أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - محمد عارف - كل عام والعراق الجميل بخير















المزيد.....

كل عام والعراق الجميل بخير


محمد عارف

الحوار المتمدن-العدد: 3955 - 2012 / 12 / 28 - 01:31
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    



لو لم أكن أقيم في بريطانيا منذ عام 1980 لقلتُ إن هذه من علامات الساعة، وقد تكون كذلك، ولعل خلاص البريطانيين يكون في عام 2013 على يد العالم العراقي جميل الخليلي الذي يعتبر من ألمع علماء بريطانيا. آلاف الرسائل التي ظهرت في الإنترنت بمناسبة اختيار الخليلي لرئاسة «الجمعية الإنسانية»، تبدو كصراخ طالبي الخلاص يوم المحشر. انطلقت الرسائل إثر مقالة في «الجارديان» للكاتبة الإنجليزية بولي توينبي عنوانها «الملحدون أفضل في السياسة من المؤمنين». أعلنت توينبي في المقالة نهاية فترة رئاستها للجمعية التي تضم 30 ألف عضو، وذكرت أن الخليلي، الأستاذ المرموق في الفيزياء، والكاتب والإعلامي المعروف بأعماله في تبسيط العلوم، قد يجد فرصة أقوى لإسماع صوت اللادينيين الذين يمثلون ثاني أكبر كتلة في البلد.

وبريطانيا في مأزق روحي تدعو لإنقاذها منه «الجمعية الإنسانية» التي تعمل حسب دستورها «نيابة عن الناس غير المتدينين الباحثين عن حيوات أخلاقية تقوم على العقل والإنسانية، ونشر المذهب الإنساني والموقف العلماني والتعامل المتساوي مع الجميع بغض النظر عن الدين والمعتقد». فالإحصاء الأخير للسكان كشف أن عدد المتدينين المسيحيين انخفض خلال العقد الأخير بمقدار أربعة ملايين، وقد يصبحون أقلية في بريطانيا عام 2018، فيما يتزايد عدد اللادينيين الذين يشكلون حالياً ربع السكان، وتضاعف عدد المسلمين خلال الفترة نفسها من مليون إلى نحو ثلاثة ملايين.

ورَحّب الخليلي باختياره لرئاسة «الجمعية الإنسانية» التي يبلغ عمرها 116 عاماً إلا أنه نأى بنفسه عن السجالات حول الدين والإلحاد، وقال إنه «مثل كثير من اللادينيين تزعجه فكرة أن الناس بحاجة إلى معتقد ديني يهبهم بوصلة أخلاقية تهديهم إلى حياة جيدة»، وقال: «إن العقل والحشمة والتسامح والتعاطف والأمل مزايا بشرية يجدر بنا أن نطمح إليها، ليس بحثاً عن جزاء بحياة أبدية، أو خشية عقاب من قوة فوق البشر، بل لأنها تحدد إنسانيتنا». وموقف الخليلي مختلف من الدين الإسلامي، الذي يقول بصدده: «إنّ أحداً لا يستطيع فهم العلم العربي من دون الأخذ بالاعتبار مدى تأثير الإسلام على الفكر العلمي والفلسفي. لقد كان العلم العربي عبر عصره الذهبي متصلاً اتصالا لا ينفك بالدين».

والعراق بالنسبة للخليلي مربط الروح؛ فيه ولد وترعرع حتى سن 16 حين غادر مع أسرته عام 1979 واستقر في إنجلترا حيث درس الفيزياء، ونال الدكتوراه عام 1989، وحصل على الأستاذية في «جامعة سَرِيْ »، و استُحدث له كرسي خاص عنوانه «تعريف الجمهور بالعلوم». واشتهر الخليلي بنشاطه الإعلامي في نشر العلوم، ومسلسلاته العلمية في الراديو والتلفزيون، ومُنِحَ «وسام الإمبراطورية البريطانية» (OBE)، وصدرت له كتب عدة في نشر العلوم؛ بينها «الكوانتوم: دليل في التعقيد»، و«نواة الذرة: رحلة في قلب المادة»، و«المستكشفون: العصر الذهبي للعلوم العربية». ومؤلفات الخليلي مترجمة إلى عشرين لغة، وبينها كتاب صدرت أخيراً طبعته الثانية بعنوان طويل «الثقوب السوداء، وثقوب الديدان، وآلات الزمان»، وهو مكتوب بحرص مدرس فيزياء يشرح نظريات إنشتاين لتلاميذ المدرسة، وتعتبر مجلة «نيوساينتست» كل صفحة من الكتاب تنضح حماساً لجعل كل شيء مفهوماً للأقل تعليماً. كتاب ناجح، وظريف، ويتضمن أحدث المعلومات. خزانة عظيمة للاستخدام المثمر والمنعش».

وفي كتابه «بيت الحكمة» الذي يروي «كيف أنقذ العلم العربي المعرفة القديمة وأعطانا عصر النهضة»، ينقطع السرد التاريخي بمشهد امرأة تجمدت رعباً في مرمى قصف الطائرات الأميركية موقع السدة الهندية في العراق عام 1991. كان القصف بالنسبة لمعظم مشاهدي فضائية «سي إن إن» مشهداً آخر يصور فظائع الحرب في بلد بعيد، لكن الخليلي تعرّف فوراً على المكان الذي قضى فيه أسعد سنوات المراهقة، وكان يمر «ماشياً عشرات المرات في هذا الموقع الذي تجمدت فيه المرأة رعباً». ويختتم سرد ذكرياته الشيّقة عن رحلاته المدرسية والعائلية إلى آثار بابل، بالتنديد بقوات الغزو الأميركي «التي أزالت عام 2003 إحدى أثمن المواقع الأثرية في العالم لإنشاء مهبط للمروحيات ومرآب للشاحنات العسكرية الثقيلة».

ويتدفق الخليلي بعاطفة مشبوبة في فصل من الكتاب عنوانه «الكيمياوي الوحيد» عن جابر بن حيان «الذي يُعتبر دون شك أحد أروع الشخصيات وأكثرها غموضاً في تاريخ العلم العربي». ولا ينظر الخليلي في تاريخ العلوم كمؤرخ، بل كعالم يكتشف أن «بن حيان أب لعلم الكيمياء» ويحسم بذلك النقاش المستمر منذ بن حيان (721 -815م). فآراء مؤرخي العلوم متضاربة حول بن حيان الذي ارتبط اسمه باستحالة المعادن إلى ذهب، أو ما يُسمى «الخيمياء». ويختتم الخليلي مراجعته النقدية لآراء المؤرخين بمقطع بالغ الجمال لابن حيان يرثي فيه حال الذين كرسوا أنفسهم لتحويل الفضة إلى ذهب ويعتبرهم «نوعين؛ المخادعين والمخدوعين».

لغز التوليفة الجيوبوليتيكية، التي ولدت حضارات عظمى في العراق عبر الألفيات يضاهي « تسعة ألغاز عظمى في العلوم» التي يعرضها كتاب الخليلي «المفارقة». ويُخرج اللغزُ الخليلي عن النص، أو لعله يدخله عميقاً، حين يتحدث في كتابه «بيت الحكمة» عن مدينة الكوفة حيث عاش بن حيان، وولد والد الخليلي. يتناول ذلك في حديثه عن معضلة الأصول الأثنية لأبرز علماء عصر النهضة العربية الإسلامية في الطب والهندسة والرياضيات، كابن سينا، والخوارزمي، ونصير الدين الطوسي، وغيرهم الذين كتبوا مؤلفاتهم بالعربية، وعاش بعضهم شطراً كبيراً من حياتهم في العالم العربي. «وللتأكيد على مدى الصعوبة أحياناً في فرز جذور وأصول هؤلاء العلماء»، يعرض الخليلي سيرة أسرته نفسها التي يعود أصلها إلى طبيب إيراني اسمه ميرزا خليل كان في طريقه للحج، عندما صادف مروره ببغداد مرض الوالي فاستُدعيَ لتطبيبه. وعرض الوالي على ميرزا خليل الإقامة ببغداد في طريق العودة من مكة فوافق، وكان ذلك عام 1799. وينحدر الخليلي من ابنين لميرزا خليل، وبلغ جده لأمه ميرزا حسين الخليلي الذي عاش في النجف مرتبة «آية الله». واشتبكت أصول جميل نفسه بشكل بالغ التعقيد عندما التقى أباه أمه الإنجليزية خلال بعثته إلى بريطانيا لدراسة الهندسة.

وعلى غرار سكان العراق القديم الذين كانوا يطلقون على أبنائهم اسمين مختلفين اتقاء العين الشريرة، يحمل الخليلي اسمين؛ جيم في بريطانيا وجميل في العراق. أَسَّرَتني بذلك والدته خلال محاضرته التذكارية في «الجمعية الملكية» بمناسبة منحه «وسام فارادي» عام 2008 وهو أصغر عالم ينال هذا الوسام. تطلّعت الأم في وجه ابنها بشغف الأمهات، والتفتت تسألني باللهجة البغدادية «مو جميل»؟.. ماذا أقول، وقد حلق ابنُها شعر رأسه بالموسى مثل كابتن بيكار، بطل مسلسل الفضاء «ستار تريك»... طبعاً جميل! وكل عام والعراق الجميل وأهله بخير.



#محمد_عارف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسلحة الدمار الشامل العراقية ذات حدّين
- عراقيون شطّار يحتالون على الاحتلال الأميركي


المزيد.....




- مصر: الدولار يسجل أعلى مستوى أمام الجنيه منذ التعويم.. ومصرف ...
- مدينة أمريكية تستقبل 2025 بنسف فندق.. ما علاقة صدام حسين وإي ...
- الطيران الروسي يشن غارة قوية على تجمع للقوات الأوكرانية في ز ...
- استراتيجية جديدة لتكوين عادات جيدة والتخلص من السيئة
- كتائب القسام تعلن عن إيقاع جنود إسرائيليين بين قتيل وجريح به ...
- الجيشان المصري والسعودي يختتمان تدريبات -السهم الثاقب- برماي ...
- -التلغراف-: طلب لزيلينسكي يثير غضب البريطانيين وسخريتهم
- أنور قرقاش: ستبقى الإمارات دار الأمان وواحة الاستقرار
- سابقة تاريخية.. الشيوخ المصري يرفع الحصانة عن رئيس رابطة الأ ...
- منذ الصباح.. -حزب الله- يشن هجمات صاروخية متواصلة وغير مسبوق ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - محمد عارف - كل عام والعراق الجميل بخير