحاولة تغيير الوضع القائم اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا ، ثم يأتي العامل الثقافي في المرتبة الرابعة ، وبذلك يكون تعريف الرئيس بشار كمن يضع العربة أمام الحصان .
ان التركيز على موضوعة تقسيم سوريا ،وعلى الفكر التكفيري ،وعلى القاعدة برغم حقيقة الأمر ، لايمكن التعويل عليه لتقديم شخص فرد كمخلص ومنقذ وحيد لبلاد ، ففكرة الواحدية وعقيدة الواحدية هما البنيتان اللتان ارتكزت عليهما كل الأنظمة العربية ،والمسؤولتان المباشرتان على تأخرنا وتقهقرنا ، ومهما استعصم بهما قائد أو حاكم ما ، فان الشعوب العربية أصبحت قادرة على تحميل المسؤولية المباشرة للمسيئ لها ولواقعها ولمصيرها ومستقبلها ولو كان رئيسا أو ملكا.
نعم لم يصرح أي مسؤول سوري أنه اختار الحل الأمني ، لكن واقع الحال يقول أن كل المسؤولين السوريين راهنوا على الحل الأمني ، منذ توقيع وثيقة اعلان دمشق سنة 2005 من مختلف القوى والأطياف السياسية السورية ،لكن الاعتقال والاضطهاد والنفي كانت هي العملة الرائجة في حق المنتسبين الى هذا الاعلان المتقدم .ولنا في مانديلا سوريا السيد رياض الترك دليل ناصع في الحل الأمني .
لا يمكن الحديث في خطاب الرئيس بشار عن خطاب يؤسس لمرحلة جديدة ،أو يبحث عن حلول كفيلة باعادة الهدوء الى سوريا الجريحة ،فهو خطاب غير متزن وغير مكتوب وفق رؤيا موضوعية ،تفترض الدقة والحكمة ، فالحديث عن دستور جديد ،لايعني الاشيئا واحدا ،هو أن كاتب الخطاب لايفقه شيئا في معنى الدستور ،وكأنه دفتر وسخ ، سرعان مانرميه لنقتني دفترا آخر ، فلم يمض على دستور سوريا الجديد الا أشهرا معدودات ،والحديث هنا عن دستور جديد يعني أن العمق السياسي والمؤسساتي والاجتماعي عند الرئيس شأن تافه يمكن تغييره في أي وقت ، كما يغير بنطلونه ، بما سيجعل الأمر سابقة تاريخية ودستورية ليس لها مثيل . وهذا لا يحيل الى على مدى التخبط الذي وجد نفسه فيه صانع القرار السياسي ، وأن الدستور السوري الأخير الذي بلغت نسبة التصويت عليه 57 في المائة ونسبة الموافقين وصلت 87 في المائة ،بما يعني أن هذه الشرذمة من المعارضة فرضت على الرئيس تنازلا سياديا وشعبيا ، يضعه في تناقض صريح مع مجمل مضمون الخطاب .
يبقى الخطاب في عمومه خطابا عاطفيا يناوش الوجدانيات ، في مقام يستوجب خطابا عقلانيا ورؤيويا ، يجنب البلاد مزيدا من اراقة الدماء ، ومزيدا من قوافل الشهداء ، ومزيدا من الدمار والهدم والخراب ، وهذا ما تجنبه خطاب بشار الأخير ، تجنب الحديث عن الدمار وعن الشهداء والمهجرين واللاجئين والجوعى والعراة والبؤساء ، مما يعني أن تحاشي هذا الواقع المشهود الذي بات يعاني رزأه المواطن السوري الأبي ، وهي اشارة واضحة تكفي للتدليل على سياسة الهروب الى الأمام . فبرغم استدراكه في الأخير للترحم على الشهداء ، الا أن ثناءه على الجيش والجنود مرتين ، قبل الثناء على المواطنين مرة واحدة ، كلها دلالات واضحة على الرهان الخاسر الذي يتشدد الرئيس السوري في ركوبه .
وبالعودة الى قراءة ملامح الوجه ،باعتار أن الوجه هو مرآة الشخصية ، نستطيع الجزم أن ملامح الرجل هي ملامح شخص منهك نفسيا وجسديا ، وقد أتيت على بعض الملاحظات سابقا ، ومقارنة سحنة وملامح بشار الأسد في هذا الخطاب مع الخطابات السابقة التي كانت تتميز بنظرات وثابة تعطي انطباعا واضحا بخفوت هذه النظرات وامحائها ، كي تحل محلها نظرات أقرب الى الخجل ، نظرات انهزامية ، لا تعلوها طيلة أكثر من خمسين دقيقة اي مسحة مبتسمة ، كما تعودنا على بشار الأسد في الخطب السابقة ، مع تقلص للجبين صاحب الرجل طول مدة الخطاب ، وهو أمر غير عادي بالنسبة لانسان في حالاته الطبيعية ، وملازمة تعقد ما بين الحاجبين ، وضمور العينين وتراجعهما عن مستواهما المعهود كما في خطاب أفريل من سنة 2011 حيث كان الرجل يضحك ملء فيه ، ويقهقه في انشراح بين .
ان استقرار ملامح الوجه مدة تزيد عن أكثر من خمسين دقيقة يؤكد في علم قراءة الملامح ، أن أعضاء الوجه قد تعودت على حالات التجهم والانقباض والحزن العميق ، مما أفقد الرجل عفويته وقدرته على تغيير ملامح وجهه ، حتى في مقامات التحدي وسحب البساط من تحت اقدام المعارضة الخارجية .
هذا ولن أنسى كمهتم باللغة وتراكيبها ، ذلك الخطأ اللغوي في الجملة الآتية ..وهناك أمهات فقدت ....فقد كان الأنسب والصواب جمع الفعل وصياغته على قياس جمع المؤنث السالم ...أمهات فقدن ....لأن فقدت هو فعل يحيل على المؤنث الفرد الغائب ، اذ يمكن عكس الجملة لتصبح صحيحة ، فنقول...فقدت أمهات ...أما حين يسبقه الفاعل الذي هو مبتدأ هنا ، فان الفعل يجب أن يصرف في صيغته الحقيقية وهي صيغة جمع المؤنث السالم . اذن فعلى مستوى صياغة الخطاب ، حدثت هناك أخطاء جمة ، توحي بالظرفية وبالضغوط التي كتبت في أجوائها مضامين الخطاب . وهو ما يؤشر حسب قراءات عديدة أن الرجل يمر بمرحلة انهزام حقيقية ، وربما كان هذا الخطاب رد فعل على تلك القراءات .



#خالد_الصلعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طين جا.........طين جا
- النظام المغربي وواقع السياسة
- عصر الشعوب مرة أخرى
- السنة الماضية _1_
- البرلماني والمواطن وحقوق الانسان
- نقاش مع وزير الخارجية الروسي
- الشعرية المبكرة -شارل بودلير-2-
- الدولة الانشائية
- أمطار الجحيم -رواية-16-
- الشعرية المبكرة -1-
- بارمينديس يتهجى أفكاره
- الفيتو الأمريكي والصمت العربي
- تعزية لا شماتة
- الشريعة أم السياسة-3-
- النفاق أو لغة الكون
- العرب والانقسام الأزلي
- شهود لا متأثرون
- الشريعة أم السياسة_2_
- في مفهوم التواضع
- اعدام شاعر


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - خالد الصلعي - خطاب الانهزام ملامحا ولغة