وديع بتي حنا
الحوار المتمدن-العدد: 1142 - 2005 / 3 / 20 - 13:51
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
من حق البعض ( ما دمنا نعيش عصر الديموقراطية ) ان يترك قلمه ولسانه يهيمان ويتباريان في اختيار وصف يليق باجتماع الجمعية الوطنية العراقية المنتخبة فيسجل ذالك في سجل اللحظات التاريخية حيث اعتاد المواطن ومنذ امد بعيد ان يقرأ في هذا السجل كل الهزائم والنكسات التي قُيِدت زورا على انها انتصارات وفتوحات. لقد أُصيب الكثيرون بخيبة امل عظيمة وامتد الياس الى اعماقهم وهم يشاهدون تلك المسرحية الهزيلة في مشهدها الاول و الذي جاء رتيبا مملا يعكس عدم التجانس والانسجام بين فريق العمل حيث كل يبكي على ليلاه. ان السمة المشتركة التي تجمع اعضاء الجمعية الوطنية العراقية هي انهم جميعا قادرون على ترديد تلك الجملة التي يبدو انهم قد حفظوها عن ظهر قلب في انهم يريدون ( عراقا ديموقراطيا فدراليا اتحاديا --- ) في الوقت الذي يوجد في تفاصيل هذه الجملة ألف شيطان و شيطان يجعلهم يختلفون في تفسير ذالك
ليس غريبا ان يلجأ البعض الى استعراض فطنته الدبلوماسية وهو يحاول القفز على الحقيقة ويعتبر استمرار الحوار لغرض الوصول الى تسوية لتشكيل الحكومة ظاهرة صحية تعكس المناخ الديموقراطي الذي يعيشه العراق و شعورا عاليا بالمسؤولية في وقت يتناسى فيه هذا البعض ان الزمن يشكل عاملا حاسما في العمل لحل جبال من الملفات والتحديات التي تجابه العراق ومستقبله ناهيكم عن ان اجتماع الجمعية الوطنية ( البروتوكولي ) كشف الستار عن الحقيقة المرة والمتمثلة في ان الاختلافات بين الاطراف الاساسية لهذه الجمعية ليست زوبعة في فنجان او مسائل هامشية لابل يصح القول ان ما يجمع هذه الاطراف لايعدو عن كونه خيطا رفيعا يمكن ان ينقطع في اية لحظة ولاي سبب من الاسباب البروتوكولية كأن يكون عدم ترديد القسم باللغة الكردية او العلم المرفوع على المنصة
لقد جاءت نتائج الانتخابات لتنقل العراق الى مرحلة خطيرة في تاريخه ستكون ربما حاسمة في تقرير مصير وحدته ويتمثل ذالك في وصول القيادات الكردية الى قناعة مفادها ان المرحلة الراهنة تمثل فرصة ذهبية للحصول على الاستحقاقات التي تراها تلك القيادات حقا مشروعا لها ينبغي على المعارضة العراقية السابقة وشريكتها في الحكم حاليا دفعها دون تأخير عرفانا بالجميل ووفاء بعهود مقطوعة. ان القيادات الكردية لم تحتظن المعارضة العراقية ولم تنجر معها الى مهمة اسقاط النظام إكراما لتلك الرموز فقط بل ان تلك القيادات فعلت ذالك من اجل الحصول على مكاسب تشجيعية جديدة وإلا فما معنى المشاركة في ذالك خاصة وان المنطقة شهدت هدنة بين النظام السابق والاطراف الكردية امتدت لسنوات عديدة وشهدت تنسيقا بين الجانبين على مختلف المستويات استمرتقريبا الى فترة قريبة من سقوط النظام.
ربما اضطرت بعض اطراف العارضة السابقة وبحكم وجودها في المنطقة الكردية وتمتعها بحماية ( البيش مركه) ان تكون اكثر كرما من النظام السابق في القبول بالمطالب الكردية اولجأت الى ذالك كتكتيك في الوسائل وليس كهدف من اهدافها وفي هذا نفهم غمز القيادات الكردية الى انعدام الثقة ومطالبتها باتفاقات خطية. ان دور ( الاب الروحي ) الذي لعبته الاحزاب الكردية تجاه بعض اطراف المعارضة العراقية السابقة يحاول الان تقييد تلك الاطراف عن طريق المطالبة بواجبات مستحقة الدفع لقاء ديون سابقة وستبقى تلك الاطراف اسيرة ( للفضل الكردي ) عليها الى امد بعيد. لقد بقي ميخايل غورباتشوف اسيرا ( لفضل ) يلتسين عليه عندما ذهب وحرره من سجنه في احد المنتجعات في البحر الاسود حيث كان بعض المسؤولين الكبار في الاتحاد السوفيتي السابق قد قرروا احتجازه هناك ابان ايام الانقلاب المشهور في اغسطس ( اب ) 1991 ولازال الكثيرون يتذكرون ذالك المشهد الدرامي عندما جاء يلتسين بغورباتشوف مباشرة من الطائرة الى اجتماع البرلمان الروسي واجبره امام الجميع ان يمضي على قرار حظر الحزب الشيوعي السوفيتي كما ان يلتسين نفسه كان اسيرا مقيدا بالاحسانات الامريكية الكبيرة عليه والتي كانت السبب الرئيس في إبرازه كظاهرة في المجتمع الروسي ومساعدته في الوصول الى الحكم.
ان الولايات المتحدة الامريكية ترى في المرحلة الحالية فرصة مثلى لتحقيق حلقة اخرى ربما تكون الاهم من حلقات مخططها في العراق والمنطقة ولذالك نرى ان الادارة الامريكية تغذٍي في بعض الاحيان النفس الانفصالي لدى القيادات الكردية او تغض النظر عنه في احيان اخرى في الوقت الذي يعرف الكثيرون ان هذه الادارة قد قطعت وعدا لبعض اطراف المنطقة في استحالة قيام الدولة الكردية كون ذالك يمثل مسا بجغرافية دول عديدة فيها و ليس العراق إلا احداها . ان القيادات الكردية تدرك ذالك جيدا ولذالك تتكلم بصراحة عن استعدادها للبقاء فترة اظافية ضمن الكيان العراقي ريثما تنضج الظروف الدولية والاقليمية لتحقيق حلم الدولة الكردية ومن الطبيعي ان تتكثف الجهود الكردية خلال هذه المرحلة الانتقالية لاستكمال ارساء قواعد واسس الدولة القادمة جغرافيا واقتصاديا وسياسيا. في هذه النقطة بالذات تلتقي الاهداف الكردية مع حلقة المخطط الامريكي الرامي الى حرق الورقتان الكردية والشيعية عن طريق ابصالهما الى اعلان الطلاق بينهما وبداية عهد للصراع والعداء بين احباب الامس. ان تحليق المطالب الكردية على ارتفاع عال جدا ادخل الائتلاف الوطني الموحد في مأزق حقيقي لايحسد عليه الى الحد الذي يعتقد المراقب ان فوز الائتلاف في الانتخابات ليس إلا محرقة حقيقية سريعة لاطرافه لا بل ان بعضا من اطرافه كزعيم المؤتمر العراقي احمد الجلبي أحس بالخطورة مبكرا ففضًل سحب ترشيحه على منصب رئيس الوزراء تاركا المجال للدكتور ابراهيم الجعفري ليتقدم الى هذه المحرقة السياسية السريعة. ان القيادات الكردية مستعدة للذهاب بمطالبها الى ابعد الحدود اذا طلبت الادارة الامريكية منها ذالك لان علاقتها بهذه الادارة اقوى من علاقتها بالاطراف الاخرى ولذالك فنحن امام خيارين لاثالث لهما, الاول يتمثل في رغبة بعض اطراف الائتلاف الوطني الموحد في استغلال الموقف الكردي كذريعة لايجاد ( تسوية عادلة ) على مبدأ ( تسريح بمعروف ) يكون من نتائجها اعلان ( هلال شيعي ) وهو ما ترفضه الادارة الامريكية جملة وتفصيلا . اما الثاني فهو وصول الامور الى حدود التأزم القصوى القريبة من الحرب الاهلية خاصة وان اللهجة الكردية في الايام الاخيرة تميزت بلغة التهديد ومنطق القوة.
امام هذه الحالة سيطرح مطبخ السياسة الامريكية وجبة دسمة تسبب اسهالا لدى الكثيرين. ليس مستبعدا في ظروف الانفلات الامني الذي يعيشه الوضع العراقي حيث من السهل تسجيل الجريمة ضد مجهول أو معلوم يخدم الهدف ان تلجأ الادارة الامريكية الى تصفية جميع اطراف اللعبة السياسية العراقية ومن الجيل الاول بضربة واحدة وسيكون ذالك بمثابة زلزال سياسي على شاكلة الزلزال اللبناني بل اقوى منه بدرجات ليعيد خلط الاوراق من جديد ويفرز لاعبين جدد يكونوا قادرين على تنفيذ الحلقات الاخرى من المخطط الامريكي.
ان العراق في كلا الحالين مستمرفي المسير الى اعماق اخرى من النفق المظلم حيث الرؤية محدودة لمضاعفات نار التقسيم او زلزال اطفائه
#وديع_بتي_حنا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟