أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبدالوهاب حميد رشيد - اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل الرابع عشر















المزيد.....



اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل الرابع عشر


عبدالوهاب حميد رشيد

الحوار المتمدن-العدد: 3959 - 2013 / 1 / 1 - 11:54
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


الفصل الرابع عشر
المشروعات الاجتماعية والديمقراطية المدنية في السويد:
تطوير مجتمع الرفاهية القائم على المشاركة للقرن الحادي والعشرين
فيكتور أ. بيستوف، جامعة بحر البلطيك/ستوكهولم
Victor A. Pestoff, Baltic Sea University, Stockholm

ترجمة:حسن عبدالله (و)عبدالوهاب حميد رشيد
تعرضَ الاقتصاد السويدي لنقد متزايد لسنوات كثيرة، مهيئاً إمكانية الحديث عن أزمة بالنسبة لدولة الرفاهية في السويد. تَدخل في جذور هذه الأزمة عوامل إيديولوجية، وسياسية، ومالية، وجغرافية. وعلى فرض وجود هذه الأزمة، وعضوية السويد في الاتحاد الأوروبي، وعضويتها المحتملة في الاتحاد النقدي الأوروبي، فإننا ننقاد للسؤال عما إذا كانت دولة الرفاهية في السويد قادرة على البقاء والاستمرار وفيما إذا كان من الممكن أصلاً بعد الآن وجود دولة رفاهية شاملة في أي بلد منفرد كان.
الشواهد والحجج المقدَّمة هنا توحي بأن الجواب على هذين السؤالين يمكن أن يكون إيجابياً إذا أمكن العثور في السويد على الوسائل اللازمة لتطوير نماذج تنظيمية لدعم المشاركة الأوسع للعاملين في إنتاج الخدمات الاجتماعية ولدعم المشاركة الأوسع للمواطنين في إنتاج الخدمات الاجتماعية التي يطلبون. وعندئذ فقط سيكون للمواطنين أساس قوي في بقاء واستمرار خدمات الرفاهية الممَّولة من قبل الدولة وتطوير مجتمع الرفاهية في القرن الحادي والعشرين. ومن دون ذلك، فإن مستقبل دولة الرفاهية الشاملة مظلم، وإن مستقبل دولة الرفاهية في السويد كئيب حتى أكثر، بحيث إن هذه الدولة تواجه خطر الانهيار بسبب افتقارها للشرعية بشكل متزايد.

أزمة دولة الرفاهية في السويد
ترتبط العلامات الأولى على أزمة دولة الرفاهية في السويد بإلغاء النموذج السويدي القائم على النقابات القوية ومنظمات أصحاب العمل التي كانت تتفاوض ليس فقط على الأجور وظروف العمل، بل أيضاً على الكثير من المشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية(1). ومع ذلك، فإن الاقتصاد المتفاوَض عليه وسياسة التسوية في السويد، جرى استبدالهما بالحد من التوجيه deregulation وسياسة المواجهة في الثمانينات(2). يعزو بعض العلماء الانهيار السياسي للميثاق الاجتماعي القديم بين العمل المنظَّم ورأس المال في السويد إلى تبني مقترح الصناديق العمالية wage-earner funds الذي قدمّته نقابة العمال المركزية، Landsorganisationen. ولكن هذا التفسير يقدم منهجاً بسيطاً جداً ووحيد الجانب لهذه التطورات المرَّكبة. فثمة دور خطير في العملية لعبته المنظَّمات المضادة للنقابات العمالية: أي نشاط الأعمال المنظَّم ومنظَّمات أصحاب العمل.
وهكذا، فالتغيرات في الأفعال والسياسات لدى كل من العمل ورأس المال المنظَّم لابد من أخذها بالاعتبار في أي دراسة جادة لتوقف النموذج السويدي ونمو الأزمة الأيديولوجية لدولة الرفاهية. إن درس منظَّمات أصحاب العمل ومنظمة أصحاب العمل السويدية SFA، بشكل خاص، تقدم صورة شاملة ومتنوعة أكثر عن التحدي الفكري المتزايد لدولة الرفاهية السويدية. إن التغيرات في قيادة SFA، التي تعود جزئياً إلى التطرف السياسي في أواخر الستينات وأوائل السبعينات، وجزئياً إلى التدويل المتزايد للاقتصاد السويدي، قادت أصحاب العمل لأخذ موقف عدائي أكثر من قضايا عدة، ليس فقط بشأن المساومة الجماعية، بل أيضاً في حقول عديدة أخرى من الاقتصاد والسياسة والمجتمع السويدي(3). ومما له دلالة، إن رئيس SFA، الدكتور كورت نيكولن Kurt Nicolin، وصفَ الخلاف في سوق العمل في الثمانينات بأنه "استثمار في المستقبل(4)." وربما نظرَ قادة SFA الجدد إلى الصناديق العمالية كقضية جوهرية ورمزية معاً، كقضية يمكنهم استغلالها لتحدي قوة النقابات والاشتراكيين الديمقراطيين.
بدءاً من السبعينات، زادت SFA اشتراكات العضوية فيها إلى أكثر من الضعف، خالقةً بذلك احتياطات ضخمة(5). وفي العام 1992، تجاوزَ دخل SFA دخلَ منظمات أصحاب العمل في فرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة مجتمعةً(6). وهكذا، كان بإمكان SFA في الثمانينات أن تنفق على تكوين الرأي opinion formation أكثر من ضعف ما تنفقه كل الأحزاب في السويد في سنة كاملة، أو بما يزيد بأربع مرات الميزانية السنوية لكل الأحزاب السويدية في غير سنوات الانتخابات(7). وفي مؤتمر SFA للعام 1990، أعلن مديرها التنفيذي الرئيسي "برنامجاً سرياً للخصخصة في السويد"، برنامجاً تكون فيه السويد قد "تخصخصت" بشكل كامل في نهاية القرن(8). وإذا تذكرنا الملكية المحدودة للدولة في الصناعة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ودورها الواسع جداً في حقل خدمات الرفاهية، فمن الواضح إن برنامج الخصخصة كان أحد الأهداف الرئيسة لحملات SFA المكثفة لتكوين الرأي.
إن الكثير من الصراع السياسي في السويد في الثمانينات والتسعينات بشأن مستقبل دولة الرفاهية كان على شكل حملات SFA الموجهة لنزع الشرعية عن دولة الرفاهية من خلال التشكيك بكفاءتها وعدالتها وتمويلها. وعلاوة على ذلك، فإن زيادة تركيز وتدويل المنشآت السويدية، سويةً مع عضوية السويد في الاتحاد الأوروبي، ساعدتْ على انتقاد هذه المنشآت بأن "الأجور عالية جداً، والضرائب عالية جداً، وتخصيصات الرفاهية عالية جداً". كما إن بعض المنشآت عملت في بلدان مجاورة حيث الأجور والضرائب ومخصصات الرفاهية أقل. إن النموذج غير المركزي للمساومة الجماعية يُضعف مكانة العمل، وبخاصة على المستوى الوطني. وهكذا، فإن الأزمة الإيديولوجية لدولة الرفاهية في السويد لها جذور سياسية واضحة وكانت على ارتباط وثيق بانهيار النموذج السويدي، نموذج الاقتصاد المتفاوَض عليه وسياسة التسوية.
والتحدي السياسي الآخر الذي ظهرَ مؤخراً لشرعية دولة الرفاهية ينبع من تزايد "العجز الديمقراطي" في السويد. تم الشعور بهذا العجز، بأكثر حدة، على مستوى الحكم المحلي، بعد الإصلاحات البلدية في السبعينات التي قادت إلى ظهور وحدات حكم محلي أكثر، وألغت أيضاً الكثيرَ من السياسيين غير المحترفين والعاملين على أساس جزء من الوقت. وفي الفترة الأخيرة، قاد تزايد استعمال النماذج السوقية لتقديم الخدمات المحلية إلى زيادة هذا العجز الديمقراطي. تم الالتفاف على المسئولية العامة من خلال قيام الشركات المحدودة التي تعود للبلديات بالخدمات التي تمولها الدولة. وخلال العقد الماضي، أُعفيَّ من مسئولياتهم 9000 من السياسيين غير المحترفين أو غير المتفرغين free-time politicians؛ والقرارات تم تفويضها للأجهزة البيروقراطية المحلية؛ كما زادت كثيراً نماذج الشراء والبيع لقسم متزايد من الخدمات العامة والتعاقد مع مجهِّزين خاصين يعملون لغرض الربح؛ وعمدت الشركات البلدية المحدودة إلى تقليص المسئولية العامة وقدرات العاملين فيها على إخبار عامة الناس بنشاطاتهم. إن "المظلات الذهبية" الكريمة جداً بالنسبة لمديريّي الشركات العامة المخصَّخصة أضافت مادة جديدة للمناقشة، كما فعلت المثلَ الفضائحُ الكثيرة عن الرخص المالية و/أو الفضائح الجنسية لمديري الشركات البلدية المحدودة أو رجال السياسة في البلديات.
وإضافة إلى ذلك، حدثت فضائح كثيرة تورطَ فيها العديد من السياسيين الوطنيين ساهمتْ، أيضاً، باهتزاز الثقة أكثر بالسياسة ورجال السياسة في السويد(9). أحد الأمثلة الأكثر إثارة طالت مَنْ كانت ستكون أول امرأة لرئاسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وبالتالي منصب رئيس الوزراء، منى سالين Mona Sahlin. كنتيجة لسوء استعمال بطاقات ائتمانية، انسحبتْ منى سالين من الترشيح وبات رئيس الوزراء الحالي، غوران بيرسون Goran Persson، المرشح الوحيد لخلافة انغفار كارلسون Ingvar Karlsson العام 1996. إن كل هذه التطورات قد أضعفت بحّدة من ثقة الجمهور بالسياسيين، والموظفين العموميين، والقطاع العام. كما إنها ساهمت أيضاً بزيادة العجز الديمقراطي في السياسة السويدية على المستويات الوطنية، والإقليمية، والمحلية.
كما شهدت فترة التسعينات بطالة واسعة في السويد. فخلال معظم سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية، كانت السويد تتمتع بالاستخدام الكامل تقريباً؛ فالبطالة فيها لم تتجاوز 2 أو 3 %، وهو أحد أقل المعدلات في أوروبا. وفي العام 1991، حلَ محل هذا الرقم أحد أكثر معدلات البطالة ارتفاعاً في أوروبا: حوالي 15 %؛ وقد تواصلَ هذا المعدل عند مستوى عالٍ. إن كلاً من النموذج السويدي وسياسته الأجرية القائمة على التضامن زائداً دولة الرفاهية السويدية كانت تقوم على فرضية الاستخدام الكامل(10). تقود البطالة الواسعة طويلة-الأمد إلى تآكل كل من الأساس المالي والاجتماعي لأي دولة للرفاهية الشاملة السخية، والسويد ليست استثناءً من هذه القاعدة. فالزيادة الكبيرة في الإنفاق على إعانات البطالة والهبوط الكبير في إيرادات الضريبة بسبب البطالة هي استنزاف ثقيل للمال العام الذي يمول خدمات الرفاهية الشاملة السخية. كما إن الأزمة الشخصية والاجتماعية، الناجمة عن البطالة طويلة-الأمد، تُلقي أيضاً عبئاً ثقيلاً على المال العام لأن المواطنين يطلبون خدمات وأشكالاً أخرى من الدعم الاقتصادي للمحافظة على مستواهم المعيشي.
إن نمو العجز العام في التسعينات، بسبب تصاعد تكاليف إعانات البطالة، جزئياً، حملَ حكومة الائتلاف غير الاشتراكية على إجراء استقطاعات مثيرة في الإنفاق العام. وقد استمرت هذه الاستقطاعات حتى بعد عودة الاشتراكيين الديمقراطيين للسلطة العام 1994، رغم وعودهم بتحسين المنافع الشخصية لدولة الرفاهية بالنسبة للمواطنين العاديين. وقد جرى وضع باقة من التقشف الصارم في صورة تخفيضات حادة في المدفوعات النقدية لأنواع مختلفة من الإعانات الاجتماعية. وهذا قاد إلى هبوط شعبية الاشتراكيين الديمقراطيين في الاستطلاعات؛ ففي ربيع 1997، حصلوا على أقل من 30 % خلف حزب المحافظين، للمرة الأولى منذ الثلاثينات. وفي هذا نجد التفاعل بين الأزمات السياسية والمالية لدولة الرفاهية السويدية، حيث تعمل كل واحدة منها على مفاقمة الأخرى.
كما تفرض التغيرات الديموغرافية في السويد، ومعظم دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، تحدياً قوياً آخر على دولة الرفاهية. إن تزايد صفوف المتقاعدين، الذين يعيشون حياة أطول ويطلبون خدمات اجتماعية وطبية أكثر كلما شاخوا وباتوا أكثر ضعفاً، باتت تُعرف "بالقنبلة المالية التي تدق". إن جيل الأربعينات الذي شهد ولادة أطفال أكثر من المعتاد يفرض مشكلة خاصة: فحينما يقترب هؤلاء من سن التقاعد، فإن نسبة الأفراد الفعالين في سوق العمل من الأفراد غير الفعالين، تهبط بحدة. إن التخفيضات في الإنفاق العام، سويةً مع زيادة الطلب على الخدمات، تعني إن المواطنين يشرعون بالبحث عن طريق آخر، في الغالب القطاع الخاص الهادف للربح، كحلول لتلبية طلباتهم الحالية والمستقبلية، بما في ذلك التأمين الصحي الخاص لاستكمال تلك الجوانب غير المتاحة في التأمين العام. إن عمل ذلك يقوض أكثر شرعية دولة الرفاهية الشاملة القائمة على التمويل الضريبي.
إن كل واحد من هذه الاتجاهات الخمسة- الأزمات الإيديولوجية، والسياسية، والمالية، والاقتصادية، والديموغرافية- تتحدى مستقبل دولة الرفاهية، كما نعرفها في السويد. وهذه الأزمات تعمل مجتمعةً على تعزيز بعضها بعضاً، وتساعد بإلحاح على ضرورة إيجاد حلول جديدة للأزمات والتحديات التي تواجه دولة الرفاهية. إنها تتطلب إيجاد نماذج بديلة لتوفير الخدمات الشخصية الاجتماعية الملحة. إن القيود السياسية والمالية على دولة الرفاهية في السويد في العقد الأخير من القرن العشرين قد غيّرت بسرعة من العلاقة بين الدولة ومواطنيها. وإن الخصخصة، والثورة من أجل حرية الاختيار، التي نجمت عن إعادة التوجيه الجذرية لسياسة حكومة بلدت Bildt الائتلافية (-1991 1994)، وسياسة التقشف التي اتبعتها حكومات الاشتراكيين الديمقراطيين اللاحقة (1994-)، أدت بالفعل إلى تغيرات كاسحة في دولة الرفاهية السويدية.

الحلول البديلة- المشروعات الاجتماعية
قُدمت حلول عديدة لأزمة دولة الرفاهية مع نهاية القرن العشرين. ولحد الآن، فإن الحل الأفضل المعروف هو الوصفة اللبرالية الجديدة الداعية إلى تخفيض كبير في الضرائب، وحد أدنى من التدخل الحكومي، سويةً مع الزيادة الكبيرة في الاعتماد على الحلول السوقية لتلبية احتياجات المواطنين. ومع ذلك، فأنا أرفض هذا المقترح لأنه يحل مشاكل كثيرة من دولة الرفاهية بإدخال آليات السعر وتسعير الخدمات العامة، البعيدة عن قدرة الكثير من المواطنين، بينما لا يُبقي غير حد أدنى من الضمان والصدقات التي تقدم الطعام "للفقراء المحتاجين" بشكل رئيسي. ومن المؤكد إن هذا المقترح سيقود، في أعين الموسرين ومَنْ يعملون بأعمال مجزية، إلى زيادة شرعية الخدمات التي تمولها الدولة؛ ومع ذلك، فأنه يستبعد الأفراد الأقل تمكناً، والعاطلين، والعائلات ذات الأب الواحد، وما شابه، ويقوض أكثر شرعية هذا النظام في أعين هذه الفئات.
الطريق الآخر، لحل بعض تحديات دولة الرفاهية وإزالة العجز الديمقراطي المتزايد الذي تواجهه دولة الرفاهية، يدعو إلى إحداث تغيير كبير وجذري في العلاقة بين الدولة ومواطنيها من خلال تطوير مجتمع رفاهية على أساس المشاركة. والمقترح المطروح هنا هدفه تطوير "الديمقراطية المدنية(11)." أنه يقوم أساساً على تقوية الصوت الجماعي ومشاركة المواطنين بإنتاج الخدمات الاجتماعية التي تمولها الدولة. وهو يحمل بعض الشبه بالمقترحات الداعية "للديمقراطية الترابطية" associative democracy، ولكن الأخيرة تعتمد بقوة، كما يبدو، على نتائج الانتخابات أكثر مما على القوة الفعلية(12).
أحد المحاور الرئيسية للديمقراطية المدنية هو الإدراك بأن الديمقراطية هي قضية تفاعل من حيث طبيعتها، أي إنها تكمن في العلاقة بين الحاكمين والمحكومين. فالديمقراطية، التي لا تسمح لمواطنيها إلاّ بالتصويت مرة كل سنتين، أو ثلاثة، أو أربعة، أو خمسة سنوات، ولا تتوقع منهم غير القليل أو لا شيء آخر، سوف تتسّبب في ضمور الروح الديمقراطية لدى المواطنين. وعلاوة على ذلك، فإن الديمقراطية التي تحاول تلبية معظم أو كل احتياجات مواطنيها دون أن تتوقع منهم، أيضاً، المشاركة الفعالة في توفير الخدمات العامة، في المناسبات على الأقل، تحّول مواطنيها إلى مجرد مستهلكين سلبيين للخدمات العامة بدلاً من أن يكونوا مشاركين فعاليين في إنتاج الخدمات التي يطلبون.
الديمقراطية تقوم على أساس أخلاقي، وهي تنمو عندما تُمارس، وتضْعف عند تركها هاجعة لفترات طويلة من الزمن. وما لم يرتبط مفهوم رأس المال الاجتماعي، لروبرت بوتنام Robert Putnam، بالديمقراطية المدنية المحلية، والمشاركة في صنع القرار المحلي، وما شابه، فأنه أيضاً سيصبح عاملاً سلبياً(13). إذا كان توفير الخدمات الشخصية الاجتماعية والخدمات المحلية الأخرى يعود حصراً للموظفين العموميين المحترفين، دون زج وإشراك المواطنين في شئون حياتهم اليومية، فإن رأسمالهم الاجتماعي ينتهي إلى الضمور. فهؤلاء المواطنين يصبحون مجرد العناصر السلبية في دولة الرفاهية الشاملة ذات الهدف الجيد والتنظيم الجيد التي يصمّمها ويسّيرها الموظفون العموميون المحترفون. ليس كافياً دفع الضرائب للحفاظ على حيوية التضامن، ورأس المال الاجتماعي، والديمقراطية المدنية. ومن أجل تحويل رأس المال الاجتماعي إلى موارد متاحة للعديد من المواطنين في الحقول الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فلابد من ممارسته أكثر مما في الانتخابات العامة فقط.
وعلاوة على ذلك، من أجل أن يعزز المواطنون طلباتهم وتوقعاتهم، فينبغي عليهم أن يشاركوا بفعالية في شئون عالمهم الواقعي، حيث يُجبروا أحياناً على اتخاذ قرارات صعبة. فقد يترتب عليهم أن يختاروا بين تخصيص ساعة إضافية كل يوم لرعاية الطفل، أو دفع رسوم أكثر للوالد (أو الأم) الذي يبقى مع الطفل لرعايته، أو مشكلة طارئة تهدد بغلق مركز تعاونية أبويهم للرعاية النهارية ؛ أو قد يترتب عليهم اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان عليهم تخصيص مبالغ أكثر للمدربين والتسهيلات الرياضية لبناتهم أم لإرسال أولادهم لساحات كرة القدم وحلبات التزلج على الجليد. إنه من خلال هذه الخيارات اليومية، ولكن القاسية أحياناً، تتكون الأسس الأخلاقية التي هي ضرورية جداً لتغذية ازدهار رأس المال الاجتماعي والديمقراطية المدنية. ومن دون الممارسة المنتظمة، والمشاركة الفعالة، فإن المواطنين، ورأس المال الاجتماعي، والديمقراطية المدنية، لن تصبح أساساً قوياً للديمقراطية ومجتمع الرفاهية.
تجري تجربة مجموعة من النماذج البديلة لتوفير الخدمات الاجتماعية في مختلف ربوع البلاد. التعاقد مع القطاع الثالث contracting out، أو نماذج المشترين-المجهِّزين، أو الخدمات الاجتماعية التعاونية، أو التطوعية، أو أسلوب الطرف الثالث، ليست سوى بضع من النماذج التي تُجرب الآن لحل المشاكل الإيديولوجية والمالية الحادة التي تواجه دولة الرفاهية السويدية. قادت الخصخصة والتعاقد إلى مشروعات اجتماعية جديدة كثيرة، غدت بديلاً هاماً للقطاع العام في توفير هذه الخدمات الاجتماعية.
عند أخذ خدمات الرعاية النهارية day care services، كمثال للتوضيح، فإن عدد مراكز الرعاية النهارية "الخاصة" أو غير البلدية قد زاد بأكثر من ثلاث مرات بين عامي 1988 و 1994: من 538 إلى 1,768 مركز، بينما زاد عدد الأطفال المسجلين بها خلال نفس الفترة بأكثر من أربع مرات: من 8,500 إلى 39,100 طفل(14). حوالي ثلثي مراكز الرعاية النهارية "الخاصة" هذه هي تعاونيات أبوية parent cooperatives أو تعاونيات عاملين worker cooperatives أو منظَّمات تطوعية voluntary organizations(15). أما مراكز الرعاية النهارية غير البلدية، فتضم الآن 10 % من كل الأطفال المسجلين وحوالي ربع الأطفال في المناطق الحضرية الكبرى من البلاد. كما جرى أيضاً إنشاء مشروعات اجتماعية في مناطق أخرى كمراكز لرعاية كبار السن، ومراكز صحية، ومراكز لرعاية المعوقين(16).
المشروعات الاجتماعية هي منشآت تحاول تحقيق عدة أهداف في وقت واحد، وهي تدرك عدم إمكانية تعظيم هدف واحد على الدوام، بل إن العديد منها سيتحقق بصورة مقبولة في الوقت نفسه. ليس الغرض من المشروعات الاجتماعية هو تعظيم العائد من رأس المال، أو زيادة الإيرادات على المصروفات، بل إنها تقبل بعائد أقل على جهودها، ولكنه عائد مقبول مع ذلك عند الجمع بين الهدف الاقتصادي الضروري والأهداف الاجتماعية الأخرى التي يمكن أيضاً تعظيمها أو تحقيقها. وهكذا يتوفر عمل مجزي أكثر للعاملين، وأهداف لها معنى اجتماعي بالنسبة للمنشأة، وإبداع قيمي أكبر بالنسبة للمستهلكين. وهذا يقود إلى اختيار العاملين بشكل إيجابي على اعتبار إن العاملين ليسو ممن لديهم هدف واحد وهو تعظيم أجورهم، بل يسعون لتعظيم عدة أهداف في وقت واحد كالعناية بالآخرين، والمكافآت المالية المعقولة، والعمل الهادف، وظروف العمل المشِّجعة والمرنة. كما يقود إلى اختيار إيجابي للزبائن الذين يرغبون بدور فعال أكثر كمنتجين مشاركين في الخدمات الشخصية الاجتماعية. كما يمكن للمشروعات الاجتماعية أن تسّهل وتعزز الإدراك الذاتي والتطور المهني للعاملين، وتحسين بيئة العمل، وتعزيز تأثير وقوة الزبائن/المستهلكين على الخدمات المقدَّمة.
الميزة التنافسية الرئيسية للمشروعات الاجتماعية تكمن في إنها تخلق الثقة بين العاملين والزبائن/المستهلكين لأنها تملك بوضوح أكثر من هدف واحد، بما في ذلك هدف اجتماعي واحد أو أكثر. فإذ تحاول هذه المشروعات تحقيق أهدافها المتنوعة والمتعددة في وقت واحد، مع قبولها بعائد مقبول وليس تعظيم العائد من رأسمالها، فمن الواضح إنها تؤشر نحو سياسة عدم استغلال تباين المعلومات المتعلقة بخدماتهم/منتجاتهم لمصالحهم الشخصية والخاصة؛ وبكلمات أخرى، إنها لا تتصرف على أساس نفعي (انتهازي) إزاء زبائنها. وهكذا، فمن خلال قبولها الواضح بسياسة العائد المقبول بالنسبة لمصروفاتها، فإن المشروعات، بينما ترعى الأهداف الاجتماعية، فإنها بذلك تضمن حداً أدنى من الثقة بزبائنها/مستهلكيها وبالمجتمع المحلي الذي تعمل فيه. وهذه الثقة يمكن تسهيلها وتعزيزها بقوة من خلال تطوير تدقيق اجتماعي سنوي ومن خلال العمل بالمنشأة ذات المالكين المتعددين multistakeholder organization form (17).
المشروعات الاجتماعية يمكن أن تأخذ الشكل القانوني لمنظَّمة لا تهدف للربح أو منظَّمة مثالية، كجمعية تعاونية أو اقتصادية، أو حتى شكل منشأة خاصة. ومع ذلك، ورغم إن الشكل الأخير هو شكل الأعمال المتميز أو المفضل عادةً في التشريع الوطني في معظم البلدان الأوروبية، فإن يمكن أن يقوض الميزة التنافسية الرئيسية للمشروعات الاجتماعية في السويد- أي الثقة. من المهم درس هذه المشروعات الاجتماعية الجديدة والمشروعات الاجتماعية التعاونية التي تزج المواطنين في إنتاج الخدمات الاجتماعية التي يطلبون بغية استكشاف مضامينها بالنسبة لتجديد العلاقة بين الدولة ومواطنيها، ومن خلال ذلك، لتحويل القطاع العام ودولة الرفاهية، أيضاً، إلى مجتمع رفاهية في القرن الحادي والعشرين، مجتمع يقوم على مواطنين فعالين.
وقبل تقديم خلاصة موجزة لما توصلنا إليه بخصوص المشروعات الاجتماعية في السويد، سنقدم بعض الاعتبارات النظرية الرئيسية لمشروع: "بيئة العمل والخدمات الاجتماعية التعاونية" Work Environment and Cooperative Social Services (WECSS) في السويد. وهذه الاعتبارات النظرية ضرورية لفهم مساهمة المشروعات الاجتماعية في تجديد دولة الرفاهية، وإثراء حياة العمل، وتحسين بيئة العمل، وتعزيز المواطنين كمنتجين مشاركين coproducers. فهي تحدد قيم مختلف أنواع التعاونيات الاجتماعية، ومفاهيم الديمقراطية المدنية ومفاهيم المواطنين كمنتجين مشاركين. بعض المفاهيم تُناقش تفصيلاً بشأن النموذج الجديد المقترح القائم على المشاركة لتقديم خدمات الرفاهية الشخصية الاجتماعية، وهو نموذج يقوم على استمرار التمويل العام ولكنه نموذج تعاوني مُدار ذاتيا والمواطنون فيه منتجون مشاركون. يستمد هذا النموذج الإلهام من اقتصاد الدول الاسكندنافية القائم على التفاوض، الذي يقدم بديلاً لكل من النموذج اللبرالي الجديد ونموذج الاقتصاد المخطط لتنظيم المجتمع(18). إن المواد الواسعة التي تم تجميعها هنا عن الإدارة الذاتية التعاونية والمواطنين كمنتجين مشاركين في السويد تسمح لنا باختبار أفكارنا عن تطوير مجتمع رفاهية جديد قائم على المشاركة. نحن نؤكد على إن الإدارة الذاتية التعاونية وابتكار مفهوم المواطنين كمنتجين مشاركين يمكن أن يقدم رؤية قادرة على تحويل دولة الرفاهية الشاملة إلى مجتمع رفاهية اختياري وقائم على المشاركة في القرن الحادي والعشرين.

التعاونيات، والمنظَّمات غير الربحية،
وخصخصة الخدمات الشخصية الاجتماعية
الأطرف المختلفة في المنظَّمات المعقدة لها مصالح مختلفة، ولها أيضاً علاقات اجتماعية مختلفة مع بعضها بعضاً. العلاقات الاجتماعية في منظَّمة ما تقرّرها جزئياً ما إذا كانت هذه المصلحة أو تلك هي العامل المهيِّمن. إن هيمنة إحدى هذه المصالح مهمة أيضاً لأن مناقشتنا للبعد الاجتماعي للتعاونيات هي المحصلة. فإذا افترضنا بأن عاملاً ما مهيمناً يسعى وراء مصلحته، عندئذ تكون للتغيرات في العلاقات الاجتماعية معاني مختلفة بالنسبة للبعد الاجتماعي لمنظَّمة ما وكذلك للمجتمع بصورة عامة.
المنشآت الخاصة معروفة بمساهمتها في الكفاءة وتخصيص الموارد. إذ إن نشاطاتها مصمَّمة لتعظيم العوائد من رأس المال المستثَّمر. الجهاز الوظيفي العام والمؤسسات العامة ترتبط بالعدل على نحو أكثر شيوعاً مما بالكفاءة، كما إنها تضمن توفر مختلف السلع والخدمات لعامة الناس دون اهتمام كبير بالأسعار. غالباً ما يُنظر للقطاع الثالث والمنظمات التعاونية كبديل، أو كمكِّمل على الأقل، لكل من القطاع الخاص والقطاع العام. فهي ترتبط بالابتكار، والدفاع، وتعزيز القيم المدنية(19). للمشروعات الاجتماعية أهداف واضحة وهي موفقة في تحقيق الكثير منها.
المساهمة الكبرى الأولى الكامنة للمنشآت التعاونية والمشروعات الاجتماعية هي تجديد وإثراء حياة العمل، التي ترتبط بالتغييرات في تقديم خدمات الرفاهية. ومع ذلك، فإن كل شكل للمؤسسات الاجتماعية ينطوي على علاقات عمل مختلفة تماماً. هناك ثلاثة أشكال أو نماذج أساسية لتوفير الخدمات الاجتماعية التعاونية أو خدمات القطاع الثالث. الشكل الأول هو نموذج تعاونية العاملين، حيث يكون كل أو معظم المجهِّزين لخدمة معينة أعضاءً أيضاً في التعاونية الخدمية، ولكن الزبائن تكون لهم علاقة زبائن رسمية مع التعاونية أو المجهِّزين. في هذا الشكل، نتوقع أن تتجلى تقوية العاملين worker empowerment بأقصى وضوح. والشكل الثاني هو نموذج تعاونية الزبائن، حيث يمتلك الزبائن أو يسّيرون التعاونية وإن مِلاك العاملين هم مجرد مستخدمين. هنا، الزبائن هم منتجون مشاركون، الأمر الذي يرتبط أساساً بتقوية الزبائن consumer empowerment. الشكل الثالث يتألف من المنظَّمات التطوعية حيث يحمل المستخدمون والزبائن قيماً مشتركة بالنسبة لأهداف المنظمة.
وهكذا، فإن المساهمات الثلاثة الرئيسية الكامنة للتعاونيات ومنظمات القطاع الثالث هي تجديد وإثراء حياة العمل، وتقوية المستهلكين أو الزبائن، وتعزيز القيم الاجتماعية الأخرى و/ أو تحقيق الهدف في القطاع العام. إن كل واحدة من هذه المساهمات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بنوع معين من التعاونية أو بديل القطاع الثالث أكثر مما بنوع آخر، وهي كلها بدورها ترتبط بالاختلافات في العلاقات الاجتماعية ضمن كل تعاونية أو بدائل القطاع الثالث. ومن المهم إبقاء هذه الاختلافات في الذهن عند مناقشة البعد الاجتماعي ومقارنة التعاونيات بعضها مع بعض أو مع المنشآت الخاصة أو المؤسسات الحكومية البيروقراطية. إن توفير الخدمات الاجتماعية من قبل التعاونية أو القطاع الثالث يكون على المستوى المحلي وبحجم صغير في طبيعته. يمكن لهذه البدائل أن توفرَ لمنتجي الخدمات الاجتماعية، والمستهلكين أو المتعاملين بهذه الخدمات، والمجموعات فقيرة المصادر أو التي تتحمل المخاطر ممن يعتمدون على هذه الخدمات، توفرَ لهم تأثير أكبر على عملياتها. وهذا يتيح للمواطنين سيطرة أكبر على الخدمات التي يطلبونها ويعتمدون عليها، كما إنها تدعم أيضاً الأسس المحلية للديمقراطية. وعلاوة على ذلك، فهذه البدائل لا تؤدي فقط إلى زيادة تأثير المستخدمين أو الزبائن كمنتجين و/أو مستهلكين للخدمات الاجتماعية، بل إنها تحّسن النوعية أيضاً.

الديمقراطية المدنية ومساهمة المواطنين كمنتجين مشاركين
يذهب ر. سالتمان و سي. ف. أوتر إلى إن نظرية الديمقراطية، في دولة الرفاهية الحديثة، تهتم بفرص المساهمة الرسمية في ثلاث جوانب أساسية للحياة الحديثة، دون أن تهتم بجانب رابع(20). يناقشان الكاتبان المشاركة في المؤسسات السياسية من خلال الانتخابات؛ والمؤسسات الاجتماعية، وبخاصة مؤسسات الضمان الاجتماعي والمؤسسات الاقتصادية من خلال النقابات؛ والمشاركة في تقرير حياة العمل. ومع ذلك، فما استبعداه هو المشاركة في المؤسسات المدنية، وبخاصة خدمات المواطنين الإنسانية كالرعاية الصحية، والتعليم، ورعاية الطفل، ورعاية كبار السن(21). وهما يواصلان العويل والقول بأن المنظمات الكبيرة ستتابع أهدافها الداخلية والاهتمام بمصالحها الخاصة وليس تلبية احتياجات المستهلكين المتنوعة، ما لم، طبعاً، يتم تطوير مسئولية القطاع العام أو مسئولية السوق على نحو أفضل.
ورغم إن مناقشتهما منوِّرة، فإن البديل الذي يقدمانه لتحقيق التقوية empowerment يمضي حصراً من خلال السوق والقوة المنسوبة للانتخابات exit، وليس من خلال القطاع الثالث وقوة الصوت الجماعي. وفي ضوء ذلك، نحاول إثبات إن الديمقراطية المدنية يمكن أن توفر الأرضية لموجةٍ أو دعامةٍ رابعة للديمقراطية. يرتبط مفهوم الديمقراطية المدنية بفكرة رأس المال الاجتماعي. يناقش عمل ر. د. بوتمان الواعد: Making Democracy work- Civil Traditions in Modern Italy الأهمية التاريخية والمعاصرة للقطاع الثالث ومساهمته في التطور الاقتصادي والاجتماعي(22). "رأس المال الاجتماعي" social capital هو أحد المفاهيم الرئيسية التي يعمل بها بوتمان. يبين بوتمان إن النجاح في التغلب على معضلة العمل الجماعي ومعضلة السجين الذي لا يملك أي فرصة للهرب من سجنه self-defeating opportunism of the prisoner s dilemma يتوقف على المسار الاجتماعي الأوسع الذي يحدث التفاعل الإنساني في إطاره. "التعاون الاختياري أسهل في مجتمع كان قد ورثَ مخزوناً جوهرياً من رأس المال الاجتماعي على هيئة أفعال متبادلة reciprocity وشبكات رعاية للشئون المدنية". ويمضي بوتمان لتعريف رأس المال الاجتماعي بإشارته إلى "جوانب التنظيم الاجتماعي كالثقة، والمعايير، وشبكات العمل، التي تحّسن كفاءة المجتمع من خلال تسهيل الفعل المنسَّق … وكباقي أشكال رأس المال، فإن رأس المال الاجتماعي إنتاجي، ويجعل من الممكن تحقيق الأهداف المحددة التي يتعذر تحقيقها من دونه(23)."
معظم أشكال رأس المال الاجتماعي، كالثقة، هي ما أسماها أ. و. هيرشمان A. O. Hirschman "الموارد المعنوية" moral resources- أي الموارد التي يزداد، وليس ينقص، عرضها عند استعمالها، ولكنها يمكن أن تهلك إن لم تُستعمل(24). وعلاوة على ذلك، فإن رأس المال الاجتماعي هو سلعة عامة عادةً؛ وأنه، كالسلع العامة الأخرى، يمكن أن تُبخس قيمته ويُهدر عرضه من قبل الوكلاء الخاصين. وهذا معناه إن رأس المال الاجتماعي، بخلاف أشكال رأس المال الأخرى، ينبغي إعادة إنتاجه كناتج ثانوي by-product للنشاطات الاجتماعية الأخرى، تمشياً مع نظرية م. أولسن(25). فكلما عُظمَ مستوى الثقة بين أفراد المجتمع، عُظمَ احتمال التعاون فيما بينهم، في حين إن التعاون، بدوره، يولد الثقة(26).
ويلاحظ بوتمان بأنه إذا كانت شبكات العمل الأفقية للمشاركة المدنية تساعد المشاركين على حل معضلات العمل الجماعي، عندئذ، فكلما زادت الهيكلية الأفقية للتنظيم، توجبَ عليه أكثر رعاية النجاح المؤسسي في المجتمع. وهكذا، فإن العضوية في المجموعات المنظَّمة أفقياً، كالنوادي الرياضية والفرق المنظَّمة choirs والتعاونيات لابد أن تكون على علاقة إيجابية بالحكومات الجيدة، بينما تكون العضوية في المنظمات المرتَّبة هرمياً، كالمافيا أو الكنيسة الكاثوليكية، لابد أن ترتبط سلباً بالحكومات الجيدة.
إن الحلول، القائمة على الهندسة الاجتماعية، للمشاكل التي تواجه دولة الرفاهية الاجتماعية، سواء أكانت من النوع الذي يعزز الحلول الاشتراكية الحكومية etatist، والهرمية، والمركزية، أو من النوع اللبرالي الجديد الذي يدمر كل شيء ويستبدله بآليات سوقية، كلها تخطئ الهدف. فالمنظور الاشتراكي الحكومي واللبرالي الجديد معاً يفشلان في فهم قدرة القطاع الثالث على خلق رأس المال الاجتماعي وضم المواطنين معاً في مجموعات أفقية صغيرة لتحقيق الأهداف التي يعزمون عليها أو إنتاج الخدمات التي يطلبون. ومع ذلك، يقدم القطاع الثالث إمكانيةً لكسر هذا المأزق الإيديولوجي وخلق أرضية مشتركة لاقتراح حلول بديلة تبتعد تماماً عن الحُفر المختلفة التي تنطوي عليها مقترحات دعاة الاشتراكية الحكومية أو اللبرالية الجديدة.
ونؤكد على إن القطاع الثالث والإدارة الذاتية التعاونية للخدمات الشخصية الاجتماعية تقدم أساساً أفضل وأكثر ديمومة لخلق المؤسسات التي تسّهل تراكم رأس المال الاجتماعي. وهكذا، فإن مصطلح "الديمقراطية المدنية" سوف يُستعمل هنا للإشارة إلى تقوية المواطنين citizen empowerment من خلال الإدارة الذاتية التعاونية للخدمات الشخصية الاجتماعية، حيث يصبح المواطنون أعضاء في المؤسسات الاجتماعية ويشاركون بصورة مباشرة في إنتاج الخدمات المحلية التي يطلبون، وبذلك يصبحون منتجين مشاركين لهذه الخدمات.

خلاصة استنتاجاتنا التجريبية
كما سبق قوله، فقد توسعت الرعاية النهارية التعاونية كثيراً في العقود الأخيرة في السويد. أكثر من نصف إجمالي عدد الأطفال دون سن السابعة مسجلون في خدمات رعاية الطفل التي يمولها المال العام. أكثر من واحد من كل ثمانية أطفال يحصلون على خدمات الرعاية النهارية من مجهِّزين تم التعاقد معهم من خارج البلدية، معظمهم تعاونيات من أنواع مختلفة أو منظَّمات تطوعية. في المناطق الحضرية الكبرى، كستوكهولم وغوتنبورغ ومالمو، يحصل واحد من كل أربعة أطفال على خدمات الرعاية النهارية من قبل تعاونيات(27). يتضمن الجزء التجريبي من مشروع WECSS ثلاث مجموعات من البيانات تعود لثلاثة مصادر مختلفة. تم اختيار ستين مركز من مراكز الرعاية النهارية التعاونية وفق عينة شبه عشوائية من ستة أجزاء مختلفة من السويد، وجرت مقابلة المديرين في مركز دراسة المنظَّمة Organization Study. مائتان وخمسون صحيفة استقصاء عن مِلاك العاملين في نفس مراكز الرعاية النهارية عادت وتم تحليلها من قبل فريق الدراسة وفق نموذج كاراسك/ثيوريل لبيئة العمل النفسية-الاجتماعية(28). تم تجميع 600 صحيفة استقصاء عن الزبائن، تقريباً، وقام بتحليلها فريق دراسة الآباء  Parent Study. سنطرح بإيجاز بعض النتائج الرئيسية لمشروع WECSS ونقدم الاستنتاجات عن إثراء حياة العمل وتقوية الزبائن كمنتجين مشاركين، والمشروعات الاجتماعية والديمقراطية المدنية كرؤية لدولة الرفاهية في القرن الحادي والعشرين.

إثراء بيئة العمل: المشروعات الاجتماعية تقدم أعمالاً جيدة
يتم تحليل نتائج مشروع WECSS وفق نموذج ر. كاراسك و ت. ثيوريل، ويوفر مادة تجريبية مكثفة ويقوم على 200 سؤال(29). نحن نقدم الأوصاف المختلفة لهذه الأنواع المختلفة من المشروعات الاجتماعية، ثم نقارن بيئة العمل النفسية-الاجتماعية للأنواع الثلاثة المختلفة من المشروعات الاجتماعية ببيئة مراكز الرعاية النهارية التابعة للبلديات وذلك وفق طريقة استعادة الماضي وتأمله ومقارنته بالحاضر retrospective. دراستنا لمِلاك العاملين Staff Study قسّمتْ المشروعات الاجتماعية إلى: التعاونيات الأبوية، والمنظمات التطوعية، وتعاونيات العاملين. تعاونيات العاملين تم تقييمها باستمرار بمستوى أعلى من قبل مِلاك العاملين (أو المستخدمين) بحسب معظم البنود أل 200 المستخدمة في دراستنا لبيئة العمل النفسية-الاجتماعية. ولكن هذا الأمر لا ينبغي تفسيره بشكل مبسط بمعنى إن تعاونيات العاملين توفر نموذجاً راقياً لتقوية العاملين worker empowerment. بل إن نموذج تعاونية العاملين يقوم على هياكل تنظيمية تسّهل عمليات المجموعات التي تعزز بصورة إيجابية مصلحة العاملين/المستخدَمين. وهكذا تساعد هذه الهياكل على جسر الفجوة بين القيم الواقعيةinstrumental values والتعبيرية expressive للمستخدمين(30).
إن زيادة تأثير العاملين قد يتحقق على حساب زج ومشاركة الآباء. وعلاوة على ذلك، فقد تم، في حالة أو حالتين، انتقاد مدير تعاونية عاملين بصورة متكررة من قبل واحد أو أكثر من العاملين فيها لأنه كان يعامل التعاونية والزملاء العاملين فيها كما لو إنهم مستخدمون في منشأة خاصة. يبدو إن المنظمات التطوعية غالباً ما تعمل بنفس طريقة التعاونيات المختلطة أو ذات المالكين المتعددين multistakeholder، مع الفارق الكبير وهو كونها تحمل إيديولوجيا مشتركة أو نظرة تربوية توّحد مصالح المالكين المختلفين. تكشف التعاونيات الأبوية، في الغالب، عن عدة علامات واضحة لعلاقات أقل كفاءة بين الآباء ومِلاك العاملين مما يضر ببيئة العمل النفسية-الاجتماعية.
كنا نريد، أيضاً، مقارنة بيئة العمل النفسية-الاجتماعية في هذه الأنواع المتميزة من المشروعات الاجتماعية مع البيئة في خدمات مراكز الرعاية النهارية التابعة للبلديات بغية استكشاف إمكانية خلق أعمال جيدة، وتجديد وإثراء حياة العمل، وتحسين بيئة العمل النفسية-الاجتماعية في مراكز الرعاية النهارية التي تمولها الدولة. كان بوسعنا استعمال طريقة استعادة الماضي وتأمله ومقارنته بالحاضر retrospective comparative method لأن معظم مِلاك العاملين سبق وأن عملَ في المراكز البلدية للرعاية النهارية. تم توجيه حوالي 30 سؤال إليهم حول جوانب عملهم الحالي في خدمات الرعاية النهارية التعاونية وعملهم السابق في المراكز البلدية للرعاية النهارية. وقد تبينَ بأن الغالبية الساحقة من المِلاك (80.8 - 88.4 %) ليست لديهم خبرة شخصية سابقة مع التعاونيات قبل عملهم في مراكز الرعاية النهارية التعاونية. وأنهم اختاروا العمل بمراكز الرعاية النهارية التعاونية لأنهم وجدوه عملاً ذا معنى أساساً، ولأنهم أرادوا تحقيق تأثير أكبر على عملهم، أو لأنهم قدّروا الطابع التعليمي pedagogical الخاص للعمل التعاوني.
الأغلبية الساحقة (68.3 - 85.5 %) ممن لهم خبرة في العمل في كلا الشكلين للرعاية النهارية فضلوا بشكل واضح العمل في خدمات الرعاية النهاية التعاونية مقارنة بتلك التابعة للبلديات. وفي كل أوجه حياة العمل تقريباً، كانت التعاونيات أفضل أو أفضل بشكل واضح من المراكز البلدية للرعاية النهارية بحسب رأي العاملين في كل الأنواع الثلاثة للخدمات التعاونية. ولكن أوضح تحسن في حياة العمل كان ذلك الذي لاحظه مِلاك العاملين في تعاونيات العاملين. مِلاك العاملين للأنواع التعاونية الثلاثة من الرعاية النهارية أبدى مستوى عالياً ومماثلاً من الاندماج (أو الانجذاب) engagement عند عمله لأول مرة في تعاونية ما. ولكن عدداً من مِلاك تعاونيات العاملين أظهر حالياً درجة من engagement (43.3 %) أعلى من الشكلين التعاونيين الآخرين للرعاية النهارية، في حين إن عدداً من مِلاك التعاونيات الأبوية أبدى الآن درجة من engagement أقل (37.9 %) مما كان عليه في البداية. وأخيراً، وعلى فرض منحهم فرصة أخرى لإعادة كتابة أجوبتهم، أوضح أكثر من ثلثي مِلاك تعاونيات العاملين (66.7 %)، أو ضعف النسبة في كل من التعاونيات الأبوية والمنشآت التطوعية (33.3 %)، أنهم يفضلون بالتأكيد العمل في المشروعات الاجتماعية التعاونية. ومع ذلك، فلم تفضل العمل مجدداً في المراكز البلدية للرعاية النهارية سوى نسبة قليلة جداً من العاملين في أي من تلك الأشكال الثلاثة.
إن الملاحظات الكثيرة على تلك الأسئلة أوضحت كلاً من الجانب الإيجابي والجانب السلبي من حياة العمل في المراكز التعاونية للرعاية النهارية. الانطباع الغالب من هذه الملاحظات يدعم الصورة التي تبينها البيانات المجموعة. فمراكز الرعاية النهارية التابعة للمشروعات الاجتماعية تسمح للعاملين بالتأثير الأكبر على عملهم، وبمسئولية ومشاركة أكبر في عملية صنع القرار، وبمشاركة أكبر مع الآباء، وبإمكانات أكبر لتحسين بيئة عملهم، وبالرضا عن عملهم بالمقارنة مع ما تقدمه المراكز البلدية للرعاية النهارية. وعلى المستوى الفردي، فإن تحقيق زيادة أكثر في قوة العاملين والتعزيز الفعال الأكثر للقيم الاجتماعية الأخرى يشكل رأس المال الاجتماعي، الضروري للديمقراطية المدنية السليمة، ولتجديد القطاع العام، ولتطوير دولة الرفاهية إلى مجتمع رفاهية يقوم على مواطنين متحررين كلياً، وقادرين على يكونوا منتجين مشاركين للخدمات الاجتماعية التي يطلبون. وعلى المستوى الجماعي، نجد مِلاكاً من العاملين أكثر اندماجاً وانجذاباً، ونوعيةً أفضل من الخدمات.
يقدم كاراسك وثيوريل مثالهما لما هو سيئ وجيد من الأعمال. فالأعمال الجيدة تبدو شبيهة بالمشروعات الاجتماعية التعاونية، المدروسة هنا، بينما الأعمال السيئة لا تشبهها البتة. وهكذا، يصف الكاتبان الأعمال الجيدة على النحو التالي:
1. حرية التصرف بالمهارة. يتيح هذا العمل للمرء أقصى الإمكانات لاستعمال مهارته وتهيئة الفرص لزيادة هذه المهارة من خلال العمل.
2. الاستقلال. التحرر من العمل الصارم والانضباط الطفولي، الممِّيز، لعمل المصانع. للعاملين دور في اختيار عملهم والزملاء يشاركون في التخطيط طويل-الأمد.
3. طلبات نفسية. للعمل طلبات روتينية يمكن مزجها بعنصر لبرالي يتيح تعلم التحديات الجديدة.
4. العلاقات الاجتماعية. تشجيع الاتصالات الاجتماعية كأساس لتعلم الأشياء الجديدة، كما إن الصلات الجديدة تضاعف إمكانات الإدراك الذاتي من خلال التعاون.
5. الحقوق الاجتماعية. هناك إجراءات ديمقراطية في موقع العمل.
6. ملاحظات اجتماعية ذات معنى من المستهلكين. يتلقى العمال ملاحظات مباشرة من المستهلكين؛ وإن العاملين والمستهلكين يعملون معاً، بحيث تتم عملية تكييف المنتَج بحسب احتياجات المستهلكين(31).

ووفقاً لمعايير كاراسك وثيوريل، فإن المؤسسات الاجتماعية في السويد توفر أعمالاً جيدة. إضافة إلى كون هذه الأعمال مطلوبة نفسياً، فهي توفر للعاملين درجة عالية من حرية القرار، ودعماً اجتماعياً كبيراً، وتفاعلاً مستمراً مع الزبائن. وتقف هذه الجوانب من حياة العاملين في تناقض صارخ مع تلك القائمة في الخدمات التي تقدمها المنشآت البيروقراطية الهرمية المرتبطة، في الغالب، بالقطاع العام في السويد، بما في ذلك خدمات الرعاية النهارية البلدية. وبهذا المعنى، فإن نموذج المشروع الاجتماعي يَقْدر على أكثر من المساعدة بتحويل أعمال الخدمات الاجتماعية إلى أعمال فعالة، وقائمة على المشاركة والتفاعل. فهو قادر، أيضاً، على إثراء حياة عمل العاملين وتحويل دولة الرفاهية إلى مجتمع رفاهية. وهكذا، فإن واحدة من أسرع الطرق وأكثرها مباشرةً في إثراء حياة العمل، وإعادة تصميم العمل، وتعزيز إدارة الموارد البشرية في قطاع الخدمة الاجتماعية في السويد، هي تطبيق اللامركزية في توفير الخدمات الاجتماعية والسماح للمشروعات الاجتماعية بتوفيرها.
كما لاحظنا، أيضاً، بأن النساء العاملات في تعاونية العاملين لخدمات الرعاية النهارية كُّنَ أكثر إيجابية، بشأن هذه التغيرات التنظيمية، من زميلاتهن العاملات في التعاونيات الأبوية، مما يعزز أساساً القيم الأخرى كالتأثير الأكبر للآباء، ومشاركتهم الأوسع في حياة طفلهم/أطفالهم اليومية(32). من الواضح إن عملة التغيير التنظيمي لها وجهان، بحسب النموذج المستخدم للتغيير. ولذلك، فإن مصالح المجموعات group interests وخلافات المجموعات group conflicts لم تُحل كلياً من خلال المشاركة الأوسع لمجموعة واحدة معينة في عملية صنع القرار للمشروع الاجتماعي. فالمشاركة الأوسع للعاملين تقّوي العاملين بالفعل، ولكنها لا تخدم بالضرورة مصلحة الزبائن. وبالمثل، فإن مشاركة المستهلكين الأوسع تقّوي المستهلكين بالفعل، ولكنها لا تخدم بالضرورة مصلحة العاملين.
إن هذه الملاحظات الأخيرة، بدورها، تفترض إن هناك حدوداً لمأسسة institutionalizing مجموعة واحدة معينة في هياكل صنع القرار للمشروع الاجتماعي. وفي الواقع، يمكن للتغيرات التنظيمية في المشروعات الاجتماعية أن تحّسن من بيئة العمل، ولكنها تؤدي، مع ذلك، إلى شيء من الموازنة trade-offs بين مصالح العاملين والمستهلكين. إن التغير التنظيمي القائم على نماذج تعدد المالكين يمكن أن يقدم هياكل الدعم الضرورية لتعزيز مصالح أكثر من مالك واحد. إن تعاونيات المالكين المتعددين تعترف بالمصلحة المشروعة للمجموعات العديدة التي تساهم بنجاح مشروع اجتماعي ما وتتيح تمثيل مصالحهم عند صنع قرار في المؤسسات الداخلية(33).
وفي هذا السياق، يبدو إن المنظَّمات التطوعية تقدم بديلاً لتعاونيات العاملين والتعاونيات الأبوية معاً. وفي الغالب، كان تقييم مِلاك العاملين لها إيجابياً، من ناحية تحسين بيئة العمل، أكثر مما هو الحال مع التعاونيات الأبوية؛ ولكن آباء الأطفال المسجلين، أيضاً، كان لهم تقييم إيجابي، من ناحية تأثير الآباء، أكثر مما هو الحال مع تعاونيات العاملين. إن المنظمات التطوعية تبدو كشكل أولي للمنظمات ذات المالكين المتعددين، القادرة، على الجمع بين مصالح كلتا المجموعتين في السعي من أجل برنامج تعليمي عام. وفيما إذا كان هذا ممكناً بالنسبة للأنواع الأخرى من الخدمات الاجتماعية، فهي مسألة محل نظر. ثمة مؤسسات رسمية أكثر للمالكين المتعددين في حقول أخرى يمكن أن توفر الأساس الضروري لتسهيل الموازنة trade-off بين المصالح المختلفة، والمتعارضة أحياناً، التي تساهم في نجاح مشروع اجتماعي ما.

الديمقراطية المدنية وتقوية المواطنين كمنتجين مشاركين
يناقش س. وكستروم كيف إن تغير أنماط التفاعل بين المنشآت وزبائنها يفتح إمكانات جديدة لنشاط الأعمال (34). وتقوم هذه التغييرات على علاقة بين المنتجين والمستهلكين أوثق من تلك التي وُجدت تقليدياً في المجتمع الصناعي، علاقة يأخذ فيها المستهلكون بشكل متزايد دور المنتجين المشاركين. فالمستهلكين لم يُعد يُنظر إليهم كمتلقين سلبيين للسلع والخدمات؛ بل يُنظر لهم اليوم كمشاركين فعالين وحسني الإطلاع في عملية مشتركة، في مشروع مشترك في موقع السوق. فدور الشركة لم يعد يقتصر على دعم المستهلكين من خلال توفير السلع والخدمات. بل إن الشركة تصمِّم أنظمة النشاطات التي يمكن للمستهلكين في إطارها خلق قيمتهم الخاصة بهم.
وبذلك، فإن المنشأة تستكمل المعرفة والموارد التي هي بحوزة المستهلكين أصلاً، كما كان الحال عادةً في فترة ما قبل الصناعة. ومن هذا التفاعل والتعاون في الزمن والمكان، تنبثق قيمة معينة كمحصلة للتعاون. يتضمن الإنتاج المشترك تحولاً واضحاً من منظور المنتج والمستهلك التقليدي. وهذا ينجم، جزئياً، عن درجة عدم التأكد uncertainty، المفهومة، في التبادل بين الشركة ومستهلكيها والفائدة الكامنة التي تؤول إليهما من زوال عدم التأكد هذ(35). إن الطريقة التفاعلية للعمل تولد أنواعاً مختلفة من القيم غير تلك التي يخلقها منطق الإنتاج الواسع.
الإنتاج المشترك coproduction هو ظاهرة متعددة الوجوه تشمل جوانب عدة. فهي تشمل وسائل مختلفة لمساهمة المستهلك في عملية الإنتاج، ومراحل مختلفة لمساهمة المستهلك في الإنتاج، ودرجات متغيرة من تأثير المستهلك على تلك العملية. ويولي بحثنا أعظم اهتمام للتأثير على المستهلكين النهائيين، وبخاصة ذلك الذي ينبع من عضويتهم في المشروعات الاجتماعية لتقديم الخدمات الشخصية الاجتماعية. ولأغراض بحثنا، نريد تحديد القيم التي ترتبط بالمساهمة الأوسع للمستهلك والإنتاج المشترك للخدمات الشخصية الاجتماعية، وبخاصة القيمة المحددة التي يضيفها آباء الأطفال في الأنواع المختلفة من خدمات الرعاية النهارية في السويد.
نحن مهتمون باستكشاف وتوسيع وتطبيق مفهوم الإنتاج المشترك على مجال الخدمات الشخصية الاجتماعية والمجهِّزين التعاونيين لهذه الخدمات. معلوماتنا التي جمعناها تتضمن 580 صحيفة استقصاء عن آباء الأطفال في 60 مركز تعاوني للرعاية النهارية في السويد. أشكال التعاونيات الثلاثة كلها مشمولة بالدراسة- التعاونيات الأبوية، والمنظَّمات التطوعية، وتعاونيات العاملين. لدى كل من التعاونيات الأبوية والمنظَّمات التطوعية، عادةً، التزام بالعمل work obligation بحكم العضوية، بينما تفتقر تعاونيات العاملين عموماً إلى هذه الصفة لأن الآباء لا يمكن أن يكونوا أعضاء فيها. يعبر الآباء في النموذجين الأولين للتعاونيات عن مواقف متشابهة من الجوانب الإيجابية للالتزام بالعمل: فهو يسّهل مساهمتهم ويمنحهم الشعور بالانتماء والنظرات القيّمة؛ وبعبارة أخرى، أنه يمكّنهم من الاندماج بالمنظَّمة وتسيير خدمات الرعاية النهارية. وتعطي هاتان المجموعتان أهمية أقل لمسألة كسب التأثير من خلال الالتزام بالعمل.
إن جوانب الاندماج، التي سبق ذكرها بالنسبة للالتزام بالعمل، تم أيضاً تقييمها عالياً من قبل الآباء الذين يشغلون مناصب عن طريق الانتخاب أو على أساس التشريف. فالآباء الذين شغلوا هذه المواقع كانوا أكثر في التعاونيات الأبوية مما في التعاونيات التطوعية، في حين ليس هناك سوى آباء قليلين ممن كانوا قادرين على شغل هذه المواقع في تعاونيات العاملين، وفي الهيئات الاستشارية فقط. وبخلاف المواقف من الالتزام بالعمل، فإن مواقف الآباء من عملهم في الهيئة الإدارية (للتعاونية) كانت تؤكد، أولاً وقبل كل شيء، على الجانب السياسي لشغل منصب ما بالانتخاب- وهو زيادة تأثير الآباء. ولكون التقدير لشغل مناصب عن طريق الانتخاب أو على أساس التشريف أرفع في التعاونيات الأبوية مما هو في المنظَّمات التطوعية، فإن الآباء المؤثرين أكثر في الشكل الأول للخدمات التعاونية للرعاية النهارية مما في شكلها الثاني.
وإذا انتقلنا لأسباب اختيار شكل معين للخدمات التعاونية للرعاية النهارية، لاحظنا وجود وصف واضح لكل شكل لخدمات الرعاية النهارية. التأثير، والرغبة بالمشاركة أكثر في الحياة اليومية لطفلهم (أطفالهم)، والقرب من البيت، تسمْ اختيار الآباء ممن لديهم أطفال في التعاونيات الأبوية. التعليم الخاص special pedagogics والرغبة بالتأثير وبالمشاركة أكثر في الحياة اليومية لطفلهم (أطفالهم) تهيمن بشكل واضح على دوافع الآباء الذين لديهم أطفال في المنظَّمات التطوعية. وبالنسبة لهاتين الفئتين من الآباء، فإن اختيار شكل الرعاية النهارية كان يتأثر أكثر بالقيم التعبيرية وأقل بالأسباب الواقعية instrumental terms. القرب من البيت، وتوصية من أقارب أو أصدقاء، ونقص البدائل الأخرى، هي الدوافع الرئيسة للآباء ممن لديهم أطفال في تعاونيات العاملين. وهكذا، فإن الآباء مع أطفال في تعاونيات العاملين عّبروا أكثر عن مواقف واقعية instrumental attitudes.
ومع ذلك، فبعد اختيار الآباء لشكل الرعاية النهارية، فإن المزايا التي جربوها في كل الأشكال الثلاثة للرعاية النهارية التعاونية تركت مجالاً أكثر للقيم الواقعيةinstrumental values . فقد لحظَ الآباء جواً ممتعاً في الخدمات التعاونية للرعاية النهارية، وعاملين يشعرون بالمسئولية engaged، وإمكانية التأثير في المزايا الأربعة الرئيسية؛ فالمشاركة في الحياة اليومية للطفل والتعليم pedagogics ما تزال مهمة بالنسبة للآباء في التعاونيات الأبوية والمنظَّمات التطوعية التي تقدم خدمات الرعاية النهارية. والعيوب disadvantages، المرتبطة بكل نوع من خدمات الرعاية النهارية، هي أشياء نمطية أيضاً في وضعية تنظيمية organizational profile. فقد ذكرَ معظم أو العديد من الآباء في كل أشكال الرعاية النهارية التعاونية بأنه لم تكن هناك أي عيوب. ومع ذلك، فرغم عدم ذكر الالتزام بالعمل بحد ذاته، فإن الآباء في التعاونيات الأبوية والمنظَّمات التطوعية وجهّوا النقد للوقت الإضافي الذي يتطلبه الشكل التعاوني، كما كانوا قلقين أيضاً بشأن صعوبة الجمع بين دورهم كآباء ودورهم كأصحاب عمل. وقد أشار الآباء الذين لديهم أطفال في تعاونيات العاملين إلى عيوب محدّدة قليلة.
قدّر الآباء عالياً استعداد العاملين لمناقشة مقترحاتهم الرامية لإدخال التغييرات والتحسينات، كما عّبرَ الآباء في الأشكال التعاونية الثلاثة كلها عن مستوى مماثل من الرضا بشأن تسيير وإدارة خدمات الرعاية النهارية. ومع ذلك، ومع الأخذ بالاعتبار الموقف الواقعي والمتماسك بشكل واضح للآباء الذين لديهم أطفال في تعاونيات العاملين، بالمقارنة مع الموقف التعبيري الأكثر للآباء مع أطفال في التعاونيات الأبوية والمنظَّمات التطوعية، فليس من الواضح ما إذا كان الآباء الأخيرون راضين عن مستوى التأثير والمشاركة المقدَّمة للآباء في تعاونيات العاملين. نحن نعتقد بأن ليس بوسع أي شكل منفرد لتعاونية ما، ولا لمنشأة ما أيضاً، تلبية احتياجات ومتطلبات كل الآباء بالنسبة لخدمات الرعاية النهارية. وبدلاً من ذلك، فإن الخليط من رفاهية أعظم ومتعددة الجوانب تتطلب تنوعاً أكبر في أشكال تقديم الخدمات الشخصية الاجتماعية لتلبية الاحتياجات المختلفة للمجموعات المختلفة من المواطنين.
كان لدى العديد من الآباء سابقاً طفل (أو أطفال) في خدمات الرعاية النهارية البلدية؛ وكان لديهم شعور واضح بأن العاملين في التعاونيات كانوا أكثر انفتاحاً. كما يشعر الآباء أيضاً، وبقوة، بأن خدمات الرعاية النهارية التعاونية، بكل أنواعها، كانت أفضل من الخدمات البلدية. أخيراً، وفي ظل الاختيار الحر، أشاروا إلى تفضيل قاطع للشكل التعاوني، بغض النظر عن نوعه.
يذهب وكستروم إلى إن دافع الإنتاج المشترك هو درجة عدم التأكد uncertainty في التبادل بين المنتج والمستهلك للسلع والخدمات والمنفعة المحتملة للمشاركين من زوال عدم التأكد هذا(36). المشروعات الاجتماعية والخدمات الاجتماعية التعاونية، ذات الأهداف الاجتماعية الواضحة والدوافع البعيدة عن تحقيق الربح، تساعد على خلق الثقة بين المنتجين والمستهلكين لهذه الخدمات عن طريق تقليل أو إزالة السلوك النفعي opportunistic. وبالنسبة لحالة رعاية الطفل، فبعض الخدمات الاجتماعية التعاونية تقضي على عدم التأكد عن طريق تشجيع مشاركة الآباء كمنتجين مشاركين- من خلال الالتزام بالعمل، سويةً مع الإجراءات الديمقراطية وشغل الآباء للمناصب التشريفية.
بعض أنواع مراكز الرعاية النهارية التعاونية تخلق منافع لها صلة بقيم الآباء. وبخاصة، فقيم مثل تأثير الآباء، ومشاركتهم بالحياة اليومية لطفلهم (أطفالهم)، والتعليم الخاص، والشعور بالانتماء، هي قيم هامة بالنسبة لآباء الأطفال المسجلين في التعاونيات الأبوية والمنظَّمات التطوعية. الإنتاج المشترك يزيل عدم التأكد المرتبط بالتفاعل بين المنتجين والمستهلكين لهذه الخدمات لأنه يزج الآباء بعملية الإنتاج، وإن مشاركة الآباء هي أفضل ضمانة للنوعية، وفقاً لرأي بعض الآباء. الإنتاج المشترك يمكّن الآباء ويقوّيهم على تحقيق قيمهم من ناحية رعاية المؤسسات لأطفالهم.
ليس من السهل تعزيز نفس الأهداف في تعاونيات العاملين أو خدمات الرعاية النهارية البلدية أو الخاصة، ولكن الأولى، مع ذلك، تعزز بالفعل قيم الآباء الواقعية instrumental. يمكن القول بأن خدمات الرعاية النهاية لتعاونيات الآباء والمنظَّمات التطوعية هي خدمات فريدة في تعزيز تكوين قيم الإنتاج المشترك. ومن دون وجود هذا الشكل لرعاية الأطفال النهارية، ومن دون إشراك وزج الآباء في تقديم خدمات الرعاية النهارية التعاونية، لن يتسنى تحقيق هذه القيم بالنسبة لهؤلاء الآباء. وهكذا، فإن الأشكال الخاصة هذه لخدمات الرعاية النهاية قد خلقت قيمة بالنسبة للآباء من خلال تشغيلهم كمنتجين مشاركين. وإذا لم يعد لهذه البدائل وجود، أو إذا انحسرت لأسباب سياسية أو مالية، فإن إمكانات الإنتاج المشترك لن تثري حياة وقيم هؤلاء الآباء وأطفالهم. أي من قيم الإنتاج المشترك لن تتوافر في الخدمات التي تقدمها تعاونيات العاملين أو خدمات الرعاية النهارية البلدية أو الخاصة ما لم تعمل هذه الخدمات على تعزيز مساهمة الآباء والإنتاج المشترك. وهكذا، فإن الإنتاج المشترك يعزز القيم الفريدة لمجموعات كبيرة من الآباء. ولذلك، فهو يثري الخدمات الشخصية الاجتماعية الممَّولة من قبل الدولة ويساهم في تجديد دولة الرفاهية بتحويلها إلى مجتمع رفاهية قائم على مشاركة أوسع.

المشروعات الاجتماعية والديمقراطية المدنية- هل هي رؤيا للقرن الحادي والعشرين؟
القيم الاجتماعية المتميزة، التي عززتها مراكز الرعاية النهارية التعاونية، لابد من ملاحظتها في حقول أخرى: كالرعاية الصحية الدائمة طويلة-الأمد ؛ ورعاية كبار السن، محلياً ومؤسسيا؛ ورعاية المعوقين، محلياً ومؤسسيا؛ والتعليم؛ وما شابه. فالسنوات الأخيرة شهدت تطور التعاونيات في جميع هذه المجالات في السويد والبلدان الأوروبية الأخرى. ومن الضروري دراسة هذه التطورات بدقة أكثر لفهم مساهماتها الفريدة في إثراء حياة العمل، ولتحسين بيئة العمل النفسية-الاجتماعية، ولتطوير الأعمال الجيدة، ولتقوية المواطنين كمنتجين مشاركين، وتعزيز الديمقراطية المدنية. وليس هناك من سبب للاعتقاد بأن هذه المنافع تقتصر على خدمات الرعاية النهارية أو السويد. بل، أننا نتوقع إن الكثير من الجوانب المفيدة من المشروع الاجتماعي والخدمات الاجتماعية التعاونية، التي لاحظناها هنا، يمكن العثور عليها في حقول أخرى وبلدان أخرى، أيضاً. ربما تأخذ تلك الجوانب تعبيرات مختلفة نوعاً ما، بسبب التغييرات التنظيمية والقانونية في المجتمعات الأوروبية المختلفة والاختلافات الهيكلية في القطاعات المختلفة التي تقدم الخدمات الشخصية الاجتماعية. وعلاوة على ذلك، فإن التفاعل بين المنتجين والمستهلكين لهذه الخدمات الاجتماعية سيكون مختلفاً أيضاً بحكم الاختلافات في هذه القيود التنظيمية والقانونية والقطاعية. إن طبيعة هذه العلاقة مهمة لتطوير الأعمال الجيدة ولتقوية قدرات المواطنين كمنتجين مشاركين.
ومع ذلك، نتوقع من المشروعات الاجتماعية والخدمات الاجتماعية التعاونية أن تكون قادرة على المساعدة في تجديد القطاع العام من خلال التعاقد مع القطاع الثالث وتطوير نوع جديد من دولة الرفاهية من خلال توفير حيز أكبر لمساهمة المواطنين كمستعملين ومنتجين للخدمات الاجتماعية. وهكذا يتحول المجتمع إلى مجتمع رفاهية على أساس المشاركة participatory welfare society. ويمكن للمشروعات الاجتماعية والخدمات الاجتماعية التعاونية أن تساعد أيضاً في إثراء حياة العمل من خلال تعزيز الإدارة الذاتية التعاونية؛ وتحسين بيئة العمل بمنح مِلاك العاملين سيطرة أكبر ودعم اجتماعي وتفاعل مديد مع الزبائن؛ وتقوية المواطنين كمنتجين مشاركين وذلك بتعزيز الإدارة الذاتية التعاونية؛ وتعزيز أكثر لإدارة العاملين، وتحسين نوعية الخدمة، بتكلفة أقل في الغالب، وأخيراً، تطوير الديمقراطية المدنية.
ونشعر كذلك بأن من المفيد مقارنة المشروعات الاجتماعية والخدمات الاجتماعية التعاونية السويدية بتلك القائمة في الأجزاء الأخرى من أوروبا، وربما في اليابان وبلدان أخرى أيضاً. وهذا يصح، بشكل خاص، على دولٍ كإيطاليا وأسبانيا وفرنسا التي تسارعت فيها الخدمات الاجتماعية كثيراً في العقود الأخيرة؛ ولكنه يصح أيضاً على ألمانيا وهولندا حيث كانت المنظمات التطوعية المستقرة قد لعبت، تقليدياً، دوراً مهماً وبارزاً وفعالاً في توفير الخدمات الشخصية الاجتماعية؛ إضافة إلى دول الشمال المجاورة، الدانمارك وفنلندا والنرويج. من المفيد مقارنة المشروعات الاجتماعية والخدمات الاجتماعية التعاونية في جميع هذه البلدان بمثيلاتها في السويد، وبخاصة قدرة تلك المشروعات على تعزيز القيم الاجتماعية المرتبطة بالخدمات الاجتماعية التعاونية. ولكن لكي نعمل ذلك، لابد من تحطيم الهيمنة الإيديولوجية المبسطة للأسود/الأبيض، واليسار/اليمين، من منظور قطاع عام مقابل قطاع خاص في مسألة تقديم الخدمات الاجتماعية. لابد من الاعتراف بمساهمة المشروعات الاجتماعية والخدمات الاجتماعية التعاونية من أجل القيم الاجتماعية الفريدة التي تعززها. علينا أن نتوقف عن اختزال القطاع الثالث، والمشروعات الاجتماعية، والخدمات الاجتماعية التعاونية، إلى أقل الحدود الممكنة، العامة أو الخاصة، وينبغي أن نكف عن محاولة النظر لمساهماتها من خلال الاعتبارات الاقتصادية البسيطة التي يمكن قياسها أو تجميعها بالبيانات المالية فقط.
إن إثراء حياة العمل، وتحسين بيئة العمل النفسية-الاجتماعية، وتطوير الأعمال الجيدة، وتقوية المواطنين كمنتجين مشاركين، وتعزيز الديمقراطية المدنية هي بحق، طبعاً، السبب الرئيس للاعتراف بالمشروعات الاجتماعية والخدمات الاجتماعية التعاونية. والناس الذين لا يقيّمون هذه الأهداف الاجتماعية لن تستهويهم، طبعاً، المشروعات الاجتماعية والخدمات الاجتماعية التعاونية. والآخرون يمكن أن يقولوا بأن الأهداف الاجتماعية نفسها يمكن تحقيقها عن طريق المنشآت العامة أو الخاصة، ولكننا لا نتفق معهم بقوة. ونأمل أن يكون هذا الفصل قد ساعد على وضع هذه القيم الاجتماعية الهامة ضمن برنامج باحثيّ العلم الاجتماعي في السويد والبلدان الأخرى، وربما قدّمَ مساهمة للمناقشات العامة حول مستقبل دولة الرفاهية، وتجديد القطاع العام، وتحويل دولة الرفاهية إلى مجتمع رفاهية جديد قائم على المشاركة. وإذا قُدرَ للقيم الاجتماعية، التي تعززها المشروعات الاجتماعية والخدمات الاجتماعية التعاونية، أن تكسب اعترافاً أوسع في أبحاث العلم الاجتماعي السويدي وفي المناقشات العامة، فإنها قد تشكل رؤيا معينة بالنسبة للقرن الحادي والعشرين.
وإذا لم يحدث ذلك، فإنها ستبقى كذكريات مهملة لدولة رفاهية سابقة انهارت من الداخل بسبب تدني دعم المواطنين ممن فقدوا إيمانهم بقدرة الدولة على توفير الخدمات التي يطلبون وبالنوعية التي يتوقعون وبالسعر الذي يرغبون بدفعه. وإذا تعذرَ تجديد دولة الرفاهية من الداخل بتوسيع المجال لمشاركة المواطنين وبتعزيز المشروعات الاجتماعية، والخدمات الاجتماعية التعاونية، والديمقراطية المدنية، فإنها قد تصبح حالاً مجرد ذكرى تاريخية من الماضي. فلا تستطيع أي مؤسسة اجتماعية من البقاء والاستمرار دون دعم مواطنيها، ودون تجديد شرعيتها من قبل الأجيال الجديدة التي تُقصي أولئك الذين بنوا المؤسسات الاجتماعية للوقت الحاضر. ومن أجل تكسب وتحافظ على دعم الأجيال الجديدة، ينبغي على دولة الرفاهية أن تنمو وتتطور لتلبية احتياجات وقيم الناس في الوقت الحاضر وليس مجرد عكس الاحتياجات والقيم الماضية.
علينا أن نحاول تقرير ما إذا كانت دولة الرفاهية السويدية قادرة على التغلب على الأزمات التي تواجهها وما إذا كانت دولة الرفاهية الشاملة قادرة على البقاء والاستمرار في أي بلد. إن الانهيار السريع وغير المتوقع للشيوعية في وسط وشرق أوروبا ربما هو إنذار. وعلاوة على ذلك، فإن الشبكة الدنيا للضمان، التي أقامها صندوق النقد الدولي والبنك العالمي "للناس الفقراء" هناك كبديل لمشروع دولة الرفاهية السابق، تقدم الدليل على ما تريد مجموعات اجتماعية معينة إحلاله محل دولة الرفاهية الشاملة.
فما لم يتم تطوير بدائل فعالة لتجديد دولة الرفاهية من داخلها، ولتقديم حيز أوسع لمشاركة المواطنين كمنتجين مشاركين، ولتطويرها وتحويلها إلى مجتمع رفاهية، فإن دولة الرفاهية، أيضاً، تواجه خطراً حقيقياً بأن تخسر شرعيتها وأن تنهار، أخيراً، تحت وطأة أزمتها ذاتها. الهجوم، وأخذ المبادرة، هو أفضل دفاع بحسب الاستراتيجية العسكرية.
وغالباً ما يُقال بأن استراتيجية الأعمال تتجدد وفق استراتيجية عسكرية. وربما حانَ الوقت، لأولئك الذين يدعمون القيم الاجتماعية الشاملة التي تؤسس لدولة الرفاهية، أن يتساءلوا ما إذا كان هناك ما يمكن تعلمه من نشاط الأعمال. إن مجرد الدفاع العنيد عن المؤسسات القائمة لدولة الرفاهية من حيث كل التفاصيل التي ساهمت في شعبيتها وشرعيتها الأصلية ربما لا تساعد سوى على تعجيل الانهيار النهائي للمؤسسات القائمة.
إن الأدلة المقدَّمة هنا من مشروع "دراسة بيئة العمل والخدمات الاجتماعية التعاونية" Work Environment and Cooperative Social Services Study تفترض بأن بعض البدائل الإيجابية يمكن أن تساهم في تحول السويد من دولة رفاهية إلى مجتمع رفاهية. والحل المقدَّم هنا يقوم على استراتيجية واضحة لتعزيز المشاركة الأوسع للعاملين في تقديم الخدمات الاجتماعية، وبخاصة من قبل تعاونيات العاملين، ولتعزيز المشاركة الأوسع للمواطنين في تقديم الخدمات الاجتماعية التي يطلبون، وبخاصة من خلال تقويتهم كمنتجين مشاركين. تقدم هذه الاستراتيجية لهذه المجموعات سنداً قوياً لبقاء واستمرار خدمات الرفاهية الممَّولة من قبل الدولة ورؤيةً لتطوير دولة الرفاهية السويدية وتحويلها إلى مجتمع رفاهية في القرن الحادي والعشرين.
ومن دون رؤية لتجديد وتطوير دولة الرفاهية، ومن دون تطوير مجتمع رفاهية جديد قائم على المشاركة، ومن دون مشاركة أوسع للعاملين في تقديم الخدمات الاجتماعية، ومن دون تطوير الديمقراطية المدنية، فإن دولة الرفاهية الشاملة الحالية تواجه خطر الانهيار بشكل جدي. وإضافة إلى الأزمات الحالية لدولة الرفاهية ووجود مقاومة متنامية لزيادة الضرائب، فإن القدرات المتزايدة لرأس المال لتجنب البلدان ذات الضرائب العالية، والتدويل السريع للاقتصاد السويدي، ستضُعف الدعم لدولة الرفاهية الشاملة. إن تدويل النشاط الاقتصادي يسّهل ليس فقط الإغراق الاجتماعي، بل إن مختلف الاتجاهات، التي تقّويها المنافسة العالمية والشركات متعددة الجنسية، غالباً ما تقود إلى رفض تام للقيم الشاملة لدولة الرفاهية. إن الحملات المضادة الضخمة لنشاط الأعمال المنظَّم لا يمكن مواجهتها إلاّ من خلال رؤية قوية لتجديد دولة الرفاهية وتطويرها إلى مجتمع رفاهية في القرن الحادي والعشرين. وأملنا إن هذا الفصل سيقدم مساهمة متواضعة في تلك الرؤية.

هوامش
(1)P. Tullberg and K. Ostberg, Den Svenske Modellen [ The Swedish Model] (Stockolm: Raben &Sjogrens forlag, 1995).
(2)V. Pestoff, ‘’Joint Regulation, Meso-Games and Political Exchange in Swedish Industrial Relations, ‘’in B. Marin, ed., Governance & Generalized Exchange, Self-Organizing Policy Networks in Action (Boulder, Colo.: Westview, 1990): 315-346.
(3)أنظر أعمال في. بيستوف التالية: V. Pestoff: ‘’Towards New Swedish Model, in J. Scandinavian and Eastern European Perspectives (Avebury.:U.K.: Aldershor & Brookfield); reprinted in Journal of Area Studies: Trade Unionism and Industrial Relations in Europe in the 1990s, no. 5 (1994): 102-119; ‘’Employer Organizations: Their Changing Structures and Strategies in Nine OECD Countries, in Changing Structures and Strategies of the Empolyers and Employees’ Organizations (Helsinki: Proceedings from the IIRA 4th European Regional Congress).
(4)وكان ذلك أكبر خلاف في سوق العمل في السويد، وبخاصة في شكل إغلاق المصانع من جانب أصحاب العمل وبالتالي أكبر غلق مصانع بالنسبة ل SAF. A. Kjellberg, ‘’Sweden: Restoring the Model? In A. Ferner and R. Hyman, eds., Changing Industrial Relations in Europe (Oxford: Blackwell Publishers, 1998).
(5)V. Pestoff, ‘’Organisationernas medverkan och forhandlingar I svensk konsumentpolitik [Organizational Participation and negotiations in Swedish consumer Policy), in Nielson and O. K. Pedersen, eds., forhandlingsokonomi I Norden [The negotiated economy in the Nordic countries] (Copenhagen: DJOF, 1989); reprinted in Tidsskrift for rattssociologi [Journal of Legal Sociology] 6, nos., ¾ (1989): 150-203.
(6)Pestoff, ‘’Employer Organizations.
(7)أنظر أعمال بيستوف التالية: ‘’Towards a New Swedish Model ; and Employer Organizations.
(8)V. Pestoff, ‘’ ’Towards a New Swedish Model inJ. Haysner, B. Jessop, and K. Nielson, eds., Institutional Frameworks of Market Economies- Scandinavian and Eastern European Perspectives ((Avebury.:U.K.: Aldershor & Brookfield, 1993) 133-168; Trade Unionism and Industrial Relations in Europe in the 1990s, Journal of Area Studies no. 5 : 102-119.
(9)إحدى الفضائح ارتبطت بالسيد س. مارجسن S. Marjasin ، الرئيس السابق لاتحاد العمال المحلي، والمحافظ السابق لمحافظة أوروبرو Orebro. وقد أُجبر مؤخراً على الاستقالة من منصبه الثاني لسوء تصرفه مع ممثليته المالية. قام مارجسن بصورة نظامية بتقسيم فاتورة مشترياته إلى ثلاثة أجزاء وإزالة الجزء الوسطي وما يتضمنه من مشتريات، ولكنه كان يُبقي الجزأين الآخرين مع اسم المحل والمبلغ الكلي للشراء، وهو ما بات يُعرف الآن ب "المحاسبة الجديدة" على سبيل التهكم. كما كان مارجسن يسجل مدفوعات غداء أو عشاء ضيوفه على الممثلية.
(10)أنظر أعمال: J. Stephens, ‘’The Scandinavian Welfare States: Achievement, Crisis and Prospects, in G. Esping-Andersen, ed., Welfare States in Transition: National Adaptations in Global Economies (Thousand Oaks, Calif.: Sage Publications, 1996); and Y. Stryan, Personalkooperative- Battre an sitt rykke? [Worker co-ops- Better than their reputation?] in Foradring och formuelse [Change and renewal] (Stockholm: Foreningen Kooperativa Studier, 1997).
(11)V. Pestoff, Social Enterprises and Democracy in Sweden: Enriching Work Environment and Empowering Citizens as a Co-Producers (Stockholm: School of Business, 1996).
(12)P. Hirsh, Associative Democracy. New Forms of Economic And Social Governance (Oxford: Blackwell and Polity Press, 1994).
(13)R. D. Putnam, Making Democracy Work- Civil Traditions in Modern Italy (Princeton, N. J. :Princeton University Press, 1993).
(14)أنظر أعمال في. بيستوف التالية: V. Pestoff: ‘’Reforming Social Services in Postcommunist Europe: Shift in the Welfare Mix and Mesolevel Institutional Change, in J. Campbell and O. K. Pedersen, Legacies of Change: Tranformations of Postcommunist European Economies (Hawthorne, N. Y. : A. de Gruyter, 1996), 177-203; and Y. Stryjan, ‘’Kooperativa dagis- de forste aren [Cooperative day care- the first years], in Kooperative and Valfard [Cooperatives and Welfare] (Stockholm: Foreningen Kooperativa Stidier, 1995).
(15)V. Pestoff, ‘’Reforming Social Services in Postcommunist,’’ 177-203.
(16)I. Walhgren, Vem trostar Ruth? En Studie av alternativa driftsformer Ihemtjansten [Who comforts Ruth? A Study of alternative providers of the home help services for the elderly] (Stockholm: School of Business, 1996).
(17)Pestoff, Social Enterprises and Civil Democracy.
(18)K. Nielsen and O. K. Pedersen, eds., Forhandlinsokonomi I Norden [The negotiated economy in the Nordic countries] (Copenhagen: DJOF, 1989); Pestoff, ‘’Organisationernas medvekan och forhandlingar ; and Towards a New Swedish Model.
(19)R. Kramer, Voluntary Agencies in the Welfare State (Berkeley: University of California Press, 1981).
(20)R. Saltman and C. V. Otter, Planned Markets and Public Competition: Strategy Reform in Northern European Health Systems (Philadelphia: Open University Press, 1992).
(21)Ibid., 99.
(22)putnam, Making Democracy Work
(23)Ibid., 167.
(24)A. O. Hirschman, Exit, Voice and Loyalty: Responses to Declines in the Performance of Firms, Organizations and States (Cambridge, Mass.: Harvard University Press, 1970).
(25)M. Olson, The Logic of Collective Actions (Cambridge , Mass.: Harvard University Press, 1965, 1970).
(26)putnam, Making Democracy Work, 169-171.
(27)Pestoff, Social Enterprises and Civil Democracy
(28)R. Karasek and T. Theorell, Healthy Work: Stress, Productivity and the Reconstruction of Working Life (New York: Basic Books, 1990).
(29)Ibid.
(30)A. O. Hirschman, Shifting Involvements - Private Interests and Political Action (Princeton, N. J.: Princeton University Press, 1982).
(31)Karasek and Theorell, Healthy Work, 316-317.
(32)V. Pestoff, ‘’Social Reforms in Central and Eastern Europe, Emergo, Journal of Transforming Economies and Societies, vol. 5, no. 1 (1998): 15-42.
(33)V. Pestoff, ‘’Reforming Social Services and Beyond the Market and State: Social Enterprises and Civil Democracy in a Welfare Society (Aldershor, 1998).
(34)S. Wikstrom, ‘’Value Creation by Company-Consumer Interaction, Journal of Marketing Management 12 (1996): 355-374.
(35) Ibid., 363.
(36) Ibid.


اقتصاد القرن الحادي والعشرين: الآفاق الاقتصادية- الاجتماعية لعالم متغير، تحرير
وليام اي. هلال (و) كينيث ب، تايلور، ترجمة: د. حسن عبدالله بدر (و) د. عبدالوهاب حميد رشيد،
المنظمة العربية للترجمة- بيروت- ISBN: ISBN 978-91-633-2084-2



#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل الثالث عشر
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل الثاني عشر
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل العاشر
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل التاسع
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل الثامن
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل السابع
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل السادس
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل الخامس
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين ج1-ف4
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- ق1/ف3
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- ق1/ف2
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين/ ق1-ف1
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- المقدمة
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد.. الخاتمة والمل ...
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد.. ق2- ف5/ ف6
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد.. ق2: ف3- ف4
- الظروف الاجتماعية للجالية العربية في السويد- ق2- ف1-ف2
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- ق1.. ف7- ف8
- الأحوال الاجتماعية للجالية العربية في السويد- ق1.. ف5، ف6


المزيد.....




- -خفض التكاليف وتسريح العمال-.. أزمات اقتصادية تضرب شركات الس ...
- أرامكو السعودية تتجه لزيادة الديون و توزيعات الأرباح
- أسعار النفط عند أعلى مستوى في نحو 10 أيام
- قطر تطلق مشروعا سياحيا بـ3 مليارات دولار
- السودان يعقد أول مؤتمر اقتصادي لزيادة الإيرادات في زمن الحرب ...
- نائبة رئيس وزراء بلجيكا تدعو الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات ...
- اقتصادي: التعداد سيؤدي لزيادة حصة بعض المحافظات من تنمية الأ ...
- تركيا تضخ ملايين إضافية في الاقتصاد المصري
- للمرة الثانية في يوم واحد.. -البيتكوين- تواصل صعودها وتسجل م ...
- مصر تخسر 70% من إيرادات قناة السويس بسبب توترات البحر الأحمر ...


المزيد.....

- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبدالوهاب حميد رشيد - اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل الرابع عشر