|
الشريعة والرئيس يغتصبان الدستور المصري 3/3
ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن-العدد: 3954 - 2012 / 12 / 27 - 11:59
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بعد تناول في هذ الحلقة الثانية النصوص المكرسة لسلطة الدين، نتناول في الحلقة الأخيرة تلك المكرسة لسلطة الرئيس: وهذا ما يشكل الخطر الذي لا يقل عن خطر تكريس سلطة الدين، بل قد يسمح بصناعة ديكتاتورية بآليات الديمقراطية. ولنقرأ سوية المواد ذات العلاقة: 1. ربما المادة (128) هي الأهم والأخطر. المادة تنص أنه «يجوز لرئيس الجمهورية أن يعين عددا لا يزيد على عُشر عدد الأعضاء المنتخبين» لمجلس الشورى الذي «يشكل من عدد لا يقل عن مائة وخمسين عضوا، ينتخبون بالاقتراع العام السري المباشر». مجلس الشورى يتمتع بنفس الصلاحيات التشريعة كمجلس النواب، ويقوم بدوره كليا في الفترة التي يُحَلّ فيها لأي سبب ذكره الدستور. أما عدد أعضاء هذا المجلس حسب هذه المادة فـ«لا يقل عن [وليس (لا يزيد) على] مائة وخمسين عضوا». وكما ذكرنا أنه «يجوز لرئيس الجمهورية أن يعين عددا لا يزيد على عُشر عدد الأعضاء المنتخبين». ماذا يعني هذا؟ إذا افترضنا أن الأعضاء المنتخبين هم بعدد الحد الأدنى أي 150 عضوا، فإن الـ 10% من الـ 150 = 15 عضوا، فيكون عدد أعضاء المجلس 165 عضوا، من خلال هذا الحق الممنوح لرئيس الجمهورية، يستطيع أن يرفع نسبة المؤيدين له في المجلس من 45% - إذا افترضنا أنه حصل هذه النسبة - إلى 51%. بهذا يستطيع رئيس الجمهورية أن يمرر أي قانون عبر مجلس الشورى، إذا لم يكن يملك الأكثرية الكافية لتمريره من خلال مجلس النواب. فالدستور منح المجلسين صلاحيات سن القوانين، دون أن يحدد أي منهما في أي حال يقوم بذلك، ولم يعط لمجلس النواب صلاحية نقض ما يشرعه مجلس الشورى من قوانين. إذا انطلقنا من الحد الأدنى من عدد أعضاء مجلس الشورى، فلم يبين الدستور، ما إذا كان هذا الحد الأدنى مما يجب تحققه في كامل عدد الأعضاء، أي بعد الإضافة بالـ10% التي هي من صلاحيات الرئيس أو قبلها. لكن إذا دققنا في الأمر، وأخذنا بنظر الاعتبار أن الإضافة بالتعيين من الرئيس حق، يمكن أن يزاوله، ويمكن ألا يزاوله، إذن لا بد من تحقق هذا العدد في الأعضاء المنتخبين، بحيث ينتخب الناخبون 150 عضوا، فيضيف الرئيس خمسة عشر عضوا، إذا شاء، فيكون العدد 165 عضوا. هنا لننظر أي عدد يجب أن يحققه المرشحون المؤيدون للرئيس، حتى يمثلوا بالنتيجة (50% + 1) في مجلس الشورى. تحقق الـ (50% + 1) من الـ 165 عضوا يكون بـ 83 عضوا. إذن يجب على الرئيس أن يكون له من المنتخبين 68 عضوا مؤيدا له، فيضيف الـ 15 عضوا، فيكون المجموع 83 عضوا. الـ 68 من مجموع الـ 150 المنتخبين = 45,33%. لإذن الدستور أعطى لرئيس الجمهورية صلاحية رفع نسبة مؤيديه من 45 إلى 51%، أو الأدق من 45,33% إلى 50% + 1. 2. والمادة (131) تؤكد علوية مجلس الشورى على مجلس النواب، ففي الوقت تنص المادة وما قبلها أن المجلسين يتمتعان «باختصاصاتهما التشريعية المشتركة»، فإنه حسب هذه المادة «عند حل مجلس النواب، ينفرد مجلس الشورى باختصاصاتهما التشريعية المشتركة». لكن التزاما بالموضوعية والإنصاف، تعقب المادة بصلاحية مجلس النواب اللاحق نقض القوانين المشرعة من قبل مجلس الشورى، ذلك بعبارة «وتعرض القوانين التي يقرها مجلس الشورى خلال مدة الحل على مجلس النواب، فور انعقاده، لتقرير ما يراه بشأنها». 3. وعند غياب المجلسين، إذا طرأ ما يستوجب الإسراع باتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، يجوز لرئيس الجمهورية أن يصدر قرارات لها قوة القانون، تعرض على مجلس النواب ومجلس الشورى - بحسب الأحوال - خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انعقادهما. ولكن إنصافا هنا تحديد من هذه الصلاحية، ذلك بالعبارة التنالية من هذه المادة: «فإذا لم تعرض، أو عرضت ولم تقر، زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها عن الفترة السابقة، أو تسوية ما ترتب عليها من آثار بوجه آخر». مع هذا لا تخلو القضية من منح الدستور لأكثر من فرصة للاستبداد والتفرد. 4. المادة (199) تجعل الشرطة تحت إمرة رئيس الجمهورية، وأذكر هنا فقط ذلك المقطع من المادة، التي قد تسمح لرئيس الجمهورية أن يتمدد في سلطاته الأمنية إذ تنص المادة فيما تنص أن: «الشرطة [...] رئيسها الأعلى رئيس الجمهورية [...] وتتولى حفظ النظام والأمن والآداب العامة [...]». فمثلا كيف سيفهم رئيس الجمهورية، عندما يكون إسلاميا، كما في حالتنا الراهنة، مسؤوليته في «حفظ الآداب العامة» بشرطته التي يرأسها. ولكن هناك مواد تخفف من المخاوف على الديمقراطية في مصر، أذكر منهما اثنتين، هما في تقديري الأهم: 1. المادة (133) جعلت المدة القصوى لتولي شخص ما (في حالتنا الراهنة مرسي) هي ثمان سنوات، إذ تنص المادة على أن «يُنتخَب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالي لانتهاء مدة سلفه؛ ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة»، مما يعني أن على مصر، وكل من قلبه على مصر وعلى الديمقراطية في المنطقة، أن يصبروا على مرسي، في حال تجددت ولايته، حتى نهاية يونيو 2020. 2. وهناك نقطة مهمة تحسب للدستور المصري، وهي أن المادة آنفة الذكر قررت أنْ «لا يجوز لرئيس الجمهورية أن يشغل أي منصب حزبي طوال مدة الرئاسة»، وهذا ما حاولت عدة مرات الإقناع بإدراجه في دستور العراق، إذ طرحته أكثر من مرة في لجنة كتابة الدستور عام 2005. وهي التجربة التي أعجبتني في ألمانيا، إذ يتخلى عن انتمائه الحزبي فور انتخابه رئيس الدولة أو ما يعرف عندنا وفي كثير من الدول برئيس الجمهورية، وهو غير المستشار (الكانتسلر Kanzler) الذي هو رئيس السلطة التنفيذية. ولكن الفرق بين دولنا ذات الديمقراطية القلقة والمشوهة، وبين الدول ذات الديمقراطية الراسخة والراقية كألمانيا، إذ تخلي الرئيس عن انتمائه الحزبي يكون حقيقيا، ولا يكون له أي تنسيق مع حزبه، أثناء ولايته، حتى في الخفاء، ولا يتحيز لحزبه بأي حتال من الأحوال. لكن ديمقراطيينا اللاديمقراطيين بعيدون عن الشفافية والصدق في التعامل مع مستلزمات الديمقراطية. 3. وكذلك المادة (195) تطمئن إذ لم تجعل القيادة العامة للقوات المسلحة للرئيس، بل «وزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة»، ولكن المؤسف أن الدستور أبقى على كون وزير الدفاع عسكريا، بعبارة «ويعين من بين ضباطها»، ولم يجعله مدنيا، كما في الدول الديمقراطية عادة، وهنا يحسب للدستور العراقي أنه جعل وزير الدفاع مدنيا، رغم أننا ما زلنا نحبو في ديمقراطيتنا العرجاء الشوهاء، بسبب أن أغلب قادة العملية الديمقراطيين هم غير ديمقراطيين في العمق. وهذا ما يحصل أيضا في مصر، وسنشهده في كثير من دول العالم العربي بعد التغيير، وكذلك عموم الدول ذات الأكثرية المسلمة، للتعارض الحاد بين الديمقراطية وإسلام الإسلاميين. وأخيرا أردت أن أضيف ما يتعلق بتهنئة أردوڠان لمرسي، والتي حرص أو يكون سباقا فيها، بحيث اتصل منذ الإعلان عن نتائج أولية بفوز الدستور بنسبة 55%، وهذا يؤكد مرة أخرى باطنية الإسلاميين، بما فيهم الأتراك، الذي يتوهم البعض في حسن الظن بهم، فتركيا أصبحت إلى جانب قطر والسعودية راعية الإسلام السياسي السني، كما إن إيران راعية الإسلام السياسي الشيعي، تلك باسم الديمقراطية، وهذه باسم ولاية أمر المسلمين.
#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشريعة والرئيس يغتصبان الدستور المصري 2/3
-
الشريعة والرئيس يغتصبان الدستور المصري 1/3
-
المالكي والبرزاني إلى أين في غياب الطالباني؟
-
التقية والنفاق والباطنية على الصعيدين الديني والسياسي
-
رؤية في إعادة صياغة العلاقة بين الإقليم والدولة الاتحادية
-
نقاش في المفاهيم مع الكاتب محمد ضياء العقابي
-
مع هاشم مطر في نقده للمشروع الديمقراطي
-
الإسلام والديمقراطية
-
فوز مرسي محاولة لقراءة متجردة
-
لا أقول: «ديكتاتور» لكنه يتكلم كما الديكتاتور
-
بين تحريم التصويت للعلمانيين وحفلة القتل الشرعي للطفولة
-
علمانيو مصر أمام الامتحان
-
ويبقى العراق يتيما وإن تعدد الآباء
-
سليم مطر من دفع له ليفتري علي
-
الدولة الكردية التي أتمنى أن أرى تأسيسها
-
ماذا نسي كمال أتاتورك في عملية علمنته لتركيا؟
-
قالت: الحمد لله كلنا مسلمون
-
رئيس وزرائنا يعلن حربه الفكرية ضدنا نحن العلمانيين
-
سيبقى العراق وطنا بلا عيد وطني
-
الربيع العربي ومدى قدرته على إنتاج عملية ديمقراطية 2/2
المزيد.....
-
عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي
...
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|