|
نحن والاسلام السياسي: خطوة الى الأمام أم خطوة الى الوراء؟
كمال الساكري
الحوار المتمدن-العدد: 3963 - 2013 / 1 / 5 - 17:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نحن والاسلام السياسي: خطوة الى الأمام أم خطوة الى الوراء؟
أشعل الشعب العربي من المحيط إلى الخليج شرارة الثورات على أنظمة الاستبداد والفساد والإقليمية والعمالة فسقطت رؤوس وأنظمة واحترقت أخرى وترنحت ثالثة وشعر الجميع أننا أمام الربيع العربي يخلف خريف الأنظمة البالية ... ولكن حصاد البيدر يبدو أنه مكذب للآمال المعقودة على الحقول ففي أول انتخابات نيابية لكل من تونس ومصر والمغرب صعد الإخوان المسلمون والسلفيون والعدالة والتنمية والنهضة وكلها حركات تنتمي إلى الإسلام السياسي وسقط من غربال الصندوق آلاف الشباب الذين فجروا هذه الثورات وأقصيت القوى الوطنية والقومية التي ضحت طويلا .... وإزاء هذا المشهد السياسي الجديد حريّ بنا أن نتساءل ما الإسلام السياسي؟ وما هي طروحاته؟ هل هو بديل جذري في خدمة الربيع العربي أم هو مضاد بديل يعيق تحقيق أهداف هذه الثورات في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية؟
الإســـــــلام السيــــــاسي: بالعودة إلى المصادر والمراجع المختصة نكتشف أن هذا المفهوم جديد وأول ما ظهر مع أواسط الثمانينات ثم تبلور أكثر بعد أحداث الجزائر الدامية في التسعينات وكان قد اقترن هذا الإسلام بالإرهاب لكونه يطلب الحكم بالعنف مستغلا الدين الإسلامي. يعرفه محمد سعيد العشماوي بأنه"صفة للجماعات والهيئات التي تهدف إلى السياسة أساسا وترمي إلى الحزبية أصلا وإن غلفت أهدافها بأردية من الدين وبأقنعة من الشريعة (انظر المستشار محمد سعيد العشماوي الإسلام السياسي سنا للنشر ط 3، سنة 1992 ص 5). وبهذا التعريف فإننا نطلق مفهوم الإسلام السياسي على كافة الحركات السياسية الموظفة للدين الإسلامي مرجعية عليا سواء أكانت حركات سنية أو شيعية وسلفية أو تقدّمية ومعتدلة أو إرهابية فهي كلها توظّف الدين أي المجال المقدس sacré في فهم السياسة أي المجال الدنيوي المدنّسprofane . وهكذا نجد أنفسنا في تونس والمغرب العربي بل والوطن العربي والعالم ومنذ قرنين تقريبا مرة أخرى أمام حكم الحركات أو الفرق الإسلامية وهو واقع جديد موغل في القدامة يستدعي الانتباه والفهم والتحليل قصد معرفة أفضل السبل في التعامل معه. وأول تحد يفرض نفسه علينا اليوم هل يمثل صعود الإسلام السياسي للحكم وهيمنته على السلطة خطوة تاريخية على درب الحرية وتحقيق أهداف الثورة محليا وقوميا وعالميا وبأي مقياس ؟ أم أنه خطوات إلى الوراء كارثية تعود بنا إلى أزمة القرون الوسطى البغيضة وتلجم الشعوب عن التعبير والاجتهاد والجهاد في سبيل تحررها وانعتاقها من الجهل والتخلف والتبعية لدوائر الهيمنة الإمبريالية والصهيونية والماسونية؟.
I- نحن والإسلام السياسي: 1- من نحن؟ من الأفكار الأولى التي تتبادر إلى الذهن أن المقصود بنحن هم التونسيون وهذا صحيح ولكن التونسيين اليوم بعد انتخاب 23 اكتوبر أصبحنا فرقين واحدا مع النهضة وآخر ضدها. ثم ان هذا النحن يمكن أن تتجاوز أسوار القطر التونسي إلى فضاء الوطن العربي الكبير بنجاح حركات الإسلام السياسي: الحرية والعدالة (الإخوان المسلمون) والسلفية العلمية بمصر. (العدالة والتنمية سليلة الإخوان المسلمين " جمعية الشبيبة الإسلامية" بالمغرب اضافة الى حكم الإخوان المسليمن بالسودان وهيمنة الوهابية على السعودية وصعود السلفية العلمية بالكويت والسلفية الجهادية بالصومال وليبيا وتهديدها للجزائر. وقيادة حزب الله الحركة الشيعية للمقاومة في لبنان تماما مثل قيادة حركة حماس والجهاد بفلسطين ضد الصهاينة وتنامي حزب التحرير في عموم الوطن العربي بعد أن هيمن في ماليزيا واندونيسيا. إذا النحن أصبحت بحجم العرب على طول الخارطة القومية و تعاظم المدّ الإسلامي الحركي لا يعني التونسيين والعرب فحسب وإنما بات يثير انتباه الانسانية في مختلف أصقاع الكرة الأرضية بما ينقل المواجهة من محيطها الوطني والقومي إلى المحيط الإقليمي والكوني ولكن قبل معرفة طبيعة العلاقة بين نحن والإسلام السياسي حريّ بنا أن نتساءل ما الإسلام السياسي؟ 2 - الإسلام السياسي: بالعودة إلى المصادر والمراجع المختصة نكتشف أن هذا المفهوم جديد وأول ما ظهر مع أواسط الثمانينات ثم تبلور أكثر بعد أحداث الجزائر الدامية في التسعينات وكان قد اقترن هذا الإسلام بالإرهاب لكونه يطلب الحكم بالعنف مستغلا الدين الإسلامي. يعرفه محمد سعيد العشماوي بأنه " صفة للجماعات والهيئات التي تهدف إلى السياسة أساسا وترمي إلى الحزبية أصلا وإن غلفت أهدافها بأردية من الدين وبأقنعة من الشريعة (انظر المستشار محمد سعيد العشماوي الإسلام السياسي سنا للنشر ط 3، سنة 1992 ص 5). وبهذا التعريف فإننا نطلق مفهوم الإسلام السياسي على كافة الحركات السياسية الموظفة للدين الإسلامي مرجعية عليا سواء أكانت حركات سنية أو شيعية وسلفية أو تقدّمية ومعتدلة أو إرهابية فهي كلها توظّف الدين أي المجال المقدس sacré في فهم السياسة أي المجال الدنيوي المدنّسprofane . وهكذا نجد أنفسنا في تونس والمغرب العربي بل والوطن العربي والعالم ومنذ قرنين تقريبا مرة أخرى أمام حكم الحركات الإسلامية أو الفرق (سنة/شيعة / خوارج/ معتزلة/ حنفية/ مالكية/حنبلية ...) وهو واقع جديد موغل في القدامة يستدعي الانتباه والفهم والتحليل قصد معرفة أفضل السبل في التعامل معه. وأول تحد يفرض نفسه علينا اليوم هل يمثل صعود الإسلام السياسي للحكم وهيمنته على السلطة خطوة تاريخية على درب الحرية وتحقيق أهداف الثورة محليا وقوميا وعالميا وبأي مقياس ؟ أم أنه خطوات إلى الوراء كارثية تعود بنا إلى أزمة القرون الوسطى البغيضة وتلجم الشعوب عن التعبير والاجتهاد والجهاد في سبيل تحررها وانعتاقها من الجهل والتخلف والتبعية لدوائر الهيمنة الإمبريالية والصهيونية والماسونية؟. II- الإسلام السياسي بديل أم مضاد بديل؟ لئن كان من التعسف أن نحكم على النهضة في تونس باعتبارها احدى مكونات الاسلام السياسي قبل أن تمارس الحكم وتنفذ برامجها المختلفة فإنه ليس من المستحيل الانطلاق من إيديولوجيتها وبرامجها الحالية للحكم لها أو عليها في المستقبل. ورغبة في الاختصار فإننا نضع إمكانية الجواب تحت ضاغطة هذه الإشكالية: هل الإسلام السياسي بديل مجتمعي ينتصر للحريات الفردية والجماعية ويتبني قيم الجمهورية في فصل السلط وعلوية القانون والتداول على السلطة والديمقراطية والشفافية والمساءلة وتحقيق تنمية اقتصادية عادلة ومنحازة للشعب ومستقلة عن دوائر الامبريالية والهيمنة الإقليمية والعالمية أم أنها ورغم كل ما ترفعه من شعارات فإنها ليست سوى إعادة إنتاج للاستبداد والتبعية لقوى الهيمنة والامبريالية وتعريب للتبعية وأسلمة لنظام الاقتصاد الرأسمالي تحت شعارات ظاهرها إسلامي وباطنها ربوي امبريالي؟ 1- النهضة في مرآة برامجها : لن نبتعد بعيدا للحكم على النهضة /الإسلام السياسي عموما أو عليها. فبرنامج حركة النهضة نموذج من برامج الإخوان في الوطن العربي يعلن إيمانه بالنظام الجمهوري والدولة المدنية والاندماج في النظام الرأسمالي العالمي العولمي. ويقتدى بالنموذج القديم الخالد للخلفاء الراشدين ومنبهر بحكم العدالة والتنمية بتركيا غير أن تفحص أدبيات النهضة سرعان ما يكشف ازدواجية الخطاب وتعمده استراتيجية الإنسياب داخل قوانين اللعبة الديمقراطية ضدا من استراتيجية مصادمة الديمقراطية وتكفيرها على غرار السلفية بمختلف فروعها العلمية والجهادية. وبهذا نفهم تنازل النهضة وما شابهها من الحركات في الوطن العربي كالعدالة والتنمية في المغرب- ظرفيا عن شعاراتها الإيديولوجية كالخلافة والشريعة والحدود ودونية المرأة الخ في مقابل وصولها الى سدة الحكم. ثم هي تعوّل على أسلوب التدرج في اسلمة المجتمع والذي يتحقق عندها عبر الحكم وتغيير أخلاق المجتمع عبر التعليم والاعلام والزكاة والوقف ومختلف اليات صوغ العقول وترويضها معتمدة على سلطة الدين وأثرها في تحقيق الاسلمة.عندها ستتوفر الشروط الضرورية لتطبيق الشريعة الإسلامية واعلان دولة الخلافة وفي هذا الصدد يقول الشيخ يوسف القرضاوي المرجع الاعلى للاستاذ الغنوشي "والشريعة اكتملت بلا شك غير أن تطبيقها يحتاج الى تهيئة واعداد لتحويل المجتمع الى الالتزام الصحيح"(انظر د.عبد الا له بلقزيز،الدولة في الفكر الاسلامي المعاصر،م.د.و.ع.ط2 ،بيروت،سبتمبر2004،ص166) ولن تكون النهضة عندئذ في موقف الفارض للخلافة وانما في موقف المطالب بالاستجابة لمطالب الشعب ورأيه وبطبيعة الحال لن يكون مطلب الشعب أنذاك مختلفا جوهريا مع مفهوم الإسلام السياسي للشريعة وأدلتنا على ذلك كثيرة نقتصر على بعض النقاط منها: في الدولة المدنية : صحيح نحا الخطاب عند النهضة وزعيمها راشد الغنوشي في تونس وبن كيران والعثماني في المغرب نحو ترديد الدولة المدنية في الخطابات والتنظيرات لكن قواعد النهضة وحتى بعض قياديها لا يصدق هذا الزعم لان ألف باء الالتزام في حركات الإسلام السياسي الإيمان بالإسلام والإسلام في مذهبها دين ودولة وهذه الدولة هي خلافة حتى ولو ناورنا في الساحات السياسية والإعلامية وقلنا دولة مدنية وما زلات اللسان المنسوبة للسيد راشد للغنوشي و السيد حمادي الجبالي حول المناداة بالخلافة والتراجع عند ثورة الخصوم والمخالفين إلا اقرار بمركزية الخلافة في اللاشعور السياسي وان اللاشعور جزء من الحقيقية تماما مثل الشعور كما نعلم ويكفي للتدليل على صحة ما نقول ما يقرره الشيخ القرضاوي"فالدولة الاسلامية دولة دستورية أو شرعية لها دستور تحتكم اليه وقانون ترجع اليه ودستورها يتمثل في المبادئ والاحكام الشرعية ...ان هذه الدولة ليست مخيرة في الالتزام بهذا الدستور أو القانون ،فهذا مقتضى اسلامها ودليل ايمانها ...فهي لا تكون اسلامية الا به .كذلك شرعيتها ليست اجتماعية أو مدنية بل دينية ذلك أن الالتزام في الدولة بقانون الشريعة هو الذي يعطيها الشرعية ...فأما اذا حادت عن هذا المنهج فهذا يسلبها حق الشرعية ويسقط عن الناس واجب الالتزام بطاعتها .."انظر يوسف القرضاوي من فقه الدولة في الاسلام ،القاهرة بيروت ،دار الشروق 1997ص32و33). ب – في الإقتصاد : جاء في النطقة 17 :" تتبنى الحركة اقتصادا حرّا ذا بعد اجتماعي يقوم على التكامل بين القطاعات الثلاث الخاص والعام والتعاوني ويكون دور الدولة فيه تعديليا لرعاية التوازن الاجتماعي وضبط حركة السوق وتشجع الحركة المبادرة والإبداع والمنافسة الشريفة والكسب المشروع وتحترم الملكية الخاصة وتحميها " (انظر برنامج حركة النهضة : من أجل تونس الحرية والعدالة والتنمية ، سبتمبر 2011). تتبنى حركة النهضة إذا كما هو واضح مثلها مثل حركة العدالة والتنمية المغربية والتركية نهج الاقتصاد الحرّ وتدعو للتعايش بين قطاعات ثلاثة ( خاص – عام - تعاوني) وتلح على تشجيع المبادرة والمنافسة وتحترم خاصة الملكية الخاصة وتحميها وقد يحاول انصار النهضة او العدالة و التنمية تأويل هذه العبارات – تأويلا آخر لكن النهضة لا تجد حرجا في اعلان ايمانها بإقتصاد السوق والاندماج في العولمة الاقتصادية وتشجيع السياحة واباحة بيع الخمور وما يصحبها من منكرات الأمور كمظاهر العري والإباحية في الملاهي والنزل والشارع التونسي المسلم والحرص على العلاقات الإقتصادية المتطوّرة مع أوروبا وأمريكا الشمالية لا الجنوبية. (الزيارات المكوكية لزعماء النهضة الاستاذين الغنوشي والجبالي للولايات المتحدة الأمريكية تشبيكا للعلاقات بين النهضة والأمريكان وطلبا للاعتراف والقبول من لدن دوائر المال والأعمال والساسة واللوبيات النافذة...). وأمام هذا التوجه الصريح والمعلن للدوائر الرأسمالية قمين بنا أن نتساءل هل خرجنا من قمقم الرأسمالية وسجن الامبريالية أم هرولنا الى كسب ودها وإعطائها الأمان والضمان للاستثمار في بلاد الإسلام؟ ج- في الإجتماع : جاء في البند 18 من برنامج النهضة:" تعمل الحركة على تطوير قطاع الاقتصاد الاجتماعي التعاوني بما يمكن مؤسسات المجتمع المدني من المساهمة في تمويل التنمية وفي النشاط الاقتصادي والتكافل الاجتماعي وذلك من خلال تدعيم دور الجمعيات في بعث المؤسسات وتأسيس صناديق الوقف والزكاة) نفس المرجع أعلاه( ولعل ما يلفت الانتباه هنا حقا هو إطلالة متعلقات دولة الخلافة والشريعة الإسلامية وذلك في مؤسسات الوقف والزكاة. وعلاوة على أنه الازدواج بين نظام الرأسمالي العالمي الربوي الغربي الحديث والمعاصر ونظامي الزكاة والوقف الاسلاميين القديمين فإن اقتراح هاتين الأليتين للتكافل الاجتماعي تكريس لمفهوم المجتمع الطبقي المكوّن من الاغنياء والفقراء. وما تصدق أغنيائنا على فقرائنا الا استئناف لمجتمع سلطاني طبقي ساد منذ الخلفاء الراشدين الى سقوط الخلافة العثمانية سنة 1924 وأخفق في تحقيق العدالة والمساواة بين المسلمين وشرع العبودية والشعوبية والتخلف والانحطاط وفتح علينا جهنم الاستعمار الغربي الرأسمالي بعد أن استعبدنا وأمعن في تخلفنا الاستعمار العثماني التركي المتلحف بأردية الخلافة الاسلامية. III- النهضة كما نراها : إن في هذا الحل أي نظام رأس مالي تابع ومندمج في رأس المالية العالمية والعولمة الوحشية مع وجود مؤسسات تكافل اجتماعي تكرس التفاوت الطبقي وتلطفه بتصدق الأغنياء على الفقراء كل الحقيقة حقيقة المشروع الإسلامي السياسي.. المزاوجة بين خطاب حداثي مغر وتلوينه بعبارات تراثية دينية تسبح في بحر العولمة غايتها لفت انتباه القواعد الى اسلامية البديل ولكن حقيقتها تلفيق الحلول وعدم جديتها او جذريتها لذلك كله واقتصارا على هذه العينات بإمكاننا ان نقرر فنقول أن ما قدمته النهضة في تونس والعدالة والتنمية في المغرب وما يقدمه الإخوان المسلمون في مصر واخوتهم السلفيون إي الاسلام السياسي ليست إلا مضادا للبديل وليس بديلا مضادا. البديل المضاد يقضي على أنظمة الاستبداد والرجعية والعمالة والتطبيع مع الصهيونية والماسوسية أما مضاد البديل فليس سوى امتداد لطبيعة الأنظمة العربية الاستبدادية التابعة والمطبعة ولكن بشعارات إسلامية براقة ظاهرها العدل والكفاية والمساواة وحقيقتها نظام سلطاني قروسطي يكرس الاستبداد والطبقية ودونية المرأة وتبعية الاقتصاد وتخلف الثقافة بسيادة ولاية الفقيه عند الشيعة وبابوية الفقيه المفتي عند السنة أو الحاكمية . إننا أمام حركة سياسية نقلت الصراع من دوائره الحقيقية إلى دوائر خاطئة. اننا امام تحول سياسي خطير يقلب الصراع من تناقض بين قوى ثورة ضد أعدائها إلى قوى إسلامية وقوى غير إسلامية. إننا نقسم وحدة المجتمع إلى مسلمين وغير مسلمين وإلى مؤمنين وكفار... وبهذه النقلة المغالطة وعوض ان نتقدم بالثورة ومكاسبها فإننا نتراجع الى مربع قديم وعقيم هو مربع مجتمعات الأزمنة العقدية ديار كفر وديار إيمان عوض ان تسود أزمنة قوى تقدمية ثورية وقوى رجعية وشعوب وأمم متقدمة وشعوب وأمم متخلفة. وبقدرة قادر يصبح كل من أعلن دخوله إلى بيت أبي سفيان الجديد " الإسلام السياسي" وأحزابه مسلما آمنا ولو كان من الرجعيين والمستبدين والمستغلين والمستلبين. ان انقلابا خطيرا حدث مع الاسلام السياسي فأصبح هو الاسلام وكل ماينسب الى الاسلام يتطلب أن ننسبه اليه .فيصبح التاسلم تماما بديلا من الاسلام والتأسلم يجب ما قبله كأننا قلنا الاسلام يجب ما قبله. اننا لا نعني بهذا رفض المصالحة الوطنية بين من أذنب في حق الشعب بعد محاسبتهم وإنما نحن نرفض إعادة خلط الأوراق ونقل الصراع من تحقيق أهداف الثورة وبناء اقتصاد وطني يحقق التنمية العادلة بين الجمعات والفئات الى استقطاب جديد/ قديم مسلمين وغير مسلمين ومؤمنين وكفار بل ديار كفر وديار اسلام وأهل كتاب وكفار...ان هذا المعيار القديم الجديد هو رأس فتنة جديدة ستقسم المجتمع الواحد الى مجتمعات وتعيد الفرزبين الدول دول مؤمنة ودول كافرة .انها فتنة فاتكة تجعل الصديق عدوا (كل شيعي أو خارجي أو لا دين له يصبح عدوا) والعدو صديقا (الصهاينة يهود فمن حقهم التواجد في فلسطين لانهم ليسوا كفارا يستحقون القتال والامريكيون الامبرياليون أهل كتاب وليسوا أعداء) ويكفي القاء نظرة على برنامج الإسلام السياسي من تونس الى المغرب الأقصى ومن ليبيا الى اليمن لنكتشف رفض الديمقراطية صراحة " فالديمقراطية كفر كما أعلن حزب التحرير ذلك في وثائقه فحمل هذا العنوان كتابا في الغرض استدل بالقرآن والأحاديث ليدحض فكرة الديمقراطية وينتصرلرفضها واقصائها او رفع شعار الديمقراطية ولكن اختزالها في الصندوق الانتخابي ورفضها كمنظومة قيم تميز بين الديني والسياسي وتكرس حقوق الإنسان واحترام الرأي المخالف ونسبية الشان السياسي ومنزلة القانون فيه متذرعة بعلوية الشريعة على القانون والدين على السياسة. سالكة طريق الرفض الصريح للديمقراطية والرفض المقنع لها مكرسة إزدواجية في الخطاب واحدة للنخبة الحداثية والغرب واخرى لاوسع أفراد الشعب والسلفية التكفيرية الدعوية والجهادية. وفي هذا السياق نفهم تصريح السيد الغنوشي الرافض للخلافة في تونس والمطالبة بها في مصر . وتبشيرالسيد حمادي الجبالي بالخلافة الراشدة السادسة في اجتماع شعبي بسوسة والتراجع عما صرح به عند احتجاج المعارضين للخلافة زاعما انها فلتات لسان. انها ليست فلتات لسان وحتى وان قبلنا انها كذلك فإن علم النفس يعلمنا بان اللاشعور الفردي والجماعي جزء من الحقيقة فما لا تقدر على التصريح به في وعينا ينتقل الى اللاوعي ويفرض حضوره في الأحلام والفلتات اللسانية. ولا أظن ان الإسلام السياسي قد تجاهل "الخلافة " وتخلص منها نهائيا. بل انها مكبوته عند بعض الحركات الإسلامية المتزينة بالحداثة وحديثة الإيمان بالديمقراطية ولا بد للمكبوت من فلتان. اما الحركات الإسلامية المنسجمة مع ذاتها كالسلفية فإنها تعادي الديمقراطية والحداثة والقانون وحقوق الإنسان والمساواة والمواطنة والعدالة الاجتماعية والمساواة جهارا وتختلف في أسلوب تحقيق أهدافها من التدرج والصبر على الحكام والمحكومين إلى إعلان الجهاد عليها لتخليصها من الجاهلية الجديدة.على حد تعبير سيد قطب في كتابه " معالم في الطريق" ونشر الغزوات من طورا بورا الى سليمان وفاس و أسيوط بل والتحالف مع أعداء الله حلفاء الناتو لاستباحة ليبيا والسيطرة على نفطها وقتل القذافي شر قتلة بعدما أفتى الشيخ يوسف القرضاوي باباحة دم حاكم عربي فشل في الحكم كغيره من الحكام العرب ويذكر له التاريخ أنه لم يكن يوما عميلا أو مطبعا مثل الغالبية العظمى لبقية الحكام العرب كأمير قطر أو ملك السعودية والاردن والمغرب الخ...والذين لم يرتكبوا من الجرائم ولم يقترفوا من الذنوب حسب رأيه ما يسترعي انتباه كبير مفتي الديار الاسلامية الشيخ القرضاوي ليشملهم بالتكفير واهدار دمهم .. إننا مقبلون على صراع جديد محوره القوى الوطنية الديمقراطية الوحدوية من جهة وقوى الإسلام السياسي السلفية والرجعية عدوة الشعوب والحرية من جهة اخرى اننا مضطرون الى أن نوسع قائمات العراقيل على طريق استكمال ثوراتنا العربية وبالتالي توسيع قائمات مهامنا.
IV- الآفاق: كانت المسألة ثورة تونسية تستكمل اهداف ثورتها ولقد خطت خطوات محترمة توجت بانتخاب مجلس وطني تاسيسي وبعد 23 أكتوبر وصعود نجم الإسلام السياسي وطنيا وقوميا كبرت المشكلة واتسع مداها لتضع القوى الوطنية القومية في مواجهة قوى معادية للثورة سلفية في جوهرها تنادي بالعود الى خلافة لم تتحقق أبدا ولم تكن قط مطلبا شعبيا كما انها تذكرنا بالحكم السلطاني الاستبدادي الطبقي المعادي لحرية الانسان عامة والمراة خاصة. وليكن واضحا نحن الشعوب العربية والقوى الوطنية والقومية والتقدمية في كافة أركان العالم نرفض عودة القرون الوسطى ولو كانت مقنعة في ثياب عصرية. واول نقطة اختلاف بيننا وبينها الدخول في طاعة الراسمالية للحصول على شهائد حسن سلوك امريكية وصهيونية ونحن نرفض الديمقراطية إذا كانت ديمقراطية ليبيرالية تكتفي بالثرثرة في الإذاعات والصحف وتوكل تحقيق مطالب المجتمع الى الصدقات والمعونات والزكوات. نحن نطالب بديمقراطية حقيقية الرأي الحرفيها مكفول والشغل مضمون والاقتصاد متنح ومبدع ولا تبعية ولا تطبيع. أما الصدقات والزكوات فرافد صغير يحقق التكافل الاجتماعي ولا يلغي التنمية الاقتصادية الحقيقة وقد نحتاجه في مرحلة تاريخية انتقالية من الخصاصة الى الكفاية ولكننا سنتخلى عنها داخليا على الاقل حينما نحقق مجتمع الرفاه والعدل. نحن لا نقول بتعطيل أحكام القرآن المرجع الوحيد الذي يلزمني شخصيا لخلوّه من كل تحريف او تشويه وهذا القرآن ميدان للنظر العقلي والتاويل المنهجي يستنهضنا للتأمل والتفكير أما العيش في جلباب الاب والجد والسلف فلا يلزمني فهم رجال ونحن اليوم نساء ورجال . وهم لهم زمانهم ونحن لنا اليوم زماننا . اننا ندعو الى نظام اقتصادي يحقق حاجاتنا دون طبقية تسمح بوجود متصدق وفقير يستحق الصدقات لقد تجاوزنا عهد الزكاة والوقف ولسنا في هذا مبتدعين فقد عطل عمر بن الخطاب من قبل قطع اليدين. واوقف صدقات المؤلفة قلوبهم وكان مجتهدا. ولا أحد كفره من المسلمين وحتى الشيعة قتلته بسبب الإمامة وأحقية علي بها منه ولم تقتله بسبب عدله في الحكم والاجتهاد في الدين. إن الثورة في تونس وفي عموم الوطن العربي لم تتوقف ولن تتوقف إن ربيع الثورات لا يقتصر على قطع رؤوس الأنظمة وإنها ثورة طويلة الأمد انتقلت من المحلي إلى القومي ولامست الكوني . فهي تتصدى اليوم لمقولات الإسلام السياسي المتخلفة المقنعة بالدين وسيثبت التاريخ أن كشف مواطن الاستبداد ومقاومتها يعد من أعظم الفتوحات المحسوبة للثورات العربية إضافة إلى استعدادها لمواجهة الامبرياليين والصهاينة . نعم لقد بدأت ثورات تونس ومصر واليمن والبحرين محلية محدودة المدى والأثر و ذلك مبتغى البعض لكن وحدة الوجود القومي وامتداداته العالمية نقل ثوراتنا من المحلية إلى القومية ومن القومية إلى العالمية(انتفاضة الأمريكيين في وول ستريت وشعاراتها المرددة لشعاراتنا الشعب يريد إسقاط النظام / الشعب يريد إسقاط وول ستريت) وفي هذا المستوى اتسع نطاق المواجهة وتعددت مستوياته اليوم ظهر الإسلام السياسي وغدا نحن واثقون سيعاود الأعداء الكبار من امبرياليين وصهاينة الظهور من جديد وسيطرح الإشكال من جديد كيف نواجه هذه التحديات؟ عندها سيكون لكل حادثة حديث. ــــــــــــ بقلم : كمال الساكري تونس 05 ـ 01 ـ 2013
#كمال_الساكري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|