|
مشروع الهيمنة بأدوات التمويل و”المجتمع المدني”
محمد فرج
الحوار المتمدن-العدد: 3957 - 2012 / 12 / 30 - 16:34
المحور:
المجتمع المدني
حذار من المفاهيم التي تروج، التمويل والمجتمع المدني في حزمة واحدة، ضد الفكرة، ضد المصطلح الأكثر رواجاً، بمعنى آخر، ضد الهيمنة عند الحديث عن التمويل الأجنبي ومنظمات المجتمع المدني، سيفتح الباب واسعاً وتنهال العديد من الأسئلة والإجابات والتبريرات، سيقف من يدعمها موقف “المجدد” و “المعاصر”، وسيضع من يعاديها جذرياً في خانة المتكلس والمتصلب. دراسة ظاهرة التمويل الأجنبي وإزالة التراب عن مفهوم المجتمع المدني تحتاج إلى التعمق أكثر وأكثر في جذور المسألة التاريخية، وإلى التعمق في مشروع الهيمنة الإقتصادي والسياسي والثقافي والاجتماعي. دعونا نقلب الطرح ولو لمرة، نغادر كلاشيهات المقالات وضرورة بناء عناصرها كما هو رائج ومعتاد، ونتوقف عن التوطئة والمقدمات، ونقفز مباشرة إلى الخلاصة: نعم التمويل الأجنبي ومنظمات المجتمع المدني لربما تكون أدهى أشكال الهيمنة التي عرفها التاريخ، وهنا نعرض نتيجة مركبة: الموقف بالكامل ضد التمويل الأجنبي، وبالكامل ضد منظمات المجتمع المدني، وبالكامل ضدهما معاَ. لماذا؟ عودة إلى المقدمات !! ضد التمويل الأجنبي “بدأت وكالة المخابرات المركزية منذ عام 1947 في بناء اتحاد له واجب مزدوج وهو تحصين العالم ضد وباء الشيوعية وتمهيد الطريق أمام مصالح السياسة الخارجية الأمريكية في الخارج . وكان من نتيجة ذلك أن تكونت شبكة محكمة من البشر الذين يعملون بالتوازي مع الوكالة للترويج لفكرة مؤداها أن العالم في حاجة إلى “سلام أمريكي” .. إلى عصر تنوير جديد وان ذلك سوف يسمى ب “القرن الأمريكي” . (سوندرز، الحرب الثقافية الباردة) بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية، بدأت الرأسمالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بتحضير استراتيجية جديدة للعمل، يمكننا أن نسميها باستراتيجية الهيمنة الناعمة، هي تلك الآليات التي تتمكن بواسطتها احتلال العالم بنعومة، بوجه جميل “ديمقراطي” وحريص على الحرية الفردية. لذلك إبتدأ العمل على التأسيس للهيمنة الإقتصادية من خلال البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ووكالة التنمية الدولية تحت شعار تنمية الدول الفقيرة ومساعدة الدول المتضررة من الحرب في إعادة بناء مؤسساتها، وتم التأسيس للهيمنة الثقافية والإجتماعية من خلال منظمات المجتمع المدني التي ستنشل الشعوب المتخلفة من وحل جهلها، والهيمنة السياسية من خلال تصدير مفاهيم الشرعية الدولية لتشرعن الإجراءات السياسية التي تدمر الدول وتلبسها ثوباً آخر، إنقاذها من الديكتاتوريات! التمويل الأجنبي ومنظمات المجتمع المدني، هي إحدى أدوات هذه الهيمنة، ولا يقتصر هذا في بعد واحد، وإنما في أبعاد متعددة، كيف؟ تمويل الجامعات، على سبيل المثال، يفتح الباب لإعادة صياغة مناهجها، وفي ذلك ضربة مركبة من الثقافي إلى السياسي إلى الإقتصادي. تمويل الإنتخابات وتدريب كوادرها يمسك في عنق الخيارات السياسية الممكنة وبالتالي يحددها. تمويل المشاريع “الخيرية” يثبط الصراع ويحول دون تصاعد التناقض، ويجعل من التسول بديلاً عن الثورة، ويحول فقر الفقراء إلى سلعة تباع وتشتترى في سوق الإحسان العالمي، وعلى كل حال،الجهات الدينية تتبع الأسلوب ذاته لتمكين الطبقات السائدة، وهنا يظهر التحالف بين المؤسسة الدينية والرأسمالية، فليس من الغريب إذن أن يغيب الموقف الديني بشكل عام عن مواجهة التمويل الأجنبي. منظمات حقوق المرأة والطفل، تضع المسألة برمتها في جزيرة معزولة لا علاقة لها بالصراع الطبقي مع السلطة، وتجعل حلها رهناً لأخلاقيات المجتمع القادمة من الفضاء الخارجي، دون إدراك أن مختلف القضايا الإجتماعية يحتاج حلها إلى نظام جديد، إقتصادي بالتحديد، ينهي سلطة الأب والزوج الإقتصادية في آن واحد. بمنطق الطفل البسيط، هل كل هذا الدعم لوجه الله والإنسانية؟ كم هي حنونة أمريكا التي تمول العالم بأكمله من أجل الديمقراطية والحرية والعدالة وحماية حقوق الطفل والمرأة، ولكنها بالتأكيد ليست أمريكا نفسها التي قتلت الأطفال والنساء في العراق وأفغانستان وبنما وفيتنام، وهي ليست ذاتها التي إعتقلت نشطاء وول ستريت من اليوم الأول، وهي ليست ذاتها التي إعتقلت وعذبت في أبوغريب وغوانتنامو. مؤسسة فورد أنهت تمويلها للمنظمة غير الحكومية الفلسطينية التي ذكرها عضو الكونغرس نادلر وأعلنت رئيسة فورد أن مؤسستها ستتأكد من أنها لا تمنح اعتماداتها إلى مجموعات تدعو إلى أو تولد التعصب أو العنف ، أو تمثل تهديدا لوجود دول شرعية وسياديه مثل “إسرائيل”، وفي الشق الثاني من الجملة قامت رئيسة فورد آنذاك بتعريف التعصب والعنف ضمن منطقها الخاص، فالعنف في نظرها هو أن يحاول الفلسطينيون مقاومة الصواريخ الإسرائيلية، والتعصب هو رفض إستقبال الموت بكل ترحيب! لا يمكن في مسألة التمويل الأجنبي اللجوء إلى التجزئة لغايات التبرير، ومن ذلك: المسألة تعتمد على الطرف الذي يتلقى التمويل ومدى قدرته على فرض شروطه ومدى نزاهته، أو أن هناك إختلاف بين التمويل الذي تقدمه الولايات المتحدة لأمريكية عن التمويل الذي يقدمه الإتحاد الأوروبي. لا يوجد أي مبرر لكل هذه الجهات في تقديم الدعم سوى بسط الهيمنة، وفي المقابل ليس هناك من حل سوى المغادرة النهائية لهذا التمويل ورفضه ومقاطعته ومحاربته بشكل واضح وصريح. ضد المصطلح الرائج، ضد الفكرة، ضد الهيمنة في السابق كان هذا المصطلح “المجتمع المدني” مرتبطاً بمن يبحث في آراء لوك وهيجل، كان مغطىً بالتراب ولا يمتلك أي حيز في الوعي الشعبي، واليوم أزيل عنه كل شيء وأصبح مصطلحاً براقاً له معنى واحداً غير قابل للتأويل، الهيمنة الناعمة والسلسة. خرج مصطلح المجتمع المدني من دائرة البحث الأكاديمي ودخل دائرة التنفيذ السياسي المباشر. حول الصراع القائم على حزب الطبقة إلى أفراد زملاء للسلطة يخوضون حوارات الإصلاح، يكمن خطر تعميم هذا المصطلح فيمايلي: خلق حالة إنفصال عن الدولة وحماية النظام من تحمل مسؤوليته، فتطل علينا منظمات المجتمع المدني وكأنها الوسيط بيننا والدولة، تطلق ندواتها للقاء مع “أصحاب القرار” ونشعر أنفسنا أننا شركاء فيه، بل نشعر أننا نتحمل مسؤولية النهج الخاطئ!. تمول مسرحيات مخملية ويحضرها “أصحاب القرار” ذاتهم، وبعد التأثر بالمشاهد المعروضة، يقرر “المشاهدون” إطلاق حملات دعاية إذاعية لتوفير فرص عمل للنساء. تجزئة الصراع إلى حلقات تشكل متاهة. نعتبر أن قضايا المرأة والطفل تعود لجهلنا، ولا نفكك جهلنا نفسه، نعتبر أن كل الإشكاليات الإجتماعية تحل بالوعظ والإرشاد، ولا نلتفت أبداً إلى أن الوعي نتاج عناصر متعددة أهمها على الإطلاق نمط الإنتاج والبنية الإقتصادية التحتية. في أجواء التخلف الإقتصادي الإنتاجي تصبح كل هذه النداءات، ساعات ملء فراغ للبرجوازية، وإستعراضاً للطبقة الوسطى، وهرطقات في عين الطبقة المسحوقة. منظمات المجتمع المدني تستبدل الثوري بالإصلاحي، وتعرض فكرة الحزب على أنها بالية وقديمة وعفى عليها الزمان، بهذا يصبح التنظيم من آراء الزمن الغابر، ونعيش الثورة في الأفلام التاريخية والوثاقية والكتب فقط، أما اليوم فسنكتب تاريخاً مختلفاً عنوانه العريض الحوار، نحن والأنظمة معاً، جميعنا حريص على الوطن، ولنا مصالح واحدة، ولذلك لا معنى أبداً لإسقاط الأنظمة. مع منظمات المجتمع المدني تهبط علينا الحلول من السماء، وتصبح في وعينا مسلمات، و”نقنع” تماماً بأننا فعلاً بحاجة إلى تنمية الأحزاب السياسية، ومن سينميها هي تلك المنظمات بخبرتها الطويلة في تدريب شعوب العالم على الحرية والديمقراطية. والنقابات أيضاً بحاجة إلى تنمية، واليوم إنتهى عصر أن تدافع النقابة عن حقوق العمال وتعبر عن إطار مصلحي يصوغوه بأنفسهم، اليوم العمال والنقابة والنظام معاً، كيف؟ أترك الإجابة لمنظمات “المجتمع المدني”. هذه الصيغة “الحوارية” في حل المشاكل “المشتركة”، -ومشتركة لأن العمال والنظام كلاهما يعاني نفس المشكلة فالعمال فقراء والنظام يمر بأزمة مالية، ويفكر هو والعمال والنقابة في حلها!-، هذه الصيغة هي إحدى وصفات الرأسمالية العالمية في التخدير. منظمات المجتمع المدني تخلق طابعاً واحداً للثقافة، ثقافة الممول، بغض النظر عما إذا كان هذا الممول داخلي أو خارجي، ليست هنا المسألة. فإن كان التمويل لمشاريع “خيرية”، فنحن لا نريد تحويل الفقراء إلى متسولين، وإم كان التمويل لنشر الوعي بخصوص مسألة ما، فالوعي لا يبنى برعاية هذه المنظمات، يبنى فقط برعاية الدولة، كما أننا لسنا معنيين بنشر وعي الطبقة القادرة على التمويل، نحن معنيين بوعي الطبقة الصاعدة، الطبقة العاملة على إختلاف مكوناتها، وإن كان التمويل بهدف تعزيز “أخلاقي”، فالأخلاق لا تبنى على الغيم وبعيداً عن المصالح، وإن كان التمويل بهدف تعزيز الهوية، فالهوية تتشكل بالإرتباط بالدولة دون وسيط، الوسيط يضعفها، وإن كان التمويل بهدف إقامة ورشات عمل للحوار، فالمقاهي ساحة أكثر صحية للحوار من الصالات المكيفة التي تستثمر فيها هذه المنظمات، وإن كان الهدف من التمويل تعليم الشعوب كيف تتحاور وتلقينهم بآليات الحشو الآلي “طرق وخطوات المناظرة والحوار”، فتعليم الشعوب الإنتاج كفيل أن يعلمها ذلك ضمنياً ودون خطط صريحة ومعروضة على شرائح البوربوينت. أدناه يمكنكم قراءة رسالة من عدد من مثقفي أمريكا الشمالية إلى الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز، بعدما عجزت المنظمات عن تعزيز “ديمقراطيتها” لجأت إلى الديمقراطية التي تعرفها ذاتها في محاولة تدبير إنقلاب فنزويلا الشهير: ” نحن مستاءون لتدخل حكومتنا (USA ) في شؤون بلادك (Venezuela) الداخلية ، لقد مول الصندوق القومي للديموقراطية ، وهي مجموعة ممولة من كونجرس الولايات المتحدة الأمريكية ، رؤساء معارضة راديكاليون ضمن محاولة إنهاء رئاستك . بعض الأفراد الممولين من قبل الـ NED اشتركوا في انقلاب إبريل 2002 لمحاولة الإطاحة بنظامك . استطلاعات الرأي التي تمت بواسطة الحكومة الفنزويلية ومعارضيها توضح أنك ستتغلب على المنادين برحيلك عن الحكم . كمواطنين أمريكيين ، نحن ملتزمون بتحسين العلاقات مع بلادك ونحث الكونجرس والبيت الأبيض على أن ينظر إلى فنزويلا ليس فقط كنموذج للديموقراطية بل أيضا كنموذج لكيف يصرف عائد النفط كل شعبها “
#محمد_فرج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرأسمالية، إقتصاد المافيا والدعارة والموت (2-2)
-
كيف يهاجمنا الرأسماليون؟ لودفيغ ميزس نموذجاً
-
الرأسمالية، إقتصاد المافيا والدعارة والموت (1-2)
المزيد.....
-
بزشكيان: دعاة حقوق الانسان يبررون الجرائم التي يرتكبونها
-
الأمم المتحدة: النازحون السوريون يواجهون ظروف شتاء قاسية
-
الأمم المتحدة: الضربات الإسرائيلية في اليمن تثير المزيد من ا
...
-
-قيصر الحدود- الأمريكي يتحدث عما سيفعله ترامب مع عائلات المه
...
-
عاجل | أسوشيتد برس: منظمة عالمية سحبت تقريرا يحذر من المجاعة
...
-
وزيرالخارجية اليمني:ندعو الأمم المتحدة وكل المنظمات لتجريم م
...
-
قطف مطار صنعاء استخفاف إسرائيلي بالأمم المتحدة
-
الاحتلال يُمعن في ارتكاب جريمة إبادة جماعية بزيادة وتيرة تدم
...
-
مراسل RT: ممثل الأمين العام للأمم المتحدة والمنسق المقيم توا
...
-
في جريمة هي الأكبر ضد الصحفيين في قطاع غزة خلال حرب الإبادة
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|