|
دستور يا اسيادنا
عمر أبو رصاع
الحوار المتمدن-العدد: 3953 - 2012 / 12 / 26 - 11:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نقض ردود الجماعة والسلفية على سلسلة مقالاتي تحت عنوان (دستور الجماعة)
ملحوظة: مقالات (دستور الجماعة) توجد على موقعي في الحوار المتمدن الرابط التالي: http://www.ahewar.org/m.asp?i=479
اثارت مقالاتي التي لازلت أكتب حول الدستور المصري الجديد (دستور الجماعة والسلفية) حفيظة الكثيرين في بلدي الأردن، وجاء بعض التحفظ من قبل الكثيرين ممن اقاسمه الرأي والرؤية حول الدولة ومستقبلها، من باب أن من شأن انتقاد دستور الجماعة في مصر أن يضر بالحالة الحَراكية الأردنية، تماماً مثلما اعترض على كتاباتي من قبل ايتام بشار الأسد في الأردن بسبب مقالاتي حول الثورة السورية، ودائماً كانت الحجة واحدة وهي أن من شأن هذه المقالات بوصفها صادرة عن حراكي أن تضر بوحدة ولحمة الحراك الشعبي الأردني في مواجهته مع الاستبداد. بداية الحراك الشعبي الأردني جزء أصيل من حركة الربيع العربي، خرج شبابه يطالبون تماماً بما طالب ويطالب به الثوار والحراكيون في كل الأقطار العربية، وكما رفضنا من قبل من كان "تاجر في الشام ثائراً في عمان" نرفض كذلك من يطالب بالدولة المدنية في الأردن وبالتوافق الوطني عنواناً ومدخلاً لانجاز شكل الدولة والقانون الانتخابي، فيما يرفضهما وينتج دولة دينية كهنوتية ويقلب ظهر المجن للتوافق الوطني، ويستفرد بانجاز دستور يكرس دولة دينية كهنوتية في مصر، إذ كيف لي أن اثق بوعد من كان هذا فعله؟! من يرى أن الخلاف القائم حول الدستور في مصر لا يعنينا في الأردن واهم تماماً، ليس فقط لأن القوى الاسلاموية الموجودة معنا هنا هي امتداد طبيعي للقوى الاسلاموية في مصر، بل كذلك لأن موضوع خلافها هو أيضاً موضوع خلاف في الأردن أيضاً، لقد قام التحالف الشعبي أساساً وفي ادبياته واوراقه وحواراته على التصدي للاستبداد وانجاز الدولة المدنية الديمقراطية التي الشعب فيها مصدر للسلطات، ولن أمر هنا على ذلك قبل التوضيح بأن القيادات الاخوانية الرئيسة التي شاركتنا في التجمع الشعبي للاصلاح من أمثال سالم الفلاحات ورحيل غرايبة نبيل الكوفحي وغيرها، ليس فقط وافقت على مبدأ مدنية الدولة بل ذهبت ابعد من ذلك، ويتذكر العشرات ممن حضروا تلك المداولات والحوارات، والتي كان فيها الرد الواضح لسالم الفلاحات على تحفظات الكثيرين وأنا منهم في هذا السياق في اجتماع عام جرى في منزل الأستاذ جميل هلسة (أبو عمر) واجتماع مماثل جرى في منزل السيد جمال الطاهات (أبو جسار)، إذ عرف الدولة المدنية بطريقة ما كان لأي منا أن يصفها بغير ما وصف، والذي جاء فيه أيضاً أنه "ليس في التاريخ الاسلامي أساساً إلا دولة مدنية" ووافقوا دون مواربة على تثبيتها ضمن وثائق التجمع الشعبي للاصلاح حينها "الدولة المدنية" بلا خلفيات ولا مرجعيات أخرى. إلا أن ما كان من الجماعة في الأردن وعلى ايقاع ما يجري في مصر ايضاً، بدأ يثير قلقنا من خلال تكرير نائب المراقب العام زكي بني ارشيد لما قاله اخوانه في مصر من أنهم يريدونها "دولة مدنية بخلفية اسلامية"، وليس انتهاء بالاستفراد بصياغة الدستور واهدار مبدأ التوافق الوطني بمجرد الامساك بالسلطة، الأمر الذي لا ينذر بخير أيضاً في الأردن، إذ أين يمكن أن نجد مبدأ التوافق الوطني الذي ما فتئنا لا نحن ولا هم نكرره على مسامع النظام ونحن بصدد الدستور والقانون الانتخابي؟ أليس من العجب أن الجماعة في مصر تحتج على القوى المدينة بما اسمته الشرعية، ذات الحجة التي يستخدمها النظام ضدنا في الأردن، فيما الجماعة في الأردن ونحن مثلها نقاطع الانتخابات ونرفض مزاعم الشرعية ونطالب بقانون انتخابي توافقي وطني، والغريب أن من انبروا للرد على مقالاتي حول دستور الجماعة بحماس هنا في الأردن، كانوا ايضاً يكتبون وبحماس أكبر دفاعاً عن مبدأ التوافق الوطني وضرورة توفره في الاتفاق على قانون انتخابي وعلى الدستور وتعديلاته! فيا هل ترى لو طرح النظام في الأردن القانون الانتخابي الحالي والدستور الحالي بشكليهما للاستفتاء العام وحصل على الاغلبية في 30% فقط شاركوا في ذلك الاستفتاء، يجوز له ان يحتج علينا بذلك ويضرب بالتوافق الوطني عرض الحائط إذن؟! لقد فعل النظام معنا في الأردن شيء مماثلاً عندما زعم بأن تسجيل اكثر من مليوني ناخب للانتخابات هو بمثابة استفتاء على شرعية النظام الانتخابي، وكان ردنا بوضوح أن الدساتير والقوانين الانتخابية يضعها التوافق الوطني وليست موضوعاً اغلبياً بحال من الأحوال. وليعود من ينتقدنا في السياق المصري لمقالاته في ذات السياق الأردني، علها تعظه وتنهاه عملاً بقول الشاعر: "لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم". لم يكن لنا ان نعترض على اضافة "بخلفية اسلامية" للدولة المدنية على لسان اخوان البنا في مصر والاردن، لولا أنها لزوم لما لا يلزم يراد به الانقلاب من خلال فهم خاص للاسلام على مدنية الدولة، فإذا كان الأمر على نحو ما ذكر سالم الفلاحات، من أنه لم تنشأ اساساً في التاريخ دولة دينية عند المسلمين، فإنه لا معنى والحال كذلك للاضافة الشرطية التي ادرجها زكي بني ارشيد هنا نقلاً عن اخوانه في مصر، والتي لا معنى لها إلا ما شهدناه في دستور الجماعة، الذي افرغ الدولة المدنية تماماً من محتواها، وجعلنا مباشرة أمام دولة كهنوتية بكل ما للكلمة من معنى. المدافعين بحماس عن دستور الجماعة والسلفية في مصر، لازالوا يتحفون مسامعنا بأن هذا هو الدستور المدني وأنه سينتج عنه الدولة المدنية التي قصدوها، لكن حتى تكون المدنية على قياس الكهنوتية التي هي جوهر مرادهم، اضافوا من التبريرات ما صنع الحداد من مثل الاحتجاج بأنه "لا يجوز مقارنته بالدساتير العالمية لأنه خاص بالحالة المصرية". هكذا تصير هناك مدنية خاصة بالعالم (الآخر كيفما كان) وهناك مدنية أخرى خاصة بالحالة المصرية ثم تأتي السورية والأردنية...الخ، أي باختصار هناك مدنية الدولة التي تعرف في كل الادبيات الدستورية، وهي هنا لا تعنينا فنحن لدينا مدنيتنا الخاصة، والتي ليست أكثر من عنوان تتم مصادرته بداية باقحام الخلفية الاسلامية، ثم استلابها كلياً بإسم الشرعية والصندوق ضداً على التوافق الوطني، لحساب الدولة الكهنوتية المحض، الهدف الحقيقي الذي تسعى وراءه تلك القوى الاسلاموية، فيما لا تتوانى عن ركوب موجة الثورة والديمقراطية والدولة المدنية لتحقيقه، وليس عجيباً ان تسعى القوى الايديولوجية أكانت وضعية من عينة الفاشية أو دينية من هذه العينة لفرض استبدادها من خلال صندوق الاقتراع، ولهم في هتلر القدوة المثلى لتحقيق ذلك. يذهب هؤلاء ابعد من ذلك في الكشف عن مكنون انفسهم، لأنهم لا يرون أن هذا الدستور على كل ما فيه يحقق ولو "الحد الأدنى من رؤية الاخوان المسلمين والاسلاميين للدولة الاسلامية التي يمكن انشاؤها" أي أننا لا زلنا موعودين بالمزيد، وأن هذا الشكل الدستوري القميء ليس إلا البداية، والأهم أننا عدنا مرة أخرى لما اعتقدنا انه الخرافة التي باتت وراء ظهورنا "الدولة الاسلامية"، بالتالي نكتشف أن كل حديث "اسيدنا" عن مدنية الدولة، وأنه لم تنشأ أساساً في التاريخ العربي الاسلامي إلا دولة مدنية، ما هو في حقيقة الأمر إلا تمويه (camouflage). لدرجة أن المتهم داخل جماعته بالقرب من القوى المدنية، لا يجد بداً من أن ينبري مدافعاً عن نفسه مؤكداً اخلاصه ليس فقط لافكار حسن البنا بل حتى لأفكار سيد قطب نفسه. وإذا كان البنا قد بدأها بأن "الاسلام دين ودولة ومصحف وسيف" فإن سيد قطب الذي استلهم الحاكمية من أبي الاعلى المودودي ذهب أبعد من ذلك بحديثه عن الدولة الاسلامية، بوصفها "الكيان المنظم للجماعة المؤمنة في مواجهة المجتمع الجاهلي"، وهو صاحب الفكر التكفيري الشهير الذي لم يملك حتى القرضاوي نفسه أن يدافع عنه، عندما قال في حواره مع الاعلامي ضياء رشوان قبل ثلاث سنوات ما نصه: " الأفكار التكفيرية التي انتهى إليها المفكر الإسلامي سيد قطب في كتاباته ليست على منهج أهل السنة والجماعة الذي ارتآه جمهور الأمة"، ولا ندري أمن قبيل التقية الوقتية قال ذلك أم أنه قاله عن قناعة بمحتواه، فلم نعد ندري اليوم، أحقاً هناك خلاف اخواني جذري بين تيار قطبي متطرف وآخر يتمسك بالبنا ضداً على ذلك التيار أم لا؟ على الأقل هذا ما كنا نعتقده في القيادي الأخواني الأردني الذي خرج علينا مؤخراً يعلن براءته واخوانيته لاخوته من خلال تمسكه بالقطبية كتمسكه بالبنا سواء بسواء. ولأن عرابي هذا الفكر المتطرف لا يعرفون إلى الرأي طريقاً غير الايمان على ما فيهما من تضاد، فهم يصفون منطلقنا إلى التمسك بالدولة المدنية بأنه "ايمان بالعلمانية" ورغم عجبي من توفيق ما لا يتفق إذ أن الايمان ليس موضوعاً بأي حال للنظر في العَلمانية، فلا يمكن ابتداء وصف شخص بأنه يؤمن بالعَلمانية، ولو قيل ذلك في أي محفل يعي على أي نحو ماهية العَلمانية لأثار الشفقة قبل الضحك، فإني اعتبره مدخلاً تبريرياً لادانة الخطاب المضاد، كالعادة عن طريق اطلاق رصاص التهم الجاهزة والمعلبة عبر العقود، في خطاب يقوم على شيطنة المصطلحات وازاحتها عن مضامينها الحقيقية لوضعها في مقابلة الدين فتصير رديفاً للكفر العقيدي (عَلمانية، تغريب، حداثة، ليبرالية...الخ)، ولو اعتدل احدهم لعمد في احسن حال إلى اسلمة المصطلحات من خلال منطلقاته العقدية فيصير هناك مثلاً عَلمانية مؤمنة وأخرى غير مؤمنة، كما انتجَت العقلانية الاسلاموية من قبل مستشفى مسلم واسلامي وبنك مسلم واسلامي، ودولة مسلمة واسلامية ...الخ. لا استطيع أن امنع نفسي هنا من تصور المنهج الذي يعتمده هؤلاء في تعاملهم مع أي فكرة أو مؤسسة كما لو كانت جسداً عارٍ يسعى "الأخ" إلى تغطيته، والحقيقة أن الخطاب الاسلاموي مصاب بهوس تغطية الاشياء وسترها، ومن لطائف الأمور التنويه هنا بأن كلمة cover في اللغة الانجليزية جاءت من الأصل العربي كفر، وأن أصل الكفر في اللغة هو التغطية! عموماً في نقدي لدستور الجماعة لم أكن ادافع إلا عن مدنية الدولة والحقوق والحريات، ولكن مدنية الدولة في ذهن هؤلاء هي تماماً ما يصفون بالعَلمانية، مما يعيدنا فعلا إلى المربع الأول الدولة المدنية هي الضد للدولة الدينية الكهنوتية وكذلك العسكرية سواء بسواء، ولا يوجد لهذه الدولة المدنية خلفيات، وسواء كان المجتمع مسلماً أو غير مسلم عربي أو غير عربي، فالدولة المدنية وصفة واحدة خلفيتها واحدة وهي أن السلطة كل السلطة للشعب وللشعب وحده. عندما يأتينا من يقول: "الازهر يمثل مرجعية دينية و رمزا لكل المصريين وهو وسطي في طرحه بل ان الكثيرين يعتبرونه اقل من الوسطية و هو قادر على استيعاب معظم المذاهب الدينية في الاسلام و تم استخدام الازهر في العهد السابق كممرر لقرارات الدولة و قرارات النظام و الحكومة المصرية و اليوم اصبح الازهر اكثر استقلالية و هو قادر على ان يكون حلا و ليس مشكلة" نعجب لمثل هذا الكلام، فإما ان صاحبه لا يقرأ ويقدر كيف يناقض أوله آخره، وكيف يغرق في تلفيق ما لا يتفق، وإما أنه يعتقد أن المتلقي عنه احمق لا يرجى له شفاء من حماقته، فيحق به القول: "لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها" ذلك أنه إذا كان الأزهر مطية للعهد السابق مرر ما مرر فأين هو من الوسطية والقدرة على استيعاب معظم المذاهب؟! ألا إنه إن كان كذلك فهو مدعاة لمزيد من القلق إذن، وكما كان مطية لمن قبل فهو بالضرورة سيكون مطية لمن بعد قولاً واحداً، وما الاستقلالية المزعومة التي يفرغها القانون لاحقاً من كل مضامينها على حد مؤدى تصريحات د.ياسر برهامي الزعيم السلفوي، إلا سلاح اشد مضاء في يد الكهنوت القادم حتماً وضرورة بموجب هذا الدستور، بما سيحوله إلى مشكلة معقدة أكثر بكثير مما كان عليه قبلاً، وإذا كان بمقدور أي شخص أن ينتقد مخرجاته حتى لو كان القرضاوي الذي كثيراً ما فعل، فإنه الآن بات فوق النقد كل النقد، ومن يدري فلعل القرضاوي نفسه يجلس غدا على كرسي البابوية الازهرية فقد حانت لحظة الترسيم. هنا ومع هذه الجمل المرتبكة تماماً، أعود لأقول إن تحويل الازهر على حد هذا الزعم الذي لا يبدو أنه يعي ما يقوله فعلاً إلى "مرجعية دينية" هو الذي سيستحضر العَلمانية التي لم يكن لها من موجب قبلاً، ذلك أنّأ كنا نرى أن المسلمين ليسوا بحاجة للعَلمانية بمعناها "فصل الدين عن المؤسسة الدينية" لأنه من حيث الأساس لا يوجد في الاسلام مؤسسة دينية كالكنيسة، لا يوجد مرجعية روحية ودينية لديها تعبير مؤسسي، إن مثل هذه الكلمات تكشف عن أخطر ما في هذا الدستور، ليس على الدولة فقط بل وعلى الدين، وكم يحضرني هنا قوله تعالى في محكم التنزيل: { وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}. وقد اشرنا إلى هذا في نقدنا لذلك الدستور واكدنا خطورته على الدين نفسه، وأنه يعرض مستقبل الايمان لازمة مردها انشاء مؤسسة كهنوتية وتنصيبها كمرجعية، ولا يمكن فهم ذلك وتبريره إلا بالهوس الاسلاموي بالسلطة والسيطرة، والرغبة العارمة لدى هؤلاء بالتحول إلى رهبان واحبار، بدأ بخلق فقه كهنوتي على حساب رحابة القرآن ودلالاته وانفتاحه الذي لا حد له على كل ما هو انساني، مروراً بخلق المؤسسة التي تعبر عن ذلك الفقه وتحميه، انتهاء بتنصيبها مرجعية حصرية وبموجب الدستور، وهكذا يتحول هؤلاء إلى اكليروس ديني (نظام كهنوتي) بكل ما تعني الكلمة من معاني، تحكم الشريعة بما هي مصادر اهل السنة والجماعة في التشريع، ويحكم الأزهر في الشريعة وفهمها بأخذ رأيه فيها على ما في الأخذ من إلزام بالضرورة، وتحكم الجماعة والسلفية في قانون الأزهر بحكم اغلبيتها الآنية فيصير عندنا بابا الأزهر الذي لا يعزل، المرشد الأعلى المنتصب مستقلاً فوق السلطات وفوق ارادة الشعب، الوصي الأوحد على الشريعة والتشريع. وليست هذه مجرد مخاوف استنتجها عمر أبو رصاع بعينه النقدية المتخوفة على حد زعم نقاده، بل هي ما أكده صراحة القيادي السلفوي وزعيم حزب النور ياسر برهامي، والذي كشف بما لا يدع للشك مجالاً أن هذا الدستور قد دبر بليل، وحيكت خيوطه الكهنوتية في الغرف المغلقة، وعليها وبها قامت فكرته الاساسية، وما سينتهي إليه من التخلص من قيادة الأزهر الحالية ومن شيخ الأزهر عبر القانون وبالاكثرية الاخوانية السلفوية ليرسم بعدها البابا الخاص بالجماعة مكانه. وما ان انتهى الاقتراع وخلى البرهامي إلى اخوته ممن يسمون انفسهم بالعلماء، حتى بدأ يشرح لهم ويدافع عما اقترفت ايديه، فقال:"الدستور فيه قيود كاملة لم توجد قبل ذلك في أي دستور مصري". وقال: "في آخر الحقوق والحريات حاطط مادة تقول تمارس الحقوق والحريات بما لا يخالف المقومات الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور، فإذن هذه المادة حاكمة على الحقوق والحريات، والاخوة هم الذين طرحوها ومررت بفضل الله عز وجل رغم اعتراض النصارى على ذلك" ويوضح أكثر "هذه المادة مهمة جدا جدا، لأنه سيقيد بها حرية الفكر والعقيدة وابداء الرأي وكل حاجة والابداع". ولما كان الاعتراض على اشتراط ضبط الحريات على ذلك النحو كان ان فرض السلفوييون "باب مقومات الدولة والمجتمع" الأفضل والاعم حسب رأيهم طبعاً لأنها تشمل شروطاً أكثر تعقيداً وميوعة واحالة إلى الكهنوت الديني، والتي يصر برهامي طبعا كما اشرنا من قبل في نقدنا إلى أنها "المفسرة بمبادئها ومصادرها المعتبرة على مذهب أهل السنة والجماعة، يعني حقوق الانسان دي مقيدة بهذه المادة"، ويرى كذلك بأن مبادئ الشريعة لا تحمل على عموم دلالتها لأنه على حد قوله حاصرها بعدة ألفاظ ب:" أدلتها ، ومصادرها، وكذلك بعلى مذهب أهل السنة والجماعة" ثم يضيف بكل الوضوح الممكن: "أنا مش عايز اتكلم فيها بوضوح في الاعلام حتى لا ينتبهوا لها أكثر، هي عدّت عليهم والله لأنهم مش فاهمينها، وبعدين لما هم خدوا بالهم منها بعد كده قال لك دي مادة كارثية" ماذا تريدون وضوحاً أكثر من ذلك؟! أليس هذا دستور تآمر على مدنية الدولة، ومكر بها دبر بليل؟! فهل كان نقدنا مبنياً على مخاوف غير مبررة ولي لاعناق النصوص أم أنها مخاوف محقة لصقية بتلك النصوص، فاهمة للإرادة التي تختفي خلفها وتنتوي اقامة الدولة الكهنوتية؟! ما عدا ذلك من دفاعات مستميتة عن مواد ذلك الدستور ليس فيها ما يجعلنا نتجشم عناء الرد عليه، لأنها تفتقر تماماً لأي معرفة بالصياغات الدستورية والدلالات الناتجة عنها، فضلاً عن انها تحتمل الكثير من التكلف غرض الدفاع والتبرير دون أن تعترف بصوابية المعنى المنتسل من تلك المواد المنتقدة النابعة من ذات نصوصها. مثلاً لا حصراً ينكر أحدهم علي القول بأن المادة 58 والخاصة بالتعليم تم فيها التنصل من مجانية التعليم، ولما كانت مجانية التعليم تعني "التزام الدولة بتوفير التعليم المجاني لمواطنيها كافة" فإن نص المادة المذكورة فعلاً لا يعني ذلك، إذ أنها تنص على أن التعليم "مجاني في مؤسسات الدولة التعليمية" وهذا كما قلنا في نقدنا لا يلزم الدولة بتوفير التعليم المجاني لكل مواطنيها وإنما يلزمها حصراً بأن لا تتقاضى اجوراً على التعليم في مؤسساتها، وقلنا بوضوح أنه لو توقفت الدولة عن قبول طلبة جدد أو استيعاب كل الطلبة في البلاد الذين يطالبونها بتوفير التعليم المجاني لهم فإن هذا ليس فيه أي مخالفة دستورية، فالدولة ملتزمة فقط بأن يكون التعليم في مؤسساتها مجانياً، ولكنها ليست ملتزمة وفق النص الدستوري بتوفير التعليم المجاني لجميع الطلبة، كما كان الحال قبلاً وكما تعني مجانية التعليم فعلاً، فهل هذا يحتاج إلى توضويح أكثر وهل فعلاً تجنينا فيه على ذلك الدستور؟! لا يمكن بحال أن تتحول الكلاشيهات إلى نصوص دستورية محددة الدلالة، وهذا قلناه ونعيده، فالنص مثلاً على التخلي عن مجاني العلاج الصحي وحصره في "غير القادرين" فضلاً عن كونه تراجع للدولة عن ما كان عليه الحال قبلاً من النص بوضوح على التزام الدولة بتوفير العلاج المجاني لمواطنيها كافة، فهو يضعك في مقابل تعبير مرن جدا ومطاط وغير محدد الدلالة لا يقبل القياس بدقة هو "غير القادرين" وتساءلنا هنا من هم غير القادرين وكيف نعرف أن هذا المريض قادر أو غير قادر؟ وكيف يثبت المريض أنه غير قادر حتى يحصل على العلاج المجاني؟! حتى الآن لم اقرأ ردوداً وتعليقات ومقالات ترد على ما كتبت في هذا المجال تجعلني اراجع ولو جزئياً نقدي الذي بنيته لهذا الدستور الكارثي والمتخلف، بل على العكس تماماً عزز قناعتي أكثر خصوصاً بعد تصريحات "البرهامي"، التي اكدت بما لا يجعل للشك مجالاً أن كل ما كتبناه من تخوفات ومن نقد حول مواد الأزهر والحريات وما يقف خلفها من نوايا كان صحيحاً مئة بالمئة. أخيراً الزملاء والاخوان والرفاق في الحراك الشعبي يقول تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى * وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}، لاحظوا أن كل من انبرى ينكر على أي منكم قول الحق في ما يحزب ثورة الربيع العربي من أمور، أكان ذلك في سوريا أو مصر أو تونس أو البحرين أو اليمن أو غيرها، لا يفعل ذلك حرصاً على وحدة الحراك بل يفعله خدمة للجهة التي يمثلها فيه، فهو يريد أن يمتطي صهوة الحراك الشعبي في الأردن حتى لا يجوزه، فيما لا يكَل قلمه ولا لسانه خدمة نظام الاستبداد السياسي السوري باسم العروبة والمقاومة أو خدمة الاستبداد الكهنوتي باسم الاسلام، والاسلام والعروبة من كليهما براء. ثم كيف لا يكون ما يجري من حولنا في دول الربيع العربي، موضوعاً رئيساً جوهرياً للحراك الشعبي الأردني؟! أوليس نضالنا الموصول هنا هو من أجل التخلص من الفساد وكل اشكال الاستبداد والوصول إلى الدولة المدنية الديمقراطية التي فيها الشعب مصدراً للسلطات؟! فهل سيتحقق ذلك بأيدي عرابي الاستبداد باسم العروبة والمقاومة تارة وباسم الاسلام أخرى؟! فاقد الشيء لن يعطيه أبداً، والحق أحق أن يتبع، ننطلق من الأردن في رؤيتنا ومشروعنا خلافاً للآخرين، ولكننا في ذات الوقت نعي جيداً ما يدور من حولنا ومن الضروري أن نفهمه جميعاً فهو القادم المنتصب امامنا، وسنتصدى كما كنا دوماً لكل اشكال الاستبداد أياً كان شكله وأياً كانت حجته.
#عمر_أبو_رصاع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دستور الجماعة (3. في الحقوق والحريات الاساسية)
-
دستور الجماعة (2.مخاطر الدولة الدينية)
-
دستور الجماعة (1-3)
-
الثورة المصرية في خطر
-
مرسي وفخ النوايا الحسنة
-
طبيعة الاستبداد
-
تلك ليست مهمتي
-
قراءة في الثورة العربية المعاصرة
-
الحراك الشعبي الأردني- بؤس المشهد أم بؤس القراءة؟!
-
إني اراني اعصِرُ نفطاً
-
رفع الدعم وسعر صرف الدينار الأردني
-
الأردن- الغاز المصري واكاذيب الاستبداد
-
دولة الرئيس
-
الأردن- شرعنة الاستبداد
-
مصر- كشف الحساب أم رأس النائب العام؟
-
الأردن- ماذا بعد حل مجلس النواب؟
-
أين ذهبت أموال الشعب الأردني؟
-
قراءة في الانتخابات الأردنية
-
لماذا أقاطع الانتخابات البرلمانية الأردنية؟
-
نحن والغرب على طرفي نقيض، بين الحداثة وما بعد الحداثة
المزيد.....
-
بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط
...
-
بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا
...
-
مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا
...
-
كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف
...
-
ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن
...
-
معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان
...
-
المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان..
...
-
إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه
...
-
في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو
...
-
السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|