|
تحولات صورة الأميركيين أثناء الثورة السورية
ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 3957 - 2012 / 12 / 30 - 18:07
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
تماثل الثورة السورية الثورات العربية الأخرى من حيث أن الموقف من الولايات المتحدة وأية قوى دولية أخرى لا يشغل موقعا متقدما في اهتمامها. الثورة السورية موجهة ضد نمط ممارسة السلطة داخليا، وخصمها النوعي هو النظام، وليس أية جهات خارجية. لذلك لم تشهد الثورة حرق أعلام أميركية أو هتافات موجهة ضد الأميركيين أو غيرهم. من جهتهم كان الأميركيون بعد ثورات تونس ومصر وليبيا واليمن، وشعورهم بأن هناك جديدا عربيا كبيرا يتعين ملاقاته، قد أخذوا موقفا إيجابيا من الاحتجاجات السورية، وهو ما لم يوفر فرصة لأحد في سورية كي يعترض عليه. في 8 تموز 2011 زار السفير الأميركي في دمشق روبرت فورد مدينة حماة التي كانت تشهد مظاهرات بمئات الألوف. استقبله الحمويون بالترحاب ورموا أغصان الزيتون على سيارته. كان شاهدا مرحبا به على سلمية احتجاجاتهم واتساع المشاركة فيها، وتضمنت زيارته دعما معنويا مرغوبا، وتشكيكا شديدا في سردية النظام عن احتجاجات محدودة ومسلحة وسلفية. ومن المفهوم أن الخطوة أثارت غيظا شديدا من طرف النظام، وقد دفع في مواجهتها الخطاب الممانع، المعادي غريزيا للأميركيين والغرب، ومع إحالة الثورة السورية ذاتها إلى تدبير خارجي أو مؤامرة خارجية. وفي 13 أيلول 2011 زار فورد وسفراء غربيون آخرون بلدة داريا قرب دمشق للعزاء في الناشط السلمي الشهير غياث مطر الذي قضى تحت التعذيب. كان هذا أيضا دعما معنويا مرغوبا، وتكذيبا واضحا لتصوير النظام للثورة. هذا نزع عن الأميركيين صفة الخصم المرير في عين جمهور الثورة السوري. لا يعني ذلك تحولا جذريا في الموقف المتشكك عموما بالأميركيين وسياساتهم، بل هو طبقة جديدة من التفكير في القوة العظمى، متوضعة فوق طبقة أعمق من التشكك والخصومة، لكن كان يمكن لهذه الطبقة الرقيقة الجديدة أن تترسخ وفقا للتطورات والمواقف التي سيأخذها الأميركيون. يمكن القول عموما إنه لم يمر وقت في سورية كانت مواقف جمهور سوري واسع غير سلبية تجاه الأميركيين، بل أقرب إلى الإيجابية، أكثر مما أثناء عام 2011. في خريف 2011، وأكثر بعده، نما بتسارع المكون المسلح للثورة السورية، واتسعت المطالبات بشكل من الحماية الدولية للشعب السوري أو مناطق حظر طيران أو ممرات إنسانية... ولقد بدا أن الأميركيين متحفظون على هذه الاقتراحات، دون أن يكون لديهم بديل عنها. ولم تمتنع الولايات المتحدة عن تقديم أي عون عسكري للمقاومة السورية المسلحة، بل إنها منعت بلدانا عربية من تقديم ما رغبت به من عون. ويحتمل أنها ضغطت على تركيا لمصادرة توريدات سلاح للمقاومة السورية. هذا بينما كان مسؤولون أميركيون وفي الناتو يعلنون المرة تلو المرة أنه لا خطط لديهم لتدخل عسكري في سورية. وقد بدا كل ذلك أنه بمثابة إتاحة فرص للنظام كي يسحق الثورة. محصلته العملية كذلك. والمحصلة نفسها لتحذير الأميركيين النظام من استخدام الأسلحة الكيميائية في أواخر صيف هذا العام، فقد بدا أنه بمثابة إجازة لكل ما دون هذه الأسلحة. وفي صيف عام 2012 صار يسمع أكثر وأكثر في أوساط ثائرين وسياسيين سوريين أنه يناسب الأميركيين أن يدمر السوريون بعضهم، وإذا كانوا لا يدعمون النظام حقا، فإنهم أيضا لن يدعموا الثورة كي تحسم الصراع ضده. ويتجه الاشتباه في أن هذا ما يناسب إسرائيل صاحبة النفوذ الكبير في صوغ السياسية الأميركية في "الشرق الأوسط". وقد عبر هذا التشكك عن نفسه بصورة جلية في شعار يوم الجمعة 19/10/2012: أميركا، ألم يشبع حقدك من دمنا؟ في عام 2012 ظهرت مجموعات جهادية تحولت شيئا فشيئا إلى شاغل متقدم بين شواغل الأميركيين. وفي خريف عام 2012 ضغط الأميركيون من أجل تشكيل إطار معارض واسع يضعف وزن الإسلاميين في المعارضة، وربما ينخرط في مفاوضات مع أطراف من النظام. وكانت الوزيرة كلينتون قد تكلمت في آخر تشرين الأول الماضي عن أن "المجلس الوطني السوري" لم يعد التشكيل القيادي الأنسب للمعارضة السورية. وقد أثار هذا الكلام السخط لفظاظته وتعاليه. وقبل أسابيع قليلة وضعت واشنطن "جبهة النصرة" السورية على القائمة السوداء للمنظمات الإرهابية، الأمر الذي أثار امتعاضا في أواسط ثائرين سوريين لا يؤيد أكثرهم الجبهة. يبدو الأمر بمثابة محاولة لفرض هواجس الأميركيين على الثورة السورية، وافتعال صراع في داخلها، بينما هي لا تزال تخوض صراعها ضد النظام الأسدي. كان شعار مظاهرات يوم الجمعة، 14/12/2012، يتضمن ردا مباشرا على البادرة الأميركية: لا إرهاب في سورية غير إرهاب الأسد! وقبل حين قال رياض الترك، المعارض السوري البارز، إن أميركا لا تريد انتصار الثرة السورية. وهو كلام يجد أصداء أوسع اليوم مما في أي وقت سبق من بداية الثورة. يمكن القول عموما أن عام 2012 سجل تراجعا للصورة الإيجابية للأميركيين في سورية. لم ينقلب الموقف إلى عداء عنيف، ولم يجر حرق أعلام أميركية، لكن السوريين اليوم أكثر تشككا بالأميركيين مما كانوا في العام الماضي.. وقد لا يكون صحيحا الكلام على مبادرة أميركية روسية يحملها الأخضر الإبراهيمي، وتقضي ببقاء بشار الأسد في منصبه إلى منتصف 2014، والحفاظ على أجهزة الأمن والجيش، لكن بات ظاهرا للسوريين أن أميركا هي الطرف الأكثر جفاء حيال ثورتهم بين القوى الغربية. لا شك عموما أن الأميركيين لم يبلوروا سياسة واضحة حيال الشأن السوري في عام 2012 المنقضي. وفي الشهور الأخيرة يبدو أن سياستهم متمركزة حول ما هو نتاج جانبي للصراع السوري، أعني ظهور مجموعات جهادية. وقد أخفقوا في حشد الموقف الدولي لمصلحة تغيير النظام السوري، بل كانوا أقرب إلى كابح في هذا الشأن. كان من شأن التغيير السوري أن يكون نقطة تلاق نادر بين المصلحة الوطنية السورية والمصلحة المستنيرة للأميركيين، وأن يحدث تغيرا كبير في البيئة السياسية للمنطقة ويطلق ديناميات سياسية داخلية وإقليمية جديدة. وعلى كل حال يبدو اليوم أنه كلما طال الصراع السوري كان هذا أسوأ لنا لسبب، وأسوأ للأميركيين لسبب آخر. وأسوأ للتصور المتبادل وأسوأ للتصور المتبادل بيننا وبينهم.
#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خوارج الثورة السورية و-خوارجها-
-
ثلاث قوى منظمة و...ثورة
-
تكوين سورية وتاريخها و...الثورة
-
الثورة السورية ووضع الثورة المطلقة
-
حوار متجدد في شأن الثورة السورية
-
الثورة والإسلاميين بين سورية ومصر
-
ليس في التاريخ ثورات -ع الكاتالوغ-
-
هل نستطيع تصور النظام السياسي السوري بعد الثورة؟
-
ثورة سورية أم ثورة إسلامية في سورية؟
-
معضلة العلاقة بين العلمانيين والإسلاميين السوريين
-
ياسين الحاج صالح - كاتب سوري - في حوار مفتوح مع القارئات وال
...
-
بعد تفخيخ دمشق... تفجيرها!
-
حوار متجدد في شؤون الثورة السورية وشجونها
-
هل الثورة مكتفية أخلاقيا؟
-
أخيرا، استراتيجية أميركية حيال الصراع السوري... خاطئة
-
الثورة السورية ومسائلنا الكبرى الثلاثة
-
حوار في شؤون الثورة السورية وشجونها
-
سياسة بين سياسيين، وإلا فحرب بين محاربين
-
جماعة -ما تبقى-: السنيون السوريون والسياسة
-
جوانب من -الاقتصاد السياسي- للحرب الأسدية الثانية
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|