أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - خوارج الثورة السورية و-خوارجها-














المزيد.....


خوارج الثورة السورية و-خوارجها-


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3950 - 2012 / 12 / 23 - 23:05
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


لا يكفي التحليل الداخلي لشرح عمليات الثورة السورية اليوم. كان يحيط بكل ما هو أساسي في بداية الثورة وطوال شهور بعدها، ثم أخذت الكفاءة التفسيرية للاقتصار عليه تتراجع بفعل التحول المطرد لسورية إلى بلد بلا داخل. لا يزال التحليل الداخلي يعطي الأساس، أساس الصراع ومحركاته الأولى ومنابع استمراريته، ولا يزال في تحديده الرئيس صراع شعب اضطهد طويلا ضد نظام طغيان إجرامي. لكن مع تقدم الصراع السوري في الزمن واشتداده، تكسرت الحدود التي كانت تعزل سورية عن محيطها والعالم من حولها وتدفقت قوى متنوعة من الداخل إلى الخارج ومن الخارج إلى الداخل. وصار لازما أخذ هذه القوى وتفاعلاتها بالحسبان لفهم ما يجري.
كانت سورية منذ وقت باكر من حكم حافظ الأسد قد استقرت على وضع "الدولة الخارجية"، المركب السياسي الأمني الذي يغلق الملعب الداخلي، ويتعامل مع المحكومين بقسوة استعمارية، ومع محيطة كأوراق أو أسهم يتلاعب بها في بورصة القوى الإقليمية والدولية الكبرى، ويؤمن بهذا الأسلوب سلطانه. حين يتراجع يضحي ببعض الأسهم، وليس بقاعدة ملكه الأساسية، وحين يكسب يستعيد بعض الأوراق، ويتطلع إلى جمع أوراق جديدة. لكن بقاءه ودوره كلاعب بين اللاعبين المهمين كانا خارج البحث، على ما أظهرت أزمة 2005.
في الداخل، "الدولة الخارجية" سجن. قبل الثورة كان يتواتر فعلا أن يصف السوريون بلدهم بأنه "سجن كبير". اليوم يبدو أن جدران السجن تتحطم، والسجناء يخرجون منه، ويختلطون على غير نظام بالعالم خارجه، وهذا يفد إليهم على غير نظام أيضا. لم تعد ثمة حدود أو أسوار. سورية اليوم بلد بلا حدود جغرافية تقريبا، من جهة الشمال والشمال الشرقي بخاصة، فيما حدودها الجنوبية وحدودها الغربية مثقبة.
وعبر الحدود المكسرة أو المثقبة يتحرك لاجئون وصحفيون ومقاتلون، سوريون وعرب ومسلمون، ولا ريب أمنيون أجانب. وعبرها يدخل سلاح ومال وأدوات اتصال ومعونات إغاثية (أغذية, ألبسة، وأدوية...).
والقول إنه لم يعد لسورية داخل يعني أيضا أنه لم يعد لها خارج، هناك ما يقرب حالة انصهار تنتج عن زوال الحدود. هذا هو الاتجاه العام لسير الأمور، وإن لم يكن واقعا محققا اليوم إلا في بعض مناطق البلد، الشمالية بخاصة.
ولا يمس في حقيقة هذه التحولات البنيوية انعكاسها الإيديولوجي في أذهان بعضنا، كثورة متروكة لمصيرها واعتمدت حصرا على نفسها في قول، وكثورة مختطفة من قبل تركيا والسعودية وقطر وأميركا قي قول آخر. اختلاط الداخل والخارج أمر "موضوعي"، مترتب على ديناميات الثورة ذاتها، ومحمول بخاصة على مواجهتها بالحرب من جهة النظام. يقارب الاستحالة تصور ثورة سورية عنيفة، عمرها يقارب العامين، ثم بقاء كل شيء داخل الفقاعة الإيديولوجية والسيكولوجية التي فرضها النظام الأسدي على السوريين، وحرسها بجدران الخوف وبالتخوين. كسر هذه الحدود الإيديولوجية والسيكولوجية، وانتهاك الحدود الجغرافية، هي أفعال مقاومة إلى حين سقوط النظام. بعدها يواجه السوريون مهمة إعادة بناء حياتهم السياسية والفكرية ووضع حدودهم الجديدة، في سياق جهودهم لبناء وطنية سورية جديدة. وقع ما يشبه ذلك في جميع الثورات الكبرى، وربما يمثل شرط "الدولة الخارجية"، أو ببساطة الدولة السجن، إغراءا كبيرا بكسر كل حدود.
على أن انهيار "الدولة الخارجية" الجاري يفتح أبوابها لكل أنواع الخوارج: القوى الإقليمية والدولية المنظمة التي ذكرنا بعض أهمها، لكن أيضا تشكيلات ما دون الدولة المتنوعة، بما فيها مجموعات جهادية مما هو معلوم. معلوم أيضا أن النظام الأسدي كان يجد نفسه في بيته في صحبة منظمات ما دون الدولة في الجوار السوري المباشر، لبنان والعراق وفلسطين وتركيا، أكثر بكثير مما في صحبة الدول ذاتها. وهذا بالتناسب مع ضعف هذه الدول. الأردن لم يسهل هذه العملية، وتركية جعلتها أصعب منذ عقد ونصف. ومؤخرا خسر النظام خدمات حماس، ولم يبق له فلسطينيا إلا أمثال أحمد جبريل. يبقى لبنان والعراق، لكن العلاقة بأية مجموعات في البلدين تمر اليوم عبر الرعاية الإيرانية.
القصد أن تحرك مجموعات ما دون الدولة، بما فيها الجهادية، ليس بلا سوابق على الدروب المؤدية إلى دمشق والمتفرعة عنها. ولا ريب أن النظام السوري، وهو ذاته أقرب إلى منظمة ما دون دولة على ما يظهر بجلاء اليوم، أسهم في انتشار هذا الضرب من الفاعلين السياسيين مشرقيا، وإن لم يكن الوحيد في ذلك. إيران قوة مهمة، بل الأهم، في هذا الشأن اليوم، والنظام السوري ذاته يكاد يرتد إلى وكيل في مشروعها الإقليمي. لكن الحكم الإيراني ليس منظمة ما دون دولة في إيران ذاتها.
بين جميع قوى "الخوارج" المتدفقين إلى سورية اليوم، تشكل بعض المجموعات الجهادية خوارج بمعنى مضاعف: تعتمد في شبكات دعمها المادي وبقدر كبير أيضا في مقاتليها على مصادر غير سورية، ثم لكونها تحمل مشروعا خوارجيا بالمعنى الذي عرفها التاريخ الإسلامي الباكر، بل أشد خروجا وخارجية منه.
ويطرح هذا الوضع تحديات كبيرة للمستقبل. عنوانها العام تحول البلد إلى ملعب. كان ممالئو حافظ الأسد ينسبون إليه أنه حول سورية من ملعب إلى لاعب. صحيح. لكن مع جعل السوريين غرباء لا يحق لهم التدخل في الشؤون الداخلية لـ"سورية الأسد" من جهة، ومع اللعب بالفلسطينيين واللبنانيين، ثم العراقيين، ودوما بالسوريين أنفسهم، من جهة ثانية. والمسألة التي ستفرض نفسها على السوريين في سورية ما بعد الأسدية في وقت قريب هي: كيف نطوي صفحة "الدولة الخارجية" دون التحول إلى الدولة الملعب؟ كيف نتخلص من الدولة السجن دون أن نتحول إلى الدولة الساحة؟ كيف يمكن ضبط الخوارج والخوارج المضاعفين، بما في ذلك تجنب أن تغدو سورية مساحة إضافية للحرب الأميركية ضد الإرهاب؟ يصعب أن نقول شيئا مفيدا عن ذلك اليوم، ولا نعلم ماذا ستحرر الثورة من قوى ودنياميات محلية وإقليمية متناقضة. لكن لعلنا لا نخطئ بالقول إن أمامنا عقدا أو عقدا ونصف من صراعات متنوعة إلى حين قد تستقر سورية على صورة سياسية جديدة.
اليوم، لا يزال "الأمر القطعي" في سورية هو التخلص من "الدولة الخارجية".



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثلاث قوى منظمة و...ثورة
- تكوين سورية وتاريخها و...الثورة
- الثورة السورية ووضع الثورة المطلقة
- حوار متجدد في شأن الثورة السورية
- الثورة والإسلاميين بين سورية ومصر
- ليس في التاريخ ثورات -ع الكاتالوغ-
- هل نستطيع تصور النظام السياسي السوري بعد الثورة؟
- ثورة سورية أم ثورة إسلامية في سورية؟
- معضلة العلاقة بين العلمانيين والإسلاميين السوريين
- ياسين الحاج صالح - كاتب سوري - في حوار مفتوح مع القارئات وال ...
- بعد تفخيخ دمشق... تفجيرها!
- حوار متجدد في شؤون الثورة السورية وشجونها
- هل الثورة مكتفية أخلاقيا؟
- أخيرا، استراتيجية أميركية حيال الصراع السوري... خاطئة
- الثورة السورية ومسائلنا الكبرى الثلاثة
- حوار في شؤون الثورة السورية وشجونها
- سياسة بين سياسيين، وإلا فحرب بين محاربين
- جماعة -ما تبقى-: السنيون السوريون والسياسة
- جوانب من -الاقتصاد السياسي- للحرب الأسدية الثانية
- الموجة الإسلامية الثالثة والثورة: بعض الأصول والدلالات والآث ...


المزيد.....




- لا تقللوا من شأنهم أبدا.. ماذا نعلم عن جنود كوريا الشمالية ف ...
- أكبر جبل جليدي في العالم يتحرك مجددًا.. ما القصة؟
- روسيا تعتقل شخصا بقضية اغتيال جنرالها المسؤول عن الحماية الإ ...
- تحديد مواقعها وعدد الضحايا.. مدير المنظمة السورية للطوارئ يك ...
- -العقيد- و100 يوم من الإبادة الجماعية!
- محامي بدرية طلبة يعلق على مزاعم تورطها في قتل زوجها
- زيلينسكي: ليس لدينا لا القوة ولا القدرة على استرجاع دونباس و ...
- في اليوم العالمي للغة العربية.. ما علاقة لغة الضاد بالذكاء ا ...
- النرويجي غير بيدرسون.. المبعوث الأممي إلى سوريا
- الرئيس الكوري الجنوبي المعزول يتخلف عن المثول أمام القضاء


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - خوارج الثورة السورية و-خوارجها-