أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبدالوهاب حميد رشيد - اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل الخامس عشر















المزيد.....



اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل الخامس عشر


عبدالوهاب حميد رشيد

الحوار المتمدن-العدد: 3963 - 2013 / 1 / 5 - 17:49
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


الفصل الخامس عشر
السبيل الإنساني للازدهار الاقتصادي
مارك أ. لوتز/ جامعة ماين
Mark A. Luts, University of Maine

ترجمة:حسن عبدالله (و)عبدالوهاب حميد رشيد
مقدمة
الدخول في ألفية جديدة يبدو كأنه المضي يداً بيد مع بعض التوقعات الزائفة، والإحساس بأن شيئاً جديداً جداً، وأفضل، كما يؤمل، بات قريب المنال. إنه زمن التخلي عن الأشياء القديمة والتقليدية لصالح ما هو جديد ومثير.
إن شيئاً كهذا يسري، أيضاً، على عدد غير معروف من الاقتصاديين غير الواهمين، المرعوبين، من الطريقة التي مضى بها علمهم في العقود الخمسة أو الستة الأخيرة. وإذ تعبوا من الوجبات التقليدية التي يقدّمها التيار الرئيسي من المنظِّرين وصانعي السياسة، فإن الكثيرين يتوقون إلى تحقيق اختراق، إلى منظور أو "نموذج" جديد لإنقاذ العالم المضطرب. إن طابع التمني الممِّيز لهذا التفكير ربما شجعَ عليه أكثر الزوالُ الأخير والمفاجئ للمنظور الماركسي الذي ترك فراغاً كبيراً، سواء للأفضل أو للأسوأ، بين منتقدي الاقتصاد الكلاسيكي الجديد.
يؤكد هذا الفصل على أنه كان هناك، منذ البداية تقريباً، منظور آخر، خرجَ من وسط اضطرابات اجتماعية مماثلة لتلك التي نلاحظها اليوم. وهذا المنظور يعود للسويسري ج. سي. سيسموندي J. C. L. Sismondi، في العقود الأولى من القرن التاسع عشر؛ وبفضل عمل أخوته الروحيين ج. أ. هوبزن J. A. Hobson و إي. ف. شوماخر E. F. Schumacher، ما يزال هذا المنظور يطرح بديلاً نقدياً في الفكر الاقتصادي، قادراً على تقديم الكثير في العقود القادمة- وربما القرون القادمة أيضاً. ولغرض التبسيط، نصف هذه المنظور البديل بالمنظور الإنساني في علم الاقتصاد humanistic view، وهو منهج يضع الاهتمام برفاهية الإنسان في الصدارة.
ونظراً لتقديمه في مكان آخر بصورة مفصلة(1)، سأمتنع عن عرض المنظور الإنساني هنا، وأكتفي بهدف أكثر تواضعاً وهو تناول المشاكل المعاصرة بطريقة تماثل طريقة سيسموندي قبل حوالي 200 سنة. وبتحديد أكثر، سوف أدرس بعض المشاكل الحالية التي تبعث على التحدي من خلال إطار يسمح بتناول الوضع الحالي بطريقة سيسموندي: وصف القوى الجديدة التي تعزز التغيير الاجتماعي؛ والانتباه للمشاكل الاجتماعية التي يخلقها هذا التغيير؛ وتشخيص العلل والأمراض، وأخيراً، البحث عن بعض الحلول الهادفة لتحسين الحياة الاقتصادية والاجتماعية. وكما سأبيّنُ، فإن المشاكل واستراتيجيات المعالجة لم تتغير كثيراً حقاً ؛ وكما من شأن الفرنسيين أن يقولوا: ’’Plus ca change, plus c’est la meme chose’’ لنبدأ عملنا بالعودة للسنوات التي تلت حروب نابليون.

اقتصاد أوائل القرن العشرين: صوت سيسموندي
بدأ سيسموندي، وهو أحد أعظم العلماء من جنيف بسويسرا، كمعجب متحمس ونصير لآدم سمث، ولكن أحداث العقد الثاني من القرن التاسع عشر، وزيارته المتكررة لإنجلترا، علّمته حالاً إعادة تقييم الأمور. وكانت فرنسا، حينذاك، في عز مرحلة تحول: فالإنتاج القائم على الورش الصغيرة والحرفيين الماهرين أفسح المجال للنظام الصناعي الجديد القائم على الإنتاج الآلي والنظام المعملي. وفي غضون ذلك، كانت التكنولوجيا الزراعية قد شجعت اتجاه تقوية مَزارع الفلاحين الصغار وتحولها لوحدات أكبر؛ وتحولت أعداد من المزراعين الأسريين المستقلين إلى عمال زراعيين بأجور يومية. وفي الوقت نفسه، كانت البلدان الأكثر تطوراً في أوروبا تعاني من أمر آخر، جديد: الدورات التجارية المتكررة في الصناعة، أو "الصناعات الآيلة للسقوط" slumps، التي مالت للضغط بشكل قاسي، وبخاصة على الأقسام الضعيفة أصلاً من السكان. وباختصار، فالعالم الذي وصفه آدم سمث قبل 40 سنة بات مختلفاً جداً الآن، وهي حالة لم تمنع الاقتصاديين الكبار في ذلك الوقت من دعم الفكر السائد والقائم على مبدأ عدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي وتزايد تقسيم العمل والتراكم السريع للمخزون الرأسمالي. وفي غضون ذلك، سعى العمال الجائعون، الذي منعهم القانون من حق تشكيل النقابات، للمطالبة بالإصلاح السياسي، بينما طافت أفواج العمال العاطلين شوارعَ المدن الصناعية بحثاً عن الخبز والعمل. أنه كان زمن الاضطرابات العمالية المستمرة تقريباً التي كانت تبلغ ذروتها في انفجارات عنيفة متقطعة(2).
تعّمقَ القلق الاجتماعي في تلك الأيام بفضل ثلاثة تطورات مترابطة: التفاوت، والفقر، وانعدام الضمان insecurity. مضى المجتمع نحو نوع من التحول، منقسماً إلى طبقات جديدة من السادة والمالكين في مواجهة أعداد متزايدة من "البروليتاريين" proletarians (وهي تسمية استعارها سيسموندي من الرومان). وفي ظل رعاية المشروع الحر، سعت النخب الاجتماعية الآن للربح والتراكم بدلاً من تحسين أوضاع المجتمع ومكوناته. وقد قاد هذا الوضع إلى خلق طبقة دنيا جديدة من العمال المفقرَين الذين يعتمدون كلياً على مستخدِميهم في مجال العمل، والذين كانوا مجبرين على العيش يوماً بعد يوم في حالة قلقة من عدم الضمان التي كانت تتعرض للمزيد من التدهور مع كل موجة جديدة من الدورات التجارية.
وبالنسبة لسيسموندي، المؤرخ والاقتصادي الإنساني الذي نشأ ضمن تقاليد آدم سمث، بدا الوضع الجديد والمعاناة الشديدة لعمال المصانع في تناقض صارخ مع الصورة المتفائلة التي رسمها أستاذه قبل ثلاثة عقود بحيث أنه واجه نوعاً من التحول الكلي Gestalt switch: "فجأة، بدت [الحقائق الجديدة] تتضح في كل مكان، لتفسر بعضها بعضاً، بسبب التطور الجديد الذي أعطيته لنظريتي … وكل ما كان غامضاً حتى هذه اللحظة بات واضحاً، وقدمتْ لي فرضياتي حلولاً للصعوبات التي لم أحلم بها من قبل(3)." ومن ثم، قدمَ سيسموندي التفسير الاقتصادي الكلي الأول للاضطرابات الاجتماعية. إذ رسمَ صورة لاقتصاد يعاني، في وقت واحد، من فيض الإنتاج ونقص الاستهلاك، اللذين تكمن جذورهما في تزايد التفاوت في توزيع الدخل الذي يعزز أرباح القلة ويلحق الضرر بأجور الغالبية. المشكلة الرئيسية كانت في إن تدني التكلفة والأجر التنافسي مالت لإحلال المستهلكين ذي الدخل العالي محل المستهلكين ذي الدخل المنخفض بما أدى إلى وجود ميل، في النظام، لخلق طاقة فائضة أو أسواق متخمة.
أكد سيسموندي على عدم تماثل قوة المساومة بين كلتا الطبقتين: "فالضرورة تضغط يومياً على العامل[الذي] ينبغي أن يعمل لكي يعيش، [في حين إن الرأسمالي] يمكن أن ينتظر ويعيش لوقت ما دون تشغيل عماله(4)." وعلاوة على ذلك، فقد حزنَ سيسموندي للصراع التنافسي الذي يدفع المتنافسين للبيع بسعر أقل من خلال تقليل تكاليف الأجور عبر الاستعمال الذي لا يرحم للآلات الجديدة التي كانت تميل إلى مفاقمة الأمور أكثر(5).
ومع ذلك، لم يدعِ سيسموندي قط بأن الأزمة وعدم التوازن الناشئيْن سيدومان للأبد، بل استنتج حالاً بأن الاقتصاد الكلي، بعد عملية تسوية طويلة نوعاً ما ومؤلمة، سوف يستعيد توازنه الاقتصادي الكلي أخيراً. ولكنه انتقد اقتصاديي زمانه، وبخاصة ديفيد ريكاردو، لإهمالهم الوقت والمعاناة الإنسانية التي يأخذها الاقتصاد عند حركته من حالة توازنية محددة إلى أخرى. المشكلة، بحسب سيسموندي، تكمن في ولع الاقتصاديين "برمي أنفسهم على التجريدات التي تجعلنا نستبعد الكائن البشري من المشهد تماماً". وقد حذرَ سيسموندي معاصريه أن يكونوا على وعي من "نظرية التوازن هذه التي تعيد ترتيب نفسها تلقائياً [وتدّعي] بأنه ليس مهماً في أي طرف من الميزان يضع المرء أو يأخذ عند الوزن لأن الطرف الآخر سيكيف نفسه بسرعة". ففي العالم الحقيقي الذي يفتقر إلى القابلية الكاملة لحركة كل من العمل ورأس المال، فإن التكاليف الإنسانية لتكيف السوق تبدو مهمةً جداً وتأخذ فترة طويلة لا يمكن إهمالها. والاقتصاد السياسي، بالنسبة له، كان علماً أخلاقياً، وليس علماً رياضياً؛ وأنه شعرَ بأن من الخطأ أن تقودنا الأرقام فقط دون اعتبار أيضاً لحاجات الإنسان ومعاناته(6).
وفي حملته الشديدة على التجريد abstraction (الذي بلغَ حد القول بأن "كل تجريد هو خداع دائماً")، أوضح سيسموندي همه الأساسي من خلال التشكيك بالتحليل المبسط الذي يشكل أساس فكرة حرية التجارة العالمية، كما طرحها الاقتصاديون في صراعهم ضد قوانين الحبوب البريطانية. لفتَ سيسموندي الانتباه إلى حقيقة إن واردات القمح من أوروبا الشرقية، التي كان ينتجها منتجون أقنان، لم تكن تكّلف بائعيها شيئاً أساساً مما يهدد ليس فقط الزراعة عالية التكلفة في إنجلترا، بل الزراعة ككل، وتساءل: ماذا سيحصل للعمال الذي لن يعودوا مطلوبين في تلك المهنة؟ ما هي التكلفة بالنسبة للطبقات العاملة في الصناعة لحفظ أنفسهم وأسرهم؟ ماذا سيفقد رجال الصناعة من تجميد استهلاك كل طبقة العمال الإنجليز الذي يشكلون نصف سكان البلاد تقريباً؟ ماذا سيحصل لشرف إنجلترا إذا كان بوسع قيصر روسيا، كلما أراد تنازلاً ما من إنجلترا، تجويعها بغلق موانئ البلطيق(7)؟
وهكذا، كان هناك عنصران جوهريان وراء الاضطرابات الاجتماعية في تلك الأيام، بحسب سيسموندي: أولاً، الفصل الجديد للعمل عن الملكية بسبب مساوئ المنافسة competitive disadvantage وتدهور المزارعين الصغار والحرفيين. وهذا بدوره تسّببَ في زيادة حساسية عجز الطلب الكلي، وعدم الضمان والفقر (اللذين هما من صنع الإنسان)، المصاحبيْن، اللذين كان على الجماهير الواسعة أن تكافح ضدهما. والعنصر الثاني هو الواقع التعيس المتمثل بأن الفكر السائد للعلم الاقتصادي ساندَ نظرية ستاتيكية ومجردة للتوازن، تصرفتْ كمخّدر اجتماعي أكثر مما كعلم اجتماعي. وبإصرارهم، وفق المنطق المجرد، على إن عجز الطلب الكلي لا يمكن أن يكون السبب للمشاكل الواضحة للفقراء(8)، فإن الاقتصاديين شلوا العلاج الفعال وأوصوا، بدلاً من ذلك، بأن علينا أن نثق برعاية اليد الخفية التي تعمل في نظام السوق التنافسي بعيداً عن التدخل الحكومي(9).
مفترضاً هذين السببين، اقترح سيسموندي علاجاً من شأنه توحيد الملكية والعمل على شكل إجراءات "تربط مجدداً مصالح أولئك الذين يتعاونون في عملية الإنتاج بدلاً من المواجهة بينهم"، وأوصى أن يقوم التشريع بتشجيع وضع جديد "يمتلك فيه العامل، بعد فترة تجربة، الحق بملكية الشركة التي يعمل بها"، واقترحَ، بتحديد أكثر، نظام مناصفة للمشاركة بالربح بين رأس المال والعمل(10). وعلاوة على ذلك، على الحكومة أن تتدخل لجعل صاحب العمل، سواء أكان رأسمالياً أم مالك ارض، مسئولاً قانونياً عن إعالة العمال أثناء الموسم الميت، أو المرض، أو الشيخوخة، وليس مجرد تحويل تلك النفقات إلى الجمهور عموماً، بما في ذلك الفلاحين والمنافسين من صغار أصحاب الأعمال. لماذا ينبغي على الأخيرين مساعدة الأول(11)؟ في ظل هذا المقترح، سيكون هناك المزيد ممن يعملون في الحقل، وسيمنع المقترح" أن يقّدم كل فرد مصالح مجموعته على المصلحة المشتركة، [ولن يتم بعد الآن نسيان] أن يترتب عليه بدوره أن ينهض، من خلال صدقاته الخاصة ومساهماته في المستشفيات أو من خلال ضريبة مساعدة الفقراء، بأعباء مساعدة البائسين التعيسين ممن يعمل على خلقهم(12). بهذه المخططات، التي تجند الحكومة كحامي للفقراء، سعى سيسموندي لمعالجة الضرر الناجم، عن انتصار المصنع ونظام الأجر، وإعادة دمج المصالح الخاصة بالمصلحة العامة.
وعلم الاقتصاد، أيضاً، لابد من إعادة توجيهه وحمله "للأمام لأرض جديدة". اقترحَ سيسموندي علماً جديداً للاقتصاد السياسي يمتنع عن التنظير القائم على التجريدات النظرية، ويركز على الرفاهية الإنسانية أكثر مما على الثروة الوطنية. فبتشديده على قانون ساي Say’s Law، وإيمانه بالتكيف التلقائي السريع للأسواق، وتركيزه على الثروة المجردة، فإن الاقتصاد السياسي لن يقدر على فهم أو منع الفواجع التي تصيب الكثير من المواطنين. وبخلاف العلوم الطبيعية، فإن المراقب هنا مدعو لملاحظة المعاناة غير العادلة الناجمة عن المؤسسات المخلوقة اجتماعياً والتي تصيب الفقراء والضعفاء. وبالنسبة لسيسموندي، فإن على الاقتصاد السياسي، الساعي للرفاهية الإنسانية، الاهتمام بتعميم منافع الثروة بحيث تتم تلبية الحاجات المادية الأساسية لكل فرد. وفي كل ذلك، نظرَ سيسموندي للأمام لمسافة زمنية بعيدة، "حين تكون أفكار الاقتصاديين المتآلفة قادرةً على توصية السلطة ذات السيادة بإجراء تغيير في نظام القوانين(13)." واليوم، ورغم إن الفكر الأرثودكسي السائد أعار القليل من الاهتمام لما توجبَ على سيسموندي قوله، فأنه يعتبر رائد التشريع الاجتماعي في فرنسا، كما يُقال أيضاً بأنه قد استبق الكثير من الثورة الكينزية التي حدثت بعد حوالي 100 سنة من وفاته.

اقتصاد أواخر القرن العشرين: منظور إنساني
في الوقت الحاضر، نواجه مرة أخرى نوعاً من التحول مدفوعاً، إلى حد بعيد، بسقوط الشيوعية، فاتحاً العالم كله لأداء قوى السوق الحرة تحت مظهر العولمة: اندماج التجارة، والتمويل، والمعلومات التي تخلق السوق العالمية والثقافة. وكآثار مُصاحبة، كنا وما نزال نشهد خصخصة أعمال وتعامل تجاري commercialization على مستوى العالم. ومرة أخرى، وكما كان عليه الحال قبل 190 سنة، يلقى التحولُ الدعمَ والتشجيع الواسع من التعاليم العالمية الآن للاقتصاديين الذين لا يتعبون من تذكير الجمهور بمزايا المشروع الحر، وحرية التجارة العالمية، وحرية حركة رأس المال.

الاضطراب الحالي
على خلاف العهود المؤلمة في أوائل القرن التاسع عشر، فإن الاضطراب الاجتماعي-الاقتصادي الحالي هو شيء نألفه جميعاً ويمكننا أن نشعر به شخصياً. في كتابه الجديد، The Future of Capitalism، يخصص لستر ثورو Lester Thurow فصلاً كاملاً لوضع مخطط شامل، أو "خريطة"، للوضع الحالي(14). وفي ذلك الفصل، يقدم لستر صورة موثّقة، وقبيحة نوعاً ما، للتفاوت المتزايد في الدخل والثروة، والهبوط المتواصل للأجور الحقيقية، والبطالة الجديدة والثقيلة في أوروبا، وانعدام الضمان المتزايد بسبب الظاهرة الجديدة: "تخفيض الحجم" downsizing، ونشوء "البروليتاريا الرثة" الجديدة كما تتجلى في ظاهرة المشردين، وتفكك العائلة التي تقوضها القوى الاقتصادية. وإذ نقبل هذا التحليل، والبيانات التي يقدمها لستر لدعمه، فليس من الضروري تغطية نفس المسألة هنا، فيما عدا تناول بعض التطورات الجديدة: تفكك دولة الرفاهية، وتصاعد حركة ربط المصير المستقبلي للضمان الاجتماعي بأداء سوق الأوراق المالية، وتعاظم التهديد البيئي الذي يلوح أمامنا، وبخاصة استنزاف غلاف طبقة الأوزون، المنذر بالخطر.
الاضطراب الاجتماعي-الاقتصادي الذي يواجهنا اليوم يشبه عالم سيسموندي من نواحٍ عدة: ومع ذلك، فهذا الاضطراب، في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، لا يمكن رده إلى قوى التصنيع، بل بالأحرى إلى العواقب الناجمة عن التدهور الحالي في تصنيع الاقتصادof the economy deindustrialization. وعلاوة على ذلك، كان اهتمام سيسموندي الرئيسي منصباً على الاضطراب وأسباب عدم الاستقرار الدوري cyclical instability، بينما نواجه نحن اليوم ظاهرة تبدو هيكلية structural من حيث طبيعتها. ومع ذلك، فإن السبب النهائي في الحالتين يعود للمنافسة الهائجة والمختلة وظيفياً التي تمليها ضرورات تخفيض التكاليف لحماية أو دعم دخول مالكي رأس المال.

تشخيص المشكلة
في منتصف الثمانينات، بدأ الاقتصاديون الإنسانيون، مثل جون كولبيرتسون John Culbertson من جامعة ويسكونسن Wisconsin، بتخمين الهبوط المطرد لمستوى المعيشة في الغرب بسبب قوى المنافسة الدولية غير الموجَّهة(15). كان لأفكار كولبيرتسون تأثير قوي على الآخرين، وبخاصة هرمان دالي Herman Daly الذي كان على وشك الحصول على مركز وظيفي في البنك الدولي. ومنذ ذلك الحين، كان دالي يهاجم بقوة المنافسة الدولية غير الموجَّهة والنظرية الحديثة للتجارة(16). وفي هذا الفصل، أعّبر عن تقديري لجون كولبيرتسون لمبادرته بتناول هذا الأمر وذلك بمواصلتي لجهوده بالتركيز على المنافسة الدولية باعتبارها جذر المشكلة. وما دام الاقتصاديون، بحكم سوء فهمهم لطبيعة التجارة، قد تصرفوا على غير ما ينبغي بما أدى إلى عدم تشجيع صانعي السياسة على فهم ومواجهة وحل المشكلة، فيجب عليَّ، أولاً، شرح النقطة العسيرة الخطيرة التي تعوق نظرية التجارة. وكما هو الحال في زمن سيسموندي، فإن أصل المشكلة يكمن في التشبث بنظرية شديدة التجريد وتقوم على فرضيات غير واقعية. وبتحديد أكثر، فحينما ينظر الاقتصاديون إلى "الفرسان الأربعة" في الساحة الحالية في الولايات المتحدة (المنافسة العالمية، والتكنولوجيا، وتخفيض الحجم، ونمو قوة عمل طارئة) عبر عدسات نظرية التجارة الدولية، وبخاصة مفهوم الميزة المقارنة comparative advantage، فأنهم يبصرون صورة مشوَّهة وزائفة ليس فيها للمنافسة العالمية أي ذنب، بحيث يُلقى اللوم على التكنولوجيا. دعونا نناقش باختصار الجانب الإشكالي العميق الذي يشّوش نظرية الاقتصاد الدولي المعاصرة.
يعود مفهوم الميزة المقارنة، كقوة دافعة للتجارة بين البلدان، إلى زمن سيسموندي حينما أوضح ريكاردو الفكرةَ لأول مرة، ولكن فقط في سياق انعدام قابلية رأس المال على الحركة بين الحدود الدولية zero capital mobility. بالنسبة لريكاردو، كان مفهوم الميزة المقارنة قابلاً للتطبيق لأن الرأسماليين في أيامه كانوا ينفرون من إيداع رؤوس أموالهم لدى الأجانب والقوانين الأجنبية(17). أحد المؤسسين للنسخة الأحدث من نظرية التجارة لديه تحفظات أيضاً، وهو يحذر من إن كل حجة حول المكاسب من التجارة الدولية تخضع لتحفظ قوي جداً. وهو يؤكد على إن هذه الحجة تقوم على تجريد عميق far-reaching abstraction، وهو إن التجارة لن تؤثر على عرض عوامل الإنتاج(18). ولكن سرعان ما اعتاد الاقتصاديون على التمسك بالتجريد العميق (الأفضل: التجريد المتكَّلف أو ضعيف الاحتمال far-fetched) بافتراضهم فقط انعدام قابلية رأس المال على الحركة بين البلدان، ومن ثم النظر إلى العالم بهذه الصورة. لدى كل بلد مقدار من العمل ورأس المال، وإن الحصة النسبية لكل بلد منها تقرر ميزته المقارنة. وفي الفترة الأخيرة، وربما بقصد تجنب الإدراك المتزايد بأن عالمنا الواقعي لم يعد العالم الذي يتمتع فيه كل بلد بمقادير ثابتة من العمل ورأس المال، فقد حدثَ تغيير معين: فبدلاً من الحديث عن العمل ورأس المال، فإن اقتصادييّ التجارة يتحدثون الآن عن المقدار النسبي من العمل الماهر الذي يحوزه بلد ما، من ناحية، والعمل غير الماهر، من الناحية الأخرى. ولأن الهجرة الدولية ما تزال في مستوى متدنٍ، فإن هذا التغيير يجعل فرضية اهلن Ohlin عن "التجريد العميق" مقبولة أكثر قليلاً.
وبعد تسلحهم بهذا المفهوم الجديد، يؤمن الاقتصاديون بأن التجارة، لدورها بزيادة الكفاءة والدخل القومي من خلال التخصص الدولي، يمكن أن تعمل الكثير من الأمور الجيدة دون أن تضر قط. إحدى الجواهر التاجية لهذا المذهب هو الاكتشاف النظري بأن بلداً ما، كالصين مثلاً، يمكن أن يكون في وضعٍ يستطيع فيه أن ينتج كل سلعة بتكلفة أرخص من أي بلد آخر؛ ومع ذلك تبقى من مصلحته التخصص بإنتاج وتصدير سلع معينة فقط، واستيراد بقية السلع من الخارج. في هذا العالم الذي تزخر به الكتب المدرسية، ليس هناك ببساطة ما يخيف حينما تكون هناك منافسة مع الأجر الواطئ في الجنوب. منطقياً، ينبغي أن يكون لدى كل بلد دائماً حصته من الصناعات التي يتمتع بها بميزة نسبية، بغض النظر عن مستوى تكلفة العوامل فيه. كما لا يمكن للتجارة أن تؤثر سلباً، بأي صورة، على الإنتاجية والدخول الحقيقية والنمو. وفي الواقع، فإن التجارة، بحسب عالم الكتب المدرسية، هي لعبة مفيدة بشكل متبادل، تسمح للبلدان بالتعاون فيما بينها أكثر مما بالتنافس(19). ولا يثير الاستغراب إن الاقتصاديين، عند تطبيق هذه النظرية، سيجدون إن سبب الاضطراب الحالي لابد أن يعود للنقص في نمو الإنتاجية، وأسواق العمل الجامدة، والتكنولوجيا. والاستثناء الوحيد هو النمو المتواصل في تفاوت الدخول، ولكن حتى في الحالة الأخيرة، فإن التكنولوجيا، وليس تساوي أسعار عوامل الإنتاج بفضل التجارة، هو الذي يُشار إليه بوصفه المتهم الرئيسي(20).
المشكلة هي إن الميزة النسبية تكف عن أن تكون على صلة بالأمر relevant حتى عند وضعها في سياق نوعين من العمل المحلي، لأن المهارات، عند فهمها كمعرفة متجسدة embodied knowledge، لم تعد غير قابلة للتنقل دولياً. فمع تكنولوجيا المعلومات الجديدة، أصبح بوسع، ليس فقط المهن غير الماهرة، بل الكثير أيضاً من المهن الماهرة جداً، أن تتنقل للخارج، وهي تفعل ذلك بالفعل(21). وهذه تغيرات جديدة، يعود الكثير منها إلى تطورين أساسيين. الأول هو حقيقة إن التكنولوجيا الجديدة تسمح للمعرفة أن تكون "غير متجسدة" disembodied، و "مشفَّرة" codified و "متجسدة مجدداً " reembodied في مكان ما آخر. وكل ما هو مطلوب هو برنامج software وجهاز ربط modem واتصال هاتفي. والتطور الآخر يشير إلى آسيا التي تتطور بسرعة في حقل التكنولوجيا. إن إنفاق كوريا الجنوبية على البحث والتطوير (كما يُقاس كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي GDP) يعادل مثيله المرتفع في الولايات المتحدة وأعلى مما في ألمانيا وبريطانيا. وتايوان تتجاوز كندا وإيطاليا، وهي تحتل الآن المرتبة الثانية في العالم من حيث إنتاج الحاسوب الذي يُستعمل كمفكرة(22) notebook computers. وعلاوة على ذلك، تتمتع الصين ودول الاتحاد السوفيتي السابق بقوة عمل عالية التخصص وتقبل بالعمل بجزء من الأجر الذي يتقاضاه الأمريكي الذي يحمل نفس المؤهلات. قد تكون هناك أيضاً مشاكل بالنسبة للمهنيين الأمريكان الذي يشهدون إن مهاراتهم تتحرك عبر العالم من خلال الشركات الأمريكية التي تستورد سنوياً أكثر من 100,000 من الأجانب المؤهلين للتدريب المؤقت مع الأمريكان ومن ثم إرسالهم للمصانع في شتى ربوع العالم لممارسة ما تعلموه(23). المهن الماهرة الوحيدة التي يمكن أن نتوقع منها أن تقاوم بنجاح نقلها إلى أرخص مكان للعمل هي تلك المهن التي يكون فيها الاتصال المادي عنصراً جوهرياً، كما في الكثير من قطاع الخدمة. هنا أيضاً، كما في قابلية تنقل رأس المال، فإن الشركات العابرة للحدود هي التي تزّيت العجلات من خلال عملها "كوسطاء معرفة عالميين" global knowledge brokers. ومن دون هذه الشركات، ربما كنا ما نزال نعيش في عالم شبيه بعالم الميزة النسبية القائمة على المقدار النسبي من المهارات المتوفرة للبلد، ولكنه لم يعد العالم الذي نحيا فيه اليوم. وكنتيجة لذلك، فإن التجارة الدولية تعمل وفقاً لمبدأ الميزة المطلقة absolute advantage. وما لم يتم إدراك هذا الحقيقة الأساسية، لا يمكننا أن نتوقع تفسير الاضطراب الحالي.
في ظل الميزة المطلقة، فإن الإنتاج يكون حيث تكون الربحية أكثر، حيث تكون هناك أقل تكاليف بالنسبة للأسعار العالمية. وكما عبّرت عن ذلك دراسة نظرية، ولو بصورة متطرفة نوعاً ما: "يمكن نظرياً لبلد ما أن يُباع بسعر بخس تماماً، ويتدنى فيه التشغيل والإنتاج إلى الصفر". إن التقدم التكنولوجي أو تخفيضات الأجر في مكان آخر قد تؤدي إلى هجرة الصناعات دون أي آلية لضمان إحلالها(24)." وبطبيعة الحال، لا ينبغي قياس التكاليف الأقل بواسطة مدفوعات العمل فقط، بل ينبغي أيضاً أخذ إنتاجية ذلك العمل بنظر الاعتبار. فليس من شك إن بلداً كالهند، الذي لا تشكل الأجور فيه سوى جزء من الأجور في الولايات المتحدة، يعاني أيضاً من تدني مستويات الإنتاجية المتوسطة(25). فمجرد حقيقة إن الهند تستورد بعض السلع الصناعية من الولايات المتحدة تكفي كدليل على إن تكلفة العمل للوحدة الواحدة في تلك القطاعات الخاصة يمكن أن تكون أعلى بكثير مما في هذا البلد. ولكن في الوقت نفسه، ليس ثمة سبب مسبق يفسر لماذا لا يمكن، في عالم يمكن فيه تنقل رأس المال والتكنولوجيا والمهارات، تخيل أن تجد الهند نفسها، ذات يوم، في وضع تستطيع فيه إنتاج حتى تلك السلع بتكلفة أقل محلياً، على الأقل ما دام هناك فائض من قوة العمل.
وأنا على يقين بأنه، كما في زمن سيسموندي، حينما حبسَ الاقتصاديون أنفسهم بالمنطق الستاتيكي لقانون ساي فعجزوا عن فهم وتقدير طبيعة الاضطرابات الدورية التي كانت تصيب الاقتصاديات من فترة لأخرى، فهكذا هو الحال الآن بالنسبة لنظرية الميزة النسبية وتدهور عملية التصنيع deindustrialization، والنمو البطيء للأجور، وانعدام الضمان. وكما تبين الكثير من الكتب المدرسية الخاصة بنظرية التجارة، فإن مذهب الميزة النسبية يقوم على مجموعة كاملة من الفرضيات تتجاوز فرضية "التجريد العميق" التي أشرنا إليها. وتشمل هذه الفرضيات القابلية الكاملة لتنقل عوامل الإنتاج في السوق المحلية، والتشغيل الكامل، والتجارة المتوازنة(26).
من صفات أي نظرية ستاتيكية أنها تهمل عن عمد المحتوى المؤسسي. ونظرية التجارة لا تشذ عن ذلك. فهي تقوم على فكرة سوق عمل تنافسي تتحدد الأجور فيه بالإنتاجية. كل تبادل يتم طوعاً وبالتالي يمكن الافتراض بأنه مفيد. ليست هناك أي اعتبارات للقوة والتبعية من شأنها أن تؤثر على المساومة بشأن الأجور. وبالمثل، فبسبب فرضية التشغيل الكامل، فالعمال المسرَّحين عن العمل، ممن جعلهم التغيير التكنولوجي زائدين، يجدون بسرعة عملاً في صناعة أخرى. وكما في زمن سيسموندي، فإن السوق يتكيف تلقائياً بحيث يسمح للتوازن الجديد أن يتشكل بسرعة. ولا يثير الاستغراب إن التكاليف البشرية الحقيقية للإزاحة التي تنجم عن التجارة تتعرض للإهمال على العموم حينما يحاول الاقتصاديون إثبات زيادة الكفاءة بفضل التجارة الحرة.
هناك نتيجة هامة لإهمال المؤسسات تخص مسألة معايير العمل. وعلى خلاف النظرية الاقتصادية الأساسية، فإن الأجور في بلد من بلدان العالم الثالث (أو أي مكان آخر لذلك الغرض) لا ينبغي دائماً أن تزداد مع مكاسب الإنتاجية. إلاّ إنها إذا عملت ذلك، فيمكننا أن ننسى السياق المؤسسي لسوق العمل وقضايا مثل الحاجة "لميثاق اجتماعي" في اتفاقات التجارة مثل اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية NAFTA أو الاتفاقية العامة للتعريفة الجمركية والتجارة GATT. ومع ذلك، ففي العالم الحقيقي، فإن متغيرات مثل الحد الأدنى للأجر، والمساومة الجماعية، وقوة نقابات العمال، والتشريع الاجتماعي، تؤثر بالفعل على مستويات كل من الأجر والإنتاجية، وبالتالي فهي تشارك في تحديد تكاليف العمل بالنسبة للوحدة الواحدة. ولذلك، من السهل تصور بلد ما ينطوي على نظام جائر لعلاقات العمل، وينقصه الضمان الاجتماعي، ويضغط على زيادة الأجر بحيث يقدر على منع الأجور من الزيادة بمقدار زيادة الإنتاجية، بما يؤدي إلى جعل ذلك البلد مغرياً أكثر بالنسبة للشركات متعددة الجنسية. إنها استراتيجية سلب الجار تلك التي تميل "لتحقيق الانسجام" harmonize بين معايير العمل على مستوى العالم باتجاه الحد منها. لدينا، هنا، منافسة مختلة وظيفياً حيث ينتهي أخيراً "الفتيان الطيبون" good guys (وهم، في هذه الحالة، المشروعات المسئولة اجتماعياً). إن هذا النوع من التوقع الواقعي يسمح للاقتصادي جيمس ستانفورد بالاستنتاج: "العمل الأجنبي الرخيص" ليس هو ما ينبغي على العمال أن يخشوه، أنه، بدلاً من ذلك، تأثير المؤسسات الكابحة لسوق العمل على العلاقة بين الأجور والإنتاجية الذي (التأثير) يفرض التحدي"، ويوضح جيمس ستانفورد هذه المشكلة من خلال المكسيك في الثمانينات(27). بل المكسيك ليست وحدها. ففي الصناعة، أخذت الأجور كنسبة من القيمة المضافة بالهبوط بصورة متواصلة في معظم البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة. الجدول -15 1.
يبين الميل العام لحصة العمل في الدخل، المتولد في الصناعة، للانخفاض ببطء(28).

الجدول -15 1الدخول الكلية كنسبة من القيمة المضافة في الصناعة، 1970-1992
1970 1990 1992
الولايات المتحدة 47 36 35
كندا 53 46 47
المملكة المتحدة 50 42 44
ألمانيا 46 41 41*
ايرلندا 49 27 26
اليابان 32 33 35
الهند 46 43 38
أندونيسيا 26 20 19
تايلاند 26 16 12
شيلي 19 17 18
المكسيك 44 20 22
ماليزيا 28 27 27
كوريا الجنوبية 25 28 26
* هذا الرقم يعود لسنة 1991؛ وفي حالة ألمانيا، فالأرقام سابقة على توحيد البلاد.

وفي ظل عدم توفر أي بيانات أفضل، لدينا كثرة من الأسباب للشك بأنه، في اقتصاد عالمي، ومع لاعبين كبار كالصين والهند وروسيا، فإن الظاهرة المزدوجة لمنافسة الميزة المطلقة مع الضغوط التنافسية للحد من معايير العمل، لن تخلق عالماً يضمر الكثير من الأمل للأسر العاملة سواء هنا أو في الخارج. وحقيقة إن الاقتصاديين، الذين يحبسون أنفسهم داخل نظرية التجارة وفرضياتها المجردة، غير قادرين على رؤية أي مشكلة تقدم القليل لإضاءة المشهد الكئيب.
يبدو إن محصلة تطورات العالم-الواقعي هذه تصب في تقوية الشركات وإضعاف المجتمع. ومن الواضح إن التهديد الواقعي بنقل عمليات الشركات للخارج قد أضعفَ من قدرة العمل على المساومة(29). فالعمال، الماهرون وغير الماهرين، كانوا تحت ضغط متزايد للتفاوض على أجورهم بأقصى درجة من الاعتدال، مما يفسر ركود نمو تعويضات العمل (أي الأجور) labor compensation في الولايات المتحدة(30). إن الضغوط الجديدة في الاقتصاد العالمي، وبخاصة مطلب ضخامة حجم الأعمال، قادت أيضاً إلى موجة جديدة من عمليات الدمج والاكتساب، ومؤديةً بشكل مفاجئ إلى فائض في العمل(31). ويتبخر ضمان العمل بسرعة وقد بات هماً يومياً لكثير من العاملين(32). نمو قوة الشركات، سوية مع الضغط لتخفيض تكاليف تعويضات العمل، قادت إلى تسريح مجموعة كبيرة من قوة العمل في القطاع غير المرتبط بالنقابات أساساً، كقطاع المصارف التجارية. وفي غضون ذلك، تتضخم أرباح الشركات وأسواق الأوراق المالية في معظم المجالات، مما يخلق استقطاباً متزايداً في الاقتصاد الاجتماعي الذي يمكن، كما في أيام سيسموندي، أن يكون حساساً أكثر وأكثر لضعف الطلب الاستهلاكي في عالم يتعاظم فيه نمو طاقة العرض. ولابد من السيطرة على الوضع الهش، الناشئ، للاقتصاد الكلي وذلك بإنفاق الشركات بلايين الدولارات على الإعلان والدعاية وبتراكم ديون المستهلكين.
كما أضعفت الشركاتُ المسيطرة قوةَ الحكومة، أيضاً، بتقليص قدرتها على فرض الضرائب، وبالتالي قدرتها على تأمين التمويل لدولة الرفاهية(33). إن التخفيضات الحاصلة في شبكة الضمان تقوي أكثر درجة عدم الأمان في الحصول على عمل، وبذلك يتهيأ المسرح لعقلية "فارس الغاب" التي يتزايد انتشارها حيث لا يهتم المواطن بغير نفسه(34). وباختصار، فإن العولمة تخلق "إنساناً جديداً" يشبه كثيراً ذلك النوع الذي تفترضه النظرية الاقتصادية: عقلاني للغاية، وأناني، ويعمل وفق حساباته، وغير قادر على إدراك القيمة المتأصلة أو النبل لدى الآخرين أو في الطبيعة. والمرجح جداً هو إن العولمة تمهد الطريق حتى لمزيد من المادية والروح التجارية- وهذه ليست حلماً إنسانياً على الإطلاق.
والضحية الأخرى لقوة قطاع الأعمال في عالم الميزة المطلقة في التجارة الدولية هي البيئة العالمية، ومعها الأجيال القادمة في العالم. وكما في معايير العمل، فإن التجارة تمارس الضغط للحد من حماية البيئة بتأثير المنافسة. ومرة أخرى، إنه التهديد بتحويل الإنتاج للخارج، حيث تكون الضوابط أسهل كثيراً ، الذي يحمل الحكومات على التساهل في تشديد الضوابط القائمة والنفور من تمرير ضوابط جديدة. وما يفاقم الأمر هو منظمة التجارة العالمية WTO التي تميل لرؤية الضوابط الوطنية لحماية البيئة كإجراءات مسرحية خادعة، يسهل على الشركاء التجاريين تحديها(35).
وأخيراً ولكن ليس أقل أهميةً، فإن التجارة العالمية غير الموجَّهة تميل لتفضيل شركات النشاط الزراعي على حساب صغار المزارعين، وهو أمر تترتب عليه نتائج بالنسبة للبلدان الأقل نمواً. فهي تسّرع من تدفق الناس من الريف إلى المدن الكبيرة، المزدحمة أصلاً والملَّوثة، إضافة إلى زيادة الضغوط من أجل الهجرة(36).
وفي الختام، فإن القضية اليوم، كما يبدو،لم تعد قضية شمال مقابل جنوب، بل هي، وكما كانت في أيام سيسموندي، قضية عمل مقابل رأس المال. والسبب هو المنافسة المختلة وظيفياً التي تدفع معايير العمل والبيئة إلى أقل مستوى ممكن، أو بتحديد أكثر، إلى مستوى البلدان التي ليست لديها معايير على الإطلاق. ويبدو إن منطق العولمة يدفع باتجاه انحطاط شامل وعالمي في حقليْ العمل والبيئة في كل من الدول الصناعية والدول قيد التصنيع الآن. ومن المؤكد إن هذا التشخيص الكئيب يتماشى مع شعور عامة الناس common sense ويتقبله الفرد العادي layman بشكل جاهز تماماً. وعلى المرء أن يكون اقتصادياً أكاديمياً متخصصاً بنظرية الميزة المقارنة لكي يرى الأشياء بصورة مختلفة ومتفائلة أكثر. وقد كتبَ ألان أرنهالت ساخراً من الاقتصاديين الذين يصرون على إنكار أي ضرر ينتج عن التجارة؛ فهم، في نظره، يتمسكون بالمبدأ القائل إن فكرة لوم التجارة " قد تكون جميلة عملياً، ولكنها لا تعمل نظرياً(37)." ولغاية الآن، لا يبدو إن هناك من هو قادر على تغيير هذه الحالة الفكرية؛ وفي هذه المرحلة، لا نملك سوى أن نأمل أن يواجه الاقتصاديون الأكاديميون، أيضاً، المنافسة من السوق الدولية(38)." وفي غضون ذلك، فإن التشخيص المعروض هنا سيتعرض أما للإهمال أو للاستهجان بوصفه علم اقتصاد غير واقعي، بل مجرد عمل صحفي عنيد وينقصه التدريب. وقد جرّبَ سييسموندي الكثير من هذا التعامل حينما حاول إنكار قانون ساي وسياسة عدم التدخل الحكومي. ولحسن الحظ، فإن الحقيقة ليست قضية اتفاق اجتماعي، ولها طريقتها لتأكيد ذاتها، عاجلاً أم آجلاً.

العلاج
من النادر جداً أن تكون هناك حاجة للعلاج من وجهة النظر التقليدية. فعندما يُسمح للسوق أن تعمل بحّرية، فإنها ستتجاوب بسرعة كافية مع التغيرات في الطلب على العمل، التي تحركها التكنولوجيا الجديدة، وبالتالي ينشأ توازن جديد يجد فيه العمال المزاحون مؤقتاً عملاً جديداً في تلك الصناعات الكثيفة أكثر من حيث المهارة. كل ما قد يكون مطلوباً من الدولة هو مد يد العون لإعادة تدريب العمال غير الماهرين نسبياً ومحاولة توفير تعليم أكثر وأفضل للجميع. التعليم سوف يحسّن الإنتاجية والأجور(39). وثمة توصية أخرى ترد من وجهة النظر التقليدية المعروفة وهي زيادة الاعتماد على التخصص والتجارة العالمية لدعم نمو الناتج المحلي الإجمالي ورفع مستوى المعيشة. ومن دون الدخول في التفصيلات هنا، فيبدو إن كل هذه المعالجات هي موضع شك، كما هو شأن التشخيص الذي يقود للتوصية بها. علينا أن نلاحظ المشاكل التالية التي ترتبط بهذا العلاج. أولاً، ليس من المحتمل أن يجد العمال المزاحون عملاً في صناعات التصدير ما دامت المنافسة الأجنبية، في ظل الميزة المطلقة، تستحوذ على جبهات عدة.
ثانياً، توسيع التعليم لا يحدث في فراغ عالمي. وبدلاً من ذلك، فإن كل البلدان تحاول أن تفعل الأمر نفسه، وهناك دول، كالصين وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، تمتلك أصلاً قوة عمل ذات تعليم عالٍ تنتظر فرصتها للدخول للتجارة العالمية. وأخيراً، وعلى فرض إمكان تحقيقه، فمن غير المحتمل لمعدلات النمو الأعلى أن تكون مستديمة من وجهة النظر الايكولوجية التي تشدد على منطق طاقة التحمل المحدودة للأرض(40). سيبين الزمن كيف ستعمل معالجات التقليديين وبأية تكلفة. وفي غضون ذلك، سأقدم بإيجاز بعض الإجراءات التي تتماشى مع المنظور الإنساني لمعالجة الاقتصاد.
عند الحديث من وجهة نظر إنسانية، نحتاج إلى ثلاثة إصلاحات: إصلاح مؤسساتنا السياسية، وإصلاح مؤسساتنا الاقتصادية، وأخيراً، إصلاح العلم الاقتصادي. النوع الأول من الإصلاح لا يهتم به هذا الفصل؛ وقد ذكرته هنا لأنه يمثل، في نظام سياسي ديمقراطي، شرطاً مسبقاً لمواجهة استراتيجيات العولمة للشركات متعددة الجنسية. وهذا الإصلاح ينبغي أن يهتم بإبعاد المال عن حقل السياسة politics وإعادة الحكم إلى الشعب من خلال إجراءات معينة كشن حملة صارمة للإصلاح المالي والحد من تأثير مجموعات الضغط السياسي التابعة للشركات. ونحن نريد هذا الإجراء لكي نضمن أن تعمل الحكومة باسم الشعب بدلاً من التعبير عن مشيئة مجموعة أثرياء يمثلون مصالح الشركات. ومن المحتمل تماما إن خطوة أولى كهذه تفترض مسبقاً مناخاً سياسياً جديداً نوعاً ما، وربما من نوع مبادئ حزب الشعب الأمريكي populism التي من المعقول توقع ظهورها عند استمرار الاضطراب الاجتماعي-الاقتصادي الحالي أو تفاقمه. وبالمثل، لابد من محاولات فعالة لانتزاع وسائل الإعلام من سيطرة الشركات مما يسمح بوضع إطار للمناقشات السياسية وفقاً للحس العام البارع، والذي (الإطار) يحّركه الاهتمام بحاجة كل مواطن للكرامة الإنسانية واحترام الذات(41). وبغض النظر عن مدى جذرية هذا الإجراء، فمن دون تغيير مسبق للإطار السياسي، فإن الكثير من الحديث عن إعادة تصميم الاقتصاد لا يرجح أن يغّير من مسار النشاط الاقتصادي.
الإصلاح الثاني يخص الاقتصاد. كما في أيام سيسموندي، فإن الكثير من الاضطراب الاجتماعي-الاقتصادي المعاصر تكمن جذوره في الفصل ما بين العمل والملكية. وهذا الفصل زاد كثيراً من رخاوة التوازن بين الاستهلاك والإنتاج، وهو الشيء الذي شغلَ سيسموندي. واليوم، يخلق ذلك الفصل الفجوةَ المتزايدة بين دخول العمل والقيمة المضافة الكلية التي لاحظناها. فالمزيد والمزيد من الإيراد يذهب للربح، ورأس المال، وحاملي الأسهم، بينما لا يبقى للعاملين غير الأقل والأقل. فكيف يمكن إيقاف ذلك؟ أشار سيسموندي إلى المشاركة بالربح والملكية؛ فذلك هو السبيل لتحقيق الانسجام بين مصالح العمل ورأس المال، في نظره. ومع رسوخ الأرض تحت قدميه، كان لدى سيسموندي القليل من التعاطف مع المفاهيم المثالية للتعاونيات المحلية communal cooperatives التي كان يدعو إليها معاصروه الطوبائيون(42). كما لم يكن بوسعه أيضاً تخيل الطرق الجديدة لإعادة صياغة العلاقة بين العمل والملكية.
وبفضل المنشأة التعاونية موندراغون Mondragon Cooperative Corporation (MCC)، أصبح لدينا الآن حلاً تعاونياً، وهو نموذج يسمح، بوصفه منشأة تعاونية أساساً، بأن ينمو ويكبر كأي منشأة عادية، إضافة إلى أنه يجنب شراك النموذج اليوغسلافي للملكية الاجتماعية. Mondragon، وهي واحدة من المنشآت الأساسية في أسبانيا، يعمل فيها اليوم أكثر من 20,000 من الأعضاء العاملين الذين يشاركون بالربح ويمكنهم تحديد أين ينبغي استثمار رؤوس أموالهم(43). وبقْلب الممارسات المؤسسية القائمة رأساً على عقب، فإن العمل يستأجر رأس المال ويغدو الجهة الوحيدة التي لها أن تطالب بالعائد المتبقي. وبهذا الشكل، فإن كل مكاسب الإنتاجية تؤول إليهم أخيراً كمدفوعات أكثر للأعضاء العاملين. وعلاوة على ذلك، ولكي تتمكن من منافسة المنشآت الكبيرة متعددة الجنسية، كالمنشآت الأوروبية المنافِسة (مثل: Electrlux, Boesch, etc.)، بدأت Mondragon بإقامة مصانع فيما وراء البحار في المغرب ومصر وماليزيا والصين والمكسيك. وبالنسبة للوقت الحاضر، فإن الهدف المعلن هو تحويل تلك المشروعات، في آخر المطاف، إلى تعاونيات كاملة ترتبط ب Mondragon، ولكن مع حقها بالانفصال والاستقلال الذاتي، إذا أراد العاملون ذلك. وفي غضون ذلك، هناك خطة تدريجية لإدخال نظام للمشاركة بالربح شبيه بنظام سيسموندي(44). ولمتابعة تحقيق تلك الأهداف، لدى Mondragon آلية فعالة لنقل نظام المشاركة بالربح والتعاونيات إلى البلدان ذات الأجور المتدنية، والعمل على خدمة مصالح الشمال والجنوب حتى في ظل مبدأ الميزة المطلقة.كما إن معايير العمل في البلدان قيد التصنيع لن تكون بعد تحت الضغط لتكون على أسوأ حال. ومن حيث الجوهر، سيكون لدينا حل إنساني مثالي لقسم من مشاكل العولمة التي نواجهها في الوقت الحاضر.
وكما هو موضح في مكان آخر، فإن المعادل الأمريكي للتعاونيات من نوع Mondragon هو المؤسسة القانونية لخطط الملكية المساهمة للعاملينEmployee Stock Ownership Plans (ESOPs) التي تسمح للعاملين بشراء المنشأة على أساس التمويل بالاقتراض، مع استعمال الأصول المكتسبة كضمان للقرض(45). إن هذه المشتريات القوية تجعل من الممكن تحويل حتى المنشآت الكبيرة، كالخطوط الجوية United Airlines، إلى ملكية عاملين. وبغض النظر عما إذا كان لدينا عالم من منشآت Mondragon أو عالم من منشآت (ESOPs)، فإن التقدم التكنولوجي وطرق الإنتاج الكثيفة رأسمالاً تفيد العملَ ورأس المال معاً. وعلاوة على ذلك، فكلما زاد انتشار الثروة الوطنية والدخول غير المكتسبة تقلصَ أي ميل نحو نقص الاستهلاك أو نقص الطلب الكلي، وهو الأمر الذي كان حاسماً بالنسبة لسيسموندي(46). فنظرياً على الأقل، يمكننا أن نتوقع اقتصاداً عالمياً يميل للعمل بسلاسة وعدل أكثر مما نملك اليوم.
أضف إلى ذلك حقيقة إن الاقتصاد على أساس تعاوني بدلاً من المنشآت سيشجع المزيد من المقاومة الأخلاقية والاجتماعية لتعظيم الأرباح. ويمكن توقع ذلك لأن التعاونيات، بحكم طبيعتها ذاتها، تكون على ارتباط عميق بمجتمعاتها، مما يجعلها تتردد في إغلاق مصانعها المحلية من أجل الإنتاج الأرخص في الخارج. كما إن غياب أسواق المال وضغط أصحاب الأسهم سيسمح للتعاونيات بغرس القيم الاجتماعية على نحو أفضل في عملية صنع القرار.
وهكذا، فالتعاونيات تقدر، مثلاً، على مبادلة الربح الأكثر بالمسئولية الاجتماعية الأكثر عندما تقتضي الظروف ذلك، في حين إن إدارة المنشأة المملوكة من قبل أفراد غائبين absentee-owned corporation، وبخاصة في الولايات المتحدة، تكون تحت ضغط هائل للاهتمام أساساً ب "قيمة" أصحاب الأسهم، أو الحصص الفصلية القصوى.
ومن دون إعادة الهيكلة الجذرية المبيَّنة هنا، فهناك إجراءات أخرى يمكن أن تساعد على تبديد الاضطراب وتعزيز شفاء الاقتصاد، في البلدان الصناعية على الأقل. دعوني أذكر بعضها بإيجاز.
أولاً، هناك مقترح كولبيرتسون Culbertson للتجارة المدارة الذي قدمه العام 1988(47). إذ تعتزم الولايات المتحدة، بواسطة وكالة التجارة الأجنبية، المنشأة حديثاً وشبه المستقلة، وضع وإدارة سياسة لضمان التجارة المتوازنة بشكل متبادل مع البلدان ذات الأجور الواطئة. وهذا مقترح لموازنة المستوردات مع المستوى القائم من الصادرات بواسطة الحصول على رخص الاستيراد بالمزاد العلني(48).
ثانياً، لابد من وضع شرط اجتماعي حول حقوق العمال في اتفاقات التجارة. إحدى الوسائل لتحقيق هذا الأمر هو التغلب على مقاومة البلدان ذات الأجور الواطئة بإقامة تكتلات تجارة إقليمية لا تسمح بقبول القادمين الجدد إلاّ إذا وافقوا على هذه القواعد.
ثالثاً، وهنا أيضاً نتبع مبادئ سيسموندي للإصلاح، لابد من وضع عقبات مالية أمام مالكي الشركات متعددة الجنسية تمنعهم من جني أرباح إضافية بنقل التكاليف للمستهلكين. إحدى طرق تنفيذ هذا المقترح هي وضع سياسات ضريبية تعمل على عدم تشجيع تأجير العمال الطارئين دون منافع إضافية. وهذه الخطوة يمكن تسهيلها بالتحول من الضرائب على العمل (ضرائب الاستقطاع عند المنبع) إلى الضرائب على رأس المال، وبخاصة ضريبة جديدة على ثروة الشركات أو أصولها المالية. وبالمثل، يمكن فرض ضريبة تزداد مع زيادة الحصة النسبية للتشغيل في الخارج مما يجعل استئجار العمال المحليين مربحاً أكثر. كما يمكن أن يكون هناك شيء من الإعفاء الضريبي بالنسبة لاستئجار وتدريب العاملين قليلي المهارة في الولايات المتحدة. ومن الناحية المثالية، يمكن تنفيذ هذه السياسات الضريبية على المستوى فوق- الوطني supranational level.
رابعاً، على السياسة العامة أن تعكس الهم الإنساني الأساسي بدرجة أكبر ذلك لأن التكالب من أجل النمو العالمي يمكن إن يعرض كوكبنا والأجيال القادمة للخطر في كل مكان. إن الحرمان والفقر في داخل البلد وخارجه يتطلب بدرجة متزايدة بعض الخطط لإعادة توزيع الدخول. وبعبارة أخرى، عند التعامل مع البلدان الأقل نمواً في أمريكا اللاتينية وأفريقيا، لابد من توافر فهم جديد بأن تقديم العون لها من خلال برنامج للمساعدة الأجنبية أفضل من تحمل الهجرة المدفوعة باعتبارات اقتصادية. وهكذا، فإن الإيراد من مزاد مستوردات كولبيرتسون، مثلاً، يمكن خصمه بالنسبة للبلد المعني كلما حقّقَ تقدماً في إشراك عماله بمكاسب الإنتاجية وأظهر الاحترام للضوابط البيئية الهامة دولياً. الإعفاء من الديون هو إجراء آخر يمكن التوصية به، وبخاصة بالنسبة لتلك البلدان الأفريقية المعدَمة التي غالباً ما تجبرها الظروف المادية على إهمال الضرورات البيئية لكي تقدم مدفوعات الدين. وباختصار، إن الهدف النهائي لعلم الاقتصاد لم يعد التغلب على مشكلة الندرة بواسطة تحقيق النمو العالمي الذي لا يرحم، بل استعمال المنهج البديل لتخفيض الحرمان الإنساني الشديد بواسطة الاقتصاديات التي تحقق الحالة المنتظمة للنمو steady state، والمستديمة بيئياً، في الشمال التي تقوم بنقل الموارد، وليس الأعمال jobs، للجنوب.
وهذه النقطة تحملنا إلى آخر الإصلاحات الثلاثة: إلى هَم سيسموندي الأساسي وهو تغيير علم الاقتصاد، أو الحاجة لنقله إلى أرضية جديدة. الجمهور يستثمر في الفنون والعلوم على أمل تحقيق فوائد على شكل ثراء ثقافي وتوصيات رصينة في حقل السياسة policy. فالمصلحة العامة لا يخدمها المنهج المتحرر من أي قيمة value-free، والمجرد جداً والوضعي جداًpositivstic الذي يكمن أساسه في فرضيات بعيدة عن الحقيقة وفي الرياضيات. فهل نحن بحاجة حقاً إلى "علم سياسي رياضي" mathematical politics موضوعه قيم حزب المحافظين Whig القديمة التي تعود لقرنين من الزمن؟ الجواب الإنساني بسيط وواضح: يجب صياغة الحقيقة أولاً، بينما لا تأتي أناقة النظرية إلاّ ثانياً. نحن بحاجة للانتباه إلى دعوة سيسموندي لبناء اقتصاد معياري يحترم كرامة الإنسان ويُظهر الحساسية للمعاناة الإنسانية والحاجات الإنسانية الأساسية غير المشبَعة. وبعبارة أخرى، نحن بحاجة لعلم اقتصادي لا يخجل ويهرب من الاعتبارات الأخلاقية باسم العلم الطبيعي. إذ عرضَ سيسموندي اقتصاداً اجتماعياً أكثر يتركز على الرفاهية الإنسانية. ونحتاج اليوم هذا العلم أكثر من أي وقت آخر عند التعامل مع الورطة الحالية للاقتصاد العالمي القائم على سياسة عدم التدخل. ومن المحزن إن نظرية الاقتصاد العالمي باتت بدرجة متزايدة نظرية إيديولوجية تتمحور حول التعاليم الاقتصادية الدوغمائية لمبدأ الميزة المقارنة. فهي نظرية رأسمالية، إيديولوجيا فكرية، ربما تكبل العالم لسنوات عديدة قادمة. وإذا رفعتْ قبضتها ذات يوم عن البشرية، فهي لن تفعل ذلك، وفق كل الاحتمالات، كنتيجة للمحاجة الأكاديمية. فكما لاحظ سيسموندي قبل 160 سنة:
الكتابة تعطي انطباعاً ضئيلاً حينما تهاجم نظاماً مهيمناً. والوقائع عنيدة أكثر ومتمردة أكثر. فهي لا تكف عن طرح نفسها للاعتقاد بأنها يمكن أن تُرفض من دون أن يتم سماعها، كما لو أنها كتابات فقط؛ فهي تتزايد نتيجة إهمالها على الأكثر، ومن ثم تسقط بكل ثقلها على النظرية المبنية بأقصى عناية، فتسحقها وتدمرها في نفس اللحظة التي كان مؤلفها يهنئ نفسه بأنه قد رفضَ كل أعدائه بكل اقتدار(49).

الاستنتاج
قد يتذكر الجيل السابق عقد التسعينات كلحظة تاريخية حينما سقطت الاشتراكية كإيديولوجيا. ولكن الجيل أو الجيلين القادمين، أيضاً، قد يشهدا اللحظة التي تُساق فيها الإيديولوجيا الرأسمالية للمحاكمة. وإذا حصل تحول كبير في المجتمع في القرن الحادي والعشرين، فربما يتم ذلك تحت قيادة علم اقتصاد جديد، اقتصاد لا يخطئ في التمييز بين النظرية والحقيقة، لا يتجرد عن التاريخ والمؤسسات الاجتماعية والحاجات الإنسانية. إن ما يسمى بالحقيقة المرة للمنافسة العالمية هي من صنع الإنسان. أمامنا خيار أن نكّيف الرفاهية الإنسانية لمتطلبات الأسواق العالمية، أو أن ننّظم المنافسة العالمية للمحافظة على الإنسانية. فإذا سعينا للخيار الثاني، نكون قد قدّرنا سيسموندي وأتباعه بأن نقترح معالجة العالم وفقاً لخطوط إنسانية.

هوامش
(1) Mrk A. Lutz, Economics for Common Good (London, Routledge, 1999).
(2)C. R. Fay, Life And Labor in the Nineteenth Century (New York: Greenwood Press, 1969, originally published 1920), part 1.
(3)J. C. L. Simondi de Sesmondi, New Principles of Political Economy, 2d ed. (New Brunwick, N. J. : Transaction Publishers, 1991).
(4)Ibid., 285
(5) حسب سيسموندي، مرجع سابق، ص 299. "من المؤكد أنه ليس هناك من يدّعي إن من الأفضل إحلال الآلة محل العامل إذا كان هذا العامل لا يستطيع الحصول على عمل في مكان آخر"، أو " إن السكان الذي يتألف من مواطنين ليس أفضل من سكان آلات بخارية، حتى إذا كانت الملابس القطنية للأول أغلى من ملابس الثاني".
(6) Ibid., 487, 232
(7) Ibid., 459, 204-205
(8) لم يُلاحظ خطأ هذا المنطق لغاية جون مينارد كينز. فهجوم سيسموندي المبكر على مصطلحات قانون ساي الديناميكية تعتبر الآن صحيحة بشكل عام. أنظر : Thomas Sowell, Say s Law: An Historical Analysis (Princeton , N. J. : Princeton University Press, 1972)..
(9) See Rajani Kanth, Political Economy and Lasisez -Fair (Totota and Littlefield, 1986).
(10) Sesmondi, New Principles of Political Economy, 573.
(11) في المرجع السابق، ص 579، يسأل سيسموندي: "أليست المساعدة الأجرية wage subsidy التي تقدمها الأبرشية للعمال [ممن يعملون لدى الأغنياء] ظلماً كما هو حال التهمة الموجهة للأبرشية بتقديم العلف لخيولهم؟
(12) وبالمثل، في حالة البطالة التكنولوجية، فإن صاحب المصنع الذي يريد تسريح قسم من قوة عمله لإحلال آلات محلهم سيكتشف حالاً إن هذا الإجراء ليس في صالحه. "إذا لم يجد كل العمال، الذين كانوا يعملون، وسيلة أخرى للعمل، وأنه ملزم بمساعدتهم في المستشفى، في حين يضع النار تحت المراجل". المرجع السابق، ص 583 .
(13) Ibid., 636
(14) Lester Thurow, The Future of Capitalism (New York: Viking Penguin, 1996).
(15)John Culbertson, International Trade and the Future of the West (Madison, Wisc.: 21st Century Press, 1984 ).
(16) Herman E. Daly and John Cobb, For the Common Good (Boston: Beacon Press, 1989(, chap. 11.
في اتصال خاص، أخبرني هيرمان دالي بأن المؤلف الذي شاركه في تأليف هذا العمل، جون كوب، وهو فيلسوف، كان أول من لفتَ نظره إلى عمل كولبيرتسون ؛ وأنه (جون كوب) بعد مناقشات طويلة فقط كان قادراً على إقناعه، وهو الاقتصادي، بعدم أهمية نظرية الميزة النسبية. ومن المؤكد أن هذه الواقعة تبين إن تشارك علماء من تخصصات مختلفة في التأليف يمكن أن تكون له أقصى فائدة بالنسبة لتناول المشاكل الاقتصادية.
(17) David Ricardo, Principles of Political Economy and Taxation, Sraffa ed. (Cambridge University Press, 1951, Originally Published 1826).
(18) Bertil Ohlin, The Theory of Trade" in Harry Flam and M. June Flanders, eds., Heckcher-Ohlin Trade Theory (Cambridge, Mass.: MIT Press, 1991, originally published 1924), 76-214, quoted on 164, emphasis added.
(19) بسبب نظرية التجارة هذه، يلوم زعيم هذا التيار، Krugman، كلَ مَنْ يتكلم عن بلدان تتنافس بعضها مع بعض ك "اقتصاديين دوليين شعبيين" pop international economists : Paul Krugman, Pop Internationalism ( cambridge, Mass.: MIT Press, 1996). . وتتضمن قائمة المذنبين، أيضاً، زميله لستر ثورو Lester Thurow، في معهد MIT ؛ قد يرغب القراء في الوقوف عند تفصيلات القصة التي نشرت مؤخراً في صحيفة New York Times بمقارنة اثنين من الاقتصاديين: Louis Uchitelle: ‘Like Oil and Water : A tale of Two Economists, New York Times, February 16, 1997, sect. F1, 10
(20) تحدى أدريان وود Adrian Wood مؤخراً ذلك الاكتشاف لأنه يقلل بقوة underestimate من الأثر الناجم عن التجارة. وبحسب تحليليه، فإن ثلاثة أرباع الهبوط في الطلب على العمل غير الماهر في العقدين الأخيرين، والبالغ 20 % ، يمكن أن يعود إلى الاستيرادات الصناعية من الجنوب. وهو يشير إلى التوقيت، والمقدار، والتفاوت بين البلدان من ناحية التدهور النسبي في دخول غير الماهرين: Wood, North-South Trade, Employment and Inequality: Changing Fortunes in a Skill-Driven World, IDS Development Studies Series (Oxford : Clarendon Press, 1994), 17.. إن مكتشفاته الجديدة لابد أن تكون غير حاسمة بالنسبة للعديد من الاقتصاديين؛ ويشهد على ذلك، مثلاً، كيف إن مجلة The Economist (المناصرة بقوة لسياسة حرية التجارة) أشارت إلى نتائجه ك " كشيء مقرف في سقيفة حطب" ( October 1, 1994, 16). ومع ذلك، فإن دراسة Wood ما تزال تقبل الإطار النظري لمبدأ الميزة النسبية؛ فهو يعّدل فقط الاكتشافات التجريبية القائمة على ذلك المبدأ.
(21) هناك كمية كبيرة من الشواهد حالياً تتحدث عن هذه الظاهرة الجديدة. تزخر الصفحات الأولى من مجلة Journal Wall Street بقصص نقل العمال الماهرين كمهندسين في ايرلندا والهند. شركة Boeing تقوم بتطوير طائرات ركاب ضخمة في الصين؛ والشركة الألمانية الضخمة Hoechst تنقل جزءً هاماً من بحوث الجينات لديها إلى الولايات المتحدة حيث الأجور أقل. الخطوط الجوية السويسرية تنجز عملياتها المحاسبية outsourcing في الهند. تعتمد شركة Intel وشركة Hewlert-Packard بشكل متزايد على الماليزيين الذين تتحدد أجورهم بالتفاوض؛ بينما، بالنسبة لموسكو، عَلمنا بأن " كل المبرمجين تقريباً، الجديرين بمهنتهم، يعملون لشركات غربية". وتخبرنا مجلة The Economist بأن "أكثر 100 من بين أضخم 500 شركة في الولايات المتحدة تحصل على خدمات البرمجة من الهند، حيث يحصل المبرمجون الهنود على حوالي ربع الأجر الذي يتقاضاه الأمريكي الحامل لنفس المؤهل". وعلاوة على ذلك، فإن الحصول على المدخلات من خارج المنشأة المعنية outsourcing يمتد إلى معالجة سجلات المستشفيات، وتقارير الائتمان، ودعاوى التأمين، وإن كل أفلام الرسوم المتحركة تنُجز في الخارج عملياً. The Economist, Sep. 28, 1996, 32 and February 22, 1997, 75..
(22) The Economist, Sep. 28, 1996, 35.
(23)Wall Street Journal, March 17, 1993, A1
(24)Anthony Brewer, Trade with Fixed Wages and Mobile Capital, Journal of International Trade 18 (1985): 177-186, Quoted on 180, emphasis added.
(25)Stephen S. Golub, Corporative Advantage and Absolute Advantage in the Asia-Pacific Region, Federal Reserve Bank of San Francisco, Working Paper 9, 1995.
(26)Culbertson, International Trade, chap. 6, Robert Prach, Reassessing the Theory of Comparative Advantage,’ Review of Political Economy , no. 1, (1996): 37-55. . إن هذه الفرضيات المجافية للوقائع تتجسد أيضاً في معظم النماذج التي بواسطتها يقيّم الاقتصاديون التأثيرات المحتملة لتغير أنظمة التجارة. أنظر: James Stanford, Continental Economic Integration: Modling the Impact of Labor, Annals of the American Academy (March 1993): 92-111.
والتوضيح التقليدي هو التوقعات البائسة التي استخلصها الاقتصاديون من نماذجهم بالنسبة ل NAFTA . فبدلاً من ألـ 170,000 فرصة عمل جديدة في الولايات المتحدة بحلول العام 1995، فقد خسرت البلاد مئات آلاف الفرص. ولا يمكن إلقاء اللوم في ذلك على تخفيض سعر البيزو Peso. وفي الواقع، فإن جفري فاكس Jeffrey Faux، وهو أحد القادة المعارضين لنشاط NAFTA، قال العام 1993: "المكسيك في طريقها الآن نحو أزمة…سواء مع NAFTA أو من دونها. البيزو قد تم تسعيره بأكثر من قيمته، وأن الملكيات العقارية وأسواق المال تجتاز زيادات محفوفة بالمضاربة. وهذه الفقاعات سوف تنفجر بمجرد حل قضية NAFTA: Jeff Faux, No to NAFTA,’ Dissent (Summer 1993): 309-315. . وعلاوة على ذلك، فقد تزامنَ تخفيض قيمة العملة مع ثورة الفلاحين في Chipas ، وهو تمرد استهدف NAFTA إلى حد بعيد.
(27)James Stanford, North American Economic Integration and the International Regulation of Labor Standard,’ in Bruno Stein, ed., Contemporary Issues in Labor and Employment Law (Boston: Little, Brown, 1994)3-46, quoted on 18
(28) التقرير الأحدث لم يعد يتضمن هذا الجدول. فكرة تمييز هذه الأرقام جاءت من قراءة: Wiliam G. Grieder, One World Ready or Not (The Mania of Global Capitalism) (New York: Simon and Schuster, 1997) - وهو عمل رائع يغطي أرضية مماثلة. ومن الواضح تماماً أنه لم يُكتب من قبل اقتصادي.
(29)Thomas Palley, Capital Mobility and the Threat to American Prosperity, Challenge (Nov. - Dec. 1994): 31-39.
(30) المثال التقليدي هو Xerox عندما قبلَ العاملون تخفيض أجورهم بنسبة 30 % في المتوسط مقابل ضمان عملهم. أنظر: Thea Lee and Robert Scott, ‘Third World Growth, Harvard BusunessReview (Nov.-Dec. 1994): 18.
(31) انظر، مثلاً، القصة في مجلة Wall Street Journal of February 26, 1997, A1 التي تلوم "قبل كل شيء، عولمة الاقتصاد حيث تجد الشركات نفسها مجبرةً على النمو لكي تكون قادرة على المنافسة، وذلك أما باستحواذها هي على شركات أخرى أو باستحواذ الشركات الأخرى عليها".
(32) أوردَ ألان غرينشبان Allan Grenspan مؤخراً استطلاعاً يوضح إن 46 % من العاملين في الشركات الكبيرة غالباً ما كانوا في خوف دائم من التسريح العام 1996. وفي الأيام الأولى من بداية كساد العام 1990، كان الرقم المناظر 25 % فقط : Wall Street Journal of February 26, 1997, A4.
(33)Robert E. Prasch, "Free Trade and the Future of the Welfare State, Global Justice 1997
(34) فرضية إن انعدام الضمان تؤثر على السلوك الأخلاقي شكلت مظلة مركزية لعلم الاقتصاد الإنساني لفترة طويلة. أنظر: Mark A. Lutz and Keneth Lux, Humanistic Economics: The New Challenge (New York: Bootstrap Publishing, 1998): 124-125 . كما إن هذه الفرضية هي المضمون الرئيسي الذي يُستخلص من نظرية الشخصية. أنظر: Abraham Maslow, Motivation and Personality, 2d ed., (New York: Haper & Row, 1970). 4.
(35)Lori Wallach, Hidden Dangers Of GATT and NAFTA, in Ralf Nader et al ., eds., The Case Against ‘Free Trade” : GATT, NAFTA and the Globalization of Corporate Power (San Francisco: Earth Island Press, 1993), 23-64.
(36) في المكسيك، مثلاً، وبموجب الاتفاقات التجارية الأخيرة، ألغتْ الحكومة أسعار الدعم للمزارعين، الذين يزرعون الحبوب الأساسية، وأوقفتْ برامج الائتمان والوكالات الحكومية التي كانت تجهزهم بأنظمة توزيع المنتجات الزراعية. والإصلاح الآخر المرتبط بالتجارة هو تغيير الشرط الدستوري المكسيكي بإنشاء eijdos (مزرعة وأرض زراعية تعود للبلديات) التي يمكن الآن شرائها وبيعها للقطاع الخاص، بموافقة NAFTA. وبالنسبة للحياة الريفية في المكسيك، فإن الفيض الذي كان متوقعاً من الحبوب الرخيصة المستوردة من الولايات المتحدة تباطأ جداً بسبب التخفيض الكبير في قيمة البيزو؛ وبخلاف ذلك، فإن الضرر الذي أحدثته حرية التجارة سيكون، وفق كل الاحتمالات، كبيراً جداً.
(37) Ehrenhalt, ‘ Keepers of the Dismal Faith,’ New York Times, February 23, 1997.
(38) إن جزءً كبيراً من العمل الروتيني، مثل البيانات الهامة أو البحوث القديمة التي تم تحديثها ببيانات جديدة، يمكن بسهولة تصور إمكانية إنجازه في الفليبين أو الهند. وبوجود أل Internet في العصر الالكتروني اليوم، فليس هناك من سبب واضح يجعل للباحثين المقيمين في الولايات المتحدة أي ميزة مهمة بالنسبة لجمع البيانات أو ومعالجتها، وبخاصة طريقة إجراء البحوث الاقتصادية في الوقت الحاضر. وضمن الحدود التي يتم فيها تمويل البحوث من قبل الشركات، فمن السهل تصور الإغراء المتزايد بنقل تلك المهارات للخارج. وأخيراً، فإن التعليم، أيضاً، يمكن نقله أما بشكل مباشر أو عبر كاسيتات الفيديو. ومن الممكن إغراء الكليات المرتبطة بنظام الدفع النقدي للحصول على " أفضل قيمة لنقودهم" من خلال الاشتراك في بخدمة أجنبية ما.
(39) لمناقشة المشاكل المتأصلة التي تقوض نجاح مثل هذه الاستراتيجية، أنظر: Thurow, Future of Capitalism, chap. 14.
(40) Herman E. Dally, Beyond Growth: The Economics of Sustainable Development ( Boston: Beacon Press, 1996), Paul Ehrlich, The Population Explosion (London: Hutchinson, 1990)
(41) للإطلاع على رسالة إنسانية قوية الحجة في الفلسفة السياسية وفق هذه الخطوط، أنظر: Alan Gewirth, The Community of Rights (Chicago: University of Chicago Press, 1996).
(42) Sismondi, New Principles of Political Economy, 584-585.
(43) Lutz, ‘Mondragon Cooperative Complex .
(44) في زيارة للمؤلف إلى فرع MCC في المكسيك، تبينَ حصول تقدم ضئيل في هذا المجال.
(45) See, for example, David Allerman, The Democratic Worker-Owned Firm: A Model for East and West (Boston: Unwin Hyman, 1990). . من أجل تأكيد بعض السمات الجوهرية لتعاونية معينة، لابد من صياغة بنية ESOPs "ديمقراطياً "، بمعنى إن العاملين-المالكين يمكنهم إعطاء تعليمات للمسئولين بشأن كيفية وضع القرارات. وحتى هذا اليوم، لا يعمل سوى عدد قليل من منشآت ESOPs الديمقراطية.
(46) سبق وكتب العام 1815: "انتشار الثروة، الذي ما يزال أكبر من تراكمها، يساهم حقاً في الازدهار الوطني لأنه يُبقي عالياً أهم نوع من الاستهلاك بالنسبة لإعادة الإنتاج الوطني": Sismondi, Political Economy.
(47) John Culbertson, The Trade Threat and the U. S. Trade Policy (Madison, Wis.: 21st Century Press, 1989).
(48)لا حاجة للقول بأن أسعار المستهلك ستكون أعلى في ظل هذا المقترح، ولكن ما هي فائدة الأسعار الأقل بالنسبة للعاطلين؟
(49) J. C. L. Sismondi, Political Economy and the Philosophy of Government (originally published in 1847) (New
York: August M. Kelley, 1996).




اقتصاد القرن الحادي والعشرين: الآفاق الاقتصادية- الاجتماعية لعالم متغير، تحرير
وليام اي. هلال (و) كينيث ب، تايلور، ترجمة: د. حسن عبدالله بدر (و) د. عبدالوهاب حميد رشيد،
المنظمة العربية للترجمة- بيروت- ISBN: ISBN 978-91-633-2084-2



#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حصيلة الصراع في سوريا 60 ألف قتيل قبل نهاية العام 2012
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل الرابع عشر
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل الثالث عشر
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل الثاني عشر
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل العاشر
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل التاسع
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل الثامن
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل السابع
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل السادس
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل الخامس
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين ج1-ف4
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- ق1/ف3
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- ق1/ف2
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين/ ق1-ف1
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- المقدمة
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد.. الخاتمة والمل ...
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد.. ق2- ف5/ ف6
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد.. ق2: ف3- ف4
- الظروف الاجتماعية للجالية العربية في السويد- ق2- ف1-ف2


المزيد.....




- -خفض التكاليف وتسريح العمال-.. أزمات اقتصادية تضرب شركات الس ...
- أرامكو السعودية تتجه لزيادة الديون و توزيعات الأرباح
- أسعار النفط عند أعلى مستوى في نحو 10 أيام
- قطر تطلق مشروعا سياحيا بـ3 مليارات دولار
- السودان يعقد أول مؤتمر اقتصادي لزيادة الإيرادات في زمن الحرب ...
- نائبة رئيس وزراء بلجيكا تدعو الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات ...
- اقتصادي: التعداد سيؤدي لزيادة حصة بعض المحافظات من تنمية الأ ...
- تركيا تضخ ملايين إضافية في الاقتصاد المصري
- للمرة الثانية في يوم واحد.. -البيتكوين- تواصل صعودها وتسجل م ...
- مصر تخسر 70% من إيرادات قناة السويس بسبب توترات البحر الأحمر ...


المزيد.....

- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبدالوهاب حميد رشيد - اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل الخامس عشر