|
إقتصاد .. بلا مرجعية
السيد ابراهيم أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 3954 - 2012 / 12 / 27 - 10:17
المحور:
الادارة و الاقتصاد
خرج حزب الوسط المصرى إلى النور فى 19/2/2011 بعد مخاض عسير طويل منذ انبثاقه كحزب سياسى له قبول عام بين الكافة أو أكثرهم لفكره الوسطى فى 10/1/1996 ، وذلك لخوض رجال الحزب حروباً شرسة مع أذناب نظام المخلوع الذين اصطنعوا العراقيل لوأده مبكراً .
يتميز الوسط بأنه أول حزب مصرى صاغ مرجعية الحضارة المصرية العربية الإسلامية فى شكل مشروع سياسى ببرنامج مدنى ، ويوضح الدكتور عبد الوهاب المسيرى وهو يقدم لبرنامج الحزب ولائحته معنى ( المرجعية الإسلامية ) كمرجعية نهائية للمجتمع المصرى بأنها بعيدة عن فكرة الحكومات الدينية وحكم الكهنوت ، لأنه بدون المرجعية ، لا يمكن للمجتمع أن يحدد أولوياته أو يسيَّر أموره ؛ فالمرجعية إذن أمر حتمى ، ومرجعية الإسلام العامة مرجعية دينية للمسلمين ، ومرجعية حضارية لغير المسلمين ، كما أن الشريعة الإسلامية لا تستبعد أحداً .
والحق أن الدكتور المسيرى قدم فكراً مستنيراً رشيداً عن الشريعة الإسلامية كمرجعية وكيف أن الحزب لا ينظر إليها على أنها نصوص تتلى أو أحكام يتم تطبيقها أمام المحاكم ، وأنها ليست مجموعة من القيم الساكنة .... ونأتى إلى الفقرة الأهم والحاسمة التى نوردا نصاً بدون تصرف : ( وحينما يطرح الحزب الشريعة كمرجعية نهائية فإنهم يسعون إلى جعلها متفاعلة مع جوانب الحياة جميعها ووضعها موضع التطبيق عن طريق تخير الاجتهادات التى لا تصيب حركة المجتمع بالشلل ، وهى اجتهادات بشرية تستضىء بمقاصد الشريعة العامة وكلياتها الأساسية ، ولكنها تظل اجتهادات تحتمل الصواب والخطأ ، وقابلة للأخذ والرد والنقد والمراجعة ، كما أنها قابلة أيضاً لإعادة النظر والتغير من زمان لزمان ومن مكان لمكان ) ، وهو عين ما قاله الأستاذ عصام سلطان أيضاً فى تصديره للبرنامج : ( فلا قداسة لشكل معين من أشكال الدولة أو الحكم على مر التاريخ ، ولا لممارسات معينة ، كما أنه لا قداسة لرأى فقهى لعالم من العلماء على مر التاريخ أو لمذهب أو لفرقة ؛ فالبشر هم البشر يخطئون ويصيبون ، وكلُّ أحدٍ يؤخذ من كلامه ويُرَّد إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم ). وانطلاقاً من هذا النهج القويم ، والفكر الحكيم ، أرى أن أقول للتاريخ كلمتى وأمضى سواء أخذتم بها أم لا لعل أجيال تأتى بعدنا ممن سيقودون سفينة الحزب ، يوافقوننى على ما ذهبت إليه فيأخذون ببعضها أو كلها .
ولعل من يقرأ كلام المغفور له أستاذنا الدكتور المسيرى عن المرجعية النهائية للإسلام ثم يشرع فى قراءة برنامج حزب الوسط ، وخاصة ( ثانياً : المحور الاقتصادى ) سيكتشف أن الصلة منبتة تماماً ، والمرجعية غائبة برمتها، حتى أن كلمة ( إسلام) لم ترد نصاً أو روحاً فى المبادىء العامة أو السياسات بيد أن هناك ذكر للزكاة والصدقات ، لكن لم يُذكر أن المحور الاقتصادى للحزب له مرجعية إسلامية أبداً لا من قريب ولا من بعيد ، بل المذكور هذا النص الصادم : (فيما يلى مجموعة من المبادىء العامة والسياسات المقترحة لحل الأزمة الإقتصادية المصرية ، ونحن لا نرسم سياستنا الإقتصادية فى فراغ فهى من ناحية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بقؤاءتنا لطبيعة الأزمات الإقتصادية التى تعانى منها مصر فلى اللحظة الراهنة ، بينما ترتكز من ناحية أخرى على علم الاقتصاد بل والاستفادة من التجارب المختلفة حول العالم ، بما فيها التجربة المصرية ذاتها عبر العصور المختلفة( . ولقد شرح بعض من رجال الحزب البرنامج الاقتصادى على شاشات التلفاز وأكدوا أن الحزب يتبنى نظام الإقتصاد الحر ، ويستغرب من استغرب متسائلاً : وأين الإقتصاد الإسلامى ؟!!... ألم يكن هو الأولى بتبنى الحزب له خاصة وأن الاقتصاد الإسلامي نظرته وسطية كفكر واسم الحزب ؛ فهو لا يبيح الشيوع ، كما أنه لا يبيح إطلاق الملكية بلا حدود ، وإنما يقيد الملكيات كلها - خاصة وعامة - بقيود الشرع ، حيث ينظر إلى الفرد وإلى المجتمع بلا طغيان أو إخسار ، فيعطي الفرد حقه في التملك ، ويقر له بالملكية الفردية ، ولكن ذلك يتم بأسس وضوابط محددة ، كما أن الاقتصاد الإسلامي يراعى مصلحة المجتمع ومصلحة الفئات الضعيفة فيه ، وذلك لإقامة التوازن والعدل بين الفرد والمجتمع . قاطعت من استغرب وأكدت له أن الحزب ربما تأثر بفكر الآباء المؤسسين من أمثال الدكتور سليم العوا والذى يتبنى أيضاً الاقتصاد الحر ، فقد كان هذا ضمن برنامجه الانتخابى الرئاسى ، وذلك حين سألوه حول رأيه في النظام الاقتصادي ،فأجاب : ( أنا ضد القسمة إما اقتصاد حر أو اقتصاد موجه ، وأنا مع الاقتصاد الحر غير المستغل مع الاقتصاد الحر الذي يعطي الدولة حقها ويفيد المستثمر. انا مع الاقتصاد الحر دون الاضرار بمصلحة الفقير بموجب تشريعات ). وربما كان تبنى الحزب لهذا النظام حال تأسيسه له وجاهته ، ولكن الظروف تغيرت وظهرت على السطح أحزاب من ذات المرجعية الإسلامية منها ما يتبنى أنظمة إقتصادية غير الإقتصاد الإسلامى بيد أن أشهرها من نص صراحة فى برنامجه على أنه يستمد رؤيته الاقتصادية من مرجعية النظام الاقتصادي الإسلامي .
إن الاختلاف حول المساواة الكاملة للمرأة ، وولاية غير المسلم على المسلم ، من المبادىء التى يتبناها الحزب تحتمل الخلاف وإعمال العقل ، ومناقشة الآراء الفقهية ، لكن أن يكون هناك نظام إقتصادى كامل ضمن مرجعيتنا الدينية ، فنقصيه ونتنصل منه ، ونفضل عليه نظام إقتصادى آخر بمرجعية أخرى ؛ فهذا إنقلاب على المرجعية التى نص عليها الحزب فى برنامجه ولائحته ، إذ أنه من المعلوم أن لكل نظــام إقتصادي عقيدة فكرية تستنبط منها مفاهيمه وأسسه وتعتبرمرجعيته في التطبيق, والمرجعية الإسلامية للنظام الاقتصادي الإسلامي هى فقه المعاملات والفتاوى الاقتصادية المعاصرة الصادرة من مجامع الفقه الإسلامي, ولذلك لا يمكن فصل الاقتصاد الإسلامي عن العقيدة وعن الأخلاق وعـــن الفقه ، وهذه المرجعية تختلف عن المرجعيات الوضعية المادية الليبرالية والتى ينتمى إليها نظام الإقتصاد الحر بالضرورة . وكم كان أولى بمن وضع المحور الإقتصادى للحزب لو أطل إطلالة على الدستور الإسلامى الذى وضعه علماء وفقهاء مجمع البحوث الإسلامية ، وأصدره الإمام الأكبر الراحل الدكتور عبد الحليم محمود ، وخاصة الباب الرابع منه والمعنون بـ (الاقتصاد الإسلامي ) لوجد أن مواده تفى بالغرض وأكثر ، وتحافظ على مرجعية الحزب ومصداقيته فى ذات الوقت ، ومن هذه المواد : مادة 20: يقوم الاقتصاد على الشريعة الإسلامية بما يكفل المصالح الشرعية المعتبرة ، ويجوز اعتبار ما يثبت صحته من القوانين الاقتصادية فيما هو حلال ، كما تجوز الاستعانة بالوسائل الاقتصادية العصرية في حدود الشريعة الإسلامية. مادة 21:حرية التجارة والصناعة والزراعة مكفولة في حدود الشريعة الإسلامي . مادة 22: لا يجوز التعامل بالربا أخذاً أو عطاءً. وكل ربا تم التعامل عليه موضوع .
لقد ثبت فشل نظام الإقتصاد الحر عند تطبيقه فى مصر، فقد أكد الدكتور إبراهيم العيسوي أستاذ الاقتصاد بمعهد التخطيط القومي ، فشل النموذج الاقتصادي الحالي في تحقيق التنمية في مصر، مؤكداً أن هذا الفشل كان أحد الأسباب الرئيسية لاندلاع ثورة 25 يناير، واستغرب العيسوي من إصرار المجلس الأعلي للقوات المسلحة وحكومة د. عصام شرف بالتمسك بالاقتصاد الحر وعدم تغيير المسار الاقتصادي. (الأهالى 16/6/1102) ،وقال أحمد سيد أحمد فى الأهرام الرقمى أن مصر قد تبنت النظام الاقتصادى الحر منذ نهاية الثمانينيات وحتى الآن والذى تجسد فى سياسات الإصلاح الاقتصادى وعمليات الخصخصة للقطاع العام التى طبقها النظام السابق، والذى بدوره فشل فى تطبيق الاقتصاد الحر كفشله فى تطبيق الاشتراكية . ( وهذا ما دعا الدكتور محمد مرسى إلى تبنى نظام الإقتصاد الإسلامى فى حديثه الذى ورد بمجلة الأهرام الإقتصادى حيث قال : ( إن الإقتصاد الاسلامى الأفضل لتوجيه اقتصاد مصر المرحلة المقبلة ؛ لأنه يبتعد عن أخطاء وعيوب النظامين الإقتصاديين الحر والموجه اللذين مرت بتجربتهما مصر السنوات الماضية ؛فالاقتصاد الموجه ثبت فشله فى استقامة اقتصاد الدولة حيث أنه لم يتح الفرصة لحرية الإقتصاد والمنافسة بما جر مشكلات عديدة عانى منها أصحاب الأعمال على وجه الخصوص، وبالنسبة للإقتصاد الحر فقد ثبت أيضاً أن له مساوئ عديدة أهمها :تهميش صغار أصحاب الأعمال من التجار والصناع وتكوين رأسمالية متوحشة تقودها كبرى الكيانات وبالتالى تصب فى مصلحتها وحدها، ذلك إلى جانب ما جره من ضرر على المستهلك يتمثل أهم جوانبه فى الارتفاع المبالغ فيه فى أسعار السلع الأساسية. وأضاف : إن نظام الإقتصاد الاسلامى الأفضل لضمان تكافؤ الفرص وحسن توزيعها على أصحاب الاعمال بما يحقق العدالة داخل مجتمع رجال الأعمال فضلاً عن انعكاسه ايجاباً على مصلحة المستهلك .
وبعد كل ما تقدم .. وبناء على المرجعية الفكرية لحزب الوسط التى أرساها الراحل الكبير الدكتور المسيرى ، وأكد عليها السيد نائب رئيس الحزب ، وذكرناها آنفاً، بأنه لاقداسة لرأى فقهى لعالم من العلماء على مر التاريخ أو لمذهب أو لفرقة ، والاجتهادات قابلة أيضاً لإعادة النظر والتغير من زمان لزمان ومن مكان لمكان .. نرى أنه بات لزاماً أن يعاد التفكير بل والمضى نحو تغيير المحور الإقتصادى للحزب من نظام الإقتصاد الحر إلى الإقتصاد الإسلامى ، وذلك حتى يتطابق المنهج الاقتصادى مع المرجعية الدينية والحضارية للحزب .ولأن القاعدة فى الحزب هى الاستفتاء دون الاسئثار بالرأى، فمن الممكن أن يطرح تغيير الهوية الإقتصادية للحزب فى استفتاء عام على كافة الأعضاء ، ولو أن أمراً يمس الشريعة ، والمرجعية لايحتاج لمثل هذا الإجراء
. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ **هذه المقالة من دراسة أعددتها عن الأحزاب المدنية ذات المرجعية الإسلامية فى البلدان العربية والإسلامية ، وبدأت بحزب الوسط المصرى حيث كنت عضواً فيه واستقلت منه ، لمخالفته لمرجعيته ، واحتراماً للأمانة العلمية فى عدم مخالفتى لتخصصى فى الإقتصاد الإسلامى، وأخيراً إحتراماً لعقيدتى ودينى . ومن ثم فالمقالة تعد نموذجاً صالح للتطبيق ، والاسترشاد به لكل حزب يخالف مرجعيته ، ولكل متخصص يريد استلهامها لتطبيقها على أى حزب ينتمى لنفس المرجعية المشارإليها ..
#السيد_ابراهيم_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كم حصتك من -أموال العالم مجتمعة- لو وزعت على سكان الأرض بالت
...
-
إيران تتقدم بطلب للانضمام إلى بنك مجموعة -بريكس-
-
خبراء يحذرون من تأثر إمدادات الغاز من روسيا إلى أوروبا بسبب
...
-
قطر تطلق مشروعا سياحيا ضخما
-
أوغندا تضع حجر الأساس لمشروع سكة حديد تصل كينيا
-
سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 22 نوفمبر 2024
...
-
ارتفاع أسعار النفط والذهب بعد تحذيرات بوتين
-
سعر الذهب اليوم الجمعة 22 نوفمبر 2024
-
تقرير: ترامب يدرس تكليف وارش بوزارة الخزانة
-
سعر غير مسبوق.. -البتكوين- تسجل رقما قياسيا جديدا
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|