|
الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي واعادة البناء ج- قضايا اعادة ابناء في ب ك ك 3- الاصلاح والتغيير الاجتماعي في الجمهورية التركية آ ،ب ، ج
عبدالله اوجلان
الحوار المتمدن-العدد: 1143 - 2005 / 3 / 21 - 13:04
المحور:
القضية الكردية
A) التيار والطريق الأول هو البراديغمائية والممارسات القومية الثابتة والمنغلقة على نفسها والانفصالية المتمخضة عن العنف والشدة؛ والتي طبقت في الماضي القريب، ولا تزال تحافظ على تأثيرها القوي. وهذا التيار يسلكه الأتراك، وهو مشحون بنزعة قومية عرقية، ويواصل نفسه بشكل متزمت وبتعصب دولتي ومجتمعي صلب للغاية، لا يميز بين يسار أو يمين. فالدولة والوطن، بل وحتى المجتمع، يتميزون بتصرفات انفصامية (شيزوفرانيّة) تصل حد القناعة بأن آخر قلعة تركياتية على وشك الإنهيار، وأن الدين والإيمان يفلت من الأيدي؛ وذلك انطلاقاً من الاعتقاد البارانوياكي (الإصابة بهَوَس وجنون الارتياب والعَظَمة) المستمر. ويَعتَبر القيام بـ(الدعاية التركية للتركي) في صدارة مهامه على مدار الساعة. كما أنه لا يُغفِل تأدية الواجبات الإسلامية ظناً منه أنه سينقذ الأمور بالعقلية هذه. وإذا ما تطلبت الحاجة فهو لا يتوانى عن احتضان الأتاتوركية والتشبث بها. بيد أن الظاهرة المسماة بالأتاتوركياتية تأتي في مقدمة أهم مشاريع التغيير والتحديث للقرن العشرين. وتستمر محاولات الاستثمار هذه كأقوى أسلوب، رغم تضادها في الكثير من جوانبها مع الأتاتوركياتية، بما فيها أبعاد العصرنة، قضية المرأة، العلم، والجمهورياتية. إن الموقف المناشد للأتاتوركياتية شعاراً وليس مضموناً، متفشٍ في مؤسسات الدولة الرسمية وفي الساحة الاجتماعية على حد سواء. ونخص بالذكر هنا الجناحين الحزبيين (CHP – DP) اللذين يلعبان دورهما في الميدان السياسي، حيث وصل هذا التيار أقصى درجات التزمت فيهما لدرجة تحوَّل إلى امتداد سياسي لعملية الكونتركريلا (الهجمات المناهضة للكريلا) مع تصاعد الحركة التحررية الكردية بعد التسعينات. فقد جهد أصحاب هذا التيار لإخفاء الوجه الحقيقي للكثير من الهجمات المنتهكة للقانون، واعتَبَروا إنقاذ الدولة – حسب زعمهم – المهمة الأساسية لهم متناسين ممارسة السياسة باسم المجتمع. والخلاصة كانت أزمة أكثر تفاقماً في الدولة والمجتمع. هم أيضاً، وفي مقدمتهم (CHP – DYP – MHP)، خرجوا من صفحة التاريخ مع ظهور هذه الأزمات الخانقة. أما أصحاب رأس المال الذين تداولوا هذا الوضع بموضوعية أكبر، ففتحوا صفحة جديدة مع ظهور (AKP). فكانت النتيجة هي تخلي أمريكا – التي أولوها ثقة قصوى – عنهم استراتيجياً تاركة إياهم وجهاً لوجه أمام مصيرهم المحتوم. لقد دعمت أمريكا هذا التيار على الدوام بعد عام 1950 ضمن تصاعد فاشي، وذلك بدعمها لـAP – MHP والعديد من المنظمات المناهضة للشيوعية. ولكنها تنبهت في حملتها العالمية الجديدة في الثمانينات إلى تزمتهم المتطرف ودولتيتهم المغالى فيها، لتتراجع نسبياً ومن ثم كلياً عن مساندتهم، وتوجهها هذه المرة إلىANAP ومن ثم إلى AKP مع حلول أعوام الألفين؛ مجددة بذلك مواقفها مرة أخرى. ولم يبقى في الميدان سوى الشرائح السلطوية الدولتية كحلف أكثر تزمتاً في الجمهورية. ويمكننا نعت هؤلاء بـ (المحافظون في الجمهورية) لمناهضتهم الشديدة لأي إصلاح في الدولة أو المجتمع. واليوم يطلق عليهم أسم اتفاق (التفاحة الحمراء kızıl elma) على حد تعابير الموضة الدارجة في الأونة الأخيرة. فقد حولوا الجماهير الثورية إلى حلف محافظ مناهض للشعب ومناشد بالوطنية الشوفينية وبرأسمالية الدولة. وبهذا الشكل ننتقل من الجمهورية المتسلطة في عهد أتاتورك إلى نهاية الجمهورية الأوليغارشية ذات الهيكلية الثنائية الأحلاف في السلطة. أما انعكاسات هذا التيار على السياسات المعنية بالكرد، فتجلت في الإنكار والإخماد والإبقاء عليهم خارج النظام كلياً، والإبادة والسحق الدائم في حال رفعوا رؤوسهم أو انتفضوا. ويعد تسليط الفئات المتواطئة التقليدية الخائنة بحق كردياتيتها على رؤوس الشعب كأداة مراقبة وتحكم، عنصراً هاماً أساسياً في هذه السياسة. وتحرك هذا النظام بكل يمينييه ويسارييه بقبضة واحدة ضد حركة الحرية الكردية التي سعى PKK إلى تطويرها. وقبلوا جميعاً بأن يكونوا صوتاً واحداً في السياسة الداخلية والخارجية كـ(سياسات مقدسة). واستغلوا القانون والاقتصاد والسياسة والفن والرياضة بروح عسكرية استنفارية. وغدا المجتمع برمته حلفاً مسعوراً مشحوناً بالقومية الشوفينية. وسلكوا مرحلة وطريقاً وتياراً لا نظير له في العلاقات التركية- الكردية. وبالأصل، لا علاقة لهذا بتاتاً بالأتاتوركياتية التي لا ينفكون يتلفظون بها. إن موقف مصطفى كمال أتاتورك المناهض للإمبريالية هو الذي حدد سياسة الكرد. قد لا تتواجد وثيقة تبرهن على عداوته للكردياتية الحرة، عدا مناهضته للإمبريالية. قد يكون مصطفى كمال بالغ في دور الكرد في مساعيهم لهدم الجمهورية وإعادة السلطة والخلافة على يد الإمبريالية؛ ولكن ما من أحد يمكنه إنكار أن هذا هو فحوى سياسته. أما السياسات التي اتبعها المحافظون، الوطنيون الشوفينيون، والمتظاهرون بالجمهورياتية؛ فكلها كانت متضادة مع تقرب أتاتورك ذاك. حيث أقحموا تركيا في كل أنواع التبعية، وعلى رأسها التبعية لأمريكا وبلدان الاتحاد الأوروبي، لنيل مساندتها لهم في سحق نضال الكرد التحرري. وتصاعدت وتيرة التبعية هذه إلى أقصى حد من النواحي الاقتصادية والسياسية والديبلوماسية والعسكرية على أساس مناهضة PKK. وقد أولوا إداريي تركيا دور الحاضنة الأم في تكوين الدولة الكردستانية الفيدرالية على يد العناصر الكردية القومية البدائية والإقطاعية بالتعاون مع أمريكا في الأونة الأخيرة. ومنحوا الفئات الطرائقية أيضاً إمكانيات تنظيمية واسعة النطاق داخل أجهزة الدولة. جلي تماماً أن كل هذه المستجدات مضادة للكمالية. B) ظهر التيار والطريق الثاني بانفصاله من أحشاء الأول. ويمكن تسميته بالطريق البرجوازي الليبرالي السقيم والضامر. وقد حقق انفتاحه الأصلي في حملة العولمة الرأسمالية بعد عام 1980. وحزب ANAP برئاسة تورغوت أوزال هو الثمرة الأولى لهذا التيار. يمكن نعته بكل إيجاز برأسمالية الدولة المنكمشة على ذاتها والمغالية في القومياتية. كما أن هذا التيار والطريق الجديد المتطور كمناهض للقالبية الثابتة، يتسم بالانفتاح على الخارج، والليبرالية والنظرة المتسامحة مع الفروقات والتعددية. ويهدف أولاً إلى الإلتحاق بالتيار العالمي فوق القومي. إنه يخترق نطاق كل من الحزبينDP وAP، ولكنه في نفس الوقت يتحرك كانعكاس عصري لهما. وهو ليس مناهضاً للأوليغارشية، وبعيد عن الانفتاح الكامل للديمقراطية. لكنه بالمقابل أكثر حلاً للمشاكل من الجمهوريين المحافظين القالبيين. فهو قابل لتداول المشاكل بعصرية. ورغم أنه يعتبر تيار الفئات الصناعية للرأسمالية التركية أساساً، إلا أنه منفتح لتوحيد الفئات الأخرى أيضاً في مسار مشترك. وتأتي (جمعية الصناعيين ورجال العمل في تركيا TÜSİAD) في صدارة الناطقين باسم هذا التيار. ويتجه AKP صوب تشكيله النمط الثاني لهذا التيار. حيث يتلقى دعمه من أمريكا والاتحاد الأوروبي واليابان. ولكنه لا يزال بعيداً حتى في منهجيته عن الشروع بخطوة جدية في مشاريع التغيير الاجتماعي وإصلاح الدولة. إنه ممتنع عن ولوج البؤر الأساسية للدولة ومتردد بشأنها، وغير قادر بالمقابل على اختراق الأجهزة البيروقراطية. ورغم أن احتمال تصاعد تأثير AKP بقدر ما كان عليه أوزال أمر وارد، إلا أنه بعيد عن الجزم به. ذلك أن جرأة تورغوت أوزال على القيام بالتحولات الجذرية لا تنعكس كثيراً في شخصية رجب طيب أردوغان، الذي يعتبر استسلامه للبيروقراطية احتمالاً كبير النسبة. ونخص بالذكر هنا قوة احتمال سقوط قناعه في تقرباته من القضية الكردية. ذلك أن مقابلاته السرية وغير الشرعية لا يمكن أن تدوم طويلاً. هذا التيار قابل لإيجاد حلول بشأن السياسة الكردية. خاصة وأن تورغوت أوزال أراد خطو بعض الخطوات الليبرالية في تاريخ الجمهورية، فدفع حياته ثمن ذلك. وتَمُتُّ الفوضى التي شهدتها تركيا بعد وفاته بصلة لهذا التناقض. هذه المرحلة المسماة أيضاً بفترة الصراع الطويل الأمد بين الجمهوريين الأوليين والثانيين، دخلت مرحلة جديدة مع اعتقال عبد الله أوج آلان في إمرالي. وتفاقمت الأزمة أكثر فأكثر. وأدت سياسات الحكومة الائتلافية المكونة من (الحزب الاشتراكي الديمقراطي DSP وANAP، وMHP) برئاسة بولند أجاويد الذي اتخذ الموقف الإنكاري الكلاسيكي أساساً؛ أدت إلى استنهاض المجتمع برمته. وعجزوا بذلك عن الإفادة من فترة وقف إطلاق النار. وأُدرِكَ مدى بُعدهم عن استيعاب المرحلة، مما أسفروا عن إلحاق ضربة قاضية بالثبوتية القالبية، ودُفِنوا في صناديق الاقتراع. ما من أمارة تدل على مسار السياسة الكردية لـAKP الذي حل محلهم. فرغم ميوله للتواؤم مع أمريكا، إلا أن قدرته لا تخوله لصياغة وتسيير سياسة محددة في هذا الشأن لوحده. وهو عاقد كل آماله على تحامل أمريكا على (PKK – KOMA GEL). هذا بالإضافة إلى احتمال إتباع العديد من الكرد المتواطئين الذين هم إخوانه في الطريقة الدينية (النقشبندية)، سواء بثقلهم في الدولة الفيدرالية في جنوب كردستان، أو باشغارهم غالبية الأماكن في أجهزة الجمهورية التركية في شمال كردستان؛ إتباعهم بحل معين تحت المظلة الأمريكية. وقد تبين بوضوح الرغبة في تحقيق بعض التطورات بمنطق مخادع ونصف علني. ويُنتَظَر تحركهم بمظاهر وأقنعة اقتصادية واجتماعية ودينية لتحقيق تحامل خفي عن عيون القوى الشعبية الثورية الكردية والمؤسسات الدولتية المحافظة التركية على السواء؛ وذلك للحساسية المفرطة التي تتميز بها القضية الكردية. وقد برز هذا الاتفاق الضمني نسبياً على وجه الماء مع الانتخابات المحلية الأخيرة، حيث وجَّه الطالباني والبارزاني دعوة صريحة لمساندة AKP فيها. ولكن الاحتمال الأكبر وروداً هنا هو أن تحاملاً سرياً ومُقنِعَاً كهذا على القضية الكردية لن يسفر عن حلول، بل سيؤدي إلى حدوث الانفجارات العنيفة في كل لحظة. يكمن أخطر جانب في هذا التيار المدعوم مادياً وديبلوماسياً بقوة من قبل أمريكا والاتحاد الأوروبي، في إضرام جذوة النعرات القومية الكردية البدائية داخل موديل كردستان الفيدرالية في شمال العراق، وفرضها على كل من سورية وإيران وتركيا أيضاً. ومثلما أعلنوا PKK (إرهابياً) فيسعون الآن إلى إعلان (KOMA GEL) أيضاً كمنظمة (إرهابية) رغبة منهم في تهدئة تركيا حسب مزاعمهم. ويعطون الأمان والضمان بشأن ذلك. في الحقيقة إن هذا السلوك يزيد من مدى الخطر إلى ضُعفَيه. فمن جهة ستشهد النزعة القومية البدائية تعاظماً ملحوظاً، ومن جهة أخرى سيستفيد KOMA GEL – PKK من التناقضات القائمة ليحقق انفتاحات عظمى. والمحصلة ستكون اندلاع صراع مثيل للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي في الشرق الاوسط – وهذا ما يحسب له ألف حساب ويُهاب – وتصاعده في أحشاء كل من تركيا وإيران والعراق وسوريا. فالأرضية الخصبة لتأجيج النزعات القومية لدى كلا الطرفين تجعل حدوث مستجدات بهذا الاتجاه أمراً وارداً. C) أما التيار والطريق الثالث فمتمحور حول المجتمع، ويعتمد على تطلع الشعوب وآمالها في الحرية والمساواة في ظل ديمقراطيات مشتركة. حيث بالإمكان كسر طوق المفهوم الوطني الشوفيني العِرقي لمصطلح ( تركيا الوطن) ليصبح مكاناً ومقاماً مشتركاً لكل الكرد كهوية عليا. فمصطلح (الوطن) المرتكز على (البلد) وليس (النسب) أو (الانتماء) ساري المفعول في الكثير من بلدان العالم. فرغم كون الأغلبية الساحقة من الأوطان تشهد تعددية لغوية وثقافية بارزة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا وانكلترا، إلا أنها قادرة على الاتحاد تحت لواء دولة وطنية واحدة، بحيث لا يشكل كون اللغة الأكثر استعمالاً هي اللغة الرسمية أية معضلة. ولكن الاعتراف بالمقابل بكل أشكال التعليم والاستخدام للغات الأخرى الموجودة دون أي تقييد على هذه الحقوق، هو الممارسة العصرية الشائعة في كل أرجاء المعمورة. يكمن وراء مصطلح (إصلاح الدولة) إخراج الدولة من النطاق الأيديولوجي وتحويلها إلى أداة خدمة تقنية فحسب. فمفهوم (المنقذ) و(الفاتح) التاريخي للدولة يقف عائقاً أمام خلاقية المجتمع وثقته بذاته، ويمهد السبيل لانتظار كل شيء من الدولة وكأنه مُنتَظَر من الإله. من هنا فإن انسحابها من جميع الساحات، عدا الخدمات العامة الضرورية المتناسبة مع كل شرائح المجتمع ومع تعزيز الأمن الخارجي العام، يعد شرطاً أولياً لتحقيق إصلاح جذري. إن ظاهرة تضخيم الدولة في تركيا تلعب دوراً شديد التزمت والتخلف عن ركب المجتمع. فالكل يتوجه بنظره إلى الدولة لإيجاد حل لكل شيء. ولا يمكن تجاوز هذا التزمُّت البيروقراطي والاجتماعي إلا بإحداث إصلاح جذري في الدولة. فالإصلاح ضروري للغاية للقضاء على التمييز بين المواطنين داخل الدولة، وجعلهم يتمتعون بحرية التعبير عن كياناتهم الثقافية عبر ضمانات مُدرَجة في المعاهدات الدولية، وجعل الدولة لا ترتكز إلى زمرة إثنية محددة ولا تؤجج التمييز المذهبي أو الديني. ويعد توثيق الإصلاح بضمانات دستورية شرطاً حيوياً أيضاً. أما التغييرات اللازمة في القانون، أو سن القوانين الجديدة، فيجب أن تصب في الهدف عينه. ويكفي للقيام بالتحديث المجتمعي أن تسود الحرية والمساواة في المواقف الجنسويّة الاجتماعية. حيث يستلزم اتخاذ تدابير حاسمة ضد المفاهيم والممارسات التي ترى المرأة ملكاً. ولأجل توطيد حرية المرأة يتطلب تأسيس دُور الثقافة – وليس دُور الالتجاء – اللازمة على شكل مشاريع شمولية. يتحتم ترك الجدالات الزائفة مثل تلك الدائرة حول مسألة الحجاب. عدا ذلك فالمجتمع الأيكولوجي يضع ثقله ويُحَسِّسنا به مع مرور كل يوم. فالمجتمع لا يكون حراً إلا إذا كان أيكولوجياً. فحسب المعطيات العلمية الأخيرة يجب إيصال المجتمع المتطابق مع الأيكولوجيا إلى مستوى دستوري. ففي المجتمع الحر تغيب البطالة واللااستثمار، وتزول هوَّة الواردات وغيرها من الظواهر المشابهة. إذ يجب إيلاء الأولوية لاقتصاد يعتمد على القوت الطبيعي ويتخذ من تنشئة المجتمع بشكل سليم وصحي أساساً له. كما يجب اعتماد الانتقال من اقتصاد مرتكز إلى الربح إلى اقتصاد يتيح المجال للتنمية والتغذية الصحية والحياة العصرية، ويتقلص فيه التَّبَضُّع ويضمحل، ويكون قابلاً للاستخدام. لهذا الطريق والتيار المتضمن لإصلاح الدولة والتغيير المجتمعي وفق الخطوط العريضة المذكورة آنفاً، علاقة كثيبة بحل القضية الكردية. وانعكاس هذا التيار على تلك القضية يعني القبول بالحل السلمي والديمقراطي. ولأجل ترسيخ السلام يتطلب أولاً الهدنة. هذا ويجب التطرق إلى تطورَيْن محتملَيْن بخصوص الحل الديمقراطي: طراز الحل الأول هو التطور المتداخل مع دمقرطة تركيا. وهذا بدوره يتطلب إصلاح الدولة الذي أوضحناه بإيجاز آنفاً. أي يجب الكشف عن القلاقل والعراقيل العلنية منها والخفية أمام دمقرطة الكرد لذاتهم، وإخراج القوانين من كونها عائقاً أمام ذلك. فحظر عقد ولو اجتماع كردي واحد حتى الآن يشير إلى مدى قوة عَوق القوانين. هذا وثمة عوائق فعلية أكثر جدية وخطورة. ونخص بالذكر هنا مفهوم كوادر الدولة المعتمدة على الكثيرين من المتواطئين الإنكاريين التقليديين من كرد وعرب وآشور وأرمن وروم وقفقاس وغيرها من الأصول؛ والذي يتوجب تركه حالاً. فمثل هذا المفهوم من أنماط الكوادر (الدونمة المرتدة والانكشارية devşirme) المشابهة للانكشارية العصرية، وبينما يثير ويؤجج النعرات القومية العرقية بمفهوم مَلَكي يتبناه أكثر من المَلك ذاته؛ فإنه بالمقابل يتيح المجال لتنامي النزعة القومية للأقليات من الأسفل. كما أنه ينخر في الوطنية الحقيقية والوحدة الحرة والديمقراطية للشعوب. إذ لا يستهان بدور مثل هذه الشخصيات في نشر التردي والانحلال في الجمهورية مثلما فعلت في انهيار الإمبراطورية العثمانية. ولا يمكن إيجاد حل ديمقراطي بوساطة مثل هذه الكوادر. كما لا تتوافق الدمقرطة مع الكوادر ذوي الهوية الطرائقية. فالطرائقية تستثمر الديمقراطية وتستخدمها، ولكنها لا تنضم إلى فضائلها. إن التقاء الشعبين التركي والكردي في بلاتفورم ديمقراطي مشترك يتطلب إجراء بعض الترتيبات، كصون الأقليات مثلاً. أما الطريق الآخر للحل الديمقراطي فهو تأسيس الكرد بذاتهم لديمقراطياتهم. فإذا ما بقي الطريق الأول مسدوداً سيكون الطريق المسلوك طبيعياً هو تطويرهم الذاتي لقواعد ومؤسسات دمقرطتهم. فانتخابات البلدية ونواب الشعب الأخيرة بيّنت مرة أخرى، وبالرغم من تصويت وانتخاب الكرد لمرشحيهم، أن القوانين اللاديمقراطية والعراقيل التي زرعتها الدولة بالوسائل المادية والإرغامية، تفيد بعدم احترامها نتائج هذه الانتخابات وعدم العمل على إكسابها القوة التطبيقية. وفي حال استمرار عمليات التقييد هذه في المرحلة المقبلة فستتسارع وتيرة اكتساب الكرد للخبرات الديمقراطية الذاتية لتتلاحم مع المرحلة المبتدئة بـKOMA GEL كالتحام الظفر باللحم. وسيشكل التأسيسُ المنتظمُ لإدارات الكرد المحلية من جهة ولـ KOMA GEL كأداة تنسيق عليا لهم من جهة ثانية، جوهرَ الدمقرطة الكردية. هذه الحركة الديمقراطية لا تشبه بأي حال من الأحوال البرلمان الفيدرالي الكردي. فالإقطاعية تعتمد مفهومَ الدولة نصف الإقطاعية – نصف البرجوازية أساساً، بينما KOMA GEL في تضادٍّ مبدأي مع الدولتية. فالدمقرطة والدولتية في تضادٍّ دياليكتيكي. والتمأسسات والنظريات الديمقراطية التي تتضمنها مبادرة KOMA GEL ستؤسس كردستان الديمقراطية، لا الفيدرالية. وكردستان ديمقراطية ليست ضد تكامل الدولة والوطن، سواء بالنسبة لتركيا أو إيران أو العراق أو سوريا. بل تناشد كلاً منها فقط بإتاحة الإمكانية للتكامل المرتكز إلى الوفاق والصلح الديمقراطي. من هنا فإن كردستان ديمقراطية تكافئ تماماً تركيا وإيران وعراق وسوريا ديمقراطية. ويمكننا عرقلة النزاعات والاقتتالات المعتمدة على النزعات القومية، فقط وفقط، بهذا الأنموذج. كما وبمقدورنا عبره منع خلق صراعات جديدة مثيلة للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. وعدا عن هذين الطريقين سيسود القمع والإنكار، وتندلع مقابله الحروب والتمردات. ولطالما يمدنا التاريخ بعِظات ودروس كافية وافية في هذا الشأن. رغم تعالي أصوات الدمقرطة والحل الديمقراطي وأصداؤها في تركيا، إلا أنها لم تُدرَج بعد في جدول الأعمال السياسية. بيد أن كافة بلدان أوروبا، بل وحتى أغلب بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا، قد طبقت النموذج الديمقراطي بكثرة في حل قضايا الشعب والمشاكل الثقافية. ويتجه السياق العالمي دوماً في هذا الصوب. وآخر مثال على ذلك هو المشكلة القبرصية التي أصبحت كالغرغرينا طيلة سنين عديدة، وتُوِّجت مؤخراً بالحل عبر ديمقراطية ثنائية مشتركة. ويمكن استنباط الدروس العديدة منها لأجل حل ديمقراطي للقضية الكردية أيضاً. كما وبإمكان النماذج الباسكية والإيرلندية والسويسرية والاسكوتلندية والبلجيكية أيضاً أن تزودنا بمساهمات في الحل. على الإدارة التركية أن تستوعب جيداً أنها لن تقدر على إدارة الكرد بطرازها القديم. وأنه إذا كانت لا ترغب في تكرار عراقٍ ثانٍ فعليها التركيز بجدية على السلام والحل الديمقراطي. كما عليها اليقين بأن هذا الحل لا يتناقض مع ممارسة واقعية للمواقف التحررية التي سلكها مصطفى كمال أتاتورك. أما الزعم بأن هذا الأخير كان عدواً للمواطَنة الكردية الحرة ولأجهزتها الديمقراطية مشتركةً كانت أم مستقلة، أو الادعاء بأن الكمالية تعني العداوة الكردية؛ فلا معنى له سوى الوقوع في شراك النزعة القومية وأفخاخها. فـ(كردستان ديمقراطية حرة) هي الضمان الحقيقي الراسخ والأخوي لتكامل تركيا دولةً ووطناً. وهو يشكل دعامة استراتيجية في الوقت الراهن مثلما كان عليه عبر التاريخ. أما الكردي (وكردستان) المعرَّض للإنكار فيعني خطرَ وجود مشكلة دائمة وتمردات ومداخلات خارجية مستمرة. كما يعني هدر كافة الطاقات المادية والمعنوية للجمهورية التركية ومجتمعها، وإقحامهما في أزمات متواصلة، مما يؤدي إلى افتقار اعتبارهما وقوتهما في الساحة الشرق أوسطية والأوروبية والعالمية. إذن، والحال هذه، فحدوث انطلاقة معتمدة على الدمقرطة التركية – الكردية المشتركة تتسم بمعانٍ تماثل – على أقل تقدير – معاني الانطلاقات الاستراتيجية المماثلة في التاريخ. أما عدم رؤية ذلك وعدم تطبيقه فيتطلب أن يكون المرء عدو شعبه أو خائن وطنه. فكل المستجدات في العالم والمنطقة وتركيا وكردستان تفرض حتمية الحل السلمي والديمقراطي. ثمة مساعٍ تركية حثيثة في المرحلة الرأسمالية الجديدة المتسارعة في أعوام الألفين لقطع أشواط ملحوظة فيها، وذلك بتصعيد العلاقات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية إلى أقصاها. حيث ترى بضرورة اللجوء إلى حملة ديمقراطية مصطنعة وشكلية مشابهة لما حدث في عهد DP، وذلك كدرع تُشهِره في وجه الجيش والاتحاد الأوروبي على حد سواء. أما قيامها بتحديث جذري وفق نهج ديمقراطي مبدئي فهو أمر عصيب، سواء جوهرياً أو تراكمياً (كماً أو نوعاً). فنَعْتُها الأيديولوجيةَ الإسلاميةَ بـ(الديمقراطية المحافظة) بعيد كل البعد عن تطهرها كلياً ونقائها من التأثير المخادع. ذلك أنها وضعت وزنها الغالب في الدولة باكتسابها القوة من الانكسارات الناجمة عن مراحل النضال الشاق في الداخل والخارج. وثمة احتمال بجزمها لثقلها الاجتماعي والسياسي أيضاً في المرحلة المقبلة لتحتل موقعها الحقيقي. وتجاه هذه الحملة الأخيرة لرأسمالية تركيا، يتحتم على الشعب التركي برمته، والشعب الكردي خصوصاً، التحلي باليقظة القصوى والتحرك بموجبها. وباعتباره الطرف المتكبد للخسائر على الدوام في المرحلتين الأوليتين، فمن الممكن في هذه المرحلة الثالثة أن يحرز النصر ولو بنسبة النصف (50%) كأقل تقدير. بل إن هذا هو سبيل الخلاص الوحيد تجاه مشاكل البطالة والفقر المدقع المتعاظمة كالسيل الجارف. يتصدر تحويل المواقف الديمقراطية الذاتية لشعب تركيا إلى حركة منظمة وعملياتية ناجحة وموفقة، جدول أعمال هذا الشعب الأساسية. بينما ظلت تيارات الاشتراكية المشيدة واليسار القومي (مثل الحزب الشيوعي التركي TKP) قاصرة عن لعب أي دور عدا تعزيز مرحلة الرأسمالية موضوعياً في المراحل الثلاث؛ وذلك لعدم تخلصها من كونها مجرد حركات هادفة إلى الدولة. ولكن تواجد ميراث تحرري متساوٍ عادل ومتين حقيقةٌ لا يمكن غض الطرف عنها. وتكمن المشكلة في تكوين حركة ديمقراطية مبدئية ذات قاعدة جماهيرية مرتكزة إلى الحرية والمساواة انطلاقاً من هذا الميراث. والحركة الكردية الديمقراطية المنتفضة مؤهلة لتقديم أقصى المساهمات في ذلك. والمطلوب هنا، ليس إلا خروج المجموعات اليسارية في تركيا من كونها حركات هادفة إلى الدولة ومتمحورة حولها، وبلوغها مرتبة ديمقراطية مبدئية لتتمكن من إقامة الوحدة بموجب ذلك. أما (اتحاد القوى الديمقراطية) المؤسَّس من قِبَل مجموعات خمس (الحزب الشعبي الاشتراكي SHP، الحزب الشعبي الديمقراطي DEHAP، حزب الكدح EMEP، الحزب الديمقراطي الاشتراكي SDP، وحزب الحرية والتعاضد ÖDP)، وعلى الرغم من صحة منحاه؛ إلا أنه بالمقابل لم يلقَ نصيبه من النجاح بسبب عدم تخلصه مضموناً وصياغةً من سلبيات الميراث القديم، وعدم قدرته على تحقيق الانقطاع الجذري من البيروقراطية والأيديولوجية الدولتية. ما هو مطلوب هنا هو الانطلاق في نفس المنحى، ولكن بالسير بشكل متمحور حول المجتمع وهادف إليه، ومنقطع كلياً عن البيروقراطية، وبتنظيم سقفي مرتكز إلى الجماهير (وفي مقدمتها الفقراء والعاطلون عن العمل، وخاصة القاطنون منهم في الضواحي الخارجية والخلاء)، بالإضافة إلى الحركات الفامينية والأيكولوجية ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان المنتشرة بكثرة في القاعدة التحتية. هذه المسيرة المعتمدة على ديناميكية الحركة الديمقراطية الكردية ستكون جواباً حقيقياً لآمال شعبنا وحسراته في الديمقراطية والحرية والمساواة، وضماناً موثوقاً للنصر والظفر تجاه السلطات الأوليغارشية المكتملة برأسمالية الأناضول
#عبدالله_اوجلان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاني
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي
...
-
تحرير الجنسوية الاجتماعية
-
الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الخامس حركة ب ك ك ، النقد والنقد الذاتي
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردية
...
-
الدفاع عن الشعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردي
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردية
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردية
...
-
الدفاع عن الشعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية القضية ، الكردي
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردية
...
-
الدفاع عن شعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردية
...
المزيد.....
-
اعتقال نحو 100 متظاهر مؤيد لفلسطين بعد اقتحام برج ترامب في ن
...
-
نيويورك: وقفة في برج ترامب تندد باعتقال طالب بجامعة كولومبيا
...
-
ألمانيا تحقق مع مشتبه بهم في تهم تتعلق بالعمل القسري والاتجا
...
-
ليبيا: الأمم المتحدة تحذر من المعلومات المضللة وخطاب الكراهي
...
-
الأمم المتحدة: حرب السودان هي أسوأ أزمة إنسانية وهناك 30 ملي
...
-
يونيسف: 1.3 مليون طفل دون الخامسة بالسودان يعيشون في بؤر الم
...
-
-لم نعد أمريكا بعد الآن-.. شاهد كيف علق سيناتور أمريكي على ا
...
-
سيناتور ينتقد اعتقال الناشط الفلسطيني محمود خليل.. ويوجه رسا
...
-
الأمم المتحدة: سنرحب بأي اتفاق لوقف إطلاق النار في أوكرانيا
...
-
نتنياهو متناسيا كل الارهاب الذي مارسه بغزة: مجلس حقوق الإنسا
...
المزيد.....
-
“رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”.
/ أزاد فتحي خليل
-
رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر
/ أزاد خليل
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
المزيد.....
|