|
سؤال الوقت... كيف؟
رياض حسن محرم
الحوار المتمدن-العدد: 3957 - 2012 / 12 / 30 - 22:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قام الشعب المصرى بثورته فى 25 يناير رافعا شعاره الأشهر "عيش ..حرية ..عدالة إجتماعية.. كرامة إنسانية" قبل عامين تقريبا فى يوم عيد الشرطة المصرية ، عندما بدأ الشعب المصرى بطليعته الشبابية الواعية طوفان الثورة الذى إقتلع مبارك وعصابته الحاكمة فى 18 يوما، فى حالة من الرومانسية الثورية التى واجه فيه الشباب مدرعات الأمن المركزى بصدوره العارية وضرب مثلا رائعا فى التضحية والفداء. لقد غادر المحتجون الميادين بعد سقوط رأس النظام بمحض إرادتهم تاركين المجلس العسكرى لإدارة شئون البلاد إعتمادا على أنه يمكنه أن يقوم باستكمال مطالبهم التى رفعوها ودفعوا من أجلها أثمانا باهظة، لكن هذه المطالب التى رفعت خلال الثمانية عشر يوما المجيدة كانت فى حقيقتها شعارات عامة لا توجد تفسيرات واضحة لها من ناحية ولا برنامج عملى يضمن تنفيذها، وفيما يخص قضية العدالة الاجتماعية لم تترجم فى الحقيقة الا فى شعار الحد الادنى والاقصى للاجر ولم يكن بالوضوح او التحديد الكافيين سوى الحكم كان قد صدر فى عهد المخلوع حول الحد الادنى للاجورولم يجد سبيلا للتطبيق، وحتى تفصيل ذلك فى بعض برامج قوى اليسار لم يكن واضحا او كافيا كما أن اليسار المصرى كان يمر بأضعف حالاته التنظيمية وقدرته على الإرتباط بالجماهير أو حتى التأثير فيها، وفى قضية الحرية وتعنى التحول الديموقراطى لم يتم توضيح معناها سوى فى كلمات مرسلة حول الفساد و إنتهاك الحريات والسجون والتعذيب دون التعرض بجدية لنشر ثقافة الديموقراطية كعملية معقدة وطويلة الأمد، والتداول السلمى للسلطة، وحكم الشعب نفسه لنفسه، وبينما حلم الفقراء والطبقة المتوسطة أن تحقق لهم الثورة أحلامهم فى نهضة إقتصادية وتحقيق العدالة الاجتماعية واحداث تحول ديموقراطى حقيقى، فإن ما تم من أخطاء و خطايا من قبل المجلس العسكرى وتلطيخ يديه بدماء المصريين وتحويل الآلاف لمحاكمات عسكرية جائرة وصدامه المبكر بقوى الثورة على خلفية الموقف الطبقى المحافظ للعسكر والمنحاز دائما للقوى اليمينية والذى التقى سريعا مع قوى اليمين الدينى الأكثر تنظيما على أرض الواقع فتم تشكيل لجنة مراجعة دستور 71 بالاتفاق مع الاخوان المسلمين ودعا للإستفتاء الشهير فى 19 مارس حول مواد تسعة إستغلها الاخوان و حلفائهم من الاسلاميين للدعوة بالتصويت بنعم كترخيص لدخول الجنة ونصرة الاسلام، بينما لم تكن القوى الليبرالية واليسارية قد أخذت فرصتها فى الاعلان عن وجودها ومد جذورها فى أرض الواقع ناهيك عن التشويه التاريخى والمتعمد للفكر الليبرالى والعلمانى والشيوعى بوصفها أفكارا تم إستيرادها من الغرب الكافر، بينما يمكن للمواطن المؤمن البسيط أن يتقبل بسهولة طرح "الاسلام هو الحل" وتطبيق الشريعة، وبعد انتهاء الإستفتاء أصدر المجلس العسكرى الاعلان الدستورى الاول والذى اعتبر بموجبه أن الشعب لا المخلوع هو من فوّضه بإدارة شئون البلاد. من نافلة القول أن نذكرأن اليسار وحده هو المنوط به إستكمال المرحلة الوطنية الديموقراطية والمرّحلة منذ بدأ الصراع بين البرجوازية المصرية والاستعمار الانجليزى ولإثبات الهوية المصرية من بدايات القرن العشرين وحتى الآن، ومن البديهى أن اليسار والجناح الراديكالى منه على وجه الخصوص هو المهيأ لبناء الإشتراكية إعتمادا على الطبقة العاملة وحلفائها. لا شك أن الطبقة العاملة المصرية قد تم تغييبها طويلا منذ قام ثوّار يوليو بتأميم الصراع الطبقى وإلحاق العمال ببرنامجهم الإصلاحى بعد الهيمنة الكاملة على النقابات العمالية وإتحاد العمال ودمجهم فى التنظيم الموحد إبتداءا من جبهة التحرير ومرورا بالاتحاد القومى فالاتحاد الإشتراكى ثم حزب مصر فالحزب الوطنى، وهذا ما يحاوله الاخوان المسلمين بعد إستئثارهم بالسلطة وامتلاكهم لسلطة التشريع بجانب السلطة التنفيذية وعملهم الدؤوب للإستحواذ على السلطة القضائية لتسقط التفاحة فى حجرهم كاملة، لقد استطاعت الجماعة التغلغل فى صفوف النقابات المهنية لحصد ما تم لهم زراعته فى الجامعات المصرية لعقود خلت، لكن فشلهم الكبير فى الإستيلاء على النقابات العمالية ليس ناتج عن عدم رغبة ولكن المطالب النقابية العمالية ترتبط مباشرة بعلاقات الإنتاج التى تتعارض مع فكرهم الراسمالى بطبعته الدينية. إن المتتبع لتطور الديموقراطية خلال الأربعة عقود السابقة يلاحظ أنه قد حدث تحريك حدث فى المجال السياسى والحريات فيما يعرف ب"الهامش الديموقراطى"منذ عهد السادات حيث أطلق العنان لطبقة الرأسمالين الكمبرادوريين ولم يستطع الشكل السياسى الأحادى استيعابهم، مما اضطر السادات ان يعلن عن إنشاء منابر داخل الاتحاد الاشتراكى ثم لم يلبث سريعا ان حل التنظيم الواحد وسمح للأحزاب بالوجود فى حدود يرسمها لهم، وأجرى إنتخابات نيابية شبه ديموقراطية عام 1976 وأخرج قوى الإسلام السياسى من السجون وسمح بقدر محدود من حرية الصحافة، وفى عهد مبارك وبعد أزمة سبتمبر وإغتيال السادات إستمر وجود هذا الهامش بعد توليه السلطة وإطلاق سراح المسجونين السياسيين واستقباله لهم فى القصر وعقده لمؤتمر مصر الإقتصادى الأول وتشاوره الدورى مع رؤساء الأحزاب والسماح بحرية نسبية للصحافة والإعلام، وجاءت احداث 11 سبتمبر فى أمريكا ليتم بعدها مزيد من الضغوط من حكومة جورج بوش الإبن على الأنظمة الإستبدادية فى الشرق الأوسط لتسمح بمزيد من هامش الحريات فى مجتمعاتها كى لا تستمر تلك المجتمعات فى تفريخ عناصر ارهابية تحت الضغوط الأمنية وعنف السلطة، واستمر ضغط الأمريكان حتى بعد حصول الإخوان على ثلث مقاعد البرلمان فى 2005، ولكن بعد حصول الاخوان المسلمين على الأغلبية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة فى 2006 تراجعت الولايات المتحدة عن ضغوطها لخوفها من سيطرة التيار الاسلامى المتشدد فى مجمل المنطقة وتصديقا لمقولة مبارك "أنا أو الإخوان". بعد الثورة والزواج المبكر بين العسكر والإخوان وتنامى رفض وجود المجلس العسكرى والصراع السياسى حول الدستور أولا أو الإنتخابات البرلمانية والرئاسية والخلاف حول تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور هل تتم بالانتخاب المباشر أو بالتعيين أو بالاختيار عن طريق البرلمان، وانتصر العسكر لموضوع أن يتم تشكيل الجمعية بواسطة البرلمان، وفى الحقيقة فإن تشكيل الجمعية بالإنتخاب المباشر كما كان يطالب البعض أو عن طريق برلمان تهيمن عليه قوى الاسلام السياسى فإن النتيجية الحتمية هى ان تأتى جمعية تاسيسية على نفس النمط والتركيب، ايا كان فقد تمت الانتخابات اولا وصعد الاسلاميين ليشكلوا أكثر من ثلاثة أرباع المجلس بغرفتيه ولم تؤثر بعض النجاحات الانتخابية الاعلامية لبعض رموز المعارضة فى تغيير الصورة ولكنها كانت مؤشرا على إمكانية هزيمة الاسلاميين فى عقر مواقعهم، المشكلة التى أظهرتها هذه الانتخابات هى فشل القوى المدنية من الليبراليين واليساريين فى انجاز وحدة تجمعهم فى مواجهة التيار الدينى، والمشكلة الأخرى هى فى موقف شباب الثورة الذى يتركز تفكيره فى الشارع والميادين غير مبال بالصناديق وهم بين مقاطع او غير مكترث ويلجؤون للمليونيات لإحداث الضغط الذى ينجح أحيانا ويفشل كثيرا، بينما الاسلاميون يركزون كل اهتمامهم فى ادارة الانتخابات بالتربيطات والحشد أو بالرشاوى الإنتخابية معتمدين على الأرضية الإيمانية للجماهير وتدنى الوعى والأمية. فى ظل الاوضاع الامنية المنهارة والوضع الاقتصادى المتردى فإن نسبة لا بأس بها من المصريين صوتوا فى الإستفتاء الأخير فى ديسمبر 2012 بنعم للدستور من أجل الإستقرار وهذا فى حقيقته يدل على حالة الإرهاق التى انهكت هذه الجماهير وزيادة معاناتهم المعيشية بسبب ما يعتبرونه فوضى سياسية لذا فإن التوتر المستمر قد يدفع تلك الجماهير للإنفضاض عن الثورة والبحث عمن يضمن لهم الاستقرار والأمن. أما وقد تم إقرار الدستور بأغلبية مشكوك فيها نتيجة التزوير والإنتهاكات الواسعة التى تم توثيقها و تم التصديق عليه برغم الطعون العديدة على الجمعية التأسيسية وعلى الإجراءات التى تم بها هذا الإستفتاء فلا مناص الآن من النضال لإسقاط هذه الوثيقة من خلال جميع الوسائل السلمية وعلى رأسها التظاهر الواسع ضد الدستور والحشد والتوعية بما يتضمنه من مواد معيبة ومصادرة للحريات الأساسية والعداء للاقليات والمرأة وإهدار حقوق الطفل التى تضمنتها المواثيق والمعاهدات الدولية وسبق أن وقعت عليها الدولة المصرية ، ولنا فى نضال المصريين لمدة 5 سنوات (1930 -1935) ضد دستور اسماعيل صدقى المفروض على الشعب بنفوذ الملك فؤاد والإحتلال الإنجليزى حتى أسقطوه عبرة وتذكره، ويبقى سؤال الوقت فى تقديرى هو ما دور القوى الديموقراطية والثورية الآن ؟ إنه فى العمل على تثبيت الديموقراطية والكفاح من أجل ذلك بكل السبل فبدون تلك الديموقراطية لن نستطيع النضال ضد الدستور ولن نتمكن حتى من دعم النضالات العمالية والطلابية او الدفاع عنها، إننا بإزاء جملة من التشريعات المقيدة للحريات وعلى رأسها قانون مشبوه يتم طبخه بليل حول حق التظاهر بحجة تنظيمه وهو الحق الذى انتزعته الجماهير بنضالاتها الثورية، إن الأولوية الآن هى النضال من أجل تثبيت الديموقراطية..أليس كذلك؟
#رياض_حسن_محرم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحية فخر واعزاز الى أحفاد -محمد نور الدين-
-
الإخوان المسلمون ..محنة رابعة أم جرس النهاية
-
البلتاجى ...تلك الشخصية الغامضة.. طبيب أم جنرال
-
ما أشبه الليلة بالبارحة.. بين مارس 54 ونوفمبر 2012 وتبادل ال
...
-
الإعلان الدستورى الجديد شرعنة لدولة فاشية
-
ساعة ونصف من المتعة والنكد
-
من التاريخ الأسود للإخوان ...إن لله جنودا من حلاوة
-
الصراع مع إسرائيل..والثورات العربية
-
وحدة فصائل اليسار... وحتى لا تفلت اللحظة
-
انتخابات المجلس الوطنى الليبى، أول إنتصار كبير للتيار المدنى
-
عملية رفح... محاولة لتفكيك الحدث
-
عملية سوزانا..فصل فى الصراع العربى الإسرائيلى
-
القاعدة فى سينا..هل هى ظاهرة طارئه؟
-
حديث عن البهائية والدستور
-
أمريكا والإخوان... زواج متعة أم زواج مصلحة
-
الدولة الدينية..محاولة ضبط المفاهيم
-
الإنحراف اليسارى..ونهاية حزب 1924 الشيوعى
-
ذكريات من أرض الفيروزماذا فعل 15 عاما من الإحتلال الإسرائيلى
...
-
بهيج نصار ..والنضال الثورى لآخر نَفس
-
الى ثوار 25 يناير...إحذروا ألاعيب الإخوان...الخومينى ورأس ال
...
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|