أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - احمد عبدول - مطر السوء














المزيد.....

مطر السوء


احمد عبدول

الحوار المتمدن-العدد: 3959 - 2013 / 1 / 1 - 16:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يوم أمس كنا مع مسلسل هطول الإمطار حيث قضينا نهارا مزعجا وبتنا ليلا مكفهرا يوم أمس كنا مع ذلك المطر الذي أخذت زخاته تشتد ورشفاته تتعاظم ساعة بعد أخرى يوم أمس راحت الإمطار تتساقط على رؤوسنا منذ الواحدة ظهرا حتى العاشرة مساءا وما بين هاتين الساعتين كان قد جرى علينا ما جرى وحل بنا ما حل من اللاواء والضراء فقد خرت علينا السقوف وتدفقت علينا المياه من كل صوب وحدب حتى إننا لم نستطع أن نلملم من أغطيتنا وفرشنا إلا النزر اليسير والقدر البسيط وبشق الأنفس ,ومما زاد في الطين بله إننا أصبحنا نستقبل موجات من مياه الإمطار التي تجمعت خارج المنزل وقد اختلطت بمياه المجاري الآسنة وبذلك فقد انطبق علينا عنوان الغرق وشملنا شعار المصيبة فأخذنا نهرول مسرعين ونركض حائرين نحو سطح المنزل الذي يعصمنا من الغرق وينجينا من الهلكة .
أمي تلك المرأة التي نافت على السبعين والتي خارت قواها وضعف بصرها ودق عودها واشتعل الرأس منها شيبا ,أمي التي تعاني من الآلام المزمنة في كل مكان من جسدها النحيف المتهالك مانعت الانتقال إلى اعلي البيت حيث يقطن أخي الذي يكبرني بعقد من الزمن فقد ألفت سريرها واستوطنت غرفتها فلا يغمض لها جفن ولا يقر لها قرار إلا وسط صومعتها التي تزدان بسجادتها ومسبحتها وأعواد بخورها وباقي حاجاتها والتي تشبهها في تواضعها وطيبتها وجميل سجاياه أمي كانت قد مانعت إن تنتقل إلى أعلى المنزل إلا أنها وبعد إن رأت مياه الإمطار وقد غطت كامل غرفتها وأغرقت مجمل صومعتها حتى لكان القيامة قد قامت والساعة قد حانت وان الموؤدة قد سئلت عندها أخذت والدتي بالمناداة علينا إن أسرعوا بحملي إلى اعلي الدار يرحمكم الله .
عندما ترى أن أثاث بيتك المتواضع والذي لم تسدد بعد فواتير وإقساط البعض منه وهو يتفسخ داخل مياه الإمطار وقد دلفت إلى غرفة نومك دون حياء واستئذان ,عندما ترى ملابسك التي يدور عليها الحول وتتعاقب عليها الفصول وهي باقية على سيرتها الأولى بسبب دخلك المحدود ورزقك المنكود وهي تجوب مياه الإمطار ذهابا وإيابا , عندما ترى كتبك القيمة ذات الورق الأصفر والجلد السميك وهي تذوب وسط المياه الآسنة , عندما ترى لعب أطفالك من صنف (الحاجة بربع ) بالإضافة إلى أقلامهم وكتبهم وحقائبهم وهي تعوم وسط برك المياه المتعفنة ,عندما ترى كل شيء يتلف ويتفسخ ويتحول إلى أطلال ,عندما ترى الأمواج تتلاطم وكأنها بطون الحيات داخل غرفة نومك المظلمة المعتمة ,فانك تتمنى الموت وتترجى المنية فتضيق بك الأرض حتى كأنك تصعد في السماء ,عندما تغطي مياه الإمطار أكثر من 38 إلف متر مكعب من مجمل مساحة البلاد عندما تتسبب مياه الإمطار بقتل وإعاقة وتشريد المئات من أولئك الفقراء الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء عندما ترى مياه الإمطار وقد فرقت بين الزوج وزوجته وباعدت بين الأب وذويه وفصليته التي تؤويه ,عندما ترى مياه الإمطار وقد دمرت البنى التحتية وأوقفت عجلة الاقتصاد .فانك سوف تجد نفسك مضطرا للسؤال والتساؤل عن مغزى المطر وحقيقة القطر فإذا كان المطر خيرا ننسبه للسماء وإذا كان المطر بشرى نرجعها للعلياء وإذا كان المطر نعمة الله لعباده ورحمته لخلائقه حيث تتزين به الأرض لتنبت من كل زوج بهيج إذا كان المطر رسالة سلام إلى أهل الأرض من لدن أهل السماء فكيف به وأنى له إن يتحول إلى كارثة بيئية ولعنة مجتمعية عندما يطير بالعقول ويخرب الحقول ويهلك الحرث ويغرق البيوت والدور,ويتسبب في إيقاف حركة المارة ويعيق حركة النقل والتنقل ويشغل الرأي العام مما يضطر أجهزة الدولة إلى إعلان حالة الاستنفار والطوارئ لكافة مؤسساتها ودوائرها الخدمية .
في ظل هكذا مقتضيات وفي ظل هكذا معطيات إلى من ننسب المطر هل ننسبه إلى الله أم إلى الطبيعة والجواب على هكذا تسأول يجب إن يكون على النحو الأتي إن المطر بخيره وشره بزيادته ونقصانه بغزارته وشحته لا يرتبط بالسماء ولا يتعلق بحسن التدبير والقضاء فهو اثر من اثار الطبيعة العامة والتي لا تخضع إلى منطق البشر ولا تدرك بعمق الفطنة والنظر فهي طبيعة ترسل امطارها سدى وتلقي بشررها على غير هدى .
فإذا ما فهمنا المطر على ضوء هذه الحقيقة التي يؤكدها العلم الحديث ويقرها الذوق السليم والفطرة السليمة فإننا نكون قد أبعدنا عن الله شبهة ان يكون مصدرا لمطر يحرق ولا يؤرق ويضر ولا ينفع ويدمر ولا يبني ,إما إذا أخذنا نصرّ على إن المطر يعد خيرا في كل الأحوال فإننا لا نزال نصر على تلك الازدواجية في ما نقول ونفكر ,فإما أن يكون المطر بخيره وشره من الله أو إن يكون المطر بخيره وشره من الطبيعة علينا إن نختار احد القولين إذ ليس هنالك من سبيل للمزج بينهما بحال من الأحوال ,قد يقول قائل ويعترض معترض فيقول إنما المطر خير بمجمله لكننا في العراق لا نمتلك أنظمة متطورة للصرف الصحي كما إننا لا نمتلك شبكات حديثة لتصريف مياه الإمطار إضافة إلى تفسخ البنى التحتية وتآكلها كل هذه الأسباب أدت إلى إن نغرق وخلصت إلى أن نتضرر فالعيب ليس في المطر لكنما العيب والنقص في ما نمتلك وفيما نعمل وللتصدي لمثل هكذا اعتراض نقول إن الإمطار وبشكل سنوي تقوم بإغراق أعظم الممالك وأكثرها ازدهارا وأعظمها اثأرا مثل أميركا واليابان وروسيا الإمطار لا تفرق بين بلدان متقدمة وأخرى لا تمتلك شبكات حديثة لتصريف مياه الإمطار وكما نشاهد عبر أجهزة الإعلام المختلفة فهي تصيب بشرها الأبيض والأحمر والأسود فلا تفرد بين جنس وأخر وبين مذهب وأخر وديانة وأخرى شانها في ذلك شان باقي الظواهر الطبيعية التي تهب لعناتها على رؤوس بني البشر كافة دون تمايز وتباين لكن حصة الفقير منها اكبر وقسمته أوفر .
خلاصة ما نؤد قوله إن الله ليس مسئولا عن ظاهرة طبيعية تتسبب في تشريد الآمنين وترويع الوادعين لان الله حصن متين وحصن حصين يلوذ به المحتاجون ويأمن عنده الخائفون ويستصرخه المستصرخون .



#احمد_عبدول (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القوم الكافرون
- أضغاث أحلام
- الإنسان أم الأديان
- هل يمتلك العراقيون دينا خالصا
- طقوس كربلاء من منظار اخر
- ما هو المطلوب من رجال الدين تحديدا؟
- شيوخ العطب والهلاك


المزيد.....




- الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض ...
- من هم المسيحيون الذين يؤيدون ترامب -المخلص-؟
- المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرتا اعتقال نتنياهو وجال ...
- الأميرة المسلمة الهندية -المتمردة- التي اصطادت النمور وقادت ...
- تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ ...
- استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
- 82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
- 82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
- 1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - احمد عبدول - مطر السوء