بشير الحامدي
الحوار المتمدن-العدد: 3955 - 2012 / 12 / 28 - 22:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تونس ـ ديسمبر 2010 ديسمبر 2012
"هنا الوردة، فلترقص هنا! "
أستحضر في بداية هذا المقال القصير مقتطفا قصيرا من كتاب الثامن عشر من بروميرير لويس بونابرت" لكارل ماركس يتحدث فيه عن الثورات ما بعد الثورات البرجوازية وكيف ستتقدم في اتجاه هدفها النهائي الذي عبر عنه في نص آخر ـ بأطروحة الثورة التي تقلب الأمور جميعاـ حيث يقول "فهي... تنتقد ذاتها على الدوام، وتقاطع نفسها بصورة متواصلة أثناء سيرها، وتعود ثانية إلى ما بدا أنها أنجزته لتبدأ فيه من جديد، وتسخر من نواقص محاولاتها الأولى ونقاط ضعفها وتفاهتها باستقصاء لا رحمة فيه، ويبدو أنها تطرح عدوها أرضا لا لشيء إلا ليتمكن من أن يستمد قوة جديدة من الأرض وينهض ثانية أمامها وهو أشد عتوا، وتنكص المرة تلو المرة أمام ما تتصف به أهدافها من ضخامة غير واضحة المعالم، وذلك إلى أن ينشأ وضع جديد يجعل أي رجوع إلى الوراء مستحيلا وتصرخ الحياة نفسها قائلة بصرامة:
Hic Rhodus, hic saltal
هنا الوردة، فلترقص هنا!
هذا التوصيف الرائع والمكتمل والثاقب لديناميكية الثورة وكيف تتقدم الثورة وكيف تتجذر وكيف تتقدم الجماهير وقواها الثورية وتتجذر وتخوض صراعها في ثورات عصرنا وفي كل ثورة تطرح على نفسها الإطاحة بعدوها الطبقي والبدء في تشييد مجتمع جديد كانت هي الديناميكية الغائبة في المعركة الطبقية الدائرة في تونس منذ 17 ديسمبر إلى الآن بين الجماهير وقواها الثورية وقوى الانقلاب عليها وعلى مطالبها سواء منها التي في السلطة او التي تعتبر نفسها في المعارضة.
لكن وبالرغم من غياب هذه الجذرية والديناميكية فالوضع ظل على مدار أكثر من عامين حالة ثورية مستمرة مرشحة في كل منعطف للصراع للتجذر برغم كل الانتصارات التي حققتها قوى الانقلاب على الحركة الثورية.
لقد ظل الوضع في حالة ـ لا انتصار ولا هزيمة للجماهير بل الصراع متواصل ـ وهو وضع لم يتغير مع كل أطوار الانقلاب اليميني على الحركة الثورية بدءا بحكومتي الغنوشي الأولى والثانية وحكومة المجرم الباجي قايد السبسي وصولا إلى حكومة الثلاثي الآن بقيادة حزب النهضة التي جاءت بها انتخابات 23 أكتوبر 2011.
إن هكذا وضع يتطلب اليوم من الثوريين ومن كل القوى التي ترى أنها مازالت معنية بمواصلة تنفيذ المهام الثورية وبالنضال الجذري دفع عملية الصراع إلى أقصاها لخلق وضع تعي فيه الجماهير أن أي رجوع إلى الوراء هو مستحيل.
إن ذلك يحتم التصدي لقوى الانقلاب على الحركة الثورية على قاعدة طبقية. قاعدة لا تساوم حول مطالب الجماهير ومواصلة المهمات الثورية.
إن ذلك يتطلب أن نعود من جديد لمسار التعبئة الواسعة و الإضرابات والعصيان الاجتماعي الشامل ولا نتوقف عندها بل نتعداها إلى مستوى الإدارة الذاتية عبر المجالس الثورية المواطنية إنه الأفق الوحيد لكسر مركزية السلطة ونفوذ كل قوى الانقلاب و الإطاحة بالنظام .
إن عنوان المهمة الكبير هو التحظير للانتفاضة الشاملة من جديد. إن ذلك هو السبيل الوحيد لتعود الجماهير ثانية "إلى ما بدا أنها أنجزته لتبدأ فيه من جديد، وتسخر من نواقص محاولاتها الأولى ونقاط ضعفها وتفاهتها باستقصاء لا رحمة فيه"
إننا أمام لحظة فارقة في الصراع.
الانتفاضة الشاملة أو توطيد الانقلاب.
مواصلة المهام الثورية أو الانتخابات.
ـــــــــــــــــــــ
بشير الحامدي
28 ديسمبر 2012
#بشير_الحامدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟