ياسر محمد أسكيف
الحوار المتمدن-العدد: 3960 - 2013 / 1 / 2 - 17:52
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
إن هزيمة النظام في سورية , بالطريقة التي يُدار فيها الصراع , إن حصلت , هي في الوقت نفسه هزيمة للديموقراطيين السوريين , ولفكرة الديموقراطية بحّد ذاتها .
الديموقراطيون السوريون يدركون ذلك جيّدا ً , يدركونه ويصرّحون بعكسه . غير أنهم في عبثهم السياسي يعلنونه من غير قصد . وأقصد منهم أولئك الذين ظلوا بعيدين عن المجالس والائتلافات التي يقودها , ويرسم سياساتها , الإخوان المسلمون , بدعم وإشراف من التحالف الأمريكي – الأوربي – التركي - الخليجي . إن التيارات الديموقراطية المُعارضة , على اختلاف الدرجات في مستوى معارضتها , تؤكد في ممارستها السياسية وعيها لهذه الحقيقة , هذا الوعي الذي يتجلى في التخوّف المتعدّد الدرجات من ظاهرة اتساع نطاق هيمنة المجموعات الاسلامية المسلّحة , وتحديدا ً تلك الطامحة إلى إقامة دولة إسلامية , على مسار وآليات الثورة السورية . وتظهر الممارسة السياسية للمعارضة أشكالا ً مُتباينة , بل ومتعارضة أحيانا ً , من التعامل مع أسباب التخوّف , حتى أن البعض يرى بأنه ما من داع للتخوّف , إذ أن التيارات التكفيرية ستزول تلقائيا ً بمجرد أن يسقط النظام ( القول لأحد نواب الائتلاف الوطني ), فيما يعلن رئيس هذا الائتلاف , الذي يضمّ تيارات ديموقراطية , عن أسفه لوضع جبهة النصرة ( أبرز التيارات التكفيرية الارهابية ) على لائحة المنظمات الإرهابية . بينما تهرب تيارات أخرى إلى الأمام ناعية المستقبل اللاديموقراطي للثورة في ظلّ السيطرة الحالية للإسلاميين على مسارها , غير أنها تسارع , وبمنطق غريب عجيب , إلى تحميل السلطة مسؤولية الهيمنة الاسلامية , وذلك بسبب ممارستها للعنف ضد من يريدون إسقاطها . وترى بأن مستقبل الثورة مضمون ديموقراطيا ً فقط حينما يتم إسقاط السلطة بأسرع ما يمكن . دون أية إشارة إلى الآليات , مع التأكيد على الرفض المطلق للحوار مع السلطة , وهذا يحيل إلى موافقة ضمنية على العمل العسكري الذي تتزعمه جبهة النصرة , لواء التوحيد , الجيش الحرّ .. , وهي ذاتها القوى التي تهدّد المستقبل الديموقراطي لسوريا الجديدة , سوريا ما بعد انتصار الثورة !!!! أو أنها تحيل إلى موافقة ضمنيّة على التدخل الخارجي , الذي يستجديه الائتلاف الوطني , واستجداه من قبله المجلس الوطني .
الواضح إذا ً أن كلّ من تعنيه سوريا الجديدة , سوريا الديموقراطية , التعددية , الواحدة , السيّدة , متخوّف من عملية إسقاط النظام بالطريقة التي قد يؤدي إليها الصراع الدائر . غير أن القلّة هي التي تجد لديها الجرأة للقول بأن شكل الصراع الحالي وآلياته ليست الوحيدة لحصول التغيير المطلوب . بل أن طرقا ً أخرى , وآليات أخرى , ممكنة , ومحاولة الأخذ بها يجب أن تكون على سلّم الأولويات ( تكتيكيا ً واستراتيجيا ً ) . وبالتأكيد لن يكون ذلك بالتحالف مع النظام بديلا ً عن التحالف مع القوى اللاديموقراطية المهيمنة والمسيطرة , وإنما باستغلال ما يبدو على النظام من وهن وضعف , ومن فقدان للسيطرة على الكثير من مفاصل الصراع , للدخول في حوار ينقل الاصطفافات في طرفي الصراع من وضعية ( السلطة – معسكر إسقاط السلطة ) إلى وضعية ( السلطة – معسكر التحوّل الديموقراطي للسلطة ) بما ينطوي عليه ذلك من جولات صراعية مُقبلة , لكن هذه الجولات , ومهما بلغت الضراوة فيها , تبقى في إطار الدولة . ( لا أقصد الدولة – السلطة , بتكوينها وتركيبتها الحالية , انما الدولة كمؤسسات , مهما بلغت درجة سوئها . ) . إن انتقال الوضعيات هذا , فيما لو حدث , وأعتقد بأن حدوثه ليس مستحيلا ً إذا توفرت النوايا عند التيارات الديموقراطية السورية , سوف يقيم فرزا ً واضحا ً وجليا ً بين من يريد حقيقة سوريا جديدة ( ديموقراطية – تعددية – موّحدة ) وبين من يريدها إمارة , أو إمارات ( إكراهية – متجانسة – مُقسمة ) . وهذا الفرز هو الوحيد الذي من شأنه أن يعيد لمفهوم ( الثورة ) معناه التاريخي , ويجعل منه بهذا المعنى قيمة إيجابية , وليس عمليات قتل وحشية متبادلة . كما أن من شأنه حينها أن يُظهر التيارات التكفيرية على حقيقتها , كتيارات لا تعنى بعدالة الحراك الشعبي السوري , ولا تنطلق من هذه العدالة , انما تسعى , مدعومة بارتباطاتها الخارجية , إلى تحقيق مشروعها الديني الغيبي الذي لا يهمّ أحد من السوريين سوى منتسبيها من الأفراد .
سيعتبر البعض بأن حوارا ً كالذي أدعو إليه من شأنه أن يطيل من عمر السلطة ( انطلاقا ً من وهم أن نهايتها باتت وشيكة , الأمر الذي لا تمكن قراءته في أي من تفصيلات الواقع , والأمر الوحيد الذي قد يُقرأ هو أن استمرار الصراع بالكيفيات الحالية من شأنه أن يطيل أمد الصراع , وبالتالي عمر السلطة . ) ويضعف من عضد (الثورة) , أي ما معناه بأن الثورة هي ذلك الشكل العسكري فقط , وكل ما عداه من أشكال العمل الذي قد يفضي إلى حلّ مقبول للأزمة السورية هو مجرّد وضع للعصي في دولاب الثورة . إن هذا المنطق لا يقدّم جديدا ً إلا المزيد من تشريع القتل , والمزيد من الهيمنة للتيارات اللاديموقراطية على مجريات الفعل ( الثوري ) .
أخيرا ً يمكن القول : أن من يرفض الحوار كمبدأ لحل الأزمة السورية , صراحة أو مواربة , هو من لا يريد استرداد الثورة من مُختطفيها , وبالتالي استعادتها لمفهومها التاريخي كتغيير نوعي وعميق في بنية المجتمع , كما في بنية وشكل السلطة , وهو بالتالي من يريد بقاء السلطة بطبيعتها وجوهرها الحاليين إلى أمد لا يدركه سوى الراسخون في العلم , والحالمون بتقسيم سوريا وتفتيتها .
#ياسر_محمد_أسكيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟